على بعد أسابيع معدودة من إعلان الحكومة عن مشروع قانونها المالي 2015 ، يضع المغاربة أيديهم على قلوبهم وجلا مما سيحمله هذا القانون من مفاجآت ينتظر أغلبهم ألا تكون سارة في ظل الظرفية الاقتصادية العسيرة التي يمر منها الاقتصاد الوطني، وفي ظل إصرار رئيس الحكومة عبد الاله بن كيران على وضع أصابعه في أذنيه إزاء المطالب الاجتماعية التي ما فتئت حرارتها ترتفع موازاة مع ارتفاع تكاليف المعيشة التي ألهبت جيوب المواطنين بسبب الزيادات المتوالية في الأسعار منذ مجيء حكومته الى السلطة . «صعوبة الظرفية الاقتصادية» هي المبرر الرئيسي الذي ستركب عليه الحكومة مرة أخرى في 2015، كما فعلت في السابق، لمواصلة سياسة التقشف و «شد الحزام» التي سيفرضها مشروع القانون المالي للعام المقبل. أي للعام الرابع على التوالي ، وذلك تحت 3 عناوين رئيسية : أولها اعادة التحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية و لو على حساب المعيش اليومي للمغاربة ، بما يقتضيه ذلك من مواصلة رفع الدولة يدها عن دعم الأسعار ، والاتجاه نحو تحرير اسعار الغازوال و الدقيق و مراجعة أسعار البوتان..وثانيها الرفع من موارد الخزينة عبر الزيادة في الضرائب إجباريا على نفس الملزمين الذين لم تتغير قاعدتهم في ظل عجز الحكومة عن تفعيل توصيات المناظرة الوطنية للجبايات بخصوص العدالة الضريبية، وثالثها فرض الحكومة للأمر الواقع عند مباشرة إصلاح ملف التقاعد ، بغض النظر عن مطالب النقابات العمالية والباطرونا و كذا عن توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في هذا الشأن, والذي أوصى بضرورة عودة الحكومة الى طاولة الحوار الاجتماعي والتشاور مع جميع الفرقاء الاجتماعيين.. ميزانية 2015 : هل تواصل الحكومة الإجهاز على الطلب الداخلي؟ قانون المالية 2015 يتم تحضيره حاليا فوق صفيح ساخن بسبب السخط العارم الذي يسود وسط فئات عريضة من المغاربة الذين أنهكت السياسات الحكومية الممنهجة قدرتهم الشرائية, وهو ما تؤكده البيانات الرسمية لمندوبية التخطيط ، فبعدما كان الطلب الداخلي خلال السنوات الماضية هو المحرك الحقيقي لعجلة النمو، فإن مسلسل الزيادات المتوالية في الأسعار الذي اعتمدته حكومة بن كيران تسبب في إنهاك القدرة الشرائية لمجموع المواطنين وتضررت منه بالأساس الطبقة الوسطى ، وهو ما جعل الطلب الداخلي يتباطأ فصلا بعد آخر، حيث لم يتعد نموه خلال الفصل الثاني من العام الجاري نسبة 1,7% عوض 2,1% خلال نفس الفترة من سنة 2013 ، ولم تتعد مساهمته في الناتج الاجمالي 0,4 نقطة عوض 1,9 نقطة. في هذا الاطار، ارتفعت نفقات الاستهلاك النهائي للأسر بنسبة 2,7% بدل 3,2% مساهمة ب 1,6 نقطة في النمو مقابل 1,9 نقطة. وسجلت نفقات الاستهلاك النهائي للإدارات العمومية ارتفاعا نسبته 2,9% عوض 3,9% مساهمة ب 0,5 نقطة في النمو الاقتصادي عوض 0,8 نقطة. كما شهد الاستثمار بدوره انخفاضا بلغ 0,7% مقابل 0,9% السنة الماضية بمساهمة سلبية في النمو بلغت 1,7 نقطة بدل 0,8 نقطة. سخط المواطنين على هذه الحكومة لخصته النقابات العمالية وأحزاب المعارضة التي توعدت بدخول سياسي واجتماعي ساخن من المتوقع أن تزداد حرارته بعدما تكشف الحكومة عما تخبؤه في مشروع قانونها المالي من «أخبار سيئة» ، ولا يبدو أن المعارضة والنقابات ستقف مكتوفة الأيدي أمام إصرار الحكومة على تأزيم الأوضاع المادية للأسر المغربية تحت ذريعة إصلاحات لا يتم التشاور بشأنها. ماذا ينتظر الباطرونا من القانون المالي المقبل؟ ولأن أجواء السخط على الحكومة لا تقتصر على احزاب المعارضة والنقابات فحسب، فإن رئيسة الباطرونا مريم بن صالح اختارت هي الأخرى الوقت المناسب، قبيل الإعلان عن القانون المالي، لتنفيذ خرجة إعلامية أول أمس, أكدت خلالها ان أرباب المقاولات باتوا يعانون أكثر من أي وقت مضى من القرارات التي تنهجها الحكومة ضدهم ,حيث أكدت بصريح العبارة أن «الدولة تقتل المقاولات» وأن قدرة هذه الأخيرة على التشغيل أصبحت منعدمة, مضيفة أن 67 في المائة من المقاولات لم تعد قادرة على خلق أي منصب جديد, كما أن 17 في المائة من الشركات ستعمل على تقليص عدد عمالها. و قد طالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب خلال مجلسه الإداري الأخير بضرورة تضمين مشروع القانون المالي 2015 الجاري التحضير له من قبل الحكومة تدابير لانعاش الاستثمار وخلق فرص الشغل. كما طالب بضرورة تنزيل ما ورد في المذكرة التأطيرية التي أصدرها رئيس الحكومة مؤخرا حول قانون المالية 2015 خصوصا على مستوى نتائج الدراسة التي قام بها الاتحاد العام لمقاولات المغرب حول »دعائم القدرة التنافسية للمقاولات«، وكذا على مخطط التسريع الصناعي. وناقش المجلس مجموعة من المقترحات التي ينتظر تضمينها في قانون المالية لعام 2015، وعلى رأسها موقف كونفدرالية رجال الأعمال حول إصلاح نظام التقاعد. ودعا زملاء بنصالح إلى تفعيل تدابير ضريبية تتماشى مع خلاصات المناظرة الوطنية للجبايات المنعقدة في الصخيرات سنة 2013، والهادفة الى تشجيع الاستثمار المنتج للقيمة المضافة ولفرص الشغل, خصوصا في القطاعات الصناعية، وذلك من خلال التعديلات الجبائية المتعلقة بالضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة التي من شأنها أن تمكن من تعزيز إدماج المقاولات الصغرى TPE في الاقتصاد المهيكل وتشجيع خلق فرص شغل جديدة. بالإضافة إلى ذلك يطالب الباطرونا الحكومة بضرورة إقرار تدابير جبائية يحكمها مبدأ الإنصاف الضريبي، وضرورة العمل بشكل فعال ومبسط لسداد متأخرات الدولة من الضريبة على القيمة المضافة للشركات لتمكينها من تخفيف العبء على موازنتها المالية. .