فيضانات آسفي تكشف وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء وسط مطالب بإدماج مقاربة النوع في تدبير الكوارث    أوامر بمغادرة الاتحاد الأوروبي تطال 6670 مغربياً خلال الربع الثالث من السنة    ترامب يرفض اعتراف إسرائيل ب"أرض الصومال" وسط إدانة عربية وإسلامية واسعة    كوريا الشمالية تبعث "تهنئة دموية" إلى روسيا    نسور قرطاج في اختبار قوي أمام نيجيريا بفاس    الاتحاد المصري يفخر ب"كان المغرب"    ملاعب المملكة تبهر منتخب الجزائر    الطقس يعلق الدراسة بإقليم تارودانت    "محامو المغرب" يلتمسون من الاتحاد الدولي للمحامين التدخل لمراجعة مشروع القانون 23.66    مدرب مالي: فخور جدًا بأدائنا وبالخطة المعتمدة... وكنا نطمح إلى تحقيق الفوز    ملعب طنجة يحتضن "مباراة ثأرية"    نسبة الملء 83% بسد وادي المخازن    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    كيوسك السبت | المغرب الأفضل عربيا وإفريقيا في تصنيف البلدان الأكثر جاذبية    مقتل إسرائيليين في هجوم شمال إسرائيل والجيش يستعد لعملية في الضفة الغربية    تونس تواجه نيجيريا في قمة برنامج السبت بكأس الأمم الإفريقية 2025    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    لاعبو المغرب: تعادل مالي إنذار مبكر وعلينا تصحيح الأخطاء    تعادل المغرب ومالي يثير موجة انتقادات لأداء "أسود الأطلس" وخيارات الركراكي    سنة 2025: دينامية قوية غير مسبوقة للمغرب في مناصب المسؤولية بالمنظمات الدولية    وزارة الداخلية: 31 دجنبر 2025 آخر أجل للتسجيل في اللوائح الانتخابية    الطقس يعلق الدراسة بسطات السبت    المضاربة في تذاكر مباريات الكان2025 تقود شخصا للاعتقال بأكادير    تارودانت .. توزيع 11 سيارة إسعاف على عدد من الجماعات    قرار رسمي بحظر جمع وتسويق الصدفيات بسواحل تطوان وشفشاون    إدانات باعتراف إسرائيل بأرض الصومال    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الجمعة إلى الأحد بعدد من المناطق    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    المحامون يطالبون بجمع عام استثنائي لمناقشة مشروع قانون المهنة    ارتفاع حصيلة قتلى المسجد في سوريا    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    بلمو يحيي أمسية شعرية ببهو مسرح محمد الخامس بالرباط يوم الاثنين    انعقاد مجلس إدارة مؤسسة دار الصانع: قطاع الصناعة التقليدية يواصل ديناميته الإيجابية        قطاع الصحة على صفيح ساخن وتنسيق نقابي يعلن وقفات أسبوعية وإضرابا وطنيا شاملا    لا أخْلِط في الكُرة بين الشَّعْب والعُشْب !    زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد إلى غاية يوم السبت    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    التواصل ليس تناقل للمعلومات بل بناء للمعنى    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    محكمة صفرو تدين مغني الراب "بوز فلو" بالحبس موقوف التنفيذ وغرامة مالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    على هامش كأس إفريقيا.. معرض ثقافي إفريقي وأجواء احتفالية تجذب الجماهير في تغازوت    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    روسيا تنمع استيراد جزء من الطماطم المغربية بعد رصد فيروسين نباتيين    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقف إطلاق النار في غزة.. ماذا بقي للغزاويين؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 01 - 2025

الفلسطينيون في غزة الناجون من المذبحة الصهيونية، والذين يعانون من آثار الحرب، لديهم آمال متواضعة من وقف إطلاق النار: العودة إلى منازلهم المدمرة. والنوم ليلة بلا خوف. والحصول على وقت مستقطع للحزن على من فقدوا من أبناء، وأشقاء، وآباء، وأمهات، وأحبة. يحلمون أن يعود الهدوء لمدينتهم، والسكينة لحياتهم. وبقضاء يوم بلا حرب، بسماء لا تمطر صواريخ وقذائف الموت. بخيام وغرف مشتركة في المدارس آمنة من القصف الإسرائيلي. بتنقل بلا حواجز عسكرية تُهين آدميتهم, ويتمنون أن يعود للمآذن نداء الصلاة والتهليل، وصيحات الفرح والتكبير بدل بيانات النعي وبلاغات الإخلاء. هي أشياء بسيطة افتقدها الغزاويون بسبب طول أمد العدوان الصهيوني، وتقاعس الأشقاء والأقرباء، وعجز العالم المتحضر عن نجدتهم. ربما خلال ساعات قليلة، ستبدأ المدينة الجريحة في تضميد جراحها، ولملمة أشلائها الممزقة، وإطلاق العنان للدموع المسجونة، وتحرير أحزانها، ومحاولة الفرح للصمود والنجاة.
فما إن أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مساء الأربعاء، حتى امتلأت شوارع غزة المدمرة والمصابة بالحشود المحتفلة المتلهفة لإغلاق هذا الفصل المؤلم. وترددت الهتافات والأناشيد والأغاني الفلكلورية الفلسطينية في الهواء، حيث توحد أهل غزة في الفرح كما في الوجع. إن رؤية ملامح الفرح العفوي البسيط على وجوه الغزاويين يدعونا إلى إعادة النظر في مفهومي "النصر" و"الهزيمة" وفق صمود أهل غزة الراسخ، وفخرهم بعدم انكسارهم أمام أعتى آلة حربية معاصرة.
لقد أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء الأربعاء، رسميا، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ يوم الأحد 19 يناير بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل في قطاع غزة، بعد حرب استمرت خمسة عشر شهراً، ارتكب خلالها الاحتلال أعمال إبادة جماعية وآلاف المجازر، وواجه مقاومة شرسة حتى الرمق الأخير.
يحاول الغزاويون الفرح للانفراج المأمول رغم جراحهم. فتجمع العشرات والمئات من أبناء القطاع المكلوم وسط الأضواء الخافتة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في أغلب مناطق القطاع، يقفون فوق أنقاض المباني التي دمرها القصف الإسرائيلي الإجرامي، بالقرب من الذكريات الضائعة والمؤلمة بعد غياب أهلها من شهداء ومفقودين في احتفال عفوي بسيط لا يضاهيه فرح، وتعجز الأقلام عن وصفه. كأنهم بفرحهم يعلنون للعالم أجمع: أن غزة باقية رغم محاولات الكيان الصهيوني مسحها، وأن الغزاويين صامدون كعهدهم، متشبثون بالأرض، وأن العدو الفاشي سيعود من حيث أتى، يجر أذيال الخيبة والعار الذي سيظل يلاحقه نتيجة ارتكابه مجازر الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني.
ورغم التوصل إلى الاتفاق والإعلان عنه، استمر جيش الاحتلال الفاشي بقصف مناطق مختلفة من قطاع غزة ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين. لكن غزة الصامدة أمام الهزيمة لم تُظهر يأسها أمام العدو الغاشم، ولم تمنحه نصراً وهمياً. بل أصرت أن يكون فرحها إعلاناً لصمودها وقوتها وثقتها بنصر قادم لا محالة، وفخورة بردعها للغزاة.
غزة التي لا تنكسر
الغزيون المنهكون من الحزن الدائم، والرحيل الدائم، ومن الفُقد الدائم، ينتظرون وقف إطلاق النار وفرصة لإعادة الإعمار. يقول سكان غزة إنهم يأملون في العودة إلى منازلهم المتضررة، والبحث عن أحبائهم المفقودين، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض. ورغم بعض الفرح بسبب الهدنة، ولكن هناك أيضاً خوف من المستقبل، وأن الحرب مع إسرائيل قد تستأنف. لكن عندما وصلت الأخبار بأن وقف إطلاق النار وشيك، انفجر سكان غزة احتفالاً. وبفضل هذه الحقنة من الحياة الجديدة، أصبح الناس حريصين على العودة إلى الأماكن التي اقتُلِعوا منها، مهما كانت درجة الدمار.
لقد كانت معاناة الفلسطينيين في غزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية لا تصدق. ولكن على الرغم من القتل والدمار غير المسبوقين اللذين ركزا على إقليم غزة الصغير، فإن تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء على أرضه – حتى مع تحولها إلى أنقاض – أثبت أنه العامل الحاسم في هذه الحرب. إن هذا إنجاز مذهل، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً كانت معزولة تماماً عن العالم، ولم يكن هناك من حلفاء حقيقيين لكسر الحصار، ولا تضاريس طبيعية لكي يحتمي بها البشر.
إن غزة تُظهِر لنا أنه في الحروب التحريرية، يمكن للشعوب الضعيفة والأقل تسليحاً أن تنجح في مواجهة القوات العسكرية الساحقة. فمثل هذه الحروب هي معارك إرادات. فالمعركة بذاتها ليست هي المهمة، بل القدرة على الاستمرار في القتال. وقد أثبت تصميم الغزيين على المقاومة أنه أكثر حسماً من قوة النيران لدى الجيش الصهيوني.
الشعب الصامد
هناك، في مدن بيت حانون، وجباليا، وبيت لاهيا، ومخيم النصيرات، تترقب عيون النازحين واللاجئين في جنوب قطاع غزة الأيام، وتعد الساعات بأنفاسها وليس بالدقائق. هناك، حيث ترقد قبور الأحباء الشهداء الذين قضوا تنتظر زيارة الأهل والخلان، أرواح تتوق للقاء من فارقتها. وكلمات ما زالت تنتظر أن تُقال لأمهات وآباء وأشقاء وأبناء رحلوا في غفلة دون وداع بسبب صاروخ أو قذيفة أو شظية صهيونية. وآخرون ما زالوا لا يعرفون أين دفن شهداؤهم ولا تحت أي ركام ينتظرون. ولكن رغم المأساة الدامية، إلا أن الغزيين مصرون على مداواة جراحهم، والعودة إلى الحياة مرة أخرى. وهم يدركون حقيقة معركتهم والثمن الباهظ الذي تتطلبه، والذي يأتي بمزيد من الشهداء والجرحى والأسرى والنازحين، إلا أنهم يفتخرون بانتصارهم على عدو لم يستطع كسرهم رغم الدعم اللامحدود من حلفائه الأمريكيين والغربيين. فالعدو لم يحقق أياً من أهدافه المعلنة أو مخططاته الشيطانية، فالمقاومة لم تنته، ولم يحرر أسراه، ولم يقم بفرض واقع جديد بشروطه في القطاع، ولم ينجح في تهجير أصحاب الأرض الشرعيين، ولن يحرر الأسرى الصهاينة إلا من خلال صفقة لا يمكن أن تتم إلا بموافقة المقاومة والشعب الصامد.
كما يعبر أهل غزة عن فرحتهم في مواجهة اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، الذي سعى بكل قوته إلى إبادة الفلسطينيين وحرق الأرض واحتلال القطاع. ولكنها تحطمت بسبب صمود الأمهات اللاتي قدمن أبناءهن إلى طليعة المعركة ضد الجنود الغزاة، وبسبب رجل مسن رفض السماح لأطفاله بالعودة إلى ديارهم.
شعب لا يموت على أرضه إلا شهيداً في ترابها، وأسطورة الجيش الأخلاقي الذي لا يُهزم، فقد حطمها مناضل لم يسلم سلاحه البدائي رغم الجوع والحصار وفقدان الرفاق. ولذلك يعبر أهل غزة عن فرحتهم بهذه الهزيمة المذلة لمن هددهم بكل بلاء ونكبة، فلم يجنوا إلا الخزي والعار.
مدينة الأبطال
"ضعوا السيف على السيف.. نحن رجال محمد ضيف"، "تحية للقسام.. عز الدين"، بهذه الهتافات يؤكد الغزيون الناجون اليوم التزامهم بطريق المقاومة واعتزازهم بالقادة الأبطال الذين قدموا أروع الأمثلة في التضحية والإخلاص. وتعلن غزة أن قادتها جزء منها، وأنها تناضل من أجل قضية الشعب الفلسطيني، وهي تعبر عن إرادة هذا الشعب الذي يرفض الخضوع والهوان، وسيظل يقاتل حتى دحر الاحتلال، تحرير القدس وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.
وتفخر غزة أنها أنجبت أبطالاً لم يغادروا ساحة المعركة منذ تحصنوا في مواقعهم، مناضلين أذلوا العدو وأرغموه على الاعتراف ببسالتهم بعد أن كان جنود الاحتلال متغطرسين في بداية العدوان الأخير، ثبت لهم أن دخول غزة ليس كما كانوا يظنون.
وعلى أطراف المدن والقرى والبلدات، ينتظر أهل غزة الصامدون فرحتهم الكبرى، بعودة أسراهم المفقودين من سجون الاحتلال، الذين قضى بعضهم ما بين الثلاثين والأربعين عاماً. وهم الآن على أعتاب العودة إلى ديارهم، يحملون معهم شرف الصمود في وجه الجلادين بكل فخر. فيما يعود الأسرى الإسرائيليون مكللين بعار جيشهم الذي قتل الأطفال والنساء، تنتظرهم يد العدالة الجنائية الدولية.
أمنيات بسيطة
للغزاويين المنتظرين وقف حمام الدم أمنيات بسيطة: العودة إلى المنازل التي تحولت إلى أنقاض. والنوم ليلة بلا خوف. والحزن على فقد الأحباء.
أعرب محمد أبو الكاس، مدير التسويق البالغ من العمر 32 عامًا والذي يعيش الآن في منزل متضرر بشدة في مدينة النصيرات بوسط غزة، عن مشاعر مختلطة حول مشاهدة الناس يحتفلون بأخبار الاتفاق – الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وقطر ومصر – والذي تم الإعلان عنه مساء الأربعاء. قال: "سعادتهم تحطم قلبي، لأن ما الذي تبقى لنا؟".
إذا دخل الاتفاق حيز التنفيذ كما هو مخطط له يوم الأحد، فإن وقف إطلاق النار الأولي لمدة 42 يومًا من شأنه أن يجلب لسكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة بعض الراحة من حرب لا هوادة فيها تقول السلطات الصحية الفلسطينية إنها قتلت ما لا يقل عن 46600 شخص. في المقابل، وافقت حماس على إطلاق سراح 33 من الرهائن الذين اختطفتهم خلال هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
منذ ذلك اليوم، تم تدمير مساحات شاسعة من غزة، ومحو أحياء بأكملها من الوجود. وكان القصف مصحوباً بانتشار الأمراض، كما دفع الجيب الذي تبلغ مساحته 140 ميلًا مربعاً إلى حافة المجاعة. ومثل أبو الكاس، نزح أكثر من 90% من الناجين من منازلهم، وكثير منهم نزحوا عدة مرات، وفقاً للأمم المتحدة.
لا يزال أبو الكاس يرتدي نفس البنطال الممزق الآن، الذي كان يرتديه عندما بدأ العدوان الصهيوني قبل أكثر من عام. وخلال ذلك الوقت، نزح ثلاث مرات. أصيب مع والدته في غارة جوية. في يوم الثلاثاء، قبل يوم من إعلان وقف إطلاق النار، أصاب صاروخ آخر منزلًا مجاوراً وأصاب أجزاء من الجسم في مبناهم: ساق وأجزاء من الوجه. قال "حتى اللحظة الأخيرة، الموت".
استمر القصف أيام الخميس، والجمعة، والسبت حتى بعد الإعلان عن الاتفاق الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية. وفي الساعات التي تلت ذلك، قُتل العشرات بينهم 35 امرأة و31 طفلاً، في غارات إسرائيلية، وفقًا لمحمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة. وقال بعض السكان إنهم يخشون أن تشتد الهجمات خلال الساعات الأخيرة قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ.
يقول أحد الغزيين: "نريد أن تنتهي حتى نتمكن من البكاء والذهاب لوضع خيمة فوق أنقاض منزلنا". لم تكن رجاء حمدونة، 36 عاماً تفكر في العودة إلى المنزل. كانت تنوي البحث عن رفات زوجها الميت وابنيها البالغين من العمر 12 و14 عاماً.
قالت حمدونة إنهم كانوا يحتمون في خيمة في جنوب غزة في يونيو عندما أصيبوا بنيران دبابة إسرائيلية. وقالت إن الدبابة تقدمت إلى حيث كانوا يرقدون، فسحقت زوجها وأبناءها. وقالت حمدونة وابنتها البالغة من العمر 4 سنوات إنهما نجتا، فقط لأنهما غرقتا في تربة ناعمة تحت عجلات الدبابة. تضيف: "أريد أن أجد أي شيء يتعلق بهم. "أريد أن أشم رائحة التربة التي غمرتها دماءهم، ثم أبحث عن مكان بعيد عن كل شيء وعن كل الناس، فقط لأبكي".
وقال محمد الجمل، الذي يعيش الآن في خيمة مساحتها 22 متراً مربعاً مع 10 أفراد من أسرته في منطقة المواصي جنوب غزة، إنه يخطط أيضاً للعودة إلى منزله في مدينة رفح الجنوبية عند "ساعة الصفر" يوم الأحد. ليس لديه أي فكرة عما إذا كان لا يزال المنزل قائماً. وقال: "حتى لو دمر، أريد العودة للعيش في أنقاضه".
في الوقت الحالي، تعيش أسرته في مأوى ضئيل من الرياح والأمطار، ويفصله قماش مهترئ عن جيرانه. وقال إن منطقة المواصي، التي صنفتها إسرائيل كمنطقة إنسانية، لم تجلب الأمان من القصف. وأضاف "في الواقع، إنها غير صالحة للعيش تماماً".
وقال جمال: "لقد ضربتنا الرياح والأمطار. لقد أكلتنا الأمراض دون أن نتناول حتى حبة دواء واحدة". ووصف الحرب بأنها "كابوس من الموت والخوف يطاردنا على مدار الساعة".
ما قد يحمله المستقبل لا يزال غير مؤكد إلى حد كبير. ومن المتوقع أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الصفقة، عندما يتم إطلاق سراح بقية الرهائن في مقابل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، في الأسابيع المقبلة. ولا تزال خطط إعادة الإعمار، ومن سيدير القطاع، غير واضحة.
لا يثق البعض في غزة في قدرة وقف إطلاق النار على الصمود، أو أعربوا عن تشككهم في إمكانية سريانه على الإطلاق. خالد وليد، 31 عاماً، أب لطفلين يعيش في بقايا منزله المدمر. وقال أحد سكان دير البلح، إنه يفكر في مغادرة غزة بالكامل إذا تم فتح المعبر مع مصر خلال فترة الهدنة. وقال: "أريد أن أعطي عائلتي فرصة جديدة للحياة. لقد فقدنا كل ما نملك. أريد بناء مستقبل لأطفالي خالي من الموت والقتل".
يوم من السعادة والحزن
وقالت عبير ماهر، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 36 عاماً نزحت من مدينة غزة إلى دير البلح، إنها تشكر الله على وقف إطلاق النار لكنها لا تستطيع أن تشعر بالسعادة. وأضافت: "الآن تبدأ المعاناة الحقيقية، وإدراك ما حدث. لم يتبق شيء". وقالت: "الآن فقط يمكنني أن أبدأ في التمتع برفاهية الحداد على أقاربي وأصدقائي".
وقالت غادة وهي أم لخمسة أطفال نزحت من منزلها في مدينة غزة خلال الصراع المستمر منذ 15 شهراً "أنا سعيدة نعم أبكي لكن هذه دموع الفرح". وقالت من ملجأ في بلدة دير البلح بوسط غزة "نحن نولد من جديد، مع كل ساعة تأخير ترتكب إسرائيل مذبحة جديدة، وآمل أن ينتهي كل شيء الآن". بالنسبة للبعض، اختلط الفرح بالحزن. قال أحمد دهمان (25 عاما) إن أول ما سيفعله عندما يدخل الاتفاق حيز التنفيذ هو استعادة جثة والده الذي قتل في غارة جوية على منزل العائلة العام الماضي و"دفنه بشكل لائق". وقال دهمان، الذي نزح مثل غادة من مدينة غزة ويعيش في دير البلح: "أشعر بمزيج من السعادة لأن الأرواح تُنقذ والدماء تُوقف". "لكنني أشعر بالقلق أيضاً بشأن صدمة ما بعد الحرب لما سنراه في الشوارع ومنازلنا المدمرة ووالدي الذي لا يزال جثمانه تحت الأنقاض".
وقالت والدته بشرى إن وقف إطلاق النار لن يعيد زوجها، "على الأقل قد ينقذ أرواحاً أخرى". وقالت الأم الباكية: "سأبكي، كما لم يحدث من قبل. لم تمنحنا هذه الحرب الوحشية الوقت للبكاء".
وما زالت إيمان القوقا، التي تعيش مع أسرتها في خيمة قريبة، غير مصدقة. "هذا يوم سعادة وحزن وصدمة وفرح، لكنه بالتأكيد يوم يجب أن نبكي فيه جميعاً ونبكي طويلًا بسبب ما فقدناه جميعاً. لم نفقد أصدقاءنا وأقاربنا ومنازلنا فقط، لقد فقدنا مدينتنا، أعادتنا إسرائيل إلى التاريخ بسبب حربها الوحشية".
وقالت القوقا: "حان الوقت ليعود العالم إلى غزة، ويركز على غزة، ويعيد بناءها".
ليس لدي أحد
إن الدمار الذي لحق بقطاع غزة هائل. وبحسب تحليل حديث أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد دُمر أو تضرر 69% من جميع المباني و68% من الطرق حتى ديسمبر. وقُتل نحو 46700 شخص، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس.
لقد أثار استمرار القصف الجوي مزيجاً مربكاً ومتصاعداً من المشاعر لدى كثيرين، حيث كان بمثابة تذكير بأن الهدنة التي أُعلن عنها أمس سوف تأتي متأخرة للغاية بالنسبة للعديد من ضحايا هذه الحرب الطاحنة.
قالت جولييت توما، مديرة الاتصالات في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا): "التحدي الأكبر هو ما إذا كان سيتم تنفيذ وقف إطلاق النار بنجاح". "إذا كان الأمر كذلك، فإن التحدي الذي ينتظرنا يظل هائلاً تماماً. الغالبية العظمى من الملاجئ مكتظة. يعيش الكثيرون ببساطة في العراء، أو في هياكل مؤقتة. إنهم يفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية مثل الملابس الدافئة. لا أستطيع أن أسمي هذه الظروف المعيشية، فهي ليست ظروفاً مناسبة للبشر".
قالت صابرين دوشان، 45 عاماً، التي كانت تمتلك كشكاً في الشارع وتعيش في مبنى سكني في مدينة غزة: "لقد دُمر منزلي بالكامل، واختفى المبنى". وأضافت إنها فقدت 17 عضواً من عائلتها الأوسع منذ بدء الحرب. كانت على استعداد للانطلاق من دير البلح في وسط غزة، حيث كانت تعيش في خيمة، إلى أنقاض منزلها. قالت: "حتى لو اضطررت إلى إقامة خيمتي على الأنقاض، فسيكون الأمر على ما يرام، لأنني سأكون في المنزل. لا يوجد مكان يمكن أن يرضيني الآن سوى المنزل".
كانت هذه الأخبار بمثابة تذكير مدمر آخر بفقدان عائلة لميس سهادي صبحي، وهي فتاة صغيرة في ملعب اليرموك في أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذي يقع على المشارف الجنوبية لدمشق.
"كيف يمكنني أن أفرح عندما مات والدي وأخي، ومات أعمامي أيضاً؟". "ليس لدي أحد".
*))أكاديمي وباحث فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.