سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عثمان المرنيسي: الربح في مشاريع تربية السمك يبتدئ من السنة الثالثة رئيس شركة لتربية الأسماك في طنجة قال للمساء إن النشاط لا يتوفر على إطار تنظيمي مناسب
التقت «المساء» بعثمان المرنيسي، المدير العام لشركة «بيسي كيلتير الشمال» خلال مشاركة شركته، المتخصصة في تربية الأسماك في البر، في الدورة الأولى للمعرض الدولي للصيد البحري «أليوتيس»، وكان لنا معه هذا الحوار حول وجاهة توجه المغرب نحو إنشاء قطاع لتربية الأسماك أو ما يسمى بالاستزراع السمكي، والآفاق الكامنة في هذا الميدان، وكذا الصعوبات التي يواجهها المهنيون القلائل الذين استثمروا في هذا النشاط منذ سنوات. ما أهمية توجه المغرب نحو إقامة قطاع لتربية الأسماك مع تحديد هدف إنتاج 200 ألف طن في أفق 2020؟ ثمة عدة مؤشرات تدل على أهمية الإنتاج في مزارع تربية الأسماك، ومنها أن 50 في المائة من السمك المستهلك يأتي من هذه المزارع، وأن التوقعات تقول إن النسبة سترتفع في سنة 2030، وهو موعد غير بعيد، إلى 80 في المائة، وفي 2050 لن تتبقى سوى كميات ضئيلة من السمك المصطاد في البحر نظرا لتزايد عدد سكان الكرة الأرضية وللتناقص التدريجي لمجهود الصيد البحري سنة بعد أخرى. وسيأتي وقت سيقوم فيه الناس في العالم بأخذ صور تذكارية مع أنواع السمك البحري بعدما تصبح نادرة، والدليل على ما أقول أن الراحة البيولوجية لعدد من أصناف الأحياء المائية، ومن بينها الرخويات، تتسع مدتها سنة تلو أخرى لتضاؤل مخزون السمك. - وماذا عن الأنماط المختلفة لتربية الأسماك؟ هناك مستويات مختلفة، حيث يجب التمييز بين عدة أصناف من تربية الأسماك، فهناك التربية الطبيعية بإنشاء بحيرة تجلب إليها الأسماك وتدعها تنمو دون تدخل، ثم يتم اصطيادها بعد اكتمال دورة نموها، وهو صنف لا يشغل يدا عاملة إلا قليلا، وثمة صنف التربية نصف الطبيعية، حيث يتم التدخل على نطاق محدود في نمو الأسماك داخل البحيرة بواسطة تهوية المياه وإطعام السمك بشكل جزئي، والصنف الثالث هو التربية المكثفة التي قد نصل فيها إلى معدل 200 كيلوغرام من السمك في المتر المكعب الواحد كمعدل إنتاج. - ما تقييمك لتوجه مخطط «أليوتيس» في أحد محاوره نحو تربية الأسماك؟ وما المطلوب كمقومات لإنجاح هذا التوجه؟ أولا، لقد وضعت وزارة الصيد البحري الإطار العام لتطوير هذا النشاط، ومن أهم ملامحه إحداث وكالة وطنية مهمتها تطوير تربية الأسماك. وقد كنا، نحن الممارسين في هذا الميدان، نعمل منذ سنوات خلت ضمن إطار تنظيمي غير ملائم لطبيعة نشاطنا. - كيف ذلك؟ مثلا يتم تصنيف نشاط تربية الأسماك ضمن القطاع الفلاحي، وبالتالي فإن المنتجات التي نقدمها للسوق تكون معفية من الضريبة على القيمة المضافة، إسوة بباقي المنتجات الفلاحية، ولكننا نكون غير معفيين جبائيا فيما يخص الآليات ومواد التغذية التي نقتنيها للقيام بعملنا، بخلاف ما يستفيد منه الفلاحون، حيث إن مشتريات القطاع الفلاحي من الآليات الفلاحية كالجرارات معفية من الضريبة المشار إليها. وعندما نجلب آليات من الخارج ونخبر مصالح الجمارك بأننا نصنف ضمن القطاع الفلاحي، وبالتالي يجب تخويلنا الامتياز الجمركي الممنوح للآليات الفلاحية، فإن الرد يكون بأن قائمة المنتجات المشمولة بالإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد لا تضم آليات تربية الأسماك، وهو ما يعكس أن الإدارة، التي نتبعها فيما يخص تربية الأسماك في المياه القارية، هي المندوبية السامية للمياه والغابات، التي لم تستوعب بعد أهمية القطاع وهي «خارج التغطية». والذي وقع عندما طرحت استراتيجية «أليوتيس» و تم التحضير لإنشاء الوكالة الوطنية لتربية الأحياء المائية، حيث تشمل اختصاصاتها نشاط التربية في المياه العذبة (pisiculture) وفي المياه المالحة (aquaculture)، هو أن الأمانة العامة للحكومة اعترضت على مشروع القانون الذي أعدته وزارة الصيد البحري، حيث ميزت بين إدارة المياه والغابات المسؤولة عن ميدان التربية في المياه العذبة وبين إدارة الصيد البحري المسؤولة عن التربية في مياه البحر، وبالتالي اقتصرت اختصاصات الوكالة على الصنف الثاني دون الأول، وهو ما أرجعنا إلى نقط الصفر. ورغم احترامنا إدارة المياه والغابات، فإنها لا تتوفر على الرؤية ولا الأطر البشرية والخبرة الضرورية لتأطير نشاط تربية الأسماك في المياه القارية واستيعاب تطلعات المهنيين، وكمؤشر على ما أقول أننا كنا نحضر لاجتماع سنوي بدعوة من هذه الإدارة حول الصيد في المياه القارية، فإذا بنا نفاجأ بحضورنا جنبا إلى جنب مع جمعيات الصيد الرياضي، ونحن لا علاقة لنا من قريب أو بعيد مع هؤلاء، وبالتالي يجب مباشرة تعديل من الآن على القانون المنظم للوكالة ليشمل أيضا نشاط تربية الأسماك في المياه العذبة. - أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن إنشاء قطاع لتربية الأسماك هو المؤهلات الطبيعية التي سيتم الاعتماد عليها. فكيف يتم تقييم هذا الجانب؟ عندما نتحدث عن قطاع فتي وواعد، فهذا يعني وجود مجال خصب وواسع للعمل والتطوير، وأيضا خلق فرص شغل جديدة، حيث أشغل 50 فردا في المزرعة التي أمتلكها بطاقة إنتاجية تبلغ ألف طن سنويا. ويجب علينا التحضير لمستقبل البلاد، لتلافي تحويل المغرب من بلد مصدر لمنتوجات البحر إلى مستورد لها، حيث إن التوجه العالمي هو التناقص المطرد للأنواع السمكية والكمية المصطادة. - هل ستتطور الاستثمارات في القطاع دون دعم الدولة؟ دون تسهيلات ومساعدة قانونية وضريبية وإدارية من لدن الدولة لن يكتب للقطاع أي تطور ملموس، إذ لا نتعدى 5000 طن في السنة، وهناك بضعة مشاريع في بني ملال والعرائش ومولاي بوسلهام، وأغلبها مقام في اليابسة، وأعتبر أن الإنتاج المراد بلوغه ضمن استراتيجية «أليوتيس» في أفق 2020 هو 220 ألف طن سنويا ليس هدفا مستحيلا، حيث إن مصر تنتج 600 ألف طن والصين تنتج 6 ملايين طن سنويا. - لكننا لا نتوفر على الظروف المناسبة لتربية الأسماك في مياه البحر لقلة الخلجان على طول الساحل؟ ولهذا من الأهمية في المغرب التركيز على التربية في اليابسة بتكامل مع تربية الأسماك في البحر، إذ يمكنني تربية أسماك الماء المالح في اليابسة شريطة إقامة الأحواض على بعد لا يزيد عن 500 متر إلى كيلومتر عن البحر، حيث يتم ضخ ماء البحر في هذه الأحواض، ويمكن الاستعانة بطاقة متجددة شمسية أو ريحية لتشغيل مضخات الماء والعمل بطاقة نظيفة وغير مكلفة. - حدثنا قليلا عن طبيعة استثمارك في تربية الأسماك بشمال المغرب. أتوفر حاليا على مزرعة وحيدة مساحتها 78 هكتارا هي الأكبر في المغرب، وهي مجهزة بمروحيات تشتغل بطاقة الريح، وتوجد في جماعة أقواس بريش في اتجاه طنجة أصيلا، وتشغل أكثر من 50 عنصرا. - هل أنت عضو في جمعية مهنية تعنى بهذا المجال؟ لست لحد الساعة عضوا في أي من الجمعيتين الموجودتين في المغرب، وأغتنم فرصة الحوار مع «المساء» لبعث رسالة عبرها هي: كفانا من الحزازات الشخصية والبحث عن المصلحة الفردية.. إن القطاع ما يزال في خطواته الأولى ومع ذلك اختلفت الآراء وتفرق المهنيون بين جمعيتين وصنف ثالث لا هو إلى هؤلاء ولا إلى أولئك، وأنا واحد منهم. وعوض التفرقة لنترك آليات الديمقراطية تعمل لإفراز هيئة منتخبة، وكل من يريد خدمة الصالح العام ليشمر عن ساعديه. - ما هي العوامل التي تنقصنا حاليا لإنجاح أي برنامج لتربية الأسماك، سواء في التكوين أو التصنيع أو غيرهما؟ في تجربتنا التي انطلقت في 2003 كنموذج أثبتنا إمكانية تحقيق النجاح، وقد واجهتنا صعوبات في مجال تكوين الأطر الضرورية. وللتغلب على هذا الأمر عقدنا اتفاقا مع الوكالة الوطنية لإنعاش الكفاءات، حيث وفرت لنا عشرة من الشباب المعطلين من ذوي الشهادات، وبعد تدريب ميداني وتدريب في مؤسسات للدولة، من بينها المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، غذوا خبراء في الميدان.واليوم لا تقل أجرة ذوي الخبرة عن 15ألف درهم و20 ألف درهم، والمبتدئ تصل أجرته إلى 3000 درهم. - كم عدد الأعوان الذي يتطلبه مشروع لتربية الأسماك لتحقيق العائد على الاستثمار؟ إن العمل في ميدان جديد يعج بالكثير من المشاكل يتطلب استثمارا لا بأس به، خصوصا أن أوائل المستثمرين واجهوا عدة عقبات تم تذليلها، وبالتالي فاللاحقون لن يصطدموا بها، وبمقدورك بدء جني الأرباح انطلاقا من السنة الثالثة من المشروع. - مثل ماذا؟ - مثل مشكل تغذية الأسماك، الذي كان مشكلا أساسيا، حيث لم يكن المغرب ينتج العلف محليا، ويضطر للاستيراد بثمن 40 درهما إلى 50 درهما للكيلوغرام، فيما يبيع المستثمر إنتاجه بالثمن نفسه، أي أنه يتكبد خسارة. وما قمنا به هو إنشاء وحدة صناعية، إلى جانب إقامة حوض المزرعة لتصنيع العلف، وأي مشروع لاستزراع الأسماك في البحر أو البر عليه توفير مختلف أنواع الأعلاف، وجلب أحسن التقنيات المعتمد عليها. -ولكن ما هو متوسط حجم الاستثمار في تربية الأسماك؟ الحد الأدنى هو 500 ألف درهم، حيث يجب عليك في بادئ الأمر شراء صغار الأسماك، و كان هذا أيضا من المشاكل المطروحة في السابق، لكن تم التغلب عليه، بتوفير هذه الصغار محليا. كما يمكننا شراء إنتاج مزارع السمك وتصديره إلى الخارج، حيث نعمل بنفس معايير الصحة والسلامة المعمول بها في الاتحاد الأوربي. ومن خلال مزرعة تربية الأسماك يمكن توفير أسماك ذات جودة بأثمنة مناسبة، والمراحل التي تتطلب يدا عاملة كثيرة هي الصيد وتهيئة الأحواض، وأما عملية صيد المادة الخام وتحويلها إلى شرائح أو كباب وغيرهما، فهي مبنية على طبيعة طلبات الزبناء، الذين من بينهم المراكز التجارية الكبرى. - وماذا عن تأثير التربية المكثفة على جودة لحم السمك؟ لا فرق نهائيا بين جودة السمك المصطاد بشكل طبيعي في البحار وبين السمك المربى في الأحواض شريطة احترام شروط التهوية والنظافة والتغذية المناسبة وباقي العناصر التقنية. ولكي ينتقل وزن السمك من صفر إلى 500 غرام، وهو الوزن الضروري للتسويق، تحتاج إلى10 أشهر و 12 شهرا ضمن تربية مكثفة، فيما يحتاج الأمر إلى 4 سنوات عند اعتماد التربية الطبيعية.
