الدومينو لعبة شهيرة، أو على الأقل، معروفة لدى لاعبيها وهواتها، وتقوم على أحجار عديدة مرقّمة يتم ترتيبها وفق التشابه ضمن قواعد معلومة، وهذه الأحجار المتباعدة بمقدار ما تبدو كما لو كانت مستقلة عن بعضها، وهي كذلك في الواقع، فإن حركة بسيطة من شأنها أن تؤثّر في المجموع المتسلسل بشكل استعراضي وغير قابل للتصديق. من ثم صار اسم هذه اللعبة كناية على عدد من الظواهر الطبيعية والبشرية، وبها يمكن تفسير ما استعصى على الفهم، لغياب سببية مباشرة.. لذا بوسعنا القول، مثلا، ونحن نتأمل ما يقع من حولنا هذه الأيام، إن ربيع الثورات العربية لم يكن حدثا من وحي المصادفة ولا عدوى أصابت الشعوب العربية بالانتفاض، خاصة أن ذلك وقع فجأة وبالتزامن أو بالتوالي من المحيط إلى الخليج... لكن المسألة في جوهرها أننا، إزاء الوطن العربي والإسلامي، أمام كيان موحّد، لم تُفلح السياسات والحدود المصطنَعة، على مدى قرون وعقود، في الفصل بين أنسجته المرصوصة المتماسكة. من ثم فما إن تداعى عضو في المغارب حتى استجابت له أعضاء في المغارب من غير تأخير. ولعل ردود أفعال الحكام، بدورها، في التصدي لانهيار قطع الدومينو بالطريقة ذاتها تقريبا تؤكد هذه الحقيقة، حقيقة أننا، كلنا، محكومين وحكاما، في الهمّ شرق وغرب.. أو كما قال الشاعر: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.. هو، إذن، درس جديد يدحض مزاعم دعاة القُطرية والتفرقة والانفصال. ليس هذا وحسب، بل إن ما شهدتْه بعض الدول، كإسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة نفسُها والبرتغال وإسبانيا، من مظاهر الاحتجاج، ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل الثلج العائم. وعلى ذكر إسبانيا، فإن العدوى له أكثر من سبب، خاصة أن الروابط التاريخية بين العرب والأندلسيين ما تزال قائمة -بقوة- رغم خروج العرب من هناك منذ زمن طويل، لاسيما أن الوجود العربي في شبه الجزيرة الأيبيرية قد امتد حوالي ثمانية قرون.. وهي مدة كافية كي تمتزج الدماء وتتلاقح الحضارات وتتشكّل الهويات لتواصل الحياة.. هو درس، إذن، للذين يريدون الاستفادة من الدروس والعِبَر.