قال المهدي مزواري، إن اختيارنا ندوة «جماعات اليوم ورهانات الغد» يختزل جزءا من النقاش المفتوح اليوم ، حول قدرة المغرب على صنع أفق جديد للديمقراطية والتنمية المحلية، وهو سؤال قديم برهانات متجددة مرتبطة بخصوصية اللحظة التي يعيشها المغرب بعد دستور 2011 ، ووجوب الانتقال الى أوضاع جديدة لنكون فعلا أمام انتقال حقيقي وناضج نحو الديمقراطية، عوض التماهي مع الشعارات الرنانة والاختباء وراء مقولات الاستثناء والتي صارت تؤثت في كثير من الأحيان نقاش النخب والفاعلين» وأوضح الكاتب الاقليمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمحمدية أن تنظيم الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بالمحمدية لهذا اللقاء في هذا التاريخ بالضبط والذي يصادف مرور خمس سنوات على انتخاب المجالس الجماعية الحالية، وهي مسافة جد كافية لتقييم تجارب التدبير الذي عرفته مدن المغرب وبواديه، وهذا ما قصدناه في شعار هذا اللقاء «. فجماعات اليوم يقول المهدي مزواري «تعني في نظرنا نظم الحكامة واعطابها، النخب ، القاعدة وعجزها، كما تعني ايضا حصيلة سنوات طويلة من التحكم في المصير التنموي والمجالي خارج كل منطق يحتكم الى قواعد لعب واضحة يساهم في صياغتها الجميع. لذلك ينبغي الوقوف وقفة جماعية كبرى لضمان حد أدنى مشترك في تحليل وتقييم هاته التجارب وما خلفته من حالات للتردي التنموي الشامل في اغلب مدن المغرب، مع بروز بعض الاستثناءات القليلة جدا والتي تشكل تجربة حزبنا في مدينة اكادير بقيادة الاخ طارق القباج احد عناوينها الكبرى. وشدد الكاتب الاقليمي على ان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمحمدية طرف اساسي في هات المعادلة وفي نفس الوقف جز ء من السؤال المطروح هنا والان حول التنمية والحكامة بالاقليم لأنه اولا فاعل تاريخي في مسلسل التأهيل والتنمية الذي عرفته مدينتنا خلال تجربتين جماعيتين رائدتين واستباقيتين في التسيير الجماعي لازالت المحمدية ولحد الآن تتنفسه من خلال عدد من بنياتها في جميع المجالات، في التعمير والثقافة والرياضة والطرق والقناطر. ولأنه كذلك يعطي اكثر من درس في استمراره في تسيير جماعة قروية واعدة وهي جماعة سيدي موسي بنعلي. ولا يمكن لحزب متجذر في تربة المدينة وجزء من تاريخها السياسي والتنموي الا ان يكون عنصرا قويا في الجواب عن سؤال المصير بجميع تفاصيله. وما رفعنا شعار الانقاذ في مؤتمرنا الاقليمي الاخير الا دعوة للجميع للانخراط في ورش النقاش والعمل ورسم الافق المشترك. فمعركة الانقاذ هي شأن جميع المواطنين والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمدنيين. وختم المهدي مزواري الكاتب الاقليمي «طموحنا واضح، وجبهاتنا متعددة ونحن على أتم ا لاستعداد لخوض المعارك المقبلة ,نحن وانتم طبعا فنحن حزب خلق من رحم المجتمع ولا يمكن ان يعيش الا بين ثناياه» المحمدية اليوم محتاجة الى اجتثاث جذور الفساد السياسي من اوساطها والذي يضيع عليها فرصا عديدة في التنمية، ومن هنا نعلن امامكم اننا كحزب سنتصدى له ولعرابيه وزبانيتهم بشتى الوسائل. طارق القباج ,عمدة اكادير, استهل مداخلته في هذه الندوة ببسط تجربته في تسيير جماعته والمشاريع الكبرى التي انشأها الفريق الاتحادي بالمجلس، وتمنى للحضور أن يزور مدينة اكادير للاطلاع عن قرب على التجربة الاتحادية الرائدة في المغرب . وأضاف طارق القباج عمدة مدينة أكادير وعضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب «إننا اتبعنا سياسة القرب مع المواطنين والسكان وهذه هي قوتنا ونجاحنا في المدينة، واستعرض عمدة اكادير بالصور والمعطيات, تطور المدينة, كيف كانت وكيف أصبحت مع هذه التجربة الاتحادية الفريدة والتي تستمد قوتها من مشاركة السكان والمواطنين للدفاع عن مدينتهم والافتخار بها . واستهل مصطفى يحياوي, أستاذ الجغرافيا السياسية والاجتماعية كلية الآداب والعلوم الإنسانية-المحمدية, مداخلته واختار لها عنوان «المجالس المنتخبة بالمغرب: أي شرعية تمثيلية للأمة؟» بتساؤلات عن تقييم الشرعية الانتخابية, أي تمثيلية مجتمعية ستستند عليهاالانتخابات الجماعية المقبلة؟ وهل آلية اللوائح الانتخابية القائمة على التحيين المرحلي للقوائم المنجزة منذ أكثر من 22 سنة (1992) ما تزال ذات جدوى في سياق الحراك الديمقراطي المطالب بمحاربة الفساد وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وما استتبعه من إصلاحات سياسية ومؤسساتية في إطار الوثيقة الدستورية الجديدة (فاتح يوليو 2011) والتي ميزت -في فصلها الثاني- المنتخبين دون غيرهم بصفة «تمثيلية الأمة»؟ أم أن هذه الآلية قد أصبحت تشكل عائقا سميكا أمام التعبير عن «إرادة الأمة»، وقد استنفدت أسباب وجودها، ولم تعد مجدية، خصوصا بعد بروز مؤشرات عدم كفايتها في تأمين «اقتراع حر ونزيه» قادر على استمالة مختلف الفئات العمرية التي يحق لها التصويت، واستيعاب مطالبها في تحقيق ديمقراطية تمثيلية كفيلة بإنتاج التنمية وتطوير مشاركة المواطنين في صناعة القرار العمومي؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة, يقول مصطفى يحياوي, اعتمد منهجية تحليلية تُحاول رصد ملامح الشرعية الانتخابية -خاصة- خلال العشرين سنة الأخيرة (1992-2011). أولا التباين الملحوظ بين معدلات المشاركة في الاستحقاقات التشريعية (أقصى معدلاتها %85.03 في انتخابات 1970)، والجماعية (أقصى معدلاتها %76 في انتخابات 1963 و1969) من جهة، وبين الاستفتاءات (التي تراوحت معدلاتها في أغلب الأحيان نسبة %90 فما فوق) من جهة ثانية، وهو ما يثبت أن تحكم الإدارة في المشاركة الانتخابية يزداد بتعاظم الحاجة إلى تثبيت الولاء إلى المؤسسة الملكية، علما بأن في جميع الاستفتاءات كانت إرادة الملك في تنظيمها فاصلة وحاسمة. ثانيا خلال الاستحقاقات التشريعية والجماعية المنظمة خلال العشرية الأخيرة (2002-2011)، يلاحظ تراجع نسبة المشاركة بالمقارنة مع عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، بلغت في أقصاها نسبة %54.1 في الانتخابات الجماعية 2003، وسجلت في أضعف نسبها %37 خلال الانتخابات التشريعية 2007؛ وهو ما يؤول على أن التحكم في نسبة المشاركة أصبح في تراجع مستمر، كما أن الشرعية الانتخابية أصبحت مهددة بالعزوف وعدم مبالاة المواطنين بأهميتها. ثالثا خلال العشرين سنة الأخيرة، هناك تفاوت مهم بين الكتلة المصوتة والفئة العمرية التي يحق لها التصويت، حيث لم يتجاوز معدل الكتلة المصوتة في أقصى الحالات (استفتاء دستور 2011) 9.682.364 مصوتا أي ما يناهز %44 من الفئة العمرية التي يحق لها التصويت (حسب تقديرات المندوبية السامية للتخطيط، بلغ عدد هذه الفئة 21.642.000 نسمة)، وقد بلغ في أضعف الحالات 5.721.074 مصوتا أي ما يعادل %28 من الفئة العمرية التي يحق لها التصويت خلال الاستحقاقات التشريعية 2007. رابعا بغض النظر عن صدقية اللوائح الانتخابية وصحتها، يلاحظ خلال نفس العشرية استقرار عددها ( ما يناهز 13 مليون ونصف) في الاستحقاقات الثلاثة الأخيرة (الانتخابات الجماعية 2009، والاستفتاء الدستوري 2011، والانتخابات التشريعية 25 نونبر 2011)، وهو ما يعني أن التحيين الذي طال هذه القوائم لم يتجاوز نسبة %14.2 أي بزيادة أقل من مليوني مسجل؛ الأمر الذي يجرنا مجددا إلى التساؤل حول جاذبية آلية التسجيل الإرادي في اللوائح الانتخابية، ودرجة امتلاك الإدارة للمهارات التقنية الكفيلة بتتبع التزايد الديمغرافي للكتلة البشرية التي بلغت سن الأهلية الانتخابية. وبالعودة إلى التباين العددي بين الكتلة المصوتة والفئة العمرية التي يحق لها التصويت، يلاحظ تطور تصاعدي لعدد «غير المسجلين» في اللوائح الانتخابية، إذ بلغ مداه في آخر استحقاقات تشريعية منظمة في 2011، بعدد وصل 8.221.369 شخصا، وبمعدل %38 من العدد الإجمالي للفئة العمرية التي يحق لها التصويت. الأمر الذي يؤكد، مرة أخرى، أن بعد مرور عشرين سنة على تاريخ إعداد اللوائح الانتخابية المعتمدة حاليا في الاستحقاقات الانتخابية، قد بلغت آلية تحيينها منتهاها، ولم تعد - تقنيا - كافية لاستيعاب التغيرات الديمغرافية التي تشهدها الكتلة البالغة سن التصويت. خامسا بإمعان النظر في الرسمين البيانيين التاليين، نلاحظ معطيين: الأول أن هناك اضطرادا في المنحى التصاعدي لكتلة الأصوات الملغاة (ارتفاع بمعدل 300.000 صوت خلال الفترة الممتدة بين 2007-2011، وهو ما يعني أن هذه الكتلة غير اعتباطية، ولا تخلو من دلالة سياسية، خصوصا إذا ما علمنا أنها ظاهرة حضرية بامتياز، وبالتالي لا تحتمل فقط أن تربط بالأمية وصعوبة مسطرة الاقتراع. والمعطى الثاني، إن مسار العملية الانتخابية بالمغرب قد بلغ في استحقاقات 2011 أدنى مستوياته التمثيلية، إذ أن النسبة الحقيقية لعدد الأصوات الصحيحة في تلك الانتخابات لم تصل ربع إجمال الكتلة البشرية التي يحق لها التصويت (%21.93)؛ وهو ما يعني أننا أمام أعطاب بنيوية، أصبحت معها المواضعات السياسية للديمقراطية التمثيلية غير منتجة، وليس بإمكانها أن تحد من استمرار العزوف عن صناديق الاقتراع . وختم مصطفى يحياوي بخلاصاته ، أولا لا يمكن أن تعبر الاستحقاقات الجماعية المرتقبة صيف 2015 عن إرادة الأمة بشرعية متنازع في حجمها ودرجة استيعابها لمختلف الفئات العمرية التي يحق لها التصويت. الشيء الذي يستوجب الحسم في الوثيقة التي ستعتمد في التصويت: هل القوائم الانتخابية؟ أم بطاقة التعريف الوطنية؟ وهنا، وجبت الإشارة إلى أنه إذا استمر العمل ببطاقة الناخب، فذلك يستدعي - إلزاما - إلغاء القوائم المعتمدة ومراجعة قانون 11-57 بشكل يضمن اعتماد إجبارية التسجيل في لوائح انتخابية جديدة يتم التأكد من صحتها بالاستناد إلى مقارنتها بقواعد معطيات بطاقة التعريف الوطنية؛ ثانيا إن السياق السياسي العام والإصلاحات الدستورية الجديدة (الجهوية الموسعة وإعادة النظر في تركيبة الغرفة الثانية والديمقراطية التشاركية)، يفترض أن تعتبر الانتخابات الجماعية المرتقبة امتحانا جديا لاختبار صدقية الحكومة الحالية في شعار محاربة الفساد، كما يفترض أن تعتبر مدخلا حاسما للاستحقاقات التشريعية المزمع تنظيمها 2016. بمعنى آخر، إن تأثير الانتخابات الجماعية المقبلة على مسلسل الانتقال نحو الديمقراطية سيكون -لا محالة- حاسما، خصوصا وأن حيازة «شرعية تمثيل الأمة» التي نص عليها دستور 2011 تبدو غير مضمونة في ظل واقع سياسي متردد وغير مستقر، ويفتقد للمواضعات الكفيلة بتجديد نخبه، وباتساع الثقة في جدوى الانخراط في مساراته.