تشهد اليوم هذه الصراعات تفاعلاً أكبر بعد مرور عام ونصف على الانتخابات، ومن أبرز معالمها اعتقال عسكريين وإصدار أحكام عليهم وإدخال تعديلات في أجهزة الأمن والاستخبارات وتبادل هجمات سياسية ثم صعوبة الاتفاق على مشروع الميزانية. بل وانتقلت هذه الصراعات إلى الصحف ووسائل الإعلام أمام أعين الجزائريين المصابين بخيبة أمل حادة. من المعروف أن حالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الصحية متدهورة، وهو لا يظهر علنًا إلا في ما ندر، فيما تثير رحلاته المفترضة والحقيقية إلى أوروبا لغرض العلاج، وكانت آخرها رحلة إلى مدينة غرنوبل الفرنسية في الثالث والرابع من دجنبر الجاري، الكثير من الإشاعات. أما تصريحات السلطة وبياناتها المطمئنة فلا تستطيع إقناع الناس بأن الرئيس يؤدي مهامه بشكل طبيعي. ونقلت صحيفة لوموند الفرنسية عن المحلل السوسيولجي ناصر جابي قوله "البلد حاليًا بلا رئيس، وهو ما يفتح المجال لبروز لاعبين جدد داخل المؤسسة الحاكمة، وهؤلاء يخلخلون قوانين اللعبة التقليدية". وشهدت الجزائر خلال الأسابيع الماضية أهم التغييرات في المؤسسة العسكرية التي تسيطر على الحياة السياسية في البلاد منذ 1962. فخلال الأشهر الماضية، أحيل عشرات الضباط من جهاز المخابرات (DRS) والأمن إلى التقاعد أو جردوا من مهامهم. وتم تفسير هذه التطورات في الجزائر بكونها حلقة جديدة من سلسلة أحداث تجري بسبب صراع يقوم بين الرئيس وأقاربه، لا سيما شقيقه سعيد، ورئيس أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، المتحالف مع عدد من رجال الأعمال من جهة، وقادة جهاز المخابرات من جهة أخرى. وشهدت الجزائر هزة أخرى في شهر نونبر عندما وقّعت تسع عشرة شخصية جزائرية معروفة بقربها من الرئيس رسالة أدانت فيها "تدهور الجو العام"، ويعني ذلك أن الرئيس ما عاد يسيطر على صنع القرار ثم طالبت بعقد لقاء معه، ولكن هذا لم يعجب السلطة، ورد رئيس الوزراء عبد المالك سلال على سؤال وجهته صحيفة لوموند بهذا الخصوص بشكل جاف، وقال "هذا ليس حدثًا"، وكان من الواضح أنه لم يكن راغبًا في التحدث عن هذا الموضوع. من جهته، فسر العالم السوسيولوجي الجزائري ناصر جابي هذا الموقف بالقول "لا يريدون أن يظهروا أنهم في حالة قطيعة تامة مع الرئيس أو أن يظهروا وكأنهم في المعارضة"، ثم اعتبر أن "هذه المبادرة بينت بشكل خاص التغيير الحاصل على مستوى النخب وبروز شخصيات من القطاع الخاص". من جهتها، تجد المعارضة صعوبة في إيجاد من يصغي إليها. وقال سيد احمد غزالي، رئيس الوزراء السابق الذي تحول إلى المعارضة: "تسلط الأضواء على مريض لإخفاء المريض الحقيقي، وهو النظام الذي لا يستطيع أن يتخيل شيئًا آخر غير ما فعله حتى الآن". وتعاني الجزائر كسادا اقتصاديا غير مسبوق بسبب تراجع أسعار النفط الذي نزل إلى 40 دولارًا بدلاً من أن يرتفع إلى 120 لضمان توازن الميزانية التي اعتمد النواب مشروع قانونها لعام 2016 في 30 نونبر الماضي.