في سياق إقليمي ودولي يتسم بالاضطراب وتآكل مؤسسات الدولة في عدد من البلدان، يبرز المغرب كاستثناء لافت، ليس فقط بصموده، بل بقدرته على تحويل الاستقرار إلى قوة إنجاز، والدبلوماسية إلى أداة حسم، والتنمية إلى لغة سياسية مفهومة دولياً. سنة 2025 لم تكن مجرد محطة زمنية عادية، بل لحظة كاشفة لمسار اختارته المملكة منذ سنوات، قوامه الأمن والاستقرار، ورهانه القيادة الملكية الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. أولى تجليات هذا المسار تتجسد في الانتصار التاريخي للدبلوماسية المغربية في القضية الوطنية. فالقرار الأممي بشأن المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لم يأتِ صدفة، بل كان نتيجة عمل دبلوماسي استراتيجي طويل النفس، قادته الدبلوماسية الملكية بثبات ووضوح، معتمدة مقاربة واقعية تجمع بين الشرعية الدولية والتنمية الميدانية. اليوم، لم يعد النزاع المفتعل سوى ورقة مستهلكة في خطاب خصوم المغرب، بعدما حسم المجتمع الدولي خياره لصالح الحل الجاد والموثوق الذي تشبت به المغرب ملكا وحكومة وشعبا لسنوات. هذا التقدم الدبلوماسي لم يكن ليحقق لولا رصيد متين من الأمن والاستقرار، شكل على الدوام حجر الأساس في النموذج المغربي. فالاستقرار في المغرب ليس شعاراً سياسيا ظرفيا، بل خيار دولة، تُرجِم إلى مؤسسات قوية، وحكامة متدرجة، ورؤية تنموية توازن بين النمو الاقتصادي والبعد الاجتماعي. في عالم تقاس فيه قوة الدول بقدرتها على الصمود والإنجاز، اختار المغرب أن يجعل من الاستقرار شرطاً للإصلاح، لا ذريعة لتعطيله. وفي هذا الإطار، شكلت استضافة كأس إفريقيا للأمم 2025 اختبارا عمليا لقوة الدولة المغربية، ونجاحا سياسيا بامتياز قبل أن يكون رياضيا. فقد أثبتت المملكة قدرتها على إنجاز مشاريع استراتيجية كبرى في آجال قياسية، من خلال تأهيل ملاعب حديثة، وبنيات رياضية وفق أعلى المعايير الدولية، تأكد جودتها بفعل التساقطات المطرية الكبيرة التي عرفتها بلادنا هذه الأيام، والتنويه الذي تناقلته وسائل الإعلام عالميا، في تجسيد واضح لتراكم الخبرة ونجاعة القرار العمومي. لم يكن الأمر مرتبطا بمناسبة عابرة، بل ضمن رؤية تجعل من الرياضة أداة للإشعاع، والتنمية، وتعزيز الثقة الدولية. ولم يتوقف الإنجاز عند حدود الملاعب، بل شمل منظومة متكاملة من البنيات التحتية السياحية واللوجستية، من طرق حديثة، ومطارات مؤهلة، ومرافق فندقية بمعايير عالمية، وشبكات نقل حضري في مختلف عواصم استقبال الكان، وشبكة سككية، يتقدمها القطار فائق السرعة كرمز لطموح مغرب المستقبل. هذه الاستثمارات تعكس اختيارا سياسيا واضحا، ودليل على كون المملكة دولة عريقة قادرة على تنظيم كبريات التظاهرات، وجذب الاستثمارات، وخلق فرص الشغل، لا عبر الخطاب، بل بالفعل الميداني. وعلى المستوى السياسي، حمل افتتاح كأس إفريقيا رسالة حضارية قوية، قدمت فيها بلادنا نفسها كبلد متجذر في هويته، منفتح على محيطه، وقادر على الجمع بين الأصالة والحداثة، كما أكدت فعاليات رياضية وإعلامية عالمية ذلك. وهو ما تعزز بالحضور المكثف للدولة لضمان الأمن، والصحة، والخدمات اللوجستية، في مشهد عكس نضجا مؤسساتيا وقدرة على تدبير الحشود والتنوع الثقافي والرياضي. وفي مواجهة حملات التشكيك المستمرة، خصوصاً من بعض المنابر الإعلامية الجزائرية، جاءت الوقائع لتفكك الخطاب وتكشف الحقيقة. فقد استقبلت المدن المغربية بعثة المنتخب الجزائري وجماهيره في ظروف تنظيمية وإنسانية راقية، أكدت أن الدولة المغربية قادرة على الفصل بين الخلافات السياسية والالتزامات القارية وروح الأخوة الإنسانية. هنا، انتصر الفعل على الادعاء، وظهر الفرق بين دولة تراكم الإنجاز، وأطراف تستهلك الزمن في الدعاية. وتزامناً مع هذا النجاح التنظيمي، واصلت مملكتنا الشريفة تسجيل مكاسب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في أفق الاستعداد لاحتضان أكبر حدث كروي عالمي سنة 2030. وهو رهان لا يختزل في كرة القدم، بل يعكس ثقة دولة في مسارها، وقدرتها على رفع التحديات الكبرى بثبات واستمرارية. في الختام، تؤكد تجربة المغرب في 2025 أن الاستقرار والأمن ليسا عوامل مساعدة، بل ركيزتين لصناعة الانتصارات وكشف زيف السرديات المعادية. فحين تتوفر الرؤية الملكية الواضحة، والإرادة السياسية، والقدرة المؤسساتية، تتحول التحديات إلى فرص، ويترسخ موقع الدولة كفاعل إقليمي ودولي موثوق. وهكذا يواصل المغرب شق طريقه بثقة دولة تعرف ما تريد، وتملك الوسائل لتحقيقه. وديما مغرب .. اللهم كثر حسادنا (*) صحفي مهني