بدأ العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية القادمة وانطلق الحديث عن مدى تفاعل وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة، مع هذا الحدث السياسي وقدرة الهيأة العليا للاتصال السمعي –البصري على ضبط وفرض احترام التعددية على المنشآت الإعلامية العمومية والخاصة، في ضوء دسترها في الدستور الجديد. في هذا السياق، اجتمع وزير الاتصال، خالد الناصري، في الأسبوع الماضي، مع ممثلي وسائل الإعلام العمومية وممثّلي العديد من الأحزاب، للتداول حول موضوع استعمال الوسائل السمعية -البصرية العمومية. وقد أقرّ الناصري أن «أسلوب وطرق وآليات التحاور بين الأحزاب السياسية والمواطنين تعتبر من بين الإشكالات السياسية المطروحة، والتي يتعيّن علينا معالجتها، لكونها تطرح، بصفة مباشرة، قضية الدور الذي على وسائل الإعلام، السمعية -البصرية العمومية، إضافة إلى وسائل أخرى، أن تضطلع به من أجل إيجاد أنجع السبل وأحسن الطرق لتبليغ خطابات الأحزاب السياسية الوطنية ورسائلها وتصوراتها وبرامجها إلى المواطنين. وأوضح الناصري أن «المطلوب من مسؤولي القنوات العمومية هو تيسير الآليات التي تسمح بتقديم أداء جذاب بالنسبة إلى كافة الأحزاب، حتى تُبلّغ رسالتها وبرامجها على أحسن وجه». ووجّه ممثلو الأحزاب انتقادات لاذعة للإعلام العمومي حين أكدوا أن «الطريقة التقليدية لتقديم البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية على قنوات الإعلام العمومي أصبحت متجاوَزة وشدّدوا على أهمية احترام مبدأ الإنصاف عند توزيع الحيّز الزمني المخصص للأحزاب لتقديم برامجها واستحضار التحليل الرصين بما يُقرّب المواطنين من الحياة السياسية ويُساهم في توسيع نسبة المشاركة في الانتخابات. وأبدى ممثلو وسائل الإعلام السمعية -البصرية العمومية استعدادهم للحدث، مؤكدين أن «هاجسنا الأول والأخير، هو تقديم منتوج جيد للمواطن المغربي وتمرير خطاب الأحزاب السياسية بشكل مِهنيّ، تحقيقا لمبدأ الإنصاف»، مبرزين أن «القنوات العمومية تقود الحملات الانتخابية لجميع الأحزاب وتُسخّر إمكانياتها التقنية التي قد تضعها في مواقف محرجة في بعض الأحيان». ويأتي هذا الاجتماع ليُعيد إلى الأذهان ما شاب التغطية العمومية والخاصة من خروقات وملاحظات سجّلتها ال«هاكا» في تقاريرها عن انتخابات 2007 و2009، كما سجّلت الهيأة، في تقاريرها عن الفترة العادية، حصول تجاوزات همّت الحيّز الزمني للأحزاب. وشدّدت الهيأة، في تقرير 2007، على أن «الحملة الانتخابية مرّت، عموما، بشكل سلِس ومنتظم، في إطار احترام المساطر التنظيمية. وإذا كانت الهيأة العليا لم ترصد أي مخالفة من شأنها المسّ بالحملة الانتخابية، فإنها، مع ذلك، سجلت بعض الملاحظات، تتعلق باستعمال بعض الرموز الوطنية في الوصلات الخاصة بتدخلات الأحزاب السياسية ووجود بعض التفاوتات في الحيّز الزمني المخصص لكل حزب، حيث إن هناك أحزابا لم تَستغلَّ المدة الزمنية الكاملة المخصصة لها. كما سجلت «الهاكا» وقوع ارتباك في القناة الأولى بشأن برمجة شريط حزب الاتحاد الاشتراكي يوم الخميس، 6 شتنبر 2007، حين مررت خلال نشرة الأخبار الرئيسية شريطا غير ذلك المفترَض تقديمه.. وإنْ كانت قد استدركت الموقف وعرضت الشريط الصحيح خلال نشرة أخبارها باللغة الفرنسية في نفس اليوم. وبذلك، تكون الوصلة المتعلقة بالحزب قد أُدرِجت مرتين. وسجلت «الهاكا»، كذلك، حصول تأخير في برمجة تغطية التجمعات الانتخابية، نظرا، بالخصوص، إلى عدم جاهزية بعض الأحزاب وعدم مشاركة حزب المبادرات المواطنة للتنمية باختياره. أما تقرير 2009 فقد أشار إلى أنه لم يتم بث ثلاثة تدخلات مباشرة كان من المفروض أن يستفيد منها، يوم 31 ماي 2009 ، كل من حزبي «العهد الديمقراطي» و«الأمل»، لأن هذين الحزبين تنازلا عن هذه الوصلات الانتخابية على الإذاعة الأمازيغية، كما أن تدخلا مباشرا لفائدة حزب القوات المواطنة لم يتم بثه، لنفس السبب، رغم أنه كان مقرَّراً في يوم 6 يونيو 2009، أي أن الحزب المعني «تنازل» عن وصلته الانتخابية. وعلى القناة الثانية، سُجِل أنها وحدَها تغطيةُ التجمع التي بُرمِجت من طرف حزب البيئة والتنمية المستدامة لم تبث، يوم 7 يونيو2009 ، حيث إن هذا الحزب لم يكن قد نظَّم هذا التجمع بعدُ. وعلى القناة الأولى، لم تبث تغطية تجمُّعيْن كانا مبرمَجَيْن في يوم فاتح يونيو 2009 لفائدة كل من حزبي «الحرية والعدالة الاجتماعية» و«الإصلاح والتنمية»، لأنهما لم يُنظّما تجمعات قبل تاريخ البث. إضافة إلى ذلك، استأثرت تغطية المستجدات الانتخابية (من فاتح أبريل إلى 29 ماي 2009) باستثناء الإذاعة الوطنية، التي دشّنت النقاش حول تدبير المدن الكبرى ضمن مجلة زمن السياسة»، منذ شهر مارس 2009، التي قدمتْها خدمات القطب العمومي (الأولى، القناة الثانية، الإذاعة، الوطنية والإذاعة الأمازيغية) في إطار 21 مجلة ونشرة إخبارية، من فاتح إلى 29 ماي 2009، بمدة إجمالية بلغت 58 ساعة و56 دقيقة. وقد ساهمت المجلات الإخبارية، عبر استضافة 13 من رؤساء المجالس البلدية ومثل ِهذا العدد من ممثلي معارضتهم، في وضع حصيلة لتدبير المدن الكبرى للمملكة. وتم تسجيل مخالفة واحدة تتعلق بإذاعة «راديو أطلنتيك»، التي لم تُعطِ الكلمة لأي ممثل عن الأحزاب السياسية طيلة الحملة الانتخابية. وأشار التقرير إلى أن قناة «ميدي آن سات» لم تعط الكلمة لأي من الأحزاب السياسية طيلة الحملة الانتخابية، لكنها أوردت أخبارا عن المسلسل الانتخابي، ما يطرح السؤال حول إلزامية بثها حيّزا زمنيا شبيها بما يُقدَّم على الأولى والأمازيغية والثانية، بعد ضمها إلى الإعلام العمومي في الشهور الأخيرة.