مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران .. إشكالات وسياقات ومآلات    حجيرة: تعاونيات المغرب تلج التصدير    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    شاحنة تدهس شاباً وترديه قتيلاً بجماعة إنشادن    عائلة بودراجة تتوعد بالمتابعة القضائية    "فرانس بريس": الملك سيزور فرنسا في نهاية العام الحالي أو في بداية 2026    إجهاض محاولة تهريب سبعة أطنان و50 كيلوغراما من من من در الشيرا بميناء طنجة المتوسط    ولد الرشيد يستقبل وزير خارجية بنما وهذا الأخير يجدد دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي    عصام الشرعي مدربا لنادي فيسترلو البلجيكي    قطر تجدد دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي    من قلب باريس.. وزير الصناعة يكشف عن اتفاقيات واعدة تعزز مكانة المغرب في صناعة الطيران    إثيوبيا على خُطى كينيا نحو دعم مغربية الصحراء.. تحولات عميقة تعيد رسم موازين القوى في إفريقيا    أكادير تحتضن الاجتماع الرابع رفيع المستوى لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب في إفريقيا ضمن "منصة مراكش"    العصبة الوطنية تعلن عن موعد انطلاق موسم البطولة الاحترافية 2025-2026    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزان تهتز على وقع جريمة قتل راح ضحيتها جندي متقاعد    فاطمة الحمامصي… مسار نسائي رائد يُكرَّم في طنجة    فرع الحزب الاشتراكي الموحد –هولندا يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويؤكد موقفه الثابت ضد الحروب والإمبريالية    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    تهديد مباشر لخامنئي.. ترامب نعرف تحديداً أين يختبئ المرشد الأعلى    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    4.2 مليار درهم عائدات الضريبة على المركبات في 2024    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأحمر    الصحة والنزاهة على طاولة واحدة .. ورشة تسائل التوريد والممارسات الطبية    تأجيل الجمع العام للرجاء الرياضي إلى غاية السابع من شهر يوليوز    في المغرب .. الفاشلون يطاردون المتفوقين عبر ساحات التنمر الإلكتروني    رونالدو يهدي قميصه لترامب برسالة غير متوقعة    الوداد الرياضي يختتم تحضيراته قبل مواجهة السيتي        رئيس الحكومة يؤكد على مكانة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النموذج التنموي    الذهب يصعد وسط القتال بين إسرائيل وإيران ودعوة ترامب لإخلاء طهران    هلال: المغرب يلتزم بالتصدي للكراهية    مجزرة جديدة تحصد أرواح المجوعين.. مقتل 47 فلسطينيا بنيران إسرائيلية قرب مركز مساعدات في غزة    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    طنجة الدولية.. اختبار فرضيتي التحول والتفاعل    أمطار رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    استئنافية الرباط تحجز ملف الصحافي حميد المهدوي للمداولة والنطق بالحكم في 30 يونيو    "سي إن إن": تقديرات استخباراتية تفيد بتأخير البرنامج النووي الإيراني لأشهر بسبب الضربات الإسرائيلية    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    ترامب يقول إنه يريد "نهاية فعلية" للنزاع بين إسرائيل وإيران "وليس وقف إطلاق نار"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    موازين 2025… أزمة توزيع المنصات تثير استياء الجمهور    22 دولة إسلامية تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتطالب بوقف فوري للتصعيد في الشرق الأوسط    الأمير مولاي رشيد يترأس الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    مجموعة السبع تؤكد على"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتعارض امتلاك إيران لسلاح نووي    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الكليشيهات» الإيديولوجية التي قامت عليها دولة إسرائيل الصهيونية
كتاب «رسالة إلى صديق إسرائيلي» يفضح عمق أزمة الهوية التي تعيشها إسرائيل
نشر في المساء يوم 23 - 05 - 2010

في رسالة مفتوحة إلى صديقه الإسرائيلي إيلي بارنافي، السفير السابق لإسرائيل في فرنسا، بسط ريجيس دوبريه أفكاره في سلسلة مواضيع تهم السياسة، التاريخ، المعتقد، وتتلخص في
قضايا الصهيونية، معاداة السامية، المحرقة اليوم، مخاطر الانطوائية، العالم الجديد، وإسرائيل المزدوجة. غير أن هذه المواضيع تتقاطع حول موضوع محوري هو انسياقات، بل انزلاقات إسرائيل نحو محو الآخر باسم «أحقية» التوراة.
يزاوج ريجيس دوبريه، وهو من مواليد 1940 بباريس، وعن استحقاق، بين تخصصات عديدة تغطي مجالات الفلسفة، النقد، الرواية، السياسة، الدين. انخرط مناضلا سياسيا، بل ثائرا في المجريات الكبرى والحاسمة للقرن العشرين، التي بصمتها أعلام ثورية من قبيل فيديل كاسترو، تشي غيفارا، بابلو نيرودا، سالفادور آليندي...، ومع ذلك يبقى دوبريه عصيا عن التوصيف والتصنيف في قالب أو خانة ضيقة. بعد تخرجه من مدرسة المعلمين، قام برحلة إلى كوبا عام 1961 ليعمل إلى جانب «كتائب محو الأمية»، التي أسسها فيديل كاسترو. في سنة 1963 حل بفينيزويلا لتصوير فيلم عن حرب العصابات، غير أنه ترك الكاميرا وحمل البندقية ملتحقا بصفوف الثوار. اعتقل ما بين 1967 و1971 بسجن بوليفيا. بعد إطلاق سراحه أقام لمدة عام في الشيلي قبل أن يعود إلى فرنسا سنة 1973. منذ ذلك التاريخ، وبعد تقلده لعدة مسؤوليات في هرم الدولة، بدعوة من الرئيس ميتران، تفرغ للكتابة والإشراف على دفاتر علم الإعلاميات Cahiers de médiologie التي أسسها عام 1996، وهي مجلة موسمية. ويناهز نتاجه اليوم 47 مؤلفا، شكلت، في كل مرة عند صدور أحدها حدثا ثقافيا وإعلاميا بامتياز.
كمثقف منخرط في زمانه، كان لزاما على ريجيس دوبريه، من باب الأخلاق السياسية والإنسانية، أن يعرض رأيه في قضية القضايا: القضية الفلسطينية. في أمريكا ثمة ضمير اسمه ناووم شومسكي. اليوم يمكننا القول إن القضية الفلسطينية، بعد مواقف وكتابات جان جينيه، جيل دولوز، جيزال حليمي، وآخرين، كسبت مع ريجيس دوبريه علما وازنا وصوتا ثقافيا خلخل الوسط الصهيوني وأتباعه في فرنسا وخارجها. ولا زالت تداعيات الهزة التي أحدثها كتابه «إلى صديق إسرائيلي»، الصادر هذا الأسبوع عن منشورات فلاماريون، في بداياتها الأولى.
في الإهداء، نقرأ: «احتفاء بدانيال بارنبوم، مؤسس الأوركسترا الإسرائيلية-العربية، الذي له شجاعة النظر بعيدا». بمعية إدوار سعيد، أسس دانيال بارنبوم «ديوان الشرق والغرب»، الذي جاب أكثر من دولة أوروبية، وعالمية بما فيها إسرائيل، للدفاع عن التقارب الفلسطيني-الإسرائيلي.
في رسالة مفتوحة إلى صديقه الإسرائيلي إيلي بارنافي، السفير السابق لإسرائيل في فرنسا، بسط ريجيس دوبريه أفكاره في سلسلة مواضيع تهم السياسة، التاريخ، المعتقد، وتتلخص في قضايا الصهيونية، معاداة السامية، المحرقة اليوم، مخاطر الانطوائية، العالم الجديد، وإسرائيل المزدوجة. غير أن هذه المواضيع تتقاطع حول موضوع محوري هو انسياقات، بل انزلاقات إسرائيل نحو محو الآخر باسم «أحقية» التوراة.
شجاعة القول والحوار
أدرك ريجيس دوبريه جيدا قبل كتابته لهذه الرسالة أن تدخله في القضايا التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، وخاصة أرض فلسطين، قد تتسبب له في خصومات عديدة. وهو يعرف ويدرك جيدا، من موقع المسؤولية، دلالة المحنة التي عاناها اليهود. فقد سبق له أن ساهم إلى جانب سيرج وبيت كلارسفيلد في القبض على كلوس باربي، رئيس الغيستابو في مدينة ليون، والملقب ب«جزار ليون»، الذي فر بعد نهاية الحرب ليختبئ في بوليفيا. يتوجه دوبريه إلى صديقه مخاطبا: «قد ترد علي: لماذا لا تتوجه بنفس الانتقادات إلى صديق فلسطيني؟ أجيبك بأنه من الصعب توبيخ مهزوم وهو طريح أرضا. لا يحق لنا سوى محاسبة الأقوياء. أولئك الذين حالفهم النصر. غصبا عنك، وعني، ننتمي إلى هذه الحظوة. فيما تمارس التاريخ بشكل احترافي، أقاربه أنا مقاربة الهواة. لكن لا نخلط بين النزعة الإنسانية والإنسانوية». يقر ريجيس دوبريه بأن القواسم المشتركة التي تجمعه بمخاطبه كثيرة. لكن ثمة خلافات يشدد عليها، بحكم مراقبته لصيرورة ومفارقات المجتمع الإسرائيلي. أولى هذه المفارقات هي، من جهة، دينامية مجتمع يسعى إلى التجذر في الحداثة، ومن جهة أخرى، انسياقه في اتجاه ماض، يطل منه اليوم مدفع الدبابة الإسرائيلية «مركبة». «بلدك خليط من المفكرين الكبار وصغار السياسيين المحتالين، بين الهاي-تيك وأبخس الممارسات، بين أفلام جيدة وحروب مقيتة، بين الديمقراطية والميز العنصري، (ولا يوجد أي تعارض بين الاثنين)»...ويعبر دوبريه عن خوفه من انطواء اليهود على أنفسهم. إن حرب المائة عام التي ذهب ضحيتها آلاف القتلى من الجانبين، وأسالت الكثير من الدموع، الحبر، وقرارات الأمم المتحدة، لم تفض إلى أي نتيجة، يقول دوبريه.
بما أن إسرائيل تنصب نفسها محامية وممثلة للغرب في الشرق، تطلق العمليات التأديبية ضد الفلسطينيين باسم «الدفاع عن العالم الحر»، فقد أعطى ريجيس دوبريه لنفسه الحق، بصفته غربيا، في النظر في الكيفية التي تطبق بها إسرائيل القيم الغربية في الشرق.
في الصهيونية
خاطب دوبريه إيلي بارنافي قائلا: «عرفت نفسك يوما بأنك «صهيوني مناصر للفلسطينيين»، أي أنك مع قيام دولتين تتعايشان إلى جانب بعضهما البعض». في البداية تلقى دوبريه هذه الفكرة بنوع من الغبطة، قبل أن يقف عند نقائصها. أولى هذه النقائص هي تعبير «مناصر للفلسطينيين». لكن عن أية فلسطين يتحدث بارنافي؟ هل فلسطين الديمقراطية أو التيوقراطية؟ القبلية، الإقطاعية أم فلسطين متعددة الأديان؟ فلسطين التي تشجع فيها المبادرات؟ فلسطين التي تنفتح على الخارج؟ ثم ما دلالة «مناصر للصهيونية»؟ يتساءل دوبريه. أية صهيونية؟ الصهيونية الماركسية؟ الدينية؟ صهيونية حزب العمال؟ أو الصهيونية الفاشية؟ نحن أمام خمسة أو ستة أصناف من الصهيونية. كما أن الصهيونيات تتعدد بتعدد دعاتها : فصهيونية يودا مانيس المؤسس لجامعة القدس العبرية ليست هي صهيونية مارتان بوبر، بيرنار لازار، ميناحم بيغين، ليبيرمان، أو صهيونية توني بلير وآل بوش؟.
لقد تبخر حزب العمال وأصبح الجنرالات هم من يسير إسرائيل. أصبحت الدولة العبرية دولة عادية، تعمل بالمنطق الأمريكي. ب«اجتياح» الروس لإسرائيل، سقطت الدولة في كماشة اليمين الذي يكره كل ما هو اشتراكي. أما «الكيبوتز»، الذي أرادته إسرائيل أفقا عالميا ومنفتحا، فهو اليوم في حالة احتضار.
خطيئة إسرائيل الأصلية اسمها النكبة. لما طرد 800000 فلسطيني من أراضيهم بالسلاح، تبعا لخطة «داليت»، التي كان من ورائها قائد ذو هبة، ( بلشفي من دون شيوعية)، وجيش بلا رأفة: شطب القرى، أعدم المدنيين، وساق خارج أراضيهم أعدادا غفيرة من الفلسطينيين. حينها، لم يثر هذا التطهير العرقي غضب أحد في العالم الرحب. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقف إسرائيل عن سن سياسة الهدم، التقتيل والاعتقال: هدمت 18000 بيت فلسطيني، اعتقلت أو أوقفت 750000 فلسطيني منذ عام 1967. ويوجد في السجون الإسرائيلية 11 ألف معتقل فلسطيني. كما يوجد في الضفة الغربية ما بين 500 و600 حاجز، وهي أمكنة الغاية منها الإهانة والتعنيف، يسمح فيها ليهودي نزل من المريخ أو من كوكب مارس، من نيويورك أو من أوديسا، بمعاملة الفلسطيني كأجنبي على بلده، والذي يناشد هذا الجندي الأجنبي بمنحه رخصة لكي يلتحق بفدانه لمعاينة جفاف شجرة الزيتون. استسلم شعب إسرائيل بعد أن ذاق ملذات النصر في حرب حزيران لنداء النافور ( الشوفار)، الصادع من الأعماق. لكن إسرائيل لم تستمع إلى تحذيرات بعض أنبيائها من أمثال يشاياو ليبوفيتش، الذي اعتبر انتصار إسرائيل في هذه الحرب «كارثة على البشرية وعلى دولة إسرائيل». المؤسف أن إسرائيل ليس لديها أي رغبة في تغيير سياستها. فالأربعة مليارات السنوية التي تمنحها الولايات لإسرائيل هي مبلغ لا يخضع لأي شروط، فيما بعض مئات الملايين التي يستفيد منها الفلسطينيون تقدم لهم تبعا لشروط قاسية.
بانقراض حلم الأوائل، عادت «أسطورة الكيبا»، أي المد الديني. وبدل دولة اليهود أصبحت إسرائيل «الدولة اليهودية». إنها العودة الكلية إلى صهيون، على المستوى الجغرافي، الزمني، واللاهوتي.
في معاداة السامية
ظاهرة معاداة السامية، وهي ظاهرة معروفة، هي في طور الانقراض، يقول ريجيس دوبريه. مبدأ كيان دولة إسرائيل يشكل جزءا من الهوية الجمهورية لفرنسا. كما أن تعبير «معاداة السامية» التي تمطرقها المؤسسات الإسرائيلية لنسبتها إلى مغاربيي أو سود الضواحي، هو لغايات أيديولوجية. فردود أفعال هؤلاء الشباب الناتجة عن البؤس والتهميش لا تطابق الدلالة المتعارف على مصطلح «معادة السامية». لا يدرك هؤلاء معناها ودلالتها. لقد أشار تيودور هيرتزل إلى أن معاداة السامية لن تتسبب في أي ضرر لليهود، بل على العكس قد تصقل شخصيتهم.
الفوبيا الوحيدة المتجذرة اليوم في فرنسا، والتي تجد ترجمتها على لسان بعض الوزراء، أو في المقالات الصحافية هي تلك التي تندد بالمآذن وليس بمعابد اليهود. إن كلمة «العرب» أصبحت اليوم بمثابة سبة. كما أن النقاشات التافهة حول الهوية الوطنية عينت ضحيتها المثلى: «العربي» كموضوع وحيد للامتعاض الفرنسي. النقاب وليس الكيباKipa. يجب الاعتراف بأن الصورة الرمزية لليهودي الفرنسي، ومن خلال ممثليه الرسميين، تقدمه ك«مدلع»
للجمهورية.
نظريا، لا تعترف الجمهورية بأي معتقد أو ديانة، لكنها عمليا خلقت أفضلية تجاه أماكن العبادة والحفلات الدينية. عند نهاية صيام «كيبور» مثلا، يتسابق نحو الكنيس الأكبر لباريس العديد من الوزراء وممثلي المعارضة. فيما الأعياد المسيحية (كاثوليكية وبروتستانتية)، والإسلامية لا تحظى بنفس العناية. أما فيما يخص أعياد المجموعات الإنجيلية السوداء فإن الشرطة هي التي تمثل السلطات!
في رده، يتفق إيلي بارنافي مع مضمون رسالة ريجيس دوبريه، لكن لم يفته أن عاب عليه افتقار الرسالة لمبدأ الحوار. يشير إلى أن فرنسا لا تتوفر على أشخاص ومثقفين قادرين على إدراك كنه التراجيديا التي تعرفها المنطقة منذ عقود. لإدراك حجم هذه الكارثة، فإن ذلك يتطلب ثقافة تاريخية، رفضا للكليشيهات الأيديولوجية، ويتطلب قبل ذلك النزاهة الثقافية. ذاك كوكتيل (مزيج) نادر. ريجيس دوبريه، وهو واحد من المفكرين والمثقفين، يجمع هذه الخصال. يعرف بارنافي نفسه بأنه «صهيوني مناصر للقضية الفلسطينية». ويضيف فكرة غريبة مفادها أن ثمة «صهيونية فلسطينية»، تستنسخ صهيونية إسرائيل، تنطلق من نفس الفرضيات، تنمي نفس الأساطير وتطمح إلى نفس الأهداف. لما تقوم الدولة الفلسطينية، ستمنح لنفسها نفس قانون العودة. سيتابع الأطفال الفلسطينيون الأصول المجيدة للأمة الفلسطينية، والتي تعود، كما يعلم ذلك الجميع، إلى غابر الأزمان، وستكون النكبة سندا سرديا وتاريخيا للدولة الفتية» (ص 134). يتنصل بارنافي، ليوافق بذلك ريجيس دوبريه، من الانسياق اللاهوتي الذي تعرفه إسرائيل اليوم والذي يجعل منها دولة أصولية. «لما أعاين الحمقى والتافهين الذين يدعون تجسيد الصهيونية، أقول في قرارتي إنه من الأفضل الإعلان عن وفاة الصهيونية». ويخلص بارنافي إلى القول، وهو بذلك يتفق مع دوبريه، إلى أن إسرائيل كيانان. كيان يعتنقه شخصيا ومتوجه نحو العالم، كيان علماني وعقلاني، وكيان وثني متمحور حول أرض مؤلهة وسجينة معتقدات عتيقة تستخلص منها أيديولوجية حديثة، غريبة عن الصهيونية وغريبة أيضا عن الدين اليهودي الكلاسيكي. كيانان ليس بينهما أي تراض أو توافق. ويتمنى بارنافي أن تتزايد أصوات شبيهة بصوت ريجيس دوبريه اعتبارا لوزنها الأخلاقي، الفلسفي والسياسي. بعد هذه المحاورة، بدأت ردود فعل الشجب تتحامل على ريجيس دوبريه. وقد انتظمت الجوقة المعهودة من كلود لانزمان إلى بيرنار هنري ليفي، أندريه غلوكسمان وآخرين، لاتهام دوبريه ب«المعاداة البدائية لإسرائيل»، وهو توصيف مكرور ومبتذل.
المحرقة تحولت إلى دين يلازم المخيل الغربي
المحرقة التي ينكرها البعض أضحت في المخيل الغربي دينا يلازم تاريخها، طقوسها، وذاكرتها. في فرنسا، تنظم أسفار حج لأوشفيتز، كما تحمل ذاكرة الحيطان، عبر النصب التذكارية، والبرامج الدراسية والتلفزيونية، هذه الذكرى التي صكت وإلى الأبد في الذاكرة الجماعية. وعلى غرار ما يحدث في إسرائيل، التي أدرجت «يوم المحرقة»، منذ عام 1951 كعيد وطني، مع دقيقة صمت وإغلاق للمقاهي ولقاعات السينما والعرض على غرار النصب التذكاري لياد فاشيم الذي له مقام مقدس في التقويم الوطني الإسرائيلي.
«كدت أذرف دمعة تحسر لما تقدم سفير إسرائيل أمام الكاميرات، في الوقت الذي حولت فيه الدبابات، الطائرات، غزة إلى حقل من الخراب، ليحكي أمام المشاهدين بشاعة الحياة تحت وابل قذائف القسام، ولجوء الأطفال الإسرائيليين إلى المخابئ...قدم السفير إسرائيل كما لو كانت بلجيكا هادئة وبريئة وتعرضت فجأة لهجمات مجرمين مثقلين بالأسلحة، تحذوهم غرائز قتل وتخريب. يبقى وجود الفلسطيني في أعين إسرائيل مرتبطا بالدم لا غير!» يقول ريجيس دوبريه.
يتفق هذا الأخير مع إيلي بارنافي بأن إسرائيل غير قادرة لوحدها على إنقاذ نفسها بنفسها. لكنه يخالفه في فكرة الدعوة إلى تدخل طرف ثالث ممثل في الولايات المتحدة. يمكن بالفعل لأمريكا وأوروبا أن تلعبا دورا، لكن شريطة أن لا يصب في الأخير لصالح السياسة الإسرائيلية. الخطر اليوم، يقول ريجيس دوبريه، هو أنه ما دامت إسرائيل تتجه نحو الغرب، فإن الشرق الإسلامي يدير ظهره لإسرائيل وللغرب. إن شركاء إسرائيل الذين أبرمت معهم إسرائيل سلاما باردا مثل مصر والأردن يحجبون في العمق مجتمعات معادية أكثر فأكثر لإسرائيل. حتى تركيا، الحليف العسكري والسياسي لإسرائيل، يبتعد بدوره عنها. إن أوروبا التي تتعرض، باستخفاف، بعثاتها الديبلوماسية، الإنسانية والحقوقية للإهانة، لا تقدر على الرد على تصرفات «البهدلة» هذه. إن الاعتماد على باراك أوباما للضغط على إسرائيل يبقى مجرد وهم. إن الخرائط الجغرافية التي تعدها بتأن الأمم المتحدة منذ سنوات تظهر سياسة القضم للأراضي الفلسطينية و«انفراخ» بقع المستعمرات على مدى واسع، الشيء الذي غير الملامح الفيزيقية لأرض فلسطين، طرقها ومعالمها، إلى درجة أن شركة Hertz، هيرتز، لكراء السيارات، شطبت خارطة فلسطين من دلائلها السياحية لتضع مكانها «الابتكارات العمرانية» الإسرائيلية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.