قال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، إنه لن يدخل في نزاع مع الملك لإرضاء مجموعة من العلمانيين تحالفت مع الشيطان. أنت كعلماني، كيف تلقيت هذا التصريح؟ أولا، أنا لست علمانيا، بل يساري تقدمي تربيت في أحضان فكر الحركة الوطنية المرتبط بالمرجعية الإسلامية التي عرفها المغرب منذ 14 قرنا. هذه المرجعية التي تعتمد على إدراك عميق للفقه في استقلال تام عن المرجعيات التي تبلورت في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، والتي اعتبرها علماء المغرب، دائما، مرجعية دخيلة. من هذا المنطلق لم يستطع فكر الإخوان المسلمين المصري التجذر في التربة المغربية، رغم أنه انطلق في العشرينيات من القرن الماضي، كما لم تستطع الوهابية رغم إمكانياتها المالية الخيالية استقطاب المغاربة دينيا، ولم يستطع أيضا إسلام الشيشان وأفغانستان، الذي يرتكز على القتل والذبح واستئصال الآخر أن يتجذر في التربة المغربية. من هذا المنطلق نعتبر ما قاله رئيس الحكومة تحريضا على القتل. تحريض على قتل من؟ العلمانيين، لقد قلت إنك لست منهم؟ تحريض على قتل كل من طالب بتفعيل الفصلين 91 و49 من الدستور، وهما فصلان واضحان يعطيان لرئيس الحكومة، بشكل لا يقبل التأويل، الحق في التعيين في المناصب السياسية، سواء داخل المؤسسات الإدارية أو المقاولات العمومية، والمطالبة بالتنزيل الديمقراطي للدستور ليس دعوة للنزاع مع الملكية ولا مع الملك، بل هو ببساطة، احترام للتعاقد مع الشعب المغربي الذي صوت بإجماع على الدستور. ما قاله رئيس الحكومة يذكرنا جميعا بالنقاش الذي ساد في المغرب أواخر السبعينيات عندما تمت تعبئة شرائح مجتمعية بدعوى أنها تدافع عن الإسلام في مواجهة تيارات تقدمية يسارية، هذه الاتجاهات كانت تحركها أياد خفية داخل السلطة وداخل المخزن، وهي التي أدت الجريمة الشنعاء التي ذهب ضحيتها أبرز قيادي في الحركة الاتحادية، الشهيد عمر بنجلون، والذين نفذوا هذه الجريمة ليسوا سوى أياد بسيطة، لكن الذي نظّر إيديولوجيا إلى فعلها هي مثل هذه الأصوات التي خرجت هذه المرة من موقع رئاسة الحكومة، والتي تعتبر كل صوت معارض لها، متحالفا مع الشيطان، أليس هذا تحريضا على القتل مجددا. الحركات والأحزاب اليسارية في العالم تؤكد على هويتها العلمانية، على العكس من ذلك، فاليسار المغربي يُظهر نوعا من الفصام الإديولوجي والهوياتي، عندما يقول إنه تقدمي وليس علماني. ما سبب هذا التردد والارتباك الذي يُسهل مأمورية مهاجمة اليسار من طرف خصومه الإيديولوجيين؟ لو كان هذا النقاش في فضاء جمعوي وأكاديمي فكري لما قمنا برد الفعل هذا، لكن الخطير هو أن مصدر هذا التصريح شخصية تتحمل مسؤولية رئاسة الجهاز التنفيذي، ومن هذا المنطلق قررنا أن يكون رد فعلنا سياسيا، بحيث سيجتمع المجلس الوطني للحزب العمالي، استثنائيا، نهاية الأسبوع، حول جدول أعمال يتضمن نقطة فريدة، وهي مناقشة تصريح رئيس الحكومة، كما سنقوم بكل الإجراءات دفاعا عن الحق في الاختلاف وضد أي جهة تريد خلق فتنة بإصدار أحكام تنتمي إلى الفكر الأصولي المتطرف.