صحة غزة: ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 188 بينهم 94 طفلا    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب    زيادة إنتاج نفط "أوبك+" تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة        تحرير مغاربة مختطفين في الساحل يعيد الجدل حول السلامة بعمق إفريقيا    أمريكا تسلح أوكرانيا بمال اسكندينافيا    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة        صحيفة إسبانية: هذه المدينة المغربية تنافس موناكو كوجهة لعشاق السيارات الفاخرة    غياب توضيحات رسمية حول تسعيرة الطاكسيات بالحسيمة يُربك القطاع ويفتح الباب أمام الاستغلال    إيقاف مروج كوكايين بحوزته 11 غراما في إمزورن بعد عملية ترصد محكمة    حادثة مأساوية بين المعازيز والخميسات تودي بحياة سائق طاكسي وأفراد من عائلته    بلاغ رسمي ينهي الجدل.. الأوقاف تكشف حيثيات إعفاء رئيس المجلس العلمي وتستنكر "التشكيك"    وصول المساعدات المغربية إلى مخازن في مدينة دير البلح وسط غزة    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    قيوح: المغرب جعل من التعاون مع الدول غير الساحلية وخاصة في إفريقيا أولوية استراتيجية في سياسته التعاونية    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    فتيات المغرب تكتسحن الجزائر ويحجزن مقعدا لهن في "أفروباسكيط 2025"    من المعرفة إلى السفر… تجارة الخدمات الصينية تحلق عالياً مع ارتفاع ملحوظ في الصادرات    عملية مرحبا.. إطلاق حملة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "التعمير والإسكان في خدمة مغاربة العالم"    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    الأوقاف تكشف سبب إعفائها رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    مندوبية ‬التخطيط ‬تكشف: ‬وضعية ‬سوق ‬الشغل ‬لازالت ‬تعاني ‬من ‬آثار ‬الجفاف    تراجع نسبة ملء السدود بالمغرب إلى 35.3%    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    خواطر تسر الخاطر    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    كفالة مالية تصل إلى 15 ألف دولار للحصول على تأشيرة أمريكا    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    اليابان تسجل "درجات حرارة قياسية"    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليون بن زاكين.. طبيب بين أسلاك وزارة البريد والتلغراف
اليهود المغاربة يجمعون بين سلطة السياسة والمال والأعمال
نشر في المساء يوم 01 - 11 - 2010

ألمح ظهير شريف يتعلق بتشكيل أول حكومة في مغرب ما بعد الاستقلال إلى ثلاث قضايا، تركز إحداها على مسؤولية الجهاز التنفيذي أمام ملك البلا
د في انتظار إقامة مجلس وطني يكون بمثابة برلمان، ثم يعقبه إقرار دستور يحدد الصلاحيات والمسؤوليات.
النقطة الثانية في هذا الباب همت الإعلان، صراحة، عن أن صلاحيات كل وزير وكل قطاع سيتم تحديدها والتنصيص عليها في ظهير شريف لاحقا، كما سيكون الحال بالنسبة إلى مهام رئيس الحكومة والوزراء والكتابة العامة للحكومة، وغيرها من الإدارة. أما النقطة الثالثة، فهي تطال الإعلان عن أن شخصية مغربية تتحدر من أصول يهودية سيتم إسناد وزارة البريد إليها، بما يجعل رقم قائمة الوزراء يصل إلى 19 وزيرا، بمن فيهم رئيس الوزراء الذي لم يكن سوى البكاي بن مبارك الهبيل، وكان إلى جانبه في مناصب وزراء الدولة كل من عبد الرحيم بوعبيد ومحمد الزغاري وإدريس المحمدي ومحمد الشرقاوي وأحمد رضا اكديرة والقائد الحسن اليوسي، إضافة إلى العلامة المختار السوسي ومحمد الفاسي وعبد القادر بنجلون وغيرهم.
في غضون ذلك، سيلتحق الدكتور ليون بن زاكين، الذي كان يعمل طبيبا، وعرف عنه أنه ارتبط بعلاقات مع الملك الراحل محمد الخامس بوزارة البريد، وإذا كانت الحكومة قد شكلت في السابع من دجنبر 1956، فإن الوزير بن زاكين واصل مهمته في ذلك القطاع التقني الذي استمر وجود متعاونين فرنسيين به إلى أبريل 1958، بعد إجراء تعديل أصبح فيه الأمين العام لحزب الاستقلال أحمد بلافريج وزيرا للخارجية ورشيد مولين مؤسس حزب الأحرار المستقلين وزير دولة في التربية الوطنية وعبد الله إبراهيم وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية.
بموازاة مع تعيين عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد الوطني، جرى إحداث منصب وكيلين في التجارة والصناعة أسند إلى أحمد اليزيدي، وفي الاقتصاد والمالية أسند إلى عبد الله الشفشاوني، غير أن أحمد اليزيدي سرعان ما سيتم تعيينه وزيرا للدفاع بعد مرور أقل من عام على تشكيل الحكومة. والحال أن محمد عواد سيخلف الوزير الدكتور بن زاكين في مهمته وزيرا للبريد والتلغراف والتلفون في حكومة الحاج أحمد بلا فريج اللاحقة، التي لم تستطع بدورها أن تكمل مسارها، بالنظر إلى تداعيات الأوضاع السياسية التي كانت تميل إلى كثير من التوتر والاضطرابات وطغيان الصراعات الحزبية الشديدة، بيد أنه قبل ذلك، سيتم تأسيس القوات المسلحة الملكية وانضمام المغرب إلى الأمم المتحدة وسط النفوذ الغربي على مدينة طنجة، التي كانت تعتبر منطقة دولية، ساعد وضعها الخاص في تسهيل تنقل زعماء الحركة الوطنية من طنجة إلى الخارج للتعريف بالقضية المغربية.
لم يكن حضور ممثل للطائفة اليهودية في أول حكومة مغربية يقتصر على الجهاز التنفيذي فقط، بل إنه روعي في تشكيل المجلس الوطني الاستشاري في نونبر 1956، والذي كان بمثابة برلمان غير منتخب، إدماج كافة الفعاليات السياسية والنقابية ومكونات المشهد المغربي، من خلال اختيار ممثلين عن الصناع والتجار والحرف التقليدية والمثقفين، وقد انتخب المهدي بن بركة أول رئيس لذلك المجلس ممثلا لحزب الاستقلال، فيما اختير المحجوب بن الصديق عن الاتحاد المغربي للشغل نائبا أول له، وأسندت إلى التهامي عمار مهمة النائب الثاني، إلى جانب الهاشمي بناني والحاج أحمد المذكوري والحاج محمد داوود وآخرين، في سياق روعي فيه كذلك تمثيلية العلماء والمثقفين.
أما عن ممثلي الطائفة اليهودية، فقد اختير كل من دافيد بن أزراف وجو حنا أوحنا وجاك الكايم ولوسيان بن سيمون، ضمن توجه هم رجال الأعمال والسياسيين، حيث سيبرز لاحقا اسم جو حنا أوحنا بارتباط مع قضية اختفاء المهدي بن بركة في أكتوبر1965، وسيكون أوحنا آخر شخص أقام في بيته في باريس بعض الوقت قبل تعرضه للاختطاف والاغتيال.
ثمة من يذهب إلى أن أوحنا ترك عنده المهدي بن بركة حقيبة سفره، غير أن ذلك اليهودي، الذي حكم عليه بدوره في مؤامرة ضد النظام سيعود إلى المغرب وينتخب نائبا في برلمان 1984، نيابة عن دائرة في الصويرة باسم الاتحاد الدستوري.
المفارقة أن جدلا سيثار حول إسناد مهمة أمين المال للنائب جو حنا أوحنا بعد مرور حوالي ثلاثة عقود على تأسيس المجلس الاستشاري الوطني، وسيكون من تداعيات ذلك الجدل أن زعيم التقدم والاشتراكية الراحل علي يعته دفع ثمنه عبر وقف صحيفة «البيان»، وتحديدا من طرف الصديق الحميم لجو حنا أوحنا، الذي لم يكن سوى المستشار المتنفذ أحمد رضا اكديرة. ولم يشفع لحزب التقدم والاشتراكية، الذي كان يحمل اسم التحرر والاشتراكية سابقا، أنه ضم بين صفوفه وقيادييه يهودا يتحدرون من أصول مغربية.
بيد أنه في عام 1993، سيعتلي الواجهة يهودي آخر، لم يكن سوى رئيس الطائفة اليهودية في المغرب سيرج بيرديغو كوزير للسياحة في حكومة الوزير الأول محمد كريم العمراني، التي تولى فيها محمد الإدريسي العلمي المشيشي وزارة العدل، وأسندت ضمنها وزارة المالية إلى محمد ساكو والصيد البحري والملاحة إلى مصطفى الساهل والتجارة والصناعة إلى إدريس جطو والإسكان إلى إدريس التولالي، كما تولى خلالها المستشار محمد معتصم مسؤولية وزير منتدب لدى الوزير الأول المكلف بالعلاقة مع البرلمان.
لم يكن سيرج بيرديغو وحده من يتولى مسؤولية بهذه الأهمية، فقد سبقه أندري أزولاي المستشار الاقتصادي للملك الراحل الحسن الثاني، الذي اقتحم عالم السياسة من بوابة المال والأعمال، وكانت تسند إليه مهام ذات علاقة بتسويق صورة المغرب كبلد انفتاح وتعايش، ذلك أن المستشار أحمد رضا اكديرة، الذي كان يحرص على دمج شخصيات يهودية في عالم السياسة، بمن في ذلك صديقه روبير أصراف ورجل الأعمال دافيد عمار، استقدم أزولاي في سياق تاريخي كان الرهان فيه قائما على انتزاع اعتراف أوربي بحدوث تحولات عميقة في المشهد المغربي. ولم يكن ينظر إلى تزايد نفوذ ممثلين للطائفة اليهودية في المجال الاقتصادي والتجاري إلا من زاوية تكريس صورة الانفتاح بين الصورة التي انطبع بها المغرب، مباشرة بعد نيله الاستقلال، والتي جسدها إشراك الدكتور ليون بن زاكين في أول حكومة، وبين الصورة المتلاحقة التي عكسها وجود سيرج بيرديغو في حكومة أخرى بعد مرور حوالي أربعة عقود عن الاستقلال. هناك رابط واحد يجد امتداده في تجذر الهوية المغربية ذات الجذور الإسلامية والعربية والإفريقية، غير أن الحسن الثاني، الذي انجذب وراء فكرة الحوار مع إسرائيل لخصها في الامتثال للقرارات الدولية والالتزام ببناء سلام عادل ودائم، يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويحقق الجلاء الإسرائيلي عن كل الأراضي المحتلة، كان أكثر اهتماما بالموقف الذي تلتزم به الطائفة اليهودية المتحدرة من أصول مغربية المتواجدة في إسرائيل.
كل خيوط الاتصالات الأولى بين مسؤولين مغاربة وإسرائيليين تم نسجها على إيقاع وساطات قام بها يهود مغاربة، قبل أن يتولى الدكتور التهامي، الأمين العام الأسبق لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومستشار الرئيس المصري أنور السادات، الدخول على الخط. وبينما عمل اليهود المغاربة في إسرائيل على تكريم الملك محمد الخامس، عبر إطلاق اسمه على حديقة كبرى، فإن حظ خلفه الحسن الثاني لم يكن وفق الطموحات التي جعلته يراهن على إمكانية بناء الثقة وإقامة سلام عادل، لذلك فقد نأى في سنوات عمره الأخيرة بنفسه بعيدا عن تجريب حظه في مواجهة التعنت الإسرائيلي، الذي دفعه إلى رفض استقبال مسؤولين إسرائيليين قال إن المجيء إلى المغرب بقصد السياحة أصبح محظورا، في إشارة إلى الاستغلال الإسرائيلي لأي لقاء مع المسؤولين العرب.
كثير من السياسيين انتقدوا إشراك الوزير بن زاكين في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال، ليس بسبب ديانته، ولكن لأنه كان قد رفض التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال لما طلب إليه ذلك. وقد برر موقفه بأن الإقدام على هذه الخطوة سيؤدي إلى انتقام الفرنسيين منه، والظاهر أن الملك محمد الخامس كان متفهما لهذا التبرير، بالنظر إلى أنه كان يعرف الدكتور بن زاكين جيدا، وكان يعنيه بالدرجة الأولى إبراز أن المغرب في وسعه فتح صفحة جديدة مع فرنسا ومع كل العوالم التي سيرتبط بها. وليس صدفة أنه في عهد الحكومات الأولى، قرر المغرب الانخراط في جامعة الدول العربية، بل إن خطاب الملك محمد الخامس في أبريل 1947 في طنجة لدى زيارتها، أكد على الانتماء العربي للمغرب، وشكلت تلك الزيارة مقدمة لتوالي المطالبة باستقلال البلاد.
لم يكن إسناد قطاع البريد إلى طبيب يراد لذاته، على الرغم من أن حظوظ الأطباء في الحكومات المتعاقبة ستكون كبيرة، من خلال شغلهم العديد من المناصب الحكومية، من الدكتور محمد بنهيمة إلى الدكتور عبد اللطيف الفيلالي، مرورا بالدكتور عز الدين العراقي والدكتور عبد المالك فرج والدكتور يوسف بلعباس. فقد كانت الرسالة تعني استمرار التعايش بين اليهود والمسلمين داخل المغرب، غير أن ذلك التعايش الذي يمتد بجذوره قرونا طويلة في عمق التاريخ، لم يسعف الطائفة اليهودية في الإبقاء على حضورها العددي الذي كان يقدر بمئات الآلاف، وتراجع إلى بضعة آلاف. لكن الأهم أن إسناد المناصب في المغرب لم يكن يتأثر بأي بعد طائفي أو عرقي، بالرغم من بعض الانتقادات التي تظهر بين الفينة والأخرى، فقد جمع اليهود المغاربة بين سلطة السياسة والمال والأعمال، ولم يكن ذلك يطرح أي إشكاليات، لأن المغاربة لا يستيقظون صباحا ليسألوا كيف يجب التعامل مع يهود مغاربة أو عرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.