بعد مرور عشرين عاما على دخول الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ حيز التنفيذ، تجتمع وفود أزيد من 140 بلدا، على مدى أسبوعين في جنيف، لإعطاء زخم جديد للجهود العالمية لمكافحة آفة ذات تعقيدات متنامية. ويعد وباء التبغ أزمة واسعة النطاق، إذ يتسبب في وفاة أزيد من 7 ملايين شخص سنويا، لكن خطره يتجاوز الصحة العامة، ويمتد تأثير هذه الصناعة أيضا وبشكل ملموس ليشمل النظم البيئية، وارتفاع معدلات الجريمة، وسلاسل الإمداد. وفي جنيف، يجتمع أكثر من 1400 مندوب يمثلون الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لمناقشة سبل مكافحة الإدمان على تعاطي النيكوتين، خصوصا لدى الأطفال، فضلا عن التهديد المتصاعد للتجارة غير المشروعة لمنتجات التبغ. وتشكل هذه القضايا الملحة، وكذا المسؤولية الجنائية والمدنية في مجال مكافحة التبغ، محور النقاشات في الدورة الحادية عشرة لمؤتمر أطراف الاتفاقية الإطارية للمنظمة العالمية للصحة (COP11/FCTC) والدورة الرابعة لاجتماع أطراف البروتوكول (MOP4) المنعقدتين هذا الأسبوع والأسبوع المقبل. ويعتبر أندرو بلاك، رئيس أمانة الاتفاقية الإطارية بالنيابة، أن هذا المؤتمر يشكل لحظة حاسمة لتعزيز الجهود العالمية الرامية إلى مواجهة تعاطي التدخين، مشيرا إلى أن الاتفاقية الإطارية تعتمد على أدلة دامغة، ومكنت من إنقاذ حياة الملايين من الأشخاص. غير أنه شدد، خلال ندوة صحافية، على ضرورة بذل المزيد من الجهود من أجل مواجهة انتشار تعاطي منتجات التبغ والنيكوتين، وخاصة السجائر الإلكترونية، مسجلا أن "15 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما يدخنون السجائر الإلكترونية عبر العالم"، ما يبرز الحاجة الملحة لحماية الشباب من الإدمان. من جهتها، أوضحت كايت لانون، المستشارة القانونية الرئيسية في أمانة الاتفاقية، أنها "المرة الأولى التي تناقش فيها الأطراف، بشكل محدد، ضرورة التوصل إلى التقليص من الإدمان على النيكوتين، في ظل تناميه بين الشباب. وفي السياق نفسه، أكدت راينا روا، رئيسة مؤتمر أطراف الاتفاقية الإطارية كوب11، على أهمية حماية الأجيال القادمة من تأثيرات التبغ، مبرزة ضرورة تقنين منتجاته، وخصوصا المادتين 9 و10 من الاتفاقية – الإطار، اللتين تهمان تصنيع هذه المنتجات وبيعها. وقالت: "يتعين علينا تطبيق إجراءات تهدف إلى تقنين أمثل لمنتجات التبغ ومنع ترويجها من قبل هذه الصناعة". وتبحث النقاشات خلال هذا المؤتمر كذلك مسؤولية صناعة التبغ، بما في ذلك تطبيق المادة 19 من الاتفاقية الإطارية. كما تتطرق النقاشات إلى التأثير البيئي لصناعة التبغ، خصوصا النفايات غير القابلة للتحلل مثل مرشحات السجائر والمنتجات الجديدة. وفي هذا الصدد، حذر أندرو بلاك من أن "النفايات الناتجة عن صناعة التبغ تعد المصدر الأول للتلوث في العالم"، فيما شددت رئيسة مؤتمر كوب11 على ضرورة تصنيف هذه النفايات ك "نفايات خطرة" تتطلب تدبيرا مناسبا، وذلك ارتباطا باتفاقيات، من قبيل اتفاقية بازل. ويفترض أن يتفق المندوبون على ضرورة القيام بعمل جماعي للقضاء على التجارة غير المشروعة لمنتجات التبغ، وهي الآفة التي تضر بالأمن العام وتغذي الجريمة المنظمة. ذلك، أن التجارة غير المشروعة لمنتجات التبغ تشجع سوقا متنامية تغذي الإجرام والفساد. كما تحرم هذه التجارة، التي تقدر بحوالي 47 مليار دولار، الحكومات من موارد هامة كل عام. وفي ظل ظهور منتجات جديدة واستراتيجيات تجارية مبتكرة تعيد تشكيل سوق النيكوتين، يبرز مؤتمر الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ كحدث حاسم يتوخى إعادة تنظيم جهود المجتمع الدولي وتعزيز الاستجابة العالمية في مواجهة تهديد متعدد الأبعاد.