منذ السابع من أكتوبر 2023، تكبد محور المقاومة الذي تقوده إيران سلسلة من الضربات القاسية: نظام بشار الأسد انهار، حزب الله اللبناني وحماس تلقيا خسائر كبيرة، الحوثيون جرى إنهاكهم. ومع ذلك، لم يتراجع المحور أو ينكمش، لاسيما مع التحاق أحدث المنضمين إليه: جبهة البوليساريو، الحركة التي تخوض نزاعا مسلحا مع المغرب حول الصحراء منذ 1975. ورغم أن البوليساريو لا تشترك كثيرا مع وكلاء إيران الشيعة في الشرق الأوسط، فإن هذا التحالف يخدم الطرفين، فمن جهة تستفيد الجبهة من خطاب «التضامن الأممي ضد الإمبريالية»، بينما تكسب إيران ذراعاً إضافية ضمن مشروعها العابر للحدود من جهة أخرى. مقاتلو البوليساريو في سوريا في سوريا، يُحتجز مقاتلون من البوليساريو تحت سلطة النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع، الذين تلقوا تدريبات على يد خبراء إيرانيين، ويُعتقد أنهم شاركوا في «ألوية المقاومة الدولية» – أي الجناح العسكري – التي دعمت نظام الأسد. ومع سقوط النظام، ترك المئات منهم عالقين وتم اعتقالهم. مؤخراً، أصدر الشرع قراراً بإغلاق مكتب البوليساريو في دمشق، وهو الذي ظل مفتوحاً طوال سنوات الحرب الأهلية. ورغم تورط الجبهة في الاصطفاف الإيراني وما رافقه من فظاعات الميليشيات، لم تفرض عليها عقوبات غربية، بل وجدت لنفسها مكانا بين القضايا التي يتبناها اليسار العالمي تحت شعار العدالة الاجتماعية. تحالفات عابرة للأيديولوجيا وجود البوليساريو إلى جانب وكلاء إيران في سوريا، يكشف عن تعاون غير متوقع بين نظام ديني ثيوقراطي وحركة ذات جذور ماركسية – لكنها تميل أكثر فأكثر نحو الإسلام السياسي – في نزاعها مع المغرب. مثل هذه التلاقي ليس بالجديد ؛ فقد شهد العالم نماذج مماثلة خلال الحرب الباردة، حين مولت موسكو حركات تمرد حول العالم وحولتها إلى وكلاء ضد الغرب. في لبنان وليبيا، اجتمع مقاتلون من قارات مختلفة، تدربوا معا ونفذوا عمليات مشتركة، ورأوا أنفسهم جزءاً من «نضال أممي واحد». في سياق مشابه، استعاد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو – الذي كان ينتمي لحركة «M-19» – العام الماضي ذكريات التدريب في صحراء ليبيا إلى جانب مقاتلي فلسطينيين والبوليساريو في عهد القذافي، حيث قال: «كنّا هناك معا نواكب النجوم في الصحراء»، في تعبير عن حنين رومانسي لماضٍ ثوري تحاول إيران اليوم إحياءه بلمسة إسلامية من خلال وكلائها. رومانسية ثورية جديدة اليوم، يتجلى هذا «العشق الثوري» في خطاب التضامن الأممي الذي بات يُصاغ بلغة «التقاطعية»، أي ربط قضايا التحرر بحقوق الأقليات والبيئة والحركات الاجتماعية. في يناير الماضي، زارت الناشطة السويدية غريتا تونبرغ مخيمات تندوف بالجزائر، وشاركت في فعالية تضامنية مع البوليساريو بحضور أكراد وفلسطينيين ونشطاء غربيين .. يلاحظ الأمر نفسه لدى النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي، ريما حسن، التي تصف الجزائرب»مكة الثوار»، وكانت ضمن «أسطول الحرية» المتوجه إلى غزة رفقة تونبرغ. هذا الدعم لا يقتصر على أوروبا. ففي البرازيل، يمثّل سايد ماركوس تينوريو نموذجاً لالتقاء الماركسية القديمة مع المشروع الإيراني – تينوريو شيوعي قديم اعتنق التشيع – الذي يرأس معاهد صداقة مع إيرانوفلسطين، ويدير منظمة داعمة للبوليساريو. زار تينوريو تندوف مرات عدة، وشارك في مؤتمرات هناك ونسّق فعاليات مشتركة مع ممثلي الجبهة في البرازيل. أدى هذا التداخل في السرديات إلى مزج القضايا: دعم فلسطين، إحياء الثورة الإيرانية، الترويج لقضية الصحراء، وصولاً إلى رحلات «أسطول الحرية» التي جمعت تونبرغ وحسن. بين الحلم الثوري والاستغلال السياسي بالنسبة لهؤلاء النشطاء، المعركة واحدة ضد «الشر المشترك»: الرأسمالية، الولاياتالمتحدة، الغرب، وإسرائيل. لكن إيران نجحت في تحويل هذا الحماس الثوري إلى أداة تخدم استراتيجيتها، بفضل الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه لحركات متباينة في المشرق والمغرب. مع ذلك، فإن اكتشاف مقاتلي البوليساريو المحتجزين في سوريا يفضح الوجه المظلم لهذا التلاقي، ويكشف كيف يمكن أن يتحول النشطاء بسرعة إلى أدوات نفوذ في يد محور إيران. لقد عرفت المجتمعات الغربية عواقب مماثلة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حين انجذب آلاف الشباب إلى العنف المسلح تحت راية «تغيير العالم». واليوم، تبدو الرومانسية الثورية نفسها على وشك إعادة إنتاج الماضي، هذه المرة بوجه إيراني جديد.