في خطوة وصفتها ب«الإصلاحية»، تُواصل الحكومة مساعيها لتفعيل مشروع مرسوم جديد يهدف إلى مراجعة منظومة تسعير الأدوية، في إطار ما تعتبره تحديثًا لسياسات القطاع الصحي، غير أن هذه الخطوة تُثير مخاوف جدية داخل القطاع الصيدلي، بالنظر إلى ما قد يترتب عنها من انعكاسات سلبية على قطاع يضم أزيد من 14.000 صيدلي وصيدلانية، ويشغل أكثر من 50.000 إطار مساعد ومساعدة، حيث يواجه اليوم تهديدًا وجوديًا حقيقيًا، إذ يُنذر المشروع الحكومي بتبعات خطيرة على استقرار الصيدليات، وعلى الأمن الدوائي الوطني برمّته، قد تُفضي إلى إفلاس آلاف الصيدليات، التي تُعد صمام أمان لضمان الولوج العادل إلى الأدوية والخدمات الصيدلية. أي إصلاح يُقدَّم على حساب المهنيين؟ فهل يُعقل، أن يُقدَّم ما يُفترض أنه «إصلاح» على حساب شريحة مهنية تؤدي دورًا حيويًا وتساهم بشكل مباشر في حماية صحة المواطنين وتضمن استمرارية الخدمة الصحية في مختلف جهات البلاد؟ بحيث يعتبر الصيادلة أن هذا التوجه الحكومي الأحادي الجانب يتنافى مع روح الخطاب الملكي السامي، الذي دعا من خلاله جلالته، في ذكرى عيد العرش السادس والعشرين، إلى إنصاف المهنيين وتحقيق العدالة الاجتماعية، مؤكدًا على ضرورة أن تُسهم الإصلاحات الاقتصادية في تحسين ظروف عيش جميع المواطنين، بمختلف فئاتهم ومجالاتهم. إصلاحات أحادية تُهدد استقرار الصيدليات والأمن الدوائي وتنذر بإفلاس جماعي في الأفق تشير التقديرات إلى أن تطبيق هذا المرسوم بصيغته الحالية قد يؤدي إلى تراجع رقم معاملات الصيدليات بما بين 25 و30 في المئة، في وقت تعرف فيه كلفة التسيير والالتزامات الضريبية ارتفاعًا مستمرًا، فإلى متى يظل قطاع الصيدلة وسيلة لإطفاء للأزمات والإخفاقات؟، ولا يمكن التعامل مع صيدليات كبنية صحية قاعدية، تلعب دورًا أساسيًا في ضمان استمرارية الخدمة الصحية، بمنطق تجاري صرف أو تحويلها إلى كبش فداء لإصلاحات غير متوازنة، تقود لا محالة إلى تسريح الأطر العاملة في أفق الإغلاق النهائي لا قدر الله، كما هو شأن الصيادلة بفرنسا، حيث عدد الإغلاقات تجاوز 270 صيدلية سنويا، مما دفع بالمواطنين الفرنسيين الدخول على الخط عبر عريضة موقعة يطالبون من خلالها المسؤولين حماية الصيدليات والعمل على تجنيبها الإغلاق، بعدما باتت حاجاتهم الدوائية في خطر. وفي هذا السياق، يؤكد المهنيون، أن ربط استدامة صناديق التأمين الصحي فقط بتخفيض أسعار الأدوية هو طرح اختزالي ومغلوط، على اعتبار أن توازناتها المالية مرتبط بمجموعة من العوامل، على رأسها: كلفة التحاليل البيولوجية والفحوصات الطبية المتخصصة، مصاريف الاستشفاء والعلاجات المكلفة، ضعف مراقبة الفوترة، الأدوية باهظة الثمن، التي تصرف خارج الصيدليات. لذا، يعلق المهنيون، فإن أي إصلاح حقيقي يجب أن يكون شاملًا ومتكاملاً، يعالج جميع اختلالات المنظومة الصحية والدوائية، بدل استهداف طرف واحد دون غيره. فرغم ما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه الميامين، من دعوة صريحة للنهوض بأوضاع المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، لا تزال الحكومة تصر على تجاهل مطالب هذه الفئة التي لعبت، وما تزال، دورًا حيويًا في المنظومة الصحية، حيث تجد نفسها اليوم في مواجهة سياسات تهميشية تزيد من جراح الصيادلة ومن معاناتها المهنية والاجتماعية، حيث كان من المفترض فيه أن يُترجم الخطاب الملكي، الذي دعا من خلاله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة، حتى تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، إلى إجراءات ملموسة، يُقابل الصيادلة بالتجاهل، وتُرهن أوضاعهم بسلسلة من القرارات التي لا تراعي لا خصوصية مهنتهم، ولا كرامتهم كمواطنين، الذين في حقهم شدد جلالته على أنه « لن يكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات. فكما يعلم الجميع ورغم انخراط الصيادلة بشكل مسؤول في عدة محطات مصيرية في السياسة الصحية التي تبنتها بلادنا، إضافة إلى تضحياتهم الجسام من أجل وطنهم الحبيب واندماجهم في خدمة الصحة عامة والمواطنين خاصة، إلا أنهم تفاجؤوا بعدم رد الاعتبار لهم ولهذا القطاع الحيوي والأساسي في المنظومة الصحية الحالية وتجاهل أغلبية مطالبهم، في الوقت الذي يحث صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الحكومة في برامجها « أن تقوم على توحيد جهود مختلف الفاعلين، حول أولويات واضحة، ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي». وأمام ضبابية التخطيط وفي غياب رؤية استباقية، والتي أضحى معها الأمن الدوائي بالمملكة مهددا في ظل هذا الوضع المقلق، حيث يسجل انقطاع أكثر من 600 دواء من الأسواق المغربية نتيجة تداعيات التخفيض الذي طال أو يطال أثمنتها، ما بالك إذا استمر الوضع على ما هو عليه، مما جعل الصيادلة يطالبون بأعلى صوت كل الجهات المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن هذا القطاع بالاستجابة الفورية للمطالب العادلة والمشروعة للصيادلة التي ظلت حبيسة الأدراج والرفوف والمكاتب بالوزارة الوصية وكل القطاعات المعنية، سيما أمام أجواء اليأس وعدم الثقة، التي أصبح يشعر بها جل الصيادلة بعد طول انتظارهم، قد يتطور إيقاعها وينفجر دون إنذار مسبق، لا سيما أن صيادلة القاعدة يشددون على التصعيد حتى تحقيق الكرامة والعيش الكريم، حيث أصبحت لدى عموم المهنيين قناعات راسخة بأن المعركة قد بدأت وأنه قد حان الوقت لاسترجاع وتحقيق الملف المطلبي.