في تلك اللحظة التي أقف متأملا تلك المعلمة التاريخية المطلة على المحيط، كانت رائحة الأرض قوية والبحر يتموج ضاحكاً، كان إيقاع الفصول الذي لا ينتهي وعجلة الحياة التي لا تتوقف أبداً، والجهات الأربع تضيئها الشمس، إلا أني شعرت بأن تلك المعلمة أخذت بالانهيار، ربما الجنون أو ضربة شمس أو نومة من مفارقة الذات، هل أستمر في خداع نفسي. الآن تبدو كالشبح ينفث سمومه في صدره، أهرب من ذاتي لأجد نفسي مقابل تلك المعلمة المنعزلة على الساحل تروي حكاياتها للمحيط، لكن هل من المنطق أن تجد جسدك منفصلاً عن ذهنك، يبدو الجسد كجثة هامدة لا حراك، ومن جديد تحذير مخيف بأن هناك فقط حياة واحدة لجميع البشر. هناك عبرت نوارس السماء واختفت إلى ناحية الشمال، ولكن طيرانها تواصل في رأسي وهي تطلق زعيقها الأجوف، همسات ضائعة.. لا أدري كيف أصعد. الحيرة تنهش جدران الذاكرة. أتصفح بعض الأوراق وبعض الصور. لا أدري هل أقرأ ما دار بيننا من حوار، حدقت في صورة حملتها معي لأبعثها مع رياح الساحل، أحدق فيها بشغف، يراودني شعور بالألم وإحساس بالخوف لا مثيل له «إلى الذي أنجبه هذا الكون» أكاد أحترق. أعيش الملل والوحدة.