يشهد المغرب هذا الصيف موجة غلاء غير مسبوقة طالت مختلف الخدمات السياحية، من كراء الشقق والفنادق إلى المطاعم ووسائل النقل، الأمر الذي دفع أعدادا متزايدة من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى صرف النظر عن قضاء عطلتهم داخل البلاد، مفضلين وجهات أوروبية بديلة، وعلى رأسها إسبانيا. الاختيار لم يكن عشوائيا، بل جاء كخيار اقتصادي منطقي، بعدما أصبحت تكلفة العطلة في المغرب ضعف ما قد يُصرف في وجهات أوروبية مثل مالقا أو أليكانتي أو فالنسيا. المفاجأة أن الأسعار في إسبانيا – رغم ارتفاع الأجور ومستوى العيش – تبقى أرخص بنسبة تصل إلى 50% مقارنة مع نظيرتها في طنجة أو مراكش أو تطوان. الأسعار ترتفع.. والحكومة تغيب هذا التحول في وجهات السياحة الصيفية يسلّط الضوء على فشل ذريع تتحمله الحكومة ووزارة السياحة، اللتان لم تبادرا بأي إجراءات حقيقية لضبط الأسعار، أو حماية القدرة الشرائية للمواطنين والسياح. في ظل غياب آليات للمراقبة، يشتغل القطاع السياحي في المغرب بمنطق الربح السريع والمضاربة الموسمية، دون مراعاة لتأثير ذلك على صورة البلد أو استدامة السياحة الوطنية. "دفعت في طنجة ثمن شقة متواضعة ما يعادل فندق 4 نجوم في إسبانيا"، يقول ياسين، مغربي مقيم في باريس. ويضيف: "كنا نعود كل صيف للمغرب رغم المشاكل، لكن الأسعار هذا العام دفعتنا لاختيار إسبانيا.. هناك على الأقل تحترمك كزبون". وزارة السياحة في سبات صيفي في الوقت الذي تتبجّح فيه وزارة السياحة بأرقام الوافدين، يغيب أي تحرّك فعلي لوقف نزيف الثقة في السياحة الداخلية. لا حملات مراقبة، لا تحفيز للأسعار الاجتماعية، لا حلول عملية، بل صمت مريب واكتفاء بشعارات جوفاء حول "المغرب الوجهة المفضلة". المؤشرات تُظهر أن المملكة تخسر زبائنها التقليديين، ليس فقط لصالح وجهات آسيوية أو أمريكية، بل لفائدة دولة قريبة تشاركها البحر المتوسط، وتتفوق عليها في حسن التدبير والتسويق والتسعير. الرسالة وصلت.. فهل من مجيب؟ رحيل مغاربة العالم عن وجهتهم الصيفية التقليدية ليس مجرد هجرة سياحية، بل تصويت احتجاجي صامت ضد الفوضى، وسوء الحكامة، وعشوائية الأسعار. إن كانت الحكومة ووزارة السياحة لا تعلمان بما يحدث، فالمصيبة أعظم. وإن كانتا تعلمان ولا تتحركان، فتلك خسارة استراتيجية لا تغتفر في وقت تراهن فيه الدولة على السياحة كرافعة اقتصادية. يُذكر أن أفراد الجالية المغربية يشكلون إحدى أهم شرائح الزوار الموسميين للمغرب، ويُعوّل عليهم لإنعاش القطاع السياحي، غير أن الغلاء المتواصل قد يدفع كثيرين إلى البحث عن وجهات بديلة خارج الوطن، وهو ما بدأت ملامحه تبرز بشكل جلي هذا الموسم.