طنجة.. استنفار سكان إقامة بعد انبعاث دخان من مطعم في الطابق الأرضي    الكاف تعلن عن شعار "أسد ASSAD "... تميمة لكأس أمم إفريقيا المغرب    بنين تنعى قتلى في المحاولة الانقلابية    الحسيمة .. المؤبد لمرتكب جريمة إحراق الفنان سوليت    الشرع يتعهد بتعزيز العيش المشترك    وهبي: المسطرة الجنائية ركيزة إصلاحية    المغرب يحسم صدارة المجموعة الثانية ويتأهل إلى ربع نهائي كأس العرب    الوحدة السعودي يهزم الرجاء بثنائية    أسود الأطلس (الرديف) يتأهّلون بعد إسقاط المنتخب السعودي الأول    مندوبية التخطيط : ارتفاع الادخار الوطني ب11.6% خلال 2024    جلالة الملك يوافق على اعتماد 9 دجنبر يوما وطنيا للوساطة المرفقية    زيارات منزلية لمتقاعدي الأمن الوطني تؤثث حفلات التميز السنوي التي نظمتها المديرية العامة للأمن الوطني على الصعيد الوطني    المشروع الاتحادي : إعادة الثقة إلى السياسة وربط المواطنة بالمشاركة الفاعلة    لقجع: المعطيات المتعلقة بمنظومة الدعم الاجتماعي تخضع لتحيين منتظم لضمان توزيع عادل للدعم    الطريقة القادرية البودشيشية تحشد مريديها بطنجة في حضور لافت للشيخ معاذ    أخنوش: الموقف بشأن الصحراء حازم    الإدارة تتغوّل... والبلاد تُدار خارج الأحزاب وخارج السياسة    زلزال قوي وموجتا تسونامي باليابان    أخنوش لصحيفة إسبانية: 4 سنوات من الأوراش المتواصلة لترسيخ الدولة الاجتماعية وتحصين المسار الاقتصادي    طنجة .. النيابة العامة تعيد التحقيق في فيديو قديم يهدد ناصر الزفزافي    أخبار الساحة    الدورة الرابعة لمهرجان مكناس للمسرح : مكناس خشبة لمسارح العالم    سطات.. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية «نوافذ»    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    لقجع يختار وهبي مدربا للأولمبي    بنعلي: قطاع المعادن بالمغرب يوفر أكثر من 40 ألف فرصة شغل مباشرة    زعفران تالوين .. الذهب الأحمر ذو المنافع المتعددة    "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يكشفان عن "أسد" التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا (المغرب 2025)        بإذن من أمير المؤمنين.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الخريفية العادية    مجلس المنافسة يداهم مقرات خمس شركات للأعلاف والمرصد المغربي لحماية المستهلك يثمّن الخطوة    مطالب بالتحقيق العاجل حول أجهزة "FreeStyle Libre 3" بعد تقارير دولية عن عيوب مصنعية    سليلة تارجيست سهام حبان تنال الدكتوراه في القانون بميزة "مشرف جدا" مع توصية بالنشر    الاتحاد الأوروبي يصادق على إجراءات تهدف إلى تشديد سياسة الهجرة    الفائض التجاري للصين تجاوز تريليون دولار في العام 2025        مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية    أسطول جديد لكسر حصار غزة يبدأ الإبحار في أبريل 2026    المغرب لن يكون كما نحب    مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    قتيل وجرحى في حادثة سير باشتوكة أيت باها    ضمنها المغرب.. تقرير يكشف تعرض شمال إفريقيا لاحترار غير مسبوق    عزوف الشباب عن العمل يدفع لندن لإلغاء إعانات البطالة    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        النفط يصل إلى أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    اجتماع ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر في نيويورك    المغرب ضد السعودية.. نهائي قبل الأوان في سباق الصدارة    ثورة في عالم الطب .. علاج جديد يقضي على سرطان الدم تمامًا    إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    فيلم "سماء بلا أرض" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب السياسي ل2010
نشر في المساء يوم 22 - 01 - 2011

لا شك أن الخوض والتمحيص في مضامين المغرب السياسي ل2010 يدخل في سياقات التنقيب والكشف عن اختلالاته ومثالبه التي غدت تلزمه، وأضحت تطبع مكنونه، على مستوى الفعل السياسي والفواعل السياسية خصوصا مع استحضار المد التصاعدي للمقاربة التشاؤمية -وهي تعكس واقع الحال- التي تقر بأننا نشهد زمن «نفوق السياسة»، أو ما يعبر عنه
ب«نعي السياسة في المغرب»، وهي كلها استدلالات ليست محل مزايدات أو مهاترات، وإنما هي تجل ناتج عن المخاض العسير الذي تعيشه السياسة، فالمجال السياسي يشهد تشكلات وبناءات مشوهة وتستوطنه فواعل ومكونات بفعلها وأفعالها تزيد في انحصاريته وعبثيته.
والملاحظ في المغرب أنه تم الحسم مع إشكالية العيش من أجل السياسة وما تستتبعه من تضحيات ونكران للذات والتزام ومبدئية وانتقال إلى العيش بالسياسة بنوع من الاستغراقية والتمادي والنزوع البراغماتي في التعاطي مع مختلف القضايا المجتمعية، بيئة سياسية تحتوي تشكيلا من الممارسات والتصرفات والأفعال تستعصي على الفهم والهضم وترسم مشهدا غرائبيا يتنافى ويتضاد مع أصول الممارسة السياسية الحقة، مما تولد معه الإحساس بانقضاء السبل وانسداد الأفق في الإصلاح وإيجاد موطئ قدم في سكة السير الصحيح.
إن سنة 2010 زمن تكريس الاستمرارية والتواتر على مستوى جميع الواجهات السياسية، فهي تحصيل حاصل، سنة سياسية لم تستطع القطع أو الانفكاك عن اعتلالات سابقاتها، بل عملت على تحصينها وتعزيز موبقاتها لترتسم معها توابع سلبية من قبيل تزايد العدائية للسياسة، العزوف، تداعي نسق الثقة في النخبة السياسية والحزبية، وما هنالك من مآخذ مجتمعية حول السياسة والسياسيين.
مشهد سياسي يعيش على إيقاع التشظي والانقسامية يرتسم في مجاله عدم الانتظامية وبؤس الفعالية ويعرف جملة من الكوابح ترهن حراكه، وعلى قدر هشاشته تنفذ إليه كل الكائنات المتطفلة وتزيده فقدانا لعذريته السياسية والتي تعرضت لخدوشات وكدمات منذ ولادته، وأصبح مكشوفا لكل وافد يفعل فيه فعله وينضاف إلى فواعل أخرى استوطنته وأكسبته كل العلل والمثالب.
حكومة لا حول لها ولا قوة، تحيا في قاعة الانتظار وتشتغل وفق منطق اللاءات والتعليمات، وتعمل على تزكية المبادرات الملكية في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي دائما تحت وقع التهديد بسحب الثقة منها، وفي حالات عديدة تتعرض لنيران سياسية صديقة لولا ألطاف الرعاية الملكية المحصنة لها وتجديد الثقة فيها، وهي ليست فاعلة وإنما مفعولا بها، وأطياف تشكيلتها فيها اعتمالات الفرقة والخصومة أكثر من الجوامع وعوامل التآلف والتضامن، كما أنها تفتقر إلى كل الشروط الصحية للعمل وتستند إلى أغلبية مهزوزة قابلة للخلخلة والارتباك كما حصل في حالة التصويت على الميزانية الفرعية لوزارة التجهيز.
مؤسسة برلمانية تستمر في تكريس ترهلاتها وضعفها وتزداد تنافرية مع الزمن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المغربي، مما جعلها في حالة شرود دائم، واحتضانها لممارسات وسلوكيات لا ينم عن الممارسة البرلمانية المتعارف عليها في النظم المقارنة والتي تنسجم مع قيمتها التمثيلية واعتبارها معلمة لتكريس الممارسة الديمقراطية، لتظل المؤسسة البرلمانية المغربية تسير في اتجاه التعبير عن أدائها الباهت على الأصعدة التشريعية والرقابية والدبلوماسية، وتظل نقطة استفهام كبيرة وعريضة بالنسبة إلى الرأي العام الوطني الذي يستفهم حتى حول الفائدة من وجودها؟ ما دامت تستمر في صناعة العبث، خصوصا عندما يتم تأجيل التصويت على القوانين أو مناقشتها داخل اللجان في انتظار قدوم البرلمانيين.
أحزاب تتماثل في اشتغالاتها مع الدكاكين أو المقاولات السياسية، لا يجمعها بالسياسة إلا النزر اليسير، أحزاب تنتج الرتابة وتنتهج مسلكيات لا تمت بصلة إلى منهجيات العمل الحزبية الحقة المتعارف عليها، إلى درجة غدت معها تستهين بكل شيء وتستسهل الاستشكالات المجتمعية وتستهين بتطلعات ومطامح المواطن الذي ضاق ذرعا بأفعالها وتصرفاتها، وتبقى كل الأماني والمرامي في حكم العدم ومؤجلة إلى زمن سياسي لاحق قد يأتي وقد لا يأتي.
الأحزاب المغربية مازالت تتعامل مع الديمقراطية الداخلية بمنطق ادعائي/شعاراتي فقط، حيث لم تنفك عن التدبير السلطوي للقيادة مع إقصاء القواعد الحزبية التي تشكل الشريان الحقيقي الذي يمد الحزب بالنشاط والحركية والدينامية.
أحزاب تكتنفها أرمادا من الاعتلالات، ضعف البرامج، تواصل موسمي مرتبط فقط بزمن الاستحقاق الانتخابي، هشاشة تنظيمية داخلية، ضعف على مستوى الالتزام السياسي، ترحال إلى هنا وهناك بحثا عن الكلأ السياسي، طغيان للعمل في الكواليس أو الحقل الضمني الذي تدار فيه قواعد اللعبة مع السلطة وفق منطق التوافقات/التنازلات أو ما يعبر عنه «دفيد إيستون ب«العلبة السوداء أو البكماء»، حضور للخلافات الشخصية بدل إذكاء ثقافة الاختلاف التي تعطي القوة والمناعة، عدم إمكانية تعايش التيارات الحزبية، تحالفات واصطفافات اضطرارية وقسرية تقع تحت وطأة فروض المصالح الحزبية الضيقة أو تنجم عن إكراهات العمل البرلماني تحت قيد ضرورية تكوين فريق برلماني.
إن المغرب السياسي ل2010 لم يحمل تباشير جديدة أو حسنات ولم يعكس مستوى المطمح المجتمعي، وشكل بالمقابل شخصنة الصراع السياسي الذي ارتبط بالعديد من النخب الحزبية، سواء داخليا أو خارجيا، حيث كثر الحديث عن النزاعات الحزبية الشخصية، بسبب عدم إيجاد بعض النخب التي طال بها الزمن في الحزب منافذ إلى المسؤوليات الحكومية وتعرضها للتهميش وعدم نيلها حظها من القوت السياسي، أو عدم إيجادها بيئة داخلية سليمة للعمل، أو وجودها نفسَها أمام استعصاء تحقيق طموحها السياسي، مما آل بها إلى حزم حقائبها وتغيير الوجهة بحثا عن فرج سياسي ممكن.
سنة اختلطت فيها الأوراق على الأغلبية والأقلية على حد سواء في التعبير عن التأييد أو المعارضة، وبرزت العديد من التناقضات والتخبطات في التعبير عن المواقف بخصوص العديد من القضايا والإشكالات المجتمعية مع استحضار استمرارية عدم إمكانية تبلور معارضة سياسية قوية قادرة على تشكيل بدائل تعبيرية عن الخيارات الشعبية، حيث ظلت مكوناتها رهينة التفكير في ذاتها والقبوع في سياجات أزماتها.
سنة بروز الأعيان وصناعتهم للحدث، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مع تواري المناضل السياسي المرتبط بهموم المواطن والمنشغل بأفراحه وأكداره، ليتكرس منهج اشتغال الدولة واستراتيجيتها في الرهان على الأعيان وكذلك الأحزاب، ليتم تغييب السياسة وإبقاؤها في غرفة الإنعاش، وما يؤشر على ذلك أكثر تأجيل ورش الإصلاح السياسي والدستوري على الرغم مما وصل إليه الحال، فنحن في المغرب -وعلى حد تعبير عبد الله العروي- نتحدث عن السياسة أكثر مما نعمل، بمعنى تضخم الحديث عن السياسة دون أن يرافقه عمل ميداني وقائعي مواز.
ففي المغرب على الرغم مما يتم تسويقه من مزايدات، فحواها أننا نعيش انتقالا ديمقراطيا، فإن حقيقة الواقع الماثلة هي أن هذه الديمقراطية يمكن خندقتها ضمن تصنيفات متعارف عليها، وهي أنه يمكن إدراجها في خانة الأنظمة شبه الديمقراطية أو الأقل ديمقراطية أو الأنظمة الديمقراطية المقيدة، حيث يتم ضمنها تقييد التنافس السياسي عند مستوى لا يتجاوز معطى التداول على السلطة، من محدودية الحريات السياسية والمدنية ومن انتهاكات العملية الانتخابية، وميزته أنه يوفر ضمانات للممارسة السياسية لا نجدها في الأنظمة السلطوية الخالصة فقط..
فإلى متى سنظل نجتر هذه الإعضالات بتجلياتها وتداعياتها، ونعلن ميلاد مغرب سياسي جديد وفق مقاسات الديمقراطيات المقارنة؟ سؤال سيظل يستفز العقل والتفكير السياسيين إلى حين الانفكاك من هذا الواقع السياسي الذي نعيشه.


عثمان الزياني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.