اجتماع بمقر وزارة الداخلية لتحديد معايير انتقاء المجندين برسم فوج الخدمة العسكرية 2025    المفوضة الأوروبية: المغرب والاتحاد الأوروبي يتقاسمان علاقة فريدة وهدفا مشتركا لتعميق شراكتهما    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى رئيسة جمهورية سلوفينيا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تعزيز الشراكة المغربية–الصينية: تدشين أول "جيغا فاكتوري" لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية بإفريقيا في الجرف الأصفر    شراكة استراتيجية بين المكتب الوطني المغربي للسياحة والخطوط الجوية التركية لتعزيز الترويج السياحي للمغرب    هل تساءل المغاربة يوماً عن عدد اليهود المغاربة من المدنيين الذين قُتلوا في إسرائيل؟    بسبب أزمة مالية خانقة.. معاقبة نادي أولمبيك ليون الفرنسي بالهبوط للدرجة الثانية    طنجة.. فتح تحقيق في وفاة شخص ابتلع كيسًا يشتبه في احتوائه على مادة مخدرة أثناء تدخل أمني    الجامعة تعلن عن موعد وملعب نهائي كأس العرش بين نهضة بركان وأولمبيك آسفي    ترامب: هناك أنباء جيدة بشأن غزة.. وحماس تؤكد تكثيف الاتصالات مع الوسطاء    فلاحو اشتوكة أيت باها: إيقاف الدعم يهدد باختفاء الطماطم المغربية من الأسواق    ميارة يترأس لقاء جهويا حاشدا للاتحاد العام للشغالين بجهة الشرق    النقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي تجدد تمسكها بالوحدة النقابية وتدعو إلى الإضراب يوم 2 يوليوز    مقتل 6 من جنود اسرائيليين في قطاع غزة    الإبادة مستمرة.. إسرائيل تقتل 37 فلسطينيا بغزة بينهم 7 من منتظري المساعدات    إيران تنظم السبت جنازة قادة وعلماء    ولد الرشيد يثمن دعم "البرلاسين" للصحراء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    "لبؤات الأطلس" يدخلن المرحلة الأخيرة من التحضيرات تأهبا لخوض غمار "كان 2025"    المغرب يستهدف 52% من إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة العام المقبل    أكاديمية المملكة تنظم تظاهرة دولية    دراسة: تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد ملايين الأرواح    جدول أعمال دورة يوليوز يكشف إفلاس مجلس جهة سوس ماسة وافتقاده للرؤية التنموية.. وأشنكلي يصدم رؤساء جماعات    تشغيل أول سفينتين كهربائيتين على الخط البحري طنجة-طريفة بحلول 2027    الجواهري: الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي بسبب تصاعد حالة اللايقين العالمية    مجلس النواب الأميركي يرفض مبادرة لعزل ترامب    طقس حارة في توقعات اليوم الأربعاء    انخفاض معدل القتلى على الطرق السيارة بنسبة 50 في المائة ما بين 2015 و 2024    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل بوكا جونيورز الأرجنتيني وأوكلاند سيتي النيوزلندي (1-1)    ترامب يؤكد مجددا أن المواقع النووية في إيران "دمرت بالكامل"    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلامنجو البرازيلي يتعادل مع لوس أنجلوس الأمريكي (1-1)    أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    ثلاثية تشيلسي تقصي الترجي التونسي    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    ميداوي: "النظام الأساسي" لموظفي التعليم العالي يلتزم بالمسار الطبيعي    حكم كندي يدير مباراة الوداد والعين    الرجاء ينال المركز الثالث بكأس التميز    طنجة.. كلب على متن سيارة يعض فتاة والسائق يدهس شابًا أثناء الفرار أمام سيتي مول    طنجة.. حملة أمنية تسفر عن توقيف لصوص ومروّجي مخدرات بالمدينة العتيقة    "ملعب عشوائي" يثير الجدل بالدروة    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    تقنية الهولوغرام تعيد جمهور مهرجان موازين لزمن عبد الحليم حافظ    المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يحتفي بحرف "تيفيناغ" ويرصد التحديات    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    الصوديوم والملح: توازن ضروري للحفاظ على الصحة    بعد مسيرة فنية حافلة.. الفنانة أمينة بركات في ذمة الله    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    الإكثار من تناول الفواكه والخضروات يساعد في تحسين جودة النوم    قبيل حفله بموازين.. راغب علامة في لقاء ودي مع السفير اللبناني ورجال أعمال    في برنامج مدارات بالإذاعةالوطنية : وقفات مع شعراء الزوايا في المغرب    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمن‮ تعاود‮ زابورك‮ أداود‮
نشر في المساء يوم 26 - 03 - 2011

عندما‮ يحكم‮ ضدنا‮ القاضي‮ العلوي،‮ قبل‮ أسبوعين‮ في‮ الرباط،‮ بستة‮ عشر‮ مليون‮ سنتيم‮ لصالح‮ نور‮ الدين‮ الصايل،‮ لمجرد‮ أننا‮ أعدنا‮ نشر‮ تقارير‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ التي‮ أنجزها‮ زملاؤه‮ القضاة‮ حول‮ المركز‮ السينمائي،‮ فإن‮ حكم‮ الإدانة،‮ في‮ الحقيقة،‮ ليس‮ موجها‮ إلينا،‮ بل‮ إلى‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ المحلفين‮ الذين‮ أنجزوا‮ تقاريرهم‮ حول‮ هذه‮ المؤسسة‮.‬
وعندما‮ يحكم‮ ضدنا‮ قاض‮ آخر‮ في‮ الدار‮ البيضاء،‮ الأسبوع‮ الماضي،‮ بثمانية‮ ملايين‮ سنتيم‮ لمجرد‮ أننا‮ كتبنا‮ أن‮ المخرج‮ نور‮ الدين‮ الخماري‮ صرف‮ ملايين‮ الدعم‮ التي‮ منحها‮ إياه‮ والي‮ آسفي‮ السابق‮ من‮ جيوب‮ دافعي‮ الضرائب‮ على‮ سهرات‮ مهرجانه‮ السنوي‮ ومشروباته‮ الروحية،‮ فإن‮ حكم‮ الإدانة‮ ليس‮ موجها‮ ضدنا‮ وإنما‮ ضد‮ كل‮ من‮ يطالب‮ بمحاسبة‮ المستفيدين‮ من‮ المال‮ العام‮ وأوجه‮ صرفهم‮ لهذا‮ المال‮.
فكأنما‮ هناك‮ جهة‮ في‮ القضاء‮ تريد‮ أن‮ تسفه‮ تقارير‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ وتبعث‮ رسالة‮ مطمئنة‮ إلى‮ مدراء‮ المؤسسات‮ العمومية‮ والمنتخبة‮ تشجعهم‮ على‮ أن‮ يزيدوا‮ في‮ نهبهم،‮ فالقضاء‮ لا‮ يغمض‮ فقط‮ عينه‮ عنهم‮ بل‮ إنه‮ مجند‮ لسحق‮ كل‮ قلم‮ يطالب‮ بتفعيل‮ قرارات‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ واسترجاع‮ أموال‮ دافعي‮ الضرائب‮ المنهوبة‮.‬
وإننا،‮ والله،‮ لنقف‮ مندهشين‮ ونحن‮ نرى‮ سرعة‮ القضاء‮ في‮ إدانتنا‮ بالغرامات‮ المتتالية،‮ فقط‮ لأننا‮ نعلق‮ على‮ ما‮ نشره‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ من‮ تجاوزات‮ واختلاسات‮. وبالقدر‮ ذاته،‮ نندهش‮ من‮ تكاسل‮ هذا‮ القضاء‮ وتخاذله‮ وجبنه‮ عن‮ تقديم‮ ملفات‮ كل‮ هؤلاء‮ المسؤولين‮ الذين‮ أحصى‮ قضاة‮ المجلس‮ تجاوزاتهم‮ الخطيرة‮ أمام‮ القضاء‮ لكي‮ يقول‮ كلمته‮ فيهم‮.‬
لقد‮ فهم‮ الساهرون‮ على‮ القضاء‮ في‮ هذه‮ البلاد‮ رسالة‮ الشباب‮ الذي‮ خرج‮ يتظاهر‮ في‮ شوارع‮ المملكة‮ مقلوبة،‮ فعوض‮ أن‮ يقدموا‮ المفسدين‮ إلى‮ القضاء،‮ قدموا‮ الذين‮ ينددون‮ بالمفسدين‮. ومادمت‮ في‮ المغرب‮ فلا‮ تستغرب،‮ فالأمور‮ تسير‮ رأسا‮ على‮ عقب‮. عندما‮ تفضح‮ مفسدا‮ يلجأ‮ ضدك‮ إلى‮ القضاء‮ لأنه‮ يعرف‮ أن‮ القضاء‮ الفاسد‮ سينصفه‮.‬
وعندما‮ تشير‮ بأصبعك‮ نحو‮ لص‮ من‮ لصوص‮ المال‮ العام،‮ يرفضون‮ رؤية‮ اللص‮ ويركزون‮ أنظارهم‮ على‮ أصبعك،‮ فيبدؤون‮ في‮ تأليف‮ أسئلة‮ غريبة‮ ومحيرة‮ حول‮ شكله‮ ولماذا‮ ظفره‮ غير‮ مقلم‮ ولماذا‮ هو‮ أطول‮ من‮ اللازم‮ وأشياء‮ أخرى‮ لا‮ علاقة‮ لها‮ بالموضوع‮ الرئيسي‮ الذي‮ أشرت‮ إليه‮.‬
وبمجرد‮ ما‮ تسبق‮ إلى‮ كشف‮ تفاصيل‮ ملف‮ شائك‮ يدين‮ أسماء‮ كبيرة‮ في‮ عالم‮ السياسة‮ أو‮ المال‮ والأعمال،‮ وتنشر‮ الوثائق‮ والأسماء‮ والأرقام،‮ يسارعون‮ إلى‮ طرح‮ أسئلة‮ حول‮ الجهة‮ التي‮ سربت‮ الملف،‮ مع‮ أن‮ السؤال‮ الحقيقي‮ هو‮: هل‮ ما‮ يوجد‮ في‮ الملف‮ من‮ معلومات‮ ووثائق‮ واتهامات‮ صحيح‮ أم‮ غير‮ صحيح؟‮ أما‮ من‮ أين‮ أتى‮ الملف‮ فليس‮ مهما،‮ مادامت‮ المعلومات‮ التي‮ يتضمنها‮ صحيحة‮.
هذه‮ الطريقة‮ تسمى‮ في‮ علم‮ السياسة‮ «‬التعويم‮»‬،‮ أي‮ إبعاد‮ النقاش‮ عن‮ لب‮ المشكلة‮ وصرفه‮ نحو‮ هوامش‮ بعيدة‮ من‮ أجل‮ تبديد‮ انتباه‮ الرأي‮ العام‮.‬
وقد‮ رأينا‮ مثالا‮ واضحا‮ على‮ هذه‮ النظرية‮ عندما‮ نشرنا‮ لائحة‮ مفصلة‮ حول‮ الكوارث‮ والجرائم‮ العمرانية‮ التي‮ ارتكبها‮ حسن‮ أوريد‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ جهة‮ مكناس‮ تافيلالت،‮ وكيف‮ اغتنى‮ في‮ ظرف‮ خمس‮ سنوات‮ هو‮ وأفراد‮ عائلته‮ بفضل‮ استغلاله‮ لنفوذه‮. وعوض‮ أن‮ يجيبنا‮ حسن‮ أوريد‮ ببيان‮ حقيقة‮ مفصل‮ ينفي‮ أو‮ يؤكد‮ فيه‮ حقيقة‮ ممتلكاته،‮ أجابنا‮ بقصيدة‮ سخيفة‮ في‮ الهجاء،‮ أي‮ أنه‮ توسل‮ بالخيال‮ المجنح‮ للإفلات‮ من‮ الواقع‮ الذي‮ لا‮ يرتفع‮.
والواقع‮ أن‮ هناك‮ اليوم‮ ثلاثة‮ أشخاص،‮ واحد‮ منهم‮ يجب‮ أن‮ يقف‮ أمام‮ القضاء،‮ إما‮ أن‮ يرفع‮ حسن‮ أوريد،‮ والولاة‮ الحاليون‮ والسابقون‮ الذين‮ كتبنا‮ عن‮ تجاوزاتهم،‮ دعوى‮ قضائية‮ ضدنا‮ لكي‮ نمثل‮ أمام‮ القضاء‮ ونقدم‮ أمامه‮ أدلتنا‮ على‮ صحة‮ ما‮ كتبناه‮ حولهم‮ وحول‮ ممتلكاتهم‮ وتجاوزاتهم،‮ وإما‮ أن‮ يلتزم‮ حسن‮ أوريد،‮ وأشبابه،‮ الصمت‮ مفضلا‮ قرض‮ الشعر‮ على‮ تدبيج‮ بيانات‮ الحقيقة،‮ وبالتالي‮ تصبح‮ النيابة‮ العامة‮ مجبرة‮ على‮ فتح‮ تحقيق‮ حول‮ صمتهم‮ واستدعائهم‮ لكي‮ تستمع‮ إلى‮ إفادتهم‮.
أما‮ إذا‮ لم‮ نمثل‮ لا‮ نحن‮ ولا‮ هم‮ أمام‮ القضاء،‮ ففي‮ هذه‮ الحالة‮ يجب‮ أن‮ يمثل‮ أمامه‮ العربي‮ مريد،‮ مفتش‮ الإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية،‮ بتهمة‮ التواطؤ‮ والتستر،‮ وذلك‮ لامتناعه‮ عن‮ الذهاب‮ إلى‮ مكناس‮ وفاس‮ لفتح‮ تحقيق‮ في‮ كل‮ الاتهامات‮ والمخالفات‮ التي‮ كتبنا‮ حولها‮ طيلة‮ هذه‮ المدة‮.
فالعربي‮ مريد،‮ وطبقا‮ للقانون‮ المنظم‮ لعمل‮ المفتشية‮ الترابية‮ التي‮ يترأسها،‮ يصبح‮ مجبرا‮ في‮ مثل‮ هذه‮ الحالات‮ على‮ التنقل‮ إلى‮ عين‮ المكان‮ وإعداد‮ تقرير‮ يحيله‮ على‮ أنظار‮ وزير‮ الداخلية‮ لكي‮ يتخذ‮ فيه‮ القرار‮ المناسب،‮ فلهذا‮ الهدف‮ بالضبط‮ خلقت‮ مفتشية‮ الإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮.
نحن‮ نعرف‮ أن‮ العربي‮ مريد‮ لن‮ يحرك‮ ساكنا‮ في‮ هذا‮ الملف،‮ مثلما‮ لم‮ يحرك‮ ساكنا‮ في‮ ملفات‮ ولاة‮ آخرين‮ جف‮ ريقنا‮ ونحن‮ نحصي‮ تجاوزاتهم‮ الإدارية‮ وجرائمهم‮ العمرانية،‮ وأشهرهم‮ أوريد‮ والي‮ مكناس‮ السابق،‮ والغرابي‮ والي‮ فاس‮ الحالي‮ الذي‮ لم‮ يستطع‮ نفي‮ اتهام‮ واحد‮ من‮ لائحة‮ المخالفات‮ التي‮ نشرناها‮ في‮ هذا‮ العمود‮ والتي‮ ورطه‮ فيها‮ العمدة‮ شباط‮ والشخصيات‮ العسكرية‮ والقضائية‮ النافذة‮ التي‮ يسدي‮ إليها‮ الخدمات‮.‬
ببساطة،‮ لأن‮ السيد‮ العربي‮ مريد،‮ لم‮ يجلبه‮ ولي‮ نعمته‮ الطيب‮ الشرقاوي‮ من‮ مديرية‮ الشؤون‮ الجنائية‮ والعفو‮ من‮ أجل‮ مراقبة‮ تجاوزات‮ الولاة‮ والعمال‮ ومعاقبتهم‮ على‮ ذلك،‮ فهو‮ لا‮ يملك‮ المؤهلات‮ العلمية‮ والمهنية‮ لتسيير‮ مؤسسة‮ للمراقبة‮ كهذه،‮ وإنما‮ جلبه‮ ورقاه‮ حتى‮ أصبح‮ واليا‮ مفتشا‮ عاما‮ لغاية‮ واحدة‮ هي‮ الإشراف،‮ بالتنسيق‮ مع‮ العمال،‮ على‮ البحث‮ عن‮ الأراضي‮ في‮ الأقاليم‮ التي‮ يتولون‮ تسييرها‮ من‮ أجل‮ ضمها‮ إلى‮ الإمبراطوريات‮ العقارية‮ الواسعة‮ للمقربين‮ وكبار‮ موظفي‮ الدولة‮.‬
ولهذا‮ السبب،‮ فمكتب‮ سعادة‮ المفتش‮ الوالي‮ المكلف‮ بالإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ أصبح‮ مزارا‮ لخبراء‮ التنقيب‮ عن‮ الأراضي‮ والضيعات،‮ مثلما‮ أصبح‮ مزارا‮ يوميا‮ لتوفيق‮ الشرقاوي،‮ المحافظ‮ العام‮ للمملكة‮.‬
إن‮ مهمة‮ العربي‮ مريد،‮ الذي‮ لا‮ يستطيع‮ هو‮ نفسه‮ التعرف‮ على‮ كل‮ الأراضي‮ التي‮ اشتراها‮ وسجلها‮ في‮ اسمه‮ وأسماء‮ أفراد‮ عائلته،‮ ليست‮ هي‮ مراقبة‮ ممتلكات‮ الدولة،‮ وإنما‮ هي‮ التنسيق‮ مع‮ العمال‮ المعنيين‮ من‮ أجل‮ تعيين‮ الأراضي‮ واقتنائها‮ وتصفيتها‮ من‮ الناحية‮ القانونية‮ لحساب‮ من‮ يهمهم‮ الأمر‮ من‮ المحيطين‮ بدوائر‮ القرار‮.
ولهذا‮ السبب،‮ فهو‮ لا‮ يجد‮ الوقت‮ لمراقبة‮ ممتلكات‮ الدولة‮ والسهر‮ على‮ مراقبة‮ عمل‮ الولاة‮ والعمال،‮ فهو،‮ إلى‮ جانب‮ «‬بوفوس‮» المدير‮ العام‮ للشؤون‮ الداخلية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية،‮ حولا‮ وزارة‮ الداخلية‮ إلى‮ آلة‮ معطلة‮ صدئت‮ مفاصلها‮ وأصبحت‮ غير‮ قادرة‮ على‮ مواكبة‮ متغيرات‮ العهد‮ الجديد‮ الذي‮ يستعد‮ المغرب‮ لدخوله‮.‬
ففي‮ غياب‮ رجال‮ الدولة‮ الأقوياء‮ داخل‮ وزارة‮ الداخلية،‮ تمكن‮ «‬بوفوس‮» من‮ بسط‮ سيطرته‮ على‮ دواليب‮ الوزارة،‮ بحكم‮ تتلمذه‮ على‮ يد‮ إدريس‮ البصري‮ في‮ فنون‮ التزوير‮ الانتخابي،‮ فغيب‮ كاتب‮ الدولة‮ والكاتب‮ العام‮ والمدير‮ العام‮ للجماعات‮ المحلية‮ وكافة‮ المسؤولين‮.‬
التحكم‮ ظهر‮ في‮ الأيام‮ الأخيرة‮ من‮ خلال‮ الترقيات‮ التي‮ استفادت‮ منها‮ مؤخرا‮ مجموعة‮ من‮ رجال‮ السلطة‮ والأطر‮ الإدارية‮ العاملة‮ في‮ مديرية‮ الشؤون‮ الداخلية‮.‬
فقد‮ حول‮ «‬بوفوس‮» جميع‮ المناصب‮ المتعلقة‮ بهذه‮ الترقيات‮ إلى‮ الأشخاص‮ العاملين‮ تحت‮ وصايته‮ في‮ المديرية‮ العامة‮ للشؤون‮ الداخلية،‮ وخاصة‮ الذين‮ يعبرون‮ عن‮ ولائهم‮ وإخلاصهم‮ بشكل‮ مريب‮ لهذا‮ الشخص‮.
فالنظام‮ الأساسي‮ الجديد‮ لرجال‮ السلطة‮ يعتبر‮ ملكا‮ لجميع‮ الشرائح‮ الوطنية،‮ بحيث‮ أبقى‮ الباب‮ مفتوحا‮ لجميع‮ الأطر،‮ أكانت‮ في‮ الوزارة‮ أم‮ خارجها،‮ للتعيين‮ في‮ هذا‮ الإطار‮. إلا‮ أن‮ السيد‮ المدير‮ العام‮ أبى‮ إلا‮ أن‮ يعين‮ الموظفين‮ الموالين‮ له‮ والمنبطحين‮ له،‮ متجاهلا‮ الأطر‮ التي‮ تستحق‮ هاته‮ الترقيات‮ والمنتمية‮ إلى‮ المديريات‮ العديدة‮ المكونة‮ للوزارة،‮ مما‮ ولد‮ مظاهر‮ اليأس‮ والتساؤل‮ وانسداد‮ الآفاق‮ لمجموعة‮ من‮ الأطر‮ التي‮ كانت‮ تتوق‮ إلى‮ مثل‮ هاته‮ الترقيات‮ وتستحقها‮ عن‮ جدارة‮.‬
والغريب‮ في‮ الأمر‮ أن‮ كل‮ هاته‮ الترقيات‮ مرت‮ في‮ صمت‮ وبطريقة‮ سرية‮ لم‮ يخبر‮ بها‮ حتى‮ المسؤولون‮ الكبار‮ في‮ الوزارة،‮ وكأن‮ الأمر‮ يتعلق‮ بأسرار‮ الدولة‮.‬
هكذا،‮ أصبحت‮ مديريات‮ وزارة‮ الداخلية‮ شبيهة‮ بمماليك‮ ملوك‮ الطوائف،‮ كل‮ مدير‮ يتصرف‮ في‮ مديريته‮ كما‮ لو‮ كانت‮ ضيعة‮ خاصة‮ يصنع‮ فيها‮ ما‮ يشاء‮.‬
إن‮ المغرب‮ الذي‮ يطمح‮ إليه‮ المواطنون‮ اليوم‮ لا‮ يمكن‮ أن‮ يرى‮ النور‮ بوجود‮ رجال‮ ينتمون‮ إلى‮ العهود‮ المظلمة‮ لسنوات‮ الرصاص‮ داخل‮ واحدة‮ من‮ أهم‮ الوزارات،‮ بل‮ برجال‮ أكفاء‮ ونزيهين‮ وشباب‮ ينتمون‮ إلى‮ هذا‮ العصر،‮ لا‮ إلى‮ عصر‮ تازمامارت‮ ودرب‮ مولاي‮ الشريف‮.‬
عندما‮ يقف‮ المسؤولون‮ عن‮ المحاسبة‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ عاجزين‮ عن‮ القيام‮ بواجبهم‮ الذي‮ من‮ أجله‮ يتقاضون‮ رواتبهم،‮ فإن‮ السؤال‮ الكبير‮ الذي‮ يطرح‮ نفسه‮ هو‮: لمصلحة‮ من‮ يشتغل‮ هؤلاء،‮ ولماذا‮ يتسترون‮ على‮ المفسدين‮ ويحمونهم‮ من‮ المحاسبة‮ التي‮ أعلن‮ عنها‮ الملك‮ في‮ خطابه‮. ما‮ هو‮ مقابل‮ هذا‮ التواطؤ‮ المشبوه،‮ وما‮ هي‮ الرسالة‮ التي‮ يريدون‮ إيصالها‮ إلى‮ المسؤولين‮ الآخرين؟
نخشى‮ أن‮ تكون‮ الرسالة‮ التي‮ يريد‮ هؤلاء‮ المسؤولون‮ تعميمها‮ على‮ من‮ يتولون‮ تسيير‮ أمورنا‮ هي‮ «‬خليهم‮ هوما‮ يكتبو‮ اللي‮ بغاو‮ وخلينا‮ حنا‮ نديرو‮ اللي‮ بغينا‮»‬،‮
أي‮ بالعربية‮ «‬تاعرابت‮»‬،‮ فهم‮ يقولون‮ لكل‮ دعاة‮ الإصلاح‮ والتغيير‮ في‮ هذا‮ البلد‮ «‬لمن‮ تعاود‮ زابورك‮ أداود‮».‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.