قضت البلاغة الوطنية لملك البلاد أن نضع الصحراء نظارة لكي ننظر إلى كل الشراكات وكل الصداقات مع الخارج، وينظر بها إلى العالم. وقد غيرت هذه الحكمة الملكية والقاعدة الأخلاقية في الانسجام من موازين القوة، وأخرجت الكثيرين من مواطن الراحة ومن الطمأنينة الرمادية التي اختاروها لأنفسهم. والمغرب يخوض المعركة الأخيرة في تثبيت مبادرته للحكم الذاتي يدرك بأن الأنظار موجهة إليه من طرف الدول التي فرضنا عليها نظارات الصحراء، ومن طرف الذين اختاروا احترام وحدتنا واحترام إرادتنا الوحدوية، ومن طرف الخصوم أنفسهم الساعين إلى تطوير لائحة حججهم التي سيشككون بها في الجدية الوطنية أو يضربون بها في صلابتنا المؤسساتية. هذه النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم يحسن بنا جميعا أن ننظر بها كذلك إلى أنفسنا لتكون هي النظارة التي نقيس بها صدق مواطنتنا. لهذا سيكون الوجه الآخر لنظارة الصحراء هو أن تصبح نظارة للنظر داخليا. ومن الحكمة أيضا أن تكون هي نفسها النظارات التي ننظر بها إلى وجهنا في المرآة. لأن النظرة التي ستتحكم في قضيتنا الوطنية هي قوة القانون وقوة الديمقراطية وقوة المؤسسات وطي صفحة المزاج وطي صفحة العجرفة والتعامل من فوق القانون والتعالي عن المواطنة الجديرة بالمساواة. لم يعد مقبوًا أن نتابع «فضائح» الصفقات وكأننا نتبادل منشورات افتراضية، ولم يعد مقبولا أن نستيقظ كل صباح على اسم وزير أو شقيقه أو اسم رئيس أو زوجته، وهم في قفص التهام- نعم الالتهام وليس الاتهام- أموال الشعب والدولة، أموال الدولة الاجتماعية، وأموال الاستثمار العمومي، وأموال التنمية والجبايات والميزانية. يجب أن يكون شرط السياسة النزاهة. ولن نقبل ذرائع متهالكة ومتهافتة: هذه القضية ستكون في صالح التيار البوذي، وهذه الأخرى في خدمة الكنيسة البروتستانتية. وليس في السياسة سوى أن يكون الحديث واضحا حول تأمين البلاد. إن التعامل مع قضية الحكم الذاتي- نقولها ونكررها- يبدأ من مؤسسات الدولة ومن توازنها، ومن شراكتها في احترام القانون وسموه. ولنتذكر دوما أن صوتنا أصبح مسموعا لأننا أصبحنا أكثر ديمقراطية وأصبحنا أكثر قدرة على تسمية كل شرورنا وعيوبنا من الإصلاح إلى الإنصاف والمصالحة. يجب أن يتأكد مجددا بأننا دولة المؤسسات وليست دولة المزاج والغلبة بالأغلبية، نلتزم بما نقرره ونقرر ما نلتزم به. الممارسة هي التي ستحدد حظوظنا بشكل كبير في مفاوضات الشوط الأخير من وحدتنا، التي نغلق ملفها بقيادة ملك الصلاح والإصلاح. لم نكن في حاجة إلى القانون، وقوة المؤسسات وأوزانها في خدمة المغرب والمغاربة كما نحن اليوم. لقد كان سمو القانون دوما ورقة رابحة للمغرب. صرامة دولة الحق والقانون هو صرامة للخدمة الوطنية. عندما سنحيل في مبادرتنا المدنية للحكم الذاتي على الدستور المجدد والقوي والمتقدم، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الآخر سيقرأ الفصل 36 وما يقوله: «يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي. على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية».