"البلوكاج" يؤجل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    تعميم المنظومتين الإلكترونيتين الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني على جميع البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية    بنك المغرب : سوق الصرف (18 24 أبريل)..الدرهم يتراجع بنسبة 0.46 في المائة مقابل الأورو    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    العسكر الجزائري يمنع مشاركة منتخب الجمباز في بطولة المغرب    نصف ماراطون جاكرتا للإناث: المغرب يسيطر على منصة التتويج    اتحاد جدة يقترب من إبرام صفقة الزلزولي    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    هذه مقاييس الأمطار المسجلة بالناظور خلال 24 ساعة الماضية        دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    نهضة بركان يضع آخر اللمسات قبل مواجهة اتحاد العاصمة الجزائري    قادمة من بروكسيل.. إفشال محاولة لإدخال هواتف غير مصرح بها    "خائف ومتوتر".. نتنياهو يخشى احتمال صدور مذكرة اعتقال بحقه من الجنائية الدولية    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    مطالب بإحداث خط جوي دائم بين مطار العروي وفرانكفورت    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    رغم ارتفاع الأسعار .. منتوجات شجرة أركان تجذب زاور المعرض الدولي للفلاحة    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر الوطني الحادي عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي : مدون: استثمار الدولة في التعليم رهين بتوحيد مؤسساته ودمقرطة تسييره

تحتضن مدينة مراكش ابتداء من يومه الجمعة وعلى مدى ثلاثة أيام 27 – 28 – 29 أبريل 2018، المؤتمر الوطني الحادي عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي الذي اختارت له شعار: «التعليم استثمار استراتيجي من أجل بناء مجتمع المعرفة».
وناضلت النقابة الوطنية للتعليم العالي منذ تأسيسها سنة 1960 على عدة مستويات، من خلال دفاعها عن المطالب المادية والمعنوية للأساتذة الباحثين من جهة وعن التعليم العالي العمومي من جهة أخرى، وذلك لاعتبارات كثيرة تتمثل بالأساس في أن التعليم حق دستوري ورافعة للتنمية الشاملة ولهذا يجب أن يكون موفراً لكل أبناء وبنات الشعب المغربي في إطار تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية التي تشكل أداة أساسية لبناء مجتمع حداثي ديمقراطي وعادل.
وتعتبر النقابة الوطنية للتعليم العالي، أن المدخل الأساسي لتحقيق هذه الأهداف ينطلق من تبني إصلاح شمولي يتمثل في توحيد مؤسسات التعليم العالي ودمقرطة تسييرها وتجويد بنياتها البيداغوجية والعلمية وممارسة استقلاليتها الأكاديمية والعلمية والمالية الحقيقية وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية الضرورية.
وتسجل النقابة الوطنية للتعليم العالي، في بلاغ لها، أن التعليم بصفة عامة والتعليم العالي على وجه الخصوص، يجب أن يمثل استثمارا استراتيجيا للدولة بغرض تكوين الإنسان المغربي المواطن من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
لقد كانت مؤتمرات النقابة الوطنية للتعليم العالي وعلى مدى أكثر من خمسة عقود فرصة لمناقشة قضايا التعليم العالي أساسا، كما كانت فرصة للتداول في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد، ولن يخرج المؤتمر الحادي عشر عن هذا التوجه. كما سيكون هذا المؤتمر فرصة لتجويد العمل النقابي وتطويره والتداول حول التوجهات الحديثة التي يمكن من خلالها للأداة النقابية أن تستمر كما كانت، عالمة ومواطنة ومناضلة، للارتقاء بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي ببلادنا خدمة لبناء مجتمع المعرفة.
وفي ما يلي حوار مع عبد الكريم مدون، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي…
تعقد النقابة الوطنية للتعليم العالي مؤتمرها الحادي عشر، ماذا يمثل لكم هذا المؤتمر، وما هي أهم القضايا التي ستناقش فيه؟
المؤتمر الوطني الحادي عشر سيكون أولا فرصة لتقييم تجربة اللجنة الإدارية والمكتب الوطني خلال مدة انتدابهما، لتدبير الشأن النقابي لنقابة التعليم العالي التي تأسست سنة 1960 بادئ الأمر في إطار الاتحاد المغربي للشغل، قبل أن تنفصل عنه سنة 1979، تفعيلا لمبدأ الاستقلالية الذي برز بشكل أساسي في ديباجة قانونها الأساسي إلى جانب مبدأي الوطنية والتقدمية، وتعمل باستقلال عن جميع المركزيات النقابية والمنظمات السياسية والعقائدية. وهي مفتوحة لجميع نساء ورجال التعليم العالي والباحثين في مراكز البحث كيفما كان اتجاههم السياسي. وبذلك فقد اختارت الهوية المستقلة التي تجمع بين حرية المبادرة والقوة الاقتراحية والقوة النضالية والوحدة داخل التعدد.
إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عرفها المغرب، وإلى حدود اليوم، ومعها التوسع الذي عرفته مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، يحتم علينا التوقف للتأمل في الأدوار التي كانت تلعبها النقابة الوطنية منذ تأسيسها لأكثر من خمسة عقود والدور الذي يجب أن تلعبه اليوم خدمة للأستاذ الباحث وللجامعة العمومية.
وهذه التحولات تدفعنا كمناضلين ومسؤولين، سواء محليين أو جهويين أو وطنيين، للوقوف وقفة تأمل في ذاتنا النقابية، من خلال قراءة متجددة لمهام منظمتنا وأهدافها، وإعادة النظر في تنظيماتها لجعلها أكثر فاعلية، وتعميق النقاش في طريقة تدبيرنا للعمل النقابي ولاختلافاتنا ومؤتمراتنا الوطنية.
إن شعورنا جميعا بضرورة إصلاح وتطوير أدائنا النقابي يرجع بالأساس إلى قناعتنا بأن الفعل النقابي المنتج لن يستقيم خارج المرجعيات والقناعات الفكرية والحقوقية التي تؤطره، لما لها من عظيم الأثر على إصلاح منظومة التعليم عامة، وإصلاح نظام التعليم العالي والبحث العلمي على وجه الخصوص، كمدخل رئيس لبناء المجتمع المغربي الديمقراطي والحداثي، ولوضع اللبنات الأساسية لتنمية حقيقية.
فقراءتنا، خاصة لمضامين أدبيات النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى حدود منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، تجعلنا نلمس فيها الارتباط العضوي بالمجتمع وقضاياه. حيث تركز كل هذه الأدبيات على أن إصلاح المجتمع يمر عبر إصلاح المنظومة التعليمية، فقد تحدثت هذه الأدبيات عن الجامعة الشعبية الديموقراطية وعن إصلاح التعليم العالي بشكل يستجيب للمطامح الديمقراطية للشعب المغربي، ولمتطلبات التحرر الاجتماعي والاقتصادي، والمطالبة بتسيير ديمقراطي لمؤسسات التعليم العالي. إنها مطالب اجتماعية تنطلق من الإصلاح نحو التغيير، وهي مطالب تعبر عن قناعة الارتباط الجدلي بين النضال النقابي والسياسي والاجتماعي التي يشترك فيها مناضلو النقابة الوطنية للتعليم العالي، ويعملون بأريحية ونكران الذات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة المعرفية.
إن السؤال المنطقي الذي يجب أن نطرحه اليوم ونحن نحاول فتح نقاش حول ذاتنا النقابية، هو هل تحقق ما كان نقابيو الأمس يطالبون به؟ الجواب بالنفي طبعا لأننا حينما نقرأ اليوم ما نتداوله في النقابة الوطنية للتعليم العالي حول ظروف الجامعة العمومية والبحث العلمي في إطار الإصرار الرسمي على التوجه نحو الليبرالية الفاحشة ومنحى التراجع عن المكتسبات وفق سياسة تروم تحميل وزر أزمة المجتمع، جراء السياسة المتبعة منذ الاستقلال، للطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى فقط، كلها مؤشرات تدل على تراجعنا إلى الوراء وأن الجامعة العمومية اليوم مهددة أكثر من الماضي. وهي تحديات تدفعنا اليوم إلى ضرورة تحديث الذات وتحصينها ضد كل محاولات إضعافها. المعطى الثاني الذي سيكون هذا المؤتمر فرصة للتداول فيه هو الإصلاح الشمولي لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث سيشكل هذا الموضوع أرضية للنقاش حول منظور الأستاذ الباحث لبنية التعليم العالي ببلادنا وقد وضعت اللجنة الإدارية أرضية في هذا الاتجاه.
هل لكم أن تتحدثوا لنا عن أهم النقاط المتضمنة في هذه الأرضية…
الأرضية موضوع النقاش تنطلق مما يمكن تسميته بالإصلاح الشمولي الذي يتضمن مجموعة من التوجهات ترتبط بمحورية التعليم والتكوين في عملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لأي مجتمع، بحيث أضحى من الضروري تجاوز فكرة الإصلاح بمنطقها التقليدي نحو البحث عن آليات جديدة لتحقيق الجودة من أجل تلبية حاجيات المجتمع، اعتماداً على جامعة وطنية حيوية ومنتجة، تمكن من انخراط البلاد في الثورة المعرفية الكونية، ومن جهة ثانية تضطلع بوظيفة الضمير النقدي الحي، خدمة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.
إذن، فنحن مطالَبون اليوم بأن نبحث عن الآليات القمينة بتمكين تعليمنا العالي من التفاعل المثمر مع التحول الذي أحدثه مسلسل الإصلاح منذ 1999 إلى اليوم، وتمكينه فضلاً عن ذلك من رفع التحديات الكثيرة التي تواجهه على الأمدين المتوسط والبعيد. يتجلى ذلك في تطوير وتنمية المجتمع المغربي على درب الدمقرطة والحداثة بكل مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وكذلك على المدى القريب، وهو تحدي الجودة، والتي هي رهينة، من جهة ببنيات تحتية وتأطير علمي وبيداغوجي وإداري وفق الأنماط الدولية المعلومة، ومن جهة أخرى بالظروف الاجتماعية للعُنصر البشري المندمج في العملية التعليمية والتكوينية، من طلبة وأطر علمية وإدارية، مما يقتضي فتح خمسة أوراش رئيسية تتمثل في إعادة هيكلة التعليم العالي تفعيلا لفرضية محوريته في عملية التنمية، ومراجعة نمط حكامة التعليم العالي، مؤطرة بمبادئ التدبير الجيد والمسؤول، ثم مراجعة جذرية للنظام الأساسي للأساتذة الباحثين يمكِّن من معالجة الاختلالات التي يعرفها النظام الأساسي الصادر سنة 1997، ومن رد الاعتبار للأستاذ الباحث داخل المجتمع، وأخيرا ممارسة بحث علمي يؤسس للتنمية والابتكار.
ما هو تقييمكم لواقع البحث العلمي بالمغرب، وما هي جملة المشاكل التي يعانيها وما هي الحلول التي تقترحها النقابة الوطنية للتعليم العالي لتطوير منظومة البحث العلمي؟
إن ما ميز بداية القرن الواحد والعشرين هو التطور الذي حدث في صناعة المعرفة، فالعلم بمعناه الواسع أصبح من الأنشطة الإنسانية الأكثر أهمية التي تؤثر بشكل مباشر في كل مناحي الحياة، فقد ساعد الدول الغربية وجود مجموعات فكرية كبيرة علمية وثقافية تعمل في مناخ ملائم يضمن ضروريات تطورها، وشكل غياب هذه المجموعات بالعدد الكافي وعدم توفر الإمكانيات الضرورية لها وحتى الوعي بمدى أهمية دور تلك المجموعات الفكرية في أكثر من بلد نام إلى تراجع نمائه وتفشي الجهل، لذلك يصبح الاستثمار في مجال المعرفة والبحث ضرورة استراتيجية لتطوير الاقتصاد والمجتمع. وفي إطار عولمة الاقتصاد وتطور مجتمع المعرفة يصبح البحث العلمي أداة أساسية لإثبات الذات في عالم متغير.
إن الحديث عن البحث العلمي لا يجب أن نختزله في الإنتاج العلمي والمشاريع والمجلات ولكن كذلك في الاستراتيجية وفي الحكامة وفي التمويل وفي علاقة السياسات العمومية بالبحث العلمي، فعن طريق هذه التوجهات العامة يمكن أن نساهم في تطوير الإنتاج والمشاريع والابتكار والتي تبقى دون المستوى وتجعل جامعاتنا في مراتب متأخرة، وهو ما يجب أن يدفعنا إلى التفكير أولا في تحديد الأولويات في مجال البحث والعمل في إطار أقطاب للبحث لأن الأعمال الفردية، وهي موجودة وذات قيمة علمية عالية، لا تؤثر في جعل الجامعات المغربية حاضرة بقوة على المستوى الإقليمي والعالمي. أيضا يجب أن يصبح البحث العلمي قاطرة للتنمية، وأي دولة لا تستثمر في البحث العلمي بحيث يصبح جزءا أساسيا في سياستها العمومية فلن تستطيع أن تحقق النمو الاقتصادي ولا الاجتماعي، هذا بالإضافة إلى أننا إذا أردنا أن نكون منافسين على الصعيد الدولي فيجب أن تتحول جامعاتنا من جامعات محلية إلى جامعات دولية، من خلال تحديد الأولويات في البحث ومن خلال وضع استراتيجيات واضحة وطنية وجهوية تعمل من أجل العمل على أن يرتبط البحث العلمي في المغرب بحاجيات المجتمع من جهة ومواكبا للتحولات المعرفية التي يعرفها العالم من جهة ثانية. إن البحث العلمي في المغرب لا يزال بعيدا عن إثبات ذاته بشكل واضح، سواء على مستوى المؤسسات الجامعية أو على مستوى المحيط السوسيو اقتصادي، هذا بالإضافة إلى تفاوت واضح بين الاهتمام بالعلوم البحتة والعلوم الإنسانية. إن أي تطوير للبحث العلمي في الجامعة المغربية يجب أن ينطلق من عملية التمويل، حيث أن الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا يعتبر استثمارا على المدى المتوسط والبعيد لأن عائداته لا تظهر إلا بعد مرور السنوات التي تفصل بين الحلول النظرية وتطبيقاتها العلمية. لكن ما يخصصه المغرب للبحث العلمي يبقى ضعيفا، وإن كانت التوقعات التي حددها ميثاق التربية والتكوين تتمثل في تخصيص 1% من نسبة الناتج الداخلي الخام في أفق 2010 ، حيث أن هذه النسبة لم تكن تمثل سوى 0,3% سنة 1997 وقد وصلت إلى0,8% سنة 2005 لتستقر اليوم في 0.7. كما أن الزيادة في نسبة الناتج الداخلي الخام لا تمثل سوى جانب من جوانب تطوير البحث العلمي، ففي غياب بنيات تحتية وهياكل فاعلة، وقلة تفاعل عناصر المنظومة مع بعضها البعض وتفاعلها مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن أن نطور البحث العلمي، فالمغرب لا يتوفر على سياسة علمية وطنية موحدة يشترك في بلورتها جميع الفاعلين وترتكز على حاجيات المجتمع، بحيث تتم ترجمة هذه السياسة الوطنية إلى استراتيجية على صعيد كل جامعة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مؤسسة على حدة. لقد وضعت الوزارة الوصية استراتيجية لتطوير البحث العلمي في المغرب على مرحلتين: مرحلة خطة العمل الخماسية للفترة ما بين 2006 و2010 التي تهدف إلى إصلاح المنظومة الوطنية للبحث العلمي، ومرحلة مكونات البحث العلمي في أفق 2025 حينما يصبح الطلب الاجتماعي هو المحدد لشكل نمو المجالات المعرفية وتعميق مناهجها وأدواتها التحليلية، وقد وضعت بذلك مجموعة من التصورات المستقبلية بخصوص آليات التمويل ومشاركة القطاع الخاص في حدود 25 % على الأقل من مجموع التمويل المخصص للبحث العلمي، الذي يجب ألا يقل عن 2 % من الناتج الداخلي الخام. إن هذه الأطروحات تبقى نظرية وسط واقع يحتاج إلى تأمل عميق وتدريجي، خاصة حينما يتعلق الأمر بالتفكير في تطوير الجامعة المغربية عامة والبحث العلمي بصفة خاصة، فلا يكفي استيراد التجارب الغربية التي انبثقت في إطار مجتمع ومحيط متطور أصلا، ولكن علينا أولا تأهيل المجتمع والمحيط قبل تأهيل الجامعة، لذلك فإصلاح منظومة البحث العلمي يجب أن يبنى على إرادة حقيقية للدولة والفاعلين في إحداث الإقلاع المطلوب والمبني أساسا على تكوين الموارد البشرية وعلى حكامة جيدة لمنظومة البحث العلمي، وأخيرا على تمويل ينبى أولا على الزيادة في الميزانية المخصصة للبحث العلمي وثانيا على تبسيط مساطر صرفها، علينا كذلك أن نوازن داخل جامعاتنا بين جودة التكوين والبحث العلمي، وبين البحث في العلوم البحتة والعلوم الإنسانية. وبدون الأخذ بعين الاعتبار المقاربة الشمولية والتدريجية من خلال الوقفات التأملية في كل مرحلة من مراحل هذا الإصلاح تبقى جميع الاستراتيجيات دون جدوى.
إن الاستثمار في المعرفة وتطوير البحث العلمي كفيلان بمواجهة التحديات المجتمعية والمساهمة في القدرة التنافسية للبلاد، مما يعني تأهيل مغرب الغد لكسب رهان التنافسية في عالم متحرك على جميع المستويات، وهذا يعتبر أولوية وطنية لا يمكن أن تتحقق سوى من خلال بناء استراتيجية واضحة للدولة مبنية على التوجيه والبرمجة والتقييم، وهو ما يعني إعادة النظر في عمل اللجنة الدائمة البين وزارية للبحث العلمي والتطور التكنولوجي، مع التأكيد على ضرورة التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال البحث العلمي، انطلاقا من منطوق القانون المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي والأنظمة الأساسية للموارد البشرية. إن هذا المعطى المرتبط بحكامة منظومة البحث العلمي لا يمكن أن يتحقق دون ربط مخرجات البحث العلمي نحو الابتكار وخدمة المجتمع من خلال وضع استراتيجية للبحث تستجيب لمجموعة من التحديات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بمجالات متعددة مثل الصحة والأمن الغذائي وتدبير الموارد الطبيعية والتقلبات المناخية الحركية والنظام الحضاري والطاقة المتجددة وتطوير الاقتصاد الرقمي والتكنولوجي والتنمية البشرية.
وقعتم مؤخرا على بلاغ مشترك تضمن مجموعة من الحلول الخاصة بالملف المطلبي، ما هي أهم الملفات التي تم حلها؟
الملف المطلبي فيه شقان، شق قانوني يتمثل في ضرورة إحداث نطام أساسي يعيد النظر في المسار المهني للأستاذ الباحث ويأخذ بعين الاعتبار كل المهام الجديدة التي أصبح هذا الأخير يمارسها بعد إدخال نظام إجازة ماستر ودكتوراه، وهي المهام التي لم تكن واردة في النظام الأساسي الذي صدر سنة 1997 والذي كان سببا في العديد من المشاكل التي كانت موضوع الملف المطلبي، من خلال الحيف الذي طال مجموعة من الأساتذة الباحثين حملة الدكتوراه الفرنسية على وجه الخصوص، الذين عرف ملفهم مجموعة من التعثرات أثرت بشكل مباشر على أقدميتهم العامة، وهو الملف الذي بقيت الوزارة لسنين طويلة تتماطل في حله، وبعد المرافعة التي قدمها المكتب الوطني من خلال تقرير قدمه في الموضوع في 25 يوليوز2016 والذي استطاع من خلاله تبيان الحيف الذي طال هذه الفئة، وهو التقرير الذي اقتنعت من خلاله الوزارة الوصية بضرورة استرجاع هذه الفئة لأقدميتها في إطار أستاذ مساعد أي الأقدمية الاعتبارية، كما جاء في البلاغ المشترك، الملف الثاني الذي ورد في هذا البلاغ يتعلق بالدرجة دال في إطار أستاذ مؤهل وأستاذ التعليم العالي والدرجة الاستثنائية في التعليم العالي وتعتبر هذه النقطة حلا للمسار المهني لمجموعة من الأساتذة الباحثين هذا بالإضافة إلى الملف الذي صدر فيه مرسوم ودخل حيز التطبيق منذ 2015 والذي استفاد منه إلى حدود سنة2017 أكثر من 1500 أستاذ باحث.
هل سيكون المؤتمر فرصة لإعادة النظر في القانون الأساسي للنقابة الوطنية للتعليم العالي؟
إن مرور أكثر من خمسة عقود على تأسيس النقابة الوطنية للتعليم العالي، وبعد التطور الذي عرفته الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي، يدفعنا بالضرورة إلى التفكير في إعادة النظر في قانوننا الأساسي من أجل تجويده وجعله مواكبا لهذه التطورات، وقد كانت الندوة التي تم تنظيمها في دجنبر 2015 حول التنظيم النقابي فرصة للوقوف على العديد من الاختلالات، هذا بالإضافة إلى أن الممارسة اليومية جعلتنا نحصي العديد من البنود التي يجب تغييرها، وهي المبادئ العامة التي تمت مناقشتها في اجتماع اللجنة الإدارية الأخيرة التي رصدت مجموعة من الاختلالات التي تعرفها الممارسة النقابية أثناء مزاولة التنظيمات النقابية لمهامها خلال فترة انتدابها، وأحيانا على مستوى مجريات المؤتمرات الوطنية. والسؤال المطروح هو كيف يمكن معالجة ما يمكن رصده من نواقص في أداء النقابة الوطنية للتعليم العالي وتعزيز الديمقراطية الداخلية. كما أُثيرت في هذا الصدد قضية الفئوية التي أصبحت تهدد التماسك النقابي بحيث يراهَن عليها في الحسابات السياسية، مما يعيق الجهد الفكري والنقابي. إلى جانب كل هذا أُثيرت قضية التجربة في العمل النقابي من أجل تحمل المسؤولية النقابية، وشروط الترشح وكيفية تفادي الإقصاء، والعمل على إرساء جو الثقة المتبادلة بين المكونات الفكرية أوالسياسية خدمة لصالح العمل النقابي ومصلحة الجامعة وتفاديا لأي محاولة لإضعافها، وكلها قضايا سينكب المؤتمر على تدارسها بهدف تقوية الإطار القانوني لعمل النقابة الوطنية للتعليم العالي.
كلمة أخيرة…
أتمنى أن يكون المؤتمر الوطني الحادي عشر مؤتمرا ناجحا بكل المقاييس، وأن يكون فرصة لبلورة تصور حول جامعة الغد، الجامعة التي تساهم في بناء مجتمع المعرفة، كما جاء في الشعار الذي اخترناه لمؤتمرنا، أي التعليم استثمار استراتيجي لبناء مجتمع المعرفة، أتمنى كذلك أن يكون هذا المؤتمر موحدا لجميع الحساسيات السياسية الموجودة داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي، وهذا ما يمثل قوتها، أي الوحدة داخل التعدد، وأتمنى أن تكون اللجنة الإدارية المقبلة منسجمة وقوية لتستكمل الأوراش التي فتحناها طيلة هذه الولاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.