قد يحل الحظ محل الحكمة التي تسبق الفعل. ما كان يمكن أن يكون لبنيامين نتنياهو حظ أكبر من نشوء ثورة مصرية. هكذا حل ميدان التحرير محل الشيخ جراح وبلعين والحوض المقدس، وافتتاح نفق حائط البراق ومشكلات أخرى كانت ستُقرب ضغوط القوة الأمريكية إلى رأس نتنياهو. في ظروف أخرى، أي لو شُهر رئيس الحكومة بقدرته على التخطيط وبقدرته على التحليل والاستشراف لأمكن حتى أن نرتاب بأنه هو الذي أحدث «التحرش» في القاهرة، الذي يخدم بطبيعة الأمر «الشأن الصهيوني». كم كان لذيذا أن نرى كيف تتورط الولاياتالمتحدة كل يوم بتصريحاتها واقتراحاتها على مبارك: أجل استقل الآن، لا تستقل الآن، وإزالة نظام الطوارئ، وربما حل البرلمان، والحديث إلى الإخوان المسلمين أو عدم الحديث إليهم. وماذا عن لعبة البينغ بونغ بين كلينتون وأوباما؟ هل يوجد شيء أكثر تسلية من أن نرى كيف يحاول رئيس الولاياتالمتحدة، الذي اعترف قبل أسابيع معدودة فقط بفشل التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين، إنشاء دولة ديمقراطية أخرى في المنطقة. يجوز لنتنياهو أن يستمتع للحظة، لكن للحظة فقط، لأن هذه -كما قلنا آنفا- أيام ثورة. لكن هذه الأيام لا تقلب أجزاء من طريقة نظام الحكم المصري رأسا على عقب فقط بل تنشئ معجما سياسيا جديدا يحسن أن تبدأ إسرائيل في دراسته. مثل كيف أصبحت منظمة «الإخوان المسلمين» -المتهمة بتشجيع النشاط الإرهابي ووالدة «حماس» التي تريد، حسب الارتياب، إنشاء دولة شريعة- (كيف أصبحت) الممثل الشرعي للجمهور المصري؟ بل إنها أصبحت في وضع يدعو عمر سليمان، الرجل الذي طاردها مدة سنين، إلى أن يجلس إلى ممثليها ويكون مستعدا للاستجابة إلى شيء من مطالبهم. هل سمع أحد ما من واشنطن كلمة عن أنه لا يجوز الجلوس إلى الإخوان المسلمين؟ بالعكس، كانت كلينتون متحمسة لأن الإخوان شركاء في الحوار، «الذي بادرنا نحن إليه». هذا تحول مهم. لقد حصل الإخوان المسلمون على شرعيتهم من الإدارة المصرية ومن البيت الأبيض. لا يجب في ظاهر الأمر التأثر كثيرا جدا من أن واشنطن تتحدث إلى منظمات أصولية. فواشنطن تتحدث إلى طالبان في أفغانستان، ومستعدة للحوار مع طالبان في باكستان، وأنشأت صلة وثيقة بمنظمات شيعية أصولية في العراق، بل إنها تعاونت في الثمانينيات أيضا مع ابن لادن ورفاقه على مجابهة الاحتلال السوفياتي في أفغانستان. السؤال التالي هو متى ستبدأ واشنطن في محادثة «حماس»، وربما «حزب الله» أيضا. تُعرف هاتان المنظمتان في الحقيقة بكونهما منظمتين إرهابيتين، لكن من فشل في إحراز اتفاقات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل وسورية، سيفعل ما يُحتاج إليه كي يملك على الأقل إدارة الصراعات ومنع التدهور إلى صراع عنيف. في فلسطين ولبنان، كما في أفغانستان، تُملي المنظمات على الدول سياستها، وكما هي الحال في أفغانستان، إذا شاءت الولاياتالمتحدة إنشاء علاقات سليمة مع سورية، وستشاء، فسيجب عليها أن تعترف أيضا بحكومة لبنان الجديدة التي تعتمد على الشراكة مع «حزب الله». ولن تستطيع أيضا أن تجيب جوابا مقنعا عن سؤال لماذا هي مستعدة لقبول ديمقراطية مصرية تشمل الإخوان المسلمين، لكنها تعارض «حماس» التي انتُخبت انتخابا ديمقراطيا شريكة للقيادة الفلسطينية في دولة قد اعترف بها غير قليل من الدول. اعتيد أن يُقال إن كل شيء ممكن في الشرق الأوسط. إذا أردنا الحكم بحسب السلوك الأمريكي مع مصر فإنه يمكن أن نقول هذا أيضا عن سياسة الولاياتالمتحدة. يستطيع نتنياهو أن يعتمد كعادته على الحظ، وألا يتوقع هذا التطور وأن يأمل أن تحدث ثورة أخرى في الشرق الأوسط تُزيل الاهتمام بإسرائيل. لكن إسرائيل، كما يبدو، ستكف عن إثارة اهتمام الإدارة الأمريكية لأنه قد نشأ الآن زبائن جدد ستضطر واشنطن، من أجل تسكينهم، إلى الفحص من جديد عن سياستها معهم ومحاولة تقريبهم، وذلك اهتماما بمكانتها في المنطقة. وقد تعلم أوباما أن القرب الزائد كثيرا من إسرائيل ليس ضمانا لذلك. عن ال «هآرتس»