ميكرونيزيا تؤكد أن "الصحراء تعد، وكانت على الدوام، جزءا لا يتجزأ من تراب المغرب"    ربيع الخليع: محطة "الدار البيضاء -الجنوب" ستساهم في حل إشكالية التنقل اليومي    وزارة السياحة تسجل إضافة 240 وحدة سياحية و5600 سرير منذ 2021    شريط فيديو يستنفر أمن مراكش ويقود لتوقيف شخصين متورطين في حيازة أسلحة بيضاء    جيش إسبانيا يساعد أسطول الصمود    إفران تحتضن المؤتمر الدولي الأول للسياحة البيئية والاستثمار المستدام                وزارة التربية الوطنية تطوي أحد الملفات الثقيلة بإصدار مذكرة حول الترقية    شيشاوة.. مصرع 5 أشخاص 4 منهم من أسرة واحدة اختناقا داخل "مطمورة" للصرف الصحي    بتهمة إهانة موظف عمومي ابتدائية سطات تحكم ب 180 ساعة خدمة اجتماعية في مستشفى بدل السجن شهرين    سوريا تكشف عن سجن سري جديد تحت الأرض في ريف حمص    "التقدم و الاشتراكية ينبه الحكومة إلى التخلي عن "خطاب التعالي و إنكار الواقع الصعب    مونديال أقل من 20 سنة.. وهبي: جئنا بطموحات كبيرة ونسعى للجاهزية الكاملة لمواجهة إسبانيا    الحسيمة تتصدر المدن الأغلى وطنيا في أسعار الاستهلاك    الخطاب السياسي في المغرب : من الوطنية إلى الشعبوية    اعتقال مستشار جماعي نواحي اقليم الحسيمة للاشتباه في ارتباطه بتجارة المخدرات    عمر عزيمان يتوج بالجائزة الدولية "ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم"    "لامورا..الحب في زمن الحرب" للمخرج الراحل محمد اسماعيل يدخل سباق القاعات السينمائية    وفد اقتصادي أمريكي يزور ميناء طنجة المتوسط لتعزيز التعاون مع المغرب    مدرب جيرونا يشيد بأداء أوناحي بعد تألقه أمام بلباو    TV5MONDE تحتفي بالفرنكوفونية المغربية في سهرة ثقافية خاصة    مهرجان "عيطة بلادي" يكشف تفاصيل نسخته الأولى في الدار البيضاء    الصراع مستمر بين المغرب وإسبانيا على استضافة نهائي مونديال 2030    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تطلق قسما إخباريا حول الذكاء الاصطناعي ضمن منصتها الرقمية    بزشكيان: إيران لا تريد أسلحة نووية    سناء العلوي… من تكريم وزان إلى لجنة تحكيم سلا    قراءة في مسرحية «عيشه ومش عيشه»: «الوجود الإنساني لا يفهم إلا في ضوء تناقضاته»    تقرير: "آلية تعديل الكربون الأوروبية" ستؤثر على صادرات المغرب وتدفع نحو تسريع إزالة الكربون من الاقتصاد الوطني    الاعتراف بفلسطين بين الرمزية والتواطؤ... الإبادة في غزة كسقوط للأقنعة الدولية    المغرب يجدد بنيويورك تأكيد دعمه لحل الدولتين بشأن القضية الفلسطينية    عضو الكونغرس الأمريكي 'جو ويلسون': البوليساريو منظمة إرهابية تزعزع السلم والأمن العالميين    6 روايات عن العائلة إلى المرحلة النهائية من جائزة "بوكر"    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف حركة السير بعدد من المحاور الرئيسية يوم 28 شتنبر الجاري بالدار البيضاء    استئنافية طنجة تدين "البيدوفيل الألماني" وشريكه المغربي ب12 سنة سجنا نافذة        سباق الفضاء الثاني .. الولايات المتحدة تتقدم نحو القمر    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد            نزيف الطرق متواصل.. 33 قتيلا و3058 جريحا في أسبوع واحد    دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال    الدفاع الجديدي يعلن رسميا استقبال الرجاء بملعب الزمامرة    أخنوش: "المغرب الرقمي 2030" استراتيجية تراهن على استثمار الفرص الاقتصادية الواعدة    سفيرة المغرب في فرنسا سميرة سيطايل بالكوفية الفلسطينية وفي بيت سفيرة فلسطين في باريس.. بعد اعتراف الرئيس الفرنسي بدولة فلسطين            دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية            المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة (دراسة)    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطات الاستعمارية تنقل قتيلي واد أمرصيد عبر مراكش خوفا من أحمد الحنصالي
كبار القادة الميدانيين لم يصدقوا رواية الناجية من العملية الخامسة قبل مشاهدة الجثتين
نشر في المساء يوم 29 - 07 - 2011

«الثائر الهادئ»، كما وصفه عبد الرحيم بوعبيد، عايشه في زنزانة تضم 13 معتقلا بينما سعتها مخصصة لشخص واحد، كان مؤمنا بقضيته مرددا «الاستعمار لا يمكن قتاله إلا بالسلاح،
ويجب وقف تعامل بعض المغاربة الضعفاء «الجبناء» مع فرنسا»، في ساحة المعتقل توجه بشجاعة لتنفيذ حكم الإعدام في حقه، قائلا « يا السي عبد الرحيم .. إلى اللقاء عند الله».
من يكون هذا الذي كتب عنه أحمد معنينو واصفا «الشهيد أحمد الحنصالي الذي أعلنها بداية للثورة التي قادت البلاد إلى حصولها على الاستقلال»، هذا الذي جند له الاستعمار عشرة آلاف محارب وطائرات حربية، ووصفه ب«سفاح تادلة» و«اللص المسلح لتادلة»، وهللت الصحف الفرنسية بعد اعتقاله، شارك فتى يافعا في مقاومة المستعمر، وكان ضمن قبيلة لم تستسلم إلا في سنة 1933، أعاد إطلاق أول رصاصة ساهمت في اندلاع الثورة المسلحة، وأعقبها بتنفيذ عمليات نوعية أرعبت فرنسا، التي فشلت في اعتقاله، ليقدم الخونة المقاوم طمعا في نيل مكافأة مالية كبيرة، نعيد في هذه الحلقات رسم مسار قصة واحد من الذين لم ينالوا حقهم الكافي بالاعتراف بفضله في تاريخ المغرب، أسد تادلة ومفجر ثورة المغرب المسلحة.
ركبت سوزان شانطو الشاحنة رفقة رضيعتها دانيال، وهي تراقب المكان خائفة من حامل البندقية، فيما كان أحمد الحنصالي يجمع بندقيته بهدوء بعد أن تيقن من مقتل الفرنسيين، بعدما أطلق عليهما أربع رصاصات في واد أمرصيد، رافضا أن يأخذ مالا من القتلى الفرنسيين، الذين ساوموه كما فعل مواطنوهم في عملية تلات قرب أفورار سابقا. وضع أحمد الحنصالي بندقيته تحت جلبابه واختفى كعادته وسط الجبال.
وصلت سوزان شانطو بسرعة إلى مدينة أزيلال، وهي تحمل خبرا سيئا وصادما ليس لأسرتها ووالدها فقط أو للحاكم المحلي بأزيلال، بل كانت صدمة مضاعفة للسلطات الاستعمارية الفرنسية بسبب وقوع قتيلين، رغم كل الإمكانيات التي وضعتها رهن خمسة آلاف رجل ومئات المخبرين، وتجنيد كل سكان القبائل بمنطقة تادلة عنوة في عملية الترقب والبحث عن المقاوم أحمد الحنصالي. لم يصدق كبار القادة العسكريين والميدانيين للسلطات الاستعمارية رواية الناجية من العملية الفدائية للحنصالي لأول وهلة، فالتحقوا تباعا بمكان العملية على بعد خمسة كيلومترات من مدينة أزيلال قبل أن يقف الجميع مشدوها من هول الحدث وقدرة منفذه العجيبة على الإفلات.
أعاد كبار القادة العسكريين الاستماع لرواية سوزان شانطو، التي أخبرتهم بأدق التفاصيل، قبل أن تقول إن منفذ العملية لم يكن وحيدا، بل كان برفقته شخص ثان لم يطلق الرصاص، بل كان يراقب الوضع فقط .
حاول كبار المحققين الوصول إلى تفاصيل لم يذكرها الناجون الأربعة من العمليات الفدائية السابقة، التي قام بها أحمد الحنصالي، واستغرب الجميع كيف تمكن البطل من ضحاياه رغم الحصار الشديد على المنطقة، وكيف استطاع الإفلات من كل الكمائن التي نصبها المستعمر، رغم تغطية كل الجبال والكهوف وكذا الحراسة التي لا تتوقف.
تم نقل الجثتين إلى مصحة ماثيو بمدينة أزيلال حيث وضعتا، في انتظار نقلهما في الخامسة من مساء اليوم الموالي إلى مدينة الدار البيضاء عبر مراكش وأفورار خوفا من العمليات التي ينفذها أحمد الحنصالي، خصوصا بعد الرعب الذي أحدثته رواية سوزان شانطو حينما أكدت وجود شخص ثان إلى جانب صاحب البندقية كان يراقب الوضع فقط .
وصلت الجثتان إلى مدينة الدار البيضاء صباح 17 ماي 1951 بعد يومين من مقتل صاحبيهما، وتم دفنهما في اليوم الموالي بحضور حاكم ناحية الدار البيضاء بونيفاص، الذي عاد من مسرح العمليات للمشاركة في دفن القتيلين. كما حضر مراسيم الدفن باشا مدينة الدار البيضاء الحاج حمادي المقري، إضافة إلى كبار الشخصيات الفرنسية بالدار البيضاء، خاصة أن القتيلين كانا من الوجوه المعروفة، فالمحارب السابق جورج شانطو كان يشغل مهمة نائب رئيس جمعية معطوبي الحرب بالدار البيضاء، وكان حاصلا على الميدالية العسكرية وصليب الحرب مع سعفة والنجمة الفضية والوسام العلوي من رتبة فارس بعد مشاركته في الحرب العالمية الثانية وإصابته في إيطاليا ضمن صفوف الجيوش الفرنسية التي اجتاحت المدن الايطالية. فيما كانت القتيلة الثانية ماري روز كرونيي، ذات ال23 سنة معلمة بمدينة الدار البيضاء، وكانت ابنة للصحافي جورج كرونيي، الذي كان يعمل بالقسم الرياضي في العديد من الجرائد الفرنسية آنذاك، حيث حضر جل الصحفيين العاملين بالجرائد الفرنسية بالدار البيضاء لتعزية زميلهم في وفاة ابنته.
أصبح كبار القادة الميدانيين يتملكهم الرعب من عمليات البطل أحمد الحنصالي، ولم يفهموا طريقة إفلاته من كل القوات التي جندتها السلطات الاستعمارية. وقد أصبح القواد خائفين على مراكزهم بعدما بدأت السلطات الاستعمارية تشكك في تعاونهم، رغم ما يبذلونه من جهود لإلقاء القبض على أحمد الحنصالي. وكانت العملية الثانية مدوية، إذ لم تمنع عملية الحصار المشددة التي طبقتها فرنسا على المنطقة من وصول تفاصيلها لكل المتتبعين داخل المغرب وخارجه، فبدأت الإقامة العامة الفرنسية بقيادة المقيم العام جوان تتخذ جملة إجراءات إضافية لوقف «مأساة جبال تادلة الدامية» في أقرب وقت ممكن، وبأقل الخسائر، ومحاصرة الانتصار المعنوي الذي يحققه رجل واحد يحمل بندقية ورصاصات قليلة في مواجهة جيش قوامه طائرات وخمسة آلاف مسلح وآلاف المخبرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.