المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بالعرائش: الإفراج عن الموقوفين وتغليب مصلحة الوطن أولوية    احتجاجات جيل الشباب بالمغرب: ما بين الحاجة إلى الإصلاح وتحدي ضبط الشارع        احتجاجات شباب جيل "Z" تتسع في البيضاء والسلطات تتصدى بقوة للمحتجين في مدن أكادير وطنجة وتطوان            غاضبون ينتقدون المقاربة الأمنية و"الاستغلالات السياسية" في الدار البيضاء    الرجاء يهزم الدفاع الجديدي بهدفين    وديتان بين الإسبان و"أسود الفوتسال"    شفشاون.. الوجهة المفضلة للسياح الصينيين في المغرب    وزارة الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك"قطب استراتيجي" للأعمال والصناعة        تتويج فائزين في مسابقة حفظ القرآن    بنكيران: لسنا ضد احتجاجات الشباب.. والمكر والتعطيل السياسي وراء اشتعال الشوارع من جديد    مؤتمر "عالم الصيادلة" يتنقد تجاهل الحكومة وإقصاء الصيدلي من المشاركة في بلورة السياسة الصحية    "البيجيدي" يحمل الحكومة مسؤولية احتجاجات شباب "z" ويدعو للتعامل معها بأفق استيعابي ومقاربة حكيمة        إسبانيا والعالم العربي يلتقيان على إيقاع الجسد في قلب الدار البيضاء    فيلم «مذكرات» للمخرج الشريف الطريبق ينتزع جائزة الجمهور لمهرجان «أفلام الجنوب» ببروكسيل    وفاة الإعلامي والكاتب سعيد الجديدي أحد رواد الصحافة الناطقة بالإسبانية في المغرب    تقرير: طنجة المتوسط يجعل إفريقيا فاعلا رئيسيا في التجارة البحرية العالمية    قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي (2)    ترامب يلمح إلى "شيء لافت" في محادثات الشرق الأوسط قبل لقاء نتنياهو    ريال مدريد يتلقى صفعة مزدوجة    طرح تذاكر مباراة المغرب والبحرين الودية إلكترونيا ابتداء من الإثنين    حرف "زيد " من الحياة عند الإغريق إلى هوية جيل يتبلور في المغرب    طنجة تحتضن الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم    حصري.. الطاوسي على أعتاب مغادرة الكوكب المراكشي بعد البداية المخيبة        انطلاق القافلة التواصلية التحسيسية للشركة الجهوية متعددة الخدمات بالشرق وأكاديمية جهة الشرق    الرباط تختتم الدورة 27 من مهرجان الجاز بمزيج موسيقي فريد    السينما تلتقي بالموسيقى في برنامج فني إبداعي في مهرجان الدوحة السينمائي        عابد والحداد وبلمو في ليلة شعرية استثنائية بين دار الشعر والمعهد الحر بتطوان    مونديال الشباب: المنتخب المغربي يواجه إسبانيا في أولى جولات بحثا عن الانتصار    المغرب ومنظمة الطيران المدني الدولي يوقعان اتفاقا لتطوير تعاونهما    طقس الأحد.. رياح قوية وتطاير غبار بعدد من مناطق المملكة    الموت يغيّب الإعلامي سعيد الجديدي    ما هي العقوبات التي أعيد فرضها على إيران؟    رئيس وزراء النيجر في الأمم المتحدة: اليورانيوم صنع مجد فرنسا وجلب البؤس لشعبنا    ألمانيا.. عشرات الآلاف في برلين يطالبون بوقف الحرب على غزة    دراسة: المعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر استعدادا للكذب والخداع    "حماس" تنفي تلقي مقترحات جديدة    المغرب يعزز ترسانته العسكرية ب597 مدرعة أمريكية من طراز M1117..        تحليل إخباري: المغرب يواجه هشاشة في سوق العمل رغم فرص التحول المستقبلي    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي        مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو        الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمن‮ تعاود‮ زابورك‮ أداود‮
نشر في المساء يوم 26 - 03 - 2011

عندما‮ يحكم‮ ضدنا‮ القاضي‮ العلوي،‮ قبل‮ أسبوعين‮ في‮ الرباط،‮ بستة‮ عشر‮ مليون‮ سنتيم‮ لصالح‮ نور‮ الدين‮ الصايل،‮ لمجرد‮ أننا‮ أعدنا‮ نشر‮ تقارير‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ التي‮ أنجزها‮ زملاؤه‮ القضاة‮ حول‮ المركز‮ السينمائي،‮ فإن‮ حكم‮ الإدانة،‮ في‮ الحقيقة،‮ ليس‮ موجها‮ إلينا،‮ بل‮ إلى‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ المحلفين‮ الذين‮ أنجزوا‮ تقاريرهم‮ حول‮ هذه‮ المؤسسة‮.‬
وعندما‮ يحكم‮ ضدنا‮ قاض‮ آخر‮ في‮ الدار‮ البيضاء،‮ الأسبوع‮ الماضي،‮ بثمانية‮ ملايين‮ سنتيم‮ لمجرد‮ أننا‮ كتبنا‮ أن‮ المخرج‮ نور‮ الدين‮ الخماري‮ صرف‮ ملايين‮ الدعم‮ التي‮ منحها‮ إياه‮ والي‮ آسفي‮ السابق‮ من‮ جيوب‮ دافعي‮ الضرائب‮ على‮ سهرات‮ مهرجانه‮ السنوي‮ ومشروباته‮ الروحية،‮ فإن‮ حكم‮ الإدانة‮ ليس‮ موجها‮ ضدنا‮ وإنما‮ ضد‮ كل‮ من‮ يطالب‮ بمحاسبة‮ المستفيدين‮ من‮ المال‮ العام‮ وأوجه‮ صرفهم‮ لهذا‮ المال‮.
فكأنما‮ هناك‮ جهة‮ في‮ القضاء‮ تريد‮ أن‮ تسفه‮ تقارير‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ وتبعث‮ رسالة‮ مطمئنة‮ إلى‮ مدراء‮ المؤسسات‮ العمومية‮ والمنتخبة‮ تشجعهم‮ على‮ أن‮ يزيدوا‮ في‮ نهبهم،‮ فالقضاء‮ لا‮ يغمض‮ فقط‮ عينه‮ عنهم‮ بل‮ إنه‮ مجند‮ لسحق‮ كل‮ قلم‮ يطالب‮ بتفعيل‮ قرارات‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ واسترجاع‮ أموال‮ دافعي‮ الضرائب‮ المنهوبة‮.‬
وإننا،‮ والله،‮ لنقف‮ مندهشين‮ ونحن‮ نرى‮ سرعة‮ القضاء‮ في‮ إدانتنا‮ بالغرامات‮ المتتالية،‮ فقط‮ لأننا‮ نعلق‮ على‮ ما‮ نشره‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ من‮ تجاوزات‮ واختلاسات‮. وبالقدر‮ ذاته،‮ نندهش‮ من‮ تكاسل‮ هذا‮ القضاء‮ وتخاذله‮ وجبنه‮ عن‮ تقديم‮ ملفات‮ كل‮ هؤلاء‮ المسؤولين‮ الذين‮ أحصى‮ قضاة‮ المجلس‮ تجاوزاتهم‮ الخطيرة‮ أمام‮ القضاء‮ لكي‮ يقول‮ كلمته‮ فيهم‮.‬
لقد‮ فهم‮ الساهرون‮ على‮ القضاء‮ في‮ هذه‮ البلاد‮ رسالة‮ الشباب‮ الذي‮ خرج‮ يتظاهر‮ في‮ شوارع‮ المملكة‮ مقلوبة،‮ فعوض‮ أن‮ يقدموا‮ المفسدين‮ إلى‮ القضاء،‮ قدموا‮ الذين‮ ينددون‮ بالمفسدين‮. ومادمت‮ في‮ المغرب‮ فلا‮ تستغرب،‮ فالأمور‮ تسير‮ رأسا‮ على‮ عقب‮. عندما‮ تفضح‮ مفسدا‮ يلجأ‮ ضدك‮ إلى‮ القضاء‮ لأنه‮ يعرف‮ أن‮ القضاء‮ الفاسد‮ سينصفه‮.‬
وعندما‮ تشير‮ بأصبعك‮ نحو‮ لص‮ من‮ لصوص‮ المال‮ العام،‮ يرفضون‮ رؤية‮ اللص‮ ويركزون‮ أنظارهم‮ على‮ أصبعك،‮ فيبدؤون‮ في‮ تأليف‮ أسئلة‮ غريبة‮ ومحيرة‮ حول‮ شكله‮ ولماذا‮ ظفره‮ غير‮ مقلم‮ ولماذا‮ هو‮ أطول‮ من‮ اللازم‮ وأشياء‮ أخرى‮ لا‮ علاقة‮ لها‮ بالموضوع‮ الرئيسي‮ الذي‮ أشرت‮ إليه‮.‬
وبمجرد‮ ما‮ تسبق‮ إلى‮ كشف‮ تفاصيل‮ ملف‮ شائك‮ يدين‮ أسماء‮ كبيرة‮ في‮ عالم‮ السياسة‮ أو‮ المال‮ والأعمال،‮ وتنشر‮ الوثائق‮ والأسماء‮ والأرقام،‮ يسارعون‮ إلى‮ طرح‮ أسئلة‮ حول‮ الجهة‮ التي‮ سربت‮ الملف،‮ مع‮ أن‮ السؤال‮ الحقيقي‮ هو‮: هل‮ ما‮ يوجد‮ في‮ الملف‮ من‮ معلومات‮ ووثائق‮ واتهامات‮ صحيح‮ أم‮ غير‮ صحيح؟‮ أما‮ من‮ أين‮ أتى‮ الملف‮ فليس‮ مهما،‮ مادامت‮ المعلومات‮ التي‮ يتضمنها‮ صحيحة‮.
هذه‮ الطريقة‮ تسمى‮ في‮ علم‮ السياسة‮ «‬التعويم‮»‬،‮ أي‮ إبعاد‮ النقاش‮ عن‮ لب‮ المشكلة‮ وصرفه‮ نحو‮ هوامش‮ بعيدة‮ من‮ أجل‮ تبديد‮ انتباه‮ الرأي‮ العام‮.‬
وقد‮ رأينا‮ مثالا‮ واضحا‮ على‮ هذه‮ النظرية‮ عندما‮ نشرنا‮ لائحة‮ مفصلة‮ حول‮ الكوارث‮ والجرائم‮ العمرانية‮ التي‮ ارتكبها‮ حسن‮ أوريد‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ جهة‮ مكناس‮ تافيلالت،‮ وكيف‮ اغتنى‮ في‮ ظرف‮ خمس‮ سنوات‮ هو‮ وأفراد‮ عائلته‮ بفضل‮ استغلاله‮ لنفوذه‮. وعوض‮ أن‮ يجيبنا‮ حسن‮ أوريد‮ ببيان‮ حقيقة‮ مفصل‮ ينفي‮ أو‮ يؤكد‮ فيه‮ حقيقة‮ ممتلكاته،‮ أجابنا‮ بقصيدة‮ سخيفة‮ في‮ الهجاء،‮ أي‮ أنه‮ توسل‮ بالخيال‮ المجنح‮ للإفلات‮ من‮ الواقع‮ الذي‮ لا‮ يرتفع‮.
والواقع‮ أن‮ هناك‮ اليوم‮ ثلاثة‮ أشخاص،‮ واحد‮ منهم‮ يجب‮ أن‮ يقف‮ أمام‮ القضاء،‮ إما‮ أن‮ يرفع‮ حسن‮ أوريد،‮ والولاة‮ الحاليون‮ والسابقون‮ الذين‮ كتبنا‮ عن‮ تجاوزاتهم،‮ دعوى‮ قضائية‮ ضدنا‮ لكي‮ نمثل‮ أمام‮ القضاء‮ ونقدم‮ أمامه‮ أدلتنا‮ على‮ صحة‮ ما‮ كتبناه‮ حولهم‮ وحول‮ ممتلكاتهم‮ وتجاوزاتهم،‮ وإما‮ أن‮ يلتزم‮ حسن‮ أوريد،‮ وأشبابه،‮ الصمت‮ مفضلا‮ قرض‮ الشعر‮ على‮ تدبيج‮ بيانات‮ الحقيقة،‮ وبالتالي‮ تصبح‮ النيابة‮ العامة‮ مجبرة‮ على‮ فتح‮ تحقيق‮ حول‮ صمتهم‮ واستدعائهم‮ لكي‮ تستمع‮ إلى‮ إفادتهم‮.
أما‮ إذا‮ لم‮ نمثل‮ لا‮ نحن‮ ولا‮ هم‮ أمام‮ القضاء،‮ ففي‮ هذه‮ الحالة‮ يجب‮ أن‮ يمثل‮ أمامه‮ العربي‮ مريد،‮ مفتش‮ الإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية،‮ بتهمة‮ التواطؤ‮ والتستر،‮ وذلك‮ لامتناعه‮ عن‮ الذهاب‮ إلى‮ مكناس‮ وفاس‮ لفتح‮ تحقيق‮ في‮ كل‮ الاتهامات‮ والمخالفات‮ التي‮ كتبنا‮ حولها‮ طيلة‮ هذه‮ المدة‮.
فالعربي‮ مريد،‮ وطبقا‮ للقانون‮ المنظم‮ لعمل‮ المفتشية‮ الترابية‮ التي‮ يترأسها،‮ يصبح‮ مجبرا‮ في‮ مثل‮ هذه‮ الحالات‮ على‮ التنقل‮ إلى‮ عين‮ المكان‮ وإعداد‮ تقرير‮ يحيله‮ على‮ أنظار‮ وزير‮ الداخلية‮ لكي‮ يتخذ‮ فيه‮ القرار‮ المناسب،‮ فلهذا‮ الهدف‮ بالضبط‮ خلقت‮ مفتشية‮ الإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮.
نحن‮ نعرف‮ أن‮ العربي‮ مريد‮ لن‮ يحرك‮ ساكنا‮ في‮ هذا‮ الملف،‮ مثلما‮ لم‮ يحرك‮ ساكنا‮ في‮ ملفات‮ ولاة‮ آخرين‮ جف‮ ريقنا‮ ونحن‮ نحصي‮ تجاوزاتهم‮ الإدارية‮ وجرائمهم‮ العمرانية،‮ وأشهرهم‮ أوريد‮ والي‮ مكناس‮ السابق،‮ والغرابي‮ والي‮ فاس‮ الحالي‮ الذي‮ لم‮ يستطع‮ نفي‮ اتهام‮ واحد‮ من‮ لائحة‮ المخالفات‮ التي‮ نشرناها‮ في‮ هذا‮ العمود‮ والتي‮ ورطه‮ فيها‮ العمدة‮ شباط‮ والشخصيات‮ العسكرية‮ والقضائية‮ النافذة‮ التي‮ يسدي‮ إليها‮ الخدمات‮.‬
ببساطة،‮ لأن‮ السيد‮ العربي‮ مريد،‮ لم‮ يجلبه‮ ولي‮ نعمته‮ الطيب‮ الشرقاوي‮ من‮ مديرية‮ الشؤون‮ الجنائية‮ والعفو‮ من‮ أجل‮ مراقبة‮ تجاوزات‮ الولاة‮ والعمال‮ ومعاقبتهم‮ على‮ ذلك،‮ فهو‮ لا‮ يملك‮ المؤهلات‮ العلمية‮ والمهنية‮ لتسيير‮ مؤسسة‮ للمراقبة‮ كهذه،‮ وإنما‮ جلبه‮ ورقاه‮ حتى‮ أصبح‮ واليا‮ مفتشا‮ عاما‮ لغاية‮ واحدة‮ هي‮ الإشراف،‮ بالتنسيق‮ مع‮ العمال،‮ على‮ البحث‮ عن‮ الأراضي‮ في‮ الأقاليم‮ التي‮ يتولون‮ تسييرها‮ من‮ أجل‮ ضمها‮ إلى‮ الإمبراطوريات‮ العقارية‮ الواسعة‮ للمقربين‮ وكبار‮ موظفي‮ الدولة‮.‬
ولهذا‮ السبب،‮ فمكتب‮ سعادة‮ المفتش‮ الوالي‮ المكلف‮ بالإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ أصبح‮ مزارا‮ لخبراء‮ التنقيب‮ عن‮ الأراضي‮ والضيعات،‮ مثلما‮ أصبح‮ مزارا‮ يوميا‮ لتوفيق‮ الشرقاوي،‮ المحافظ‮ العام‮ للمملكة‮.‬
إن‮ مهمة‮ العربي‮ مريد،‮ الذي‮ لا‮ يستطيع‮ هو‮ نفسه‮ التعرف‮ على‮ كل‮ الأراضي‮ التي‮ اشتراها‮ وسجلها‮ في‮ اسمه‮ وأسماء‮ أفراد‮ عائلته،‮ ليست‮ هي‮ مراقبة‮ ممتلكات‮ الدولة،‮ وإنما‮ هي‮ التنسيق‮ مع‮ العمال‮ المعنيين‮ من‮ أجل‮ تعيين‮ الأراضي‮ واقتنائها‮ وتصفيتها‮ من‮ الناحية‮ القانونية‮ لحساب‮ من‮ يهمهم‮ الأمر‮ من‮ المحيطين‮ بدوائر‮ القرار‮.
ولهذا‮ السبب،‮ فهو‮ لا‮ يجد‮ الوقت‮ لمراقبة‮ ممتلكات‮ الدولة‮ والسهر‮ على‮ مراقبة‮ عمل‮ الولاة‮ والعمال،‮ فهو،‮ إلى‮ جانب‮ «‬بوفوس‮» المدير‮ العام‮ للشؤون‮ الداخلية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية،‮ حولا‮ وزارة‮ الداخلية‮ إلى‮ آلة‮ معطلة‮ صدئت‮ مفاصلها‮ وأصبحت‮ غير‮ قادرة‮ على‮ مواكبة‮ متغيرات‮ العهد‮ الجديد‮ الذي‮ يستعد‮ المغرب‮ لدخوله‮.‬
ففي‮ غياب‮ رجال‮ الدولة‮ الأقوياء‮ داخل‮ وزارة‮ الداخلية،‮ تمكن‮ «‬بوفوس‮» من‮ بسط‮ سيطرته‮ على‮ دواليب‮ الوزارة،‮ بحكم‮ تتلمذه‮ على‮ يد‮ إدريس‮ البصري‮ في‮ فنون‮ التزوير‮ الانتخابي،‮ فغيب‮ كاتب‮ الدولة‮ والكاتب‮ العام‮ والمدير‮ العام‮ للجماعات‮ المحلية‮ وكافة‮ المسؤولين‮.‬
التحكم‮ ظهر‮ في‮ الأيام‮ الأخيرة‮ من‮ خلال‮ الترقيات‮ التي‮ استفادت‮ منها‮ مؤخرا‮ مجموعة‮ من‮ رجال‮ السلطة‮ والأطر‮ الإدارية‮ العاملة‮ في‮ مديرية‮ الشؤون‮ الداخلية‮.‬
فقد‮ حول‮ «‬بوفوس‮» جميع‮ المناصب‮ المتعلقة‮ بهذه‮ الترقيات‮ إلى‮ الأشخاص‮ العاملين‮ تحت‮ وصايته‮ في‮ المديرية‮ العامة‮ للشؤون‮ الداخلية،‮ وخاصة‮ الذين‮ يعبرون‮ عن‮ ولائهم‮ وإخلاصهم‮ بشكل‮ مريب‮ لهذا‮ الشخص‮.
فالنظام‮ الأساسي‮ الجديد‮ لرجال‮ السلطة‮ يعتبر‮ ملكا‮ لجميع‮ الشرائح‮ الوطنية،‮ بحيث‮ أبقى‮ الباب‮ مفتوحا‮ لجميع‮ الأطر،‮ أكانت‮ في‮ الوزارة‮ أم‮ خارجها،‮ للتعيين‮ في‮ هذا‮ الإطار‮. إلا‮ أن‮ السيد‮ المدير‮ العام‮ أبى‮ إلا‮ أن‮ يعين‮ الموظفين‮ الموالين‮ له‮ والمنبطحين‮ له،‮ متجاهلا‮ الأطر‮ التي‮ تستحق‮ هاته‮ الترقيات‮ والمنتمية‮ إلى‮ المديريات‮ العديدة‮ المكونة‮ للوزارة،‮ مما‮ ولد‮ مظاهر‮ اليأس‮ والتساؤل‮ وانسداد‮ الآفاق‮ لمجموعة‮ من‮ الأطر‮ التي‮ كانت‮ تتوق‮ إلى‮ مثل‮ هاته‮ الترقيات‮ وتستحقها‮ عن‮ جدارة‮.‬
والغريب‮ في‮ الأمر‮ أن‮ كل‮ هاته‮ الترقيات‮ مرت‮ في‮ صمت‮ وبطريقة‮ سرية‮ لم‮ يخبر‮ بها‮ حتى‮ المسؤولون‮ الكبار‮ في‮ الوزارة،‮ وكأن‮ الأمر‮ يتعلق‮ بأسرار‮ الدولة‮.‬
هكذا،‮ أصبحت‮ مديريات‮ وزارة‮ الداخلية‮ شبيهة‮ بمماليك‮ ملوك‮ الطوائف،‮ كل‮ مدير‮ يتصرف‮ في‮ مديريته‮ كما‮ لو‮ كانت‮ ضيعة‮ خاصة‮ يصنع‮ فيها‮ ما‮ يشاء‮.‬
إن‮ المغرب‮ الذي‮ يطمح‮ إليه‮ المواطنون‮ اليوم‮ لا‮ يمكن‮ أن‮ يرى‮ النور‮ بوجود‮ رجال‮ ينتمون‮ إلى‮ العهود‮ المظلمة‮ لسنوات‮ الرصاص‮ داخل‮ واحدة‮ من‮ أهم‮ الوزارات،‮ بل‮ برجال‮ أكفاء‮ ونزيهين‮ وشباب‮ ينتمون‮ إلى‮ هذا‮ العصر،‮ لا‮ إلى‮ عصر‮ تازمامارت‮ ودرب‮ مولاي‮ الشريف‮.‬
عندما‮ يقف‮ المسؤولون‮ عن‮ المحاسبة‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ عاجزين‮ عن‮ القيام‮ بواجبهم‮ الذي‮ من‮ أجله‮ يتقاضون‮ رواتبهم،‮ فإن‮ السؤال‮ الكبير‮ الذي‮ يطرح‮ نفسه‮ هو‮: لمصلحة‮ من‮ يشتغل‮ هؤلاء،‮ ولماذا‮ يتسترون‮ على‮ المفسدين‮ ويحمونهم‮ من‮ المحاسبة‮ التي‮ أعلن‮ عنها‮ الملك‮ في‮ خطابه‮. ما‮ هو‮ مقابل‮ هذا‮ التواطؤ‮ المشبوه،‮ وما‮ هي‮ الرسالة‮ التي‮ يريدون‮ إيصالها‮ إلى‮ المسؤولين‮ الآخرين؟
نخشى‮ أن‮ تكون‮ الرسالة‮ التي‮ يريد‮ هؤلاء‮ المسؤولون‮ تعميمها‮ على‮ من‮ يتولون‮ تسيير‮ أمورنا‮ هي‮ «‬خليهم‮ هوما‮ يكتبو‮ اللي‮ بغاو‮ وخلينا‮ حنا‮ نديرو‮ اللي‮ بغينا‮»‬،‮
أي‮ بالعربية‮ «‬تاعرابت‮»‬،‮ فهم‮ يقولون‮ لكل‮ دعاة‮ الإصلاح‮ والتغيير‮ في‮ هذا‮ البلد‮ «‬لمن‮ تعاود‮ زابورك‮ أداود‮».‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.