وقفت المنظمة المغربية ، في تقريرها عن الانتخابات على ممارسات ما قبل العهد القديم. المنظمة التي اعتمدت مقاربة موضوعية، حقوقية، تابعت اطوار الانتخابات في كل من الرباطوالعيون، وكونت نظرة عما جرى في ذلك اليوم ، يوم أصبح له تاريخ. ورأينا من خلال التقرير ( الذي ننشره على حلقات) ممارسات خلنا أنها انتهت وذهبت الى غير رجعة. لكننا كنا نحلم بعيون مفتوحة على واقع لا يصدق. نحن نريد شعبا مسيسا، شعبا يقترب من لحظة النبل السياسي، لكننا نضع في طريقه الى السياسة كائنات لا تتورع عن اغتيال وطن من أجل بضعة أصوات. نتقدم خطوات الى الأمام لنكتشف أننا نسير في الاتجاه غير الصحيح، ويتبين لكل انسان موضوعي أن العطب أعمق مما نتصور. وأعمق أيضا مما نضعه في الحسبان. لقد كان اختيار المنظمة موفقا للغاية عندما اختارت الرباط ... والعيون. وفي الاختيار بالفعل رسالة مهمة. لمن يعنيه الأمر، كما أن الارض الطاهرة في العيون موضع إجماع وطني ينتظر أن ترتقي فيها الممارسة السياسية الي مرتبة متقدمة. لكن الذي حصل هو أننا اكتشفنا، على «عتبة» المغرب ، سلوكات مذهلة. في العاصمة وفي العيون توصلت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ، بنسخة من الورقة الفريدة للتصويت، وتسلمت صورة لها بعد التأكد من سلامتها ولاحظت المنظمة في العاصمتين معا، إغلاق بعض مكاتب التصويت في منتصف النهار ولاحظت تصويت مواطنين بعد السابعة مساء وفي الفرز سجلت أنه « لم يصرح بعدد أوراق التصويت غير المستعملة، وتم إحصاء عدد الأصوات دون التأكد من مطابقتها لعدد المصوتين». ولاحظت أيضا العديد من هذه الحركات التي تعود الي زمن مضى. لقد مضى ذلك الزمن ولكن ما فيه عاد بشكل وقح ومستفز وبئيس. في عاصمة البلاد رأى الحقوقيون ما تعانيه الديموقراطية المغربية وفي قلب معركتنا الوطنية يسمح البعض لنفسه بتسفيه كل الاهداف الوطنية من أجل بقعة أو بقعتين من أرض يسيل فوقها الدم وتسير في رمالها حكايات شعب يقاتل من أجل وحدته. في العاصمة أيها السادة تغلق مكاتب التصويت عند منتصف النهار ويصوت الناس بعد السابعة ولا يمكن التأكد من عدد المصوتين الخ الخ الخ وفي العاصمة، ومن شاشتها الكبيرة ، كان وزيرنا في الداخلية يقول بأن هناك «سلوكات معزولة» لبعض المفسدين. طبعا السلوكات وصافي، كما يقول المغاربة لبعضهم عندما ينصحونهم «سلك ». [-كيف حالك؟ - السلوكات ...!] وكذلك يبدو أن السي شكيب يميل الى «السلوكات»، حتى لا يزيد نفور الناس من السياسة. في الواقع نحن شعب عظيم للغاية،والذين ما زالوا يؤمنون بجدوى العمل السياسي يستحقون بالفعل وسام الشرف والاستحقاق من درجة بطل، لأنهم لم ييأسوا بعد وما زالوا يؤمنون بأن السياسة قادرة على أن تعيش نبيلة، مثل المرأة الحرة، تموت ولا تأكل بثديها. وبالرغم من كل «الحلابة» الذي يحيطون بأفواههم المفتوحة بثدي البلاد، يمكن أن تكون هناك استثناءات تشكل في الواقع قاعدة المعقول السياسي. ومن المؤكد أن تقرير المنظمة سيبعث القشعريرة في بدن كل من يحب بلاده، ويحب أن تكون مؤسساتها منذورة للمستقبل وليست مشدودة إلى الماضي. لا أحد فعلا يمكن أن يتهم المنظمة بأنها تنكس أعلام الحماس أو أنها تسعى الى التشكيك من أجل الدعوة الى التمرد، ولا أرى أن أمينة بوعياش طباخة ماهرة لليأس أو التيئيس، والفريق الذي انكب علي العمل ، فريق مناضل يؤمن بأن الواقع عنيد، وأن أجمل الانهار لا بد له من منعرجات لكي يتقدم ، وأشعر أنهم أصيبوا بغير قليل من الحيرة وهم يتابعون أطوارا من مسلسل انتخابي اعتقدوا أنهم تركوه في صفحات هيئة الانصاف والمصالحة وطووه مع الماضي. لا أحد فعلا يمكن أن يتهم المنظمة بأنها تنكس أعلام الحماس ، أو تدعو الى تعميم الظلام على كل الناخبين ، لكن الفاجعة هي عندما تضعف سلوكات المرشحين، مناعة الاكثر واقعية والاكثر إيمانا بالعقل والتعقل. فإذا كان هذا هو حال العاصمة ، فكيف سيكون الامر في أسواق المملكة ومداشرها؟ كان من مصلحة بلدنا أن تنقرض سلوكات حيوانية تبتلع الأمل ، وكان من مصلجة بلدنا أن تنقرض احزاب بكاملها تمارس هذا النوع من النكوص العمدي نحن الوراء. كان من مصلحتنا أن سلوكات البعض كانت معزولة في مناطق معزولة( لا عين شافت ولا قلب وجع) لكن ان تصل الى ....«عتبة» الدولة ، ففي ذلك تحد لا مثيل له وقابل لكل القراءات ، بما فيها القراءة الايجابية طبعا!