الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية كوت ديفوار بمناسبة العيد الوطني لبلاده        نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الخميس إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة        يوليوز 2025 ثالث أكثر الشهور حرارة فى تاريخ كوكب الأرض    ارتفاع أسعار الذهب بفضل تراجع الدولار وسط آمال بخفض الفائدة الأمريكية    تمديد "إعفاءات استيراد الأبقار" ينتظر انعقاد مجلس الحكومة بعد العطلة    فرنسا تُصعّد ضد الجزائر وتعلّق اتفاق التأشيرات    "صحة غزة": ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 197 بينهم 96 طفلا    بعد تأكيد عدم دستورية مواد بالمسطرة المدنية.. مطالب بإحالة المسطرة الجنائية على القضاء الدستوري    "اللبؤات" يتراجعن في تصنيف "فيفا"    سون هيونغ مين ينضم للوس أنجليس الأمريكي    الوداد الرياضي يحدد تاريخ عقد جمعه العام العادي    تركمنستان: عمر هلال يبرز دور المبادرة الملكية الأطلسية المغربية في تنمية دول الساحل    وكالة: وضعية مخزون الدم بالمغرب "مطمئنة"    أكبر حريق غابات في فرنسا منذ 80 عاما لا يزال خارج السيطرة رغم تباطؤ انتشاره    البنية التحتية للرباط تتعزز بمرآب تحت أرضي جديد    "أيميا باور" الإماراتية تستثمر 2.6 مليار درهم في محطة تحلية المياه بأكادير    صيف شفشاون 2025.. المدينة الزرقاء تحتفي بزوارها ببرنامج ثقافي وفني متنوع    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟    شاطئ "أم لبوير" بالداخلة.. جوهرة طبيعية تغري المصطافين من داخل المغرب وخارجه    سائحة إسبانية تحذر: لا تلتقطوا الصور في المغرب دون إذن        الفتح الناظوري يضم أحمد جحوح إلى تشكيلته            الناظور.. مشاريع حضرية جديدة سترى النور قريباً في إطار تنفيذ مقررات المجلس الجماعي        منخرطو الوداد يرفضون الاتهامات ويجددون مطلبهم بعقد الجمع العام    المغرب... البلد الوحيد الذي يقدّم مساعدات إنسانية مباشرة للفلسطينيين دون وسطاء وبكرامة ميدانية    ما يناهز 40 ألف نسمة من سكان تافيلالت غاضبون..    تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني    رخص مزورة وتلاعب بنتائج المباريات.. عقوبات تأديبية تطال أندية ومسؤولين بسبب خروقات جسيمة    في ‬دلالات ‬المضمون : ‬ توطيد ‬المسار ‬الديمقراطي ‬و ‬تطوير ‬الممارسة ‬السياسية ‬لتعزيز ‬الثقة ‬في ‬المؤسسات    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    جو عمار... الفنان اليهودي المغربي الذي سبق صوته الدبلوماسية وبنى جسورًا بين المغرب واليهود المغاربة بإسرائيل    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    الداخلة.. ‬‮«‬جريمة ‬صيد‮»‬ ‬تكشف ‬ضغط ‬المراقبة ‬واختلال ‬الوعي ‬المهني ‬    الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة التي فرضها ترامب تدخل حيز التنفيذ    المغرب ‬يرسّخ ‬جاذبيته ‬السياحية ‬ويستقطب ‬‮«‬أونا‮»‬ ‬الإسبانية ‬في ‬توسع ‬يشمل ‬1561 ‬غرفة ‬فندقية ‬    تتويجا ‬لمسار ‬ناضج ‬وجاد ‬من ‬الجهود ‬الدبلوماسية : ‬    كيوسك الخميس | المغرب الأول مغاربيا والثالث إفريقيا في الالتزام بأهداف المناخ    منشق شمالي يدخل كوريا عبر الحدود البحرية    زيلينسكي يجدد الدعوة للقاء مع بوتين    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    وقف حرب الإبادة على غزة والمسؤولية الوطنية    حين يتحدث الانتماء.. رضا سليم يختار "الزعيم" ويرفض عروضا مغرية    دعم السينما يركز على 4 مهرجانات    تكريم كفاءات مغربية في سهرة الجالية يوم 10 غشت بمسرح محمد الخامس    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا المأزق العربي السوري الفادح في سورية!
نشر في المساء يوم 20 - 03 - 2012

في سورية، وليس في أي بلد عربي آخر، يجري ابتزاز الأكثرية، كما لم تبتز أكثرية منذ ولادة الدولة الحديثة في المشرق العربي-الإسلامي قبل أكثر من قرن من الزمان؛ فسواء بالمعنى الاجتماعي،
السياسي أو الطائفي، تخضع سورية منذ عقود طوال لحكم أقلوي، يفرض سيطرته بقوة أدوات عنف الدولة ووسائل قمعها الوحشية، نظام لم يترك في سورية من حرية إلا حريته، ولم يترك من كرامة إلا حصانته، ولم يترك من عدل إلا مساواة السوريين في الظلم. وعندما تنهض الأكثرية للمطالبة بحقوقها وكرامتها، لا تتعرض للقتل والاعتقال والتعذيب وحسب، بل وتتهم بإشعال حرب أهلية وتهديد بقاء الوطن، والارتهان للقوى الأجنبية، وخيانة سورية وثوابتها الوطنية والعربية. هذا الابتزاز اليومي المرّ يجعل من سورية مأزقا، ربما لم يواجه السوريون والعرب في مثل فداحته طوال العصر الحديث.
ما يقوله النظام لشعبه، صراحة أو استبطانا، أن لا إصلاح سيحدث في سورية بدون إرادة الفئة الحاكمة، وأن استمرار الحركة الشعبية يعني أن البلاد ستدفع نحو التقسيم. وربما كان الرئيس الأسد أول من استخدم كلمة التقسيم في سياق روايته للأحداث التي تعيشها بلاده، والتهديد الذي تتعرض له. ولكن حلفاء النظام، العرب والمسلمين، لا يخفون في الجلسات المغلقة تصوراتهم للمستقبل: إما بقاء بشار الأسد أو ذهاب سورية نحو التقسيم. الأمر المعروف أن لا نظام صلاح جديد محمد عمران حافظ الأسد، ولا نظام حافظ الأسد، ولا التجلي الثالث للنظام الممثل في حكم بشار الأسد، اعتبر يوما أنه يحكم سورية باسم الطائفة العلوية. المشكلة لم تكن في خطاب النظام (كما هو الحال في عراق ما بعد الغزو والاحتلال، مثلا)، بل في الواقع السياسي - العسكري - الأمني الذي صنعه، والذي أوحى بخضوع سورية لسيطرة طائفية، وأن النظام لا يعبر عن كل السوريين، ولا يثق بالضرورة في كل السوريين، بل يعبر عن فئة محدودة منهم ويضع ثقته فيها. واليوم، بات على الأكثرية أن تعود إلى صمتها وخضوعها، وإلا فإنها تدفع بسورية نحو التقسيم الطائفي.
النظام، بالطبع، ليس علويا ولا هو غير ذلك. النظام هو النظام، هو فئة أقلوية صغيرة من الضباط والسياسيين الذين جمعتهم مصالح متسعة، وميراث ثقيل الوطأة من الجريمة، وشعور عميق بأن خياراتهم محدودة باستمرار السيطرة والتحكم أو الفناء. ولذا، ففي حين يوجه النظام خطاب الابتزاز التقسيمي إلى الأكثرية السورية، يوجه خطاب ابتزاز آخر إلى الجماعة العلوية التي تعرف أن الفئة الحاكمة لا تمثلها، ولم تحكم باسمها، ولا هي رعت مصالحها وعملت من أجل رخائها. يطالب النظام الجماعة العلوية بالالتفاف حوله، بالتضحية من أجله، والقتال من أجل بقائه، وإلا فالطوفان.
بيد أن الخطاب الطائفي «التقسيمي ليس إلا وجها واحدا من ابتزاز النظام للسوريين والعرب. في سورية ولدت العروبة، كما يعرف مؤرخو المشرق الحديث، ولم تعرف سورية في عقود تاريخها الحديث التسعة حكما لم يرفع راية العروبة عاليا ويدافع عن قضاياها. وبينما انقسمت الأحزاب السياسية العربية المختلفة على نفسها لعدد كبير من الأسباب، ففي سورية كانت الالتزامات القومية-العربية سبب الانقسامات الأبرز. وإن كانت وقفة أغلبية المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الشهير في مواجهة سكرتير عام الحزب في الجدل حول القضية الفلسطينية وحق حركة التحرر الوطني الفلسطيني في تبني نهج الكفاح المسلح لم تزل حية في الذاكرة، فقد سبقها تأييد قيادة الإخوان المسلمين السوريين للوحدة المصرية-السورية واستجابتها لحل الجماعة في سورية، عندما أصبح حل الأحزاب شرطا لإتمام مشروع الوحدة، في الوقت الذي كان فيه الإخوان المسلمون المصريون يعلقون على المشانق ويقبعون في السجون. ولكن القوى السياسية السورية المعارضة اليوم كلها عرضة لخطاب ابتزاز لا يلين، مرة من أدوات النظام الإعلامية ومرات من أدوات أنصاره؛ فإما أن ترتضي القوى السياسية السورية نهج النظام وتصوره لمستقبل سورية السياسي، إما أن تغض النظر عن المذبحة اليومية المستمرة منذ عام كامل وعن ميراث هائل من الجرائم السابقة في حق الشعب السوري، أو تتهم بالعمالة للقوى الغربية واستدعاء قوات الاحتلال الأجنبية.
وفي سورية، استمر الشعب في حراكه، يوما وراء الآخر، أسبوعا وراء الآخر، وشهرا وراء الآخر، وعلى مدى أكثر من ثمانية شهور. لم يرفض السوريون السلاح وحسب، بل ونادوا في شوارع مدنهم وبلداتهم: سلمية، سلمية، حتى وهم يتعرضون لرصاص قوات النظام العسكرية والأمنية وعصابات ميليشياته. لم تبدأ المجازر في سورية من بابا عمرو وكرم الزيتون، بل من درعا في الأسابيع الأولى من الانتفاضة الشعبية، ومن حماة في نهاية يوليوز الماضي، عندما قتل في يوم واحد أكثر من مائة وعشرين سوريا بيد قوات الأمن وميليشيات النظام. لا في درعا ولا في حماة كان ثمة من سلاح ولا جيش حر. كان هذا النظام يقتل شعبه حتى قبل أن تندلع الثورة في سورية. كل ما حدث في العام الماضي أن معدلات القتل صارت أكبر، وأن أصوات السوريين صارت أعلى. الحقيقة أن كل المستبدين العرب قتلة، ولكن المجال العربي لم يشهد نظاما يقتل بمثل هذا الاستهتار بالحياة كما النظام السوري، ولا نظاما يقتل بهذه العادية وبدون أدنى درجة من الارتباك والحرج كما النظام السوري. وما إن قرر بعض السوريين محاولة الدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم حتى بدأ ابتزازهم من جديد: حمل السلاح سيؤدي بسورية إلى الهاوية، سيؤجج العنف ويرفع من وتيرة الموت والقتل ويشعل الحرب الأهلية، وكأن الموت توقف يوما أو أن السوريين ذهبوا إلى السلاح في فسحة من الخيارات.
ثار المصريون على نظام الحكم في الوقت الذي وقفت فيه الكنيسة، ممثلة في أرفع رجالها، إلى جانب النظام؛ ولكن أحدا لم يقل إن الثورة تنذر بصعود إسلامي سني، يشكل تهديدا للأقليات. وثار اليمنيون في وجه نظام حكمهم طوال أكثر من عام، ولا يزالون يخرجون إلى شوارع مدنهم، موقفين عجلة الاقتصاد اليمني كلية، ومفسحين مجالا لمخاطر أمنية داخلية وإقليمية؛ ولكن أحدا لم يتهم الشعب اليمني بتهديد وجود اليمن أو بالاستقواء بالخارج وخيانة المصالح اليمنية. وثار الليبيون ضد نظام العقيد بلا هوادة، رافعين كل ما أوتوا من سلاح، خلال أيام فقط من اندلاع الثورة؛ ولكن أحدا لم يتهم الليبيين بتصعيد مستوى العنف، وحتى عندما انقسم الرأي العام العربي حول التدخل الأجنبي، أخذت الأغلبية العربية في الحسبان عنف النظام الليبي ودمويته.
سيقول كثيرون، بالطبع، إن سورية تختلف، سورية شأن آخر تماما. سورية تختلف بالتأكيد، لا جدال. هنا تتعرف العروبة على عامل وراثتها الأول، على كروموزومها الذي ولد كل كروموزومات العروبة الأخرى. وهنا لا يقف العرب في مواجهة الدولة العبرية وحسب، بل وتتقاطع خطوط التوتر الجيوبوليتيكي العالي لقوى المشرق، وتصطدم الصفائح الزلزالية للقوى الإقليمية الطامحة، من مصر والسعودية، إلى إيران، إلى تركيا. ولأن هذا هو المشرق العربي، هذا وعاء التاريخ الحي لمواريث الأديان والحضارات والإمبراطوريات، ففي سورية تتجاور طوائفنا وأدياننا وأعراقنا العتيقة كما هي تفعل منذ قرون. سورية تختلف بلا ريب. نعم ثمة خوف في أوساط الأقليات من ثورة الأكثرية، ومن العبث محاولة إنكار أو تجاهل وجود مثل هذا الخوف. بعد عقود من عمل نظام، لم يكترث لمصير طائفة ما، من أجل بناء نظام طائفي ووطن منقسم على نفسه، سيوجد بين من تواطأ مع النظام الأقلوي من يخاف من الأكثرية الشعبية. وبعد عقود من محاولة النظام تقويض قيم ومواريث وثقافة الأكثرية، سيوجد بين الأقليات غير الإسلامية من اعتقد أن سياسة النظام كانت أمرا طبيعيا، وبات يخشى من محاولة الأكثرية استعادة روحها المكبوتة والمسلوبة. وبعد عقود من نهب الفئة المسيطرة لمقدرات سورية وثرواتها وعرق أبنائها، سيكون هناك من ترتعد فرائصه وهو يرى السوريين يثورون من أجل حقوقهم.
نعم، ثمة مأزق يواجهنا جميعا في سورية. كلما طال أمد هذه الثورة، ازدادت احتمالات خسران سورية لمقدراتها العسكرية؛ وكلما اتسع نطاق التسلح، اتسع نطاق العنف الأهوج وتصاعدت احتمالات فقدان الاستقرار؛ وإن قبل السوريون بالتدخل الأجنبي، فإن مخاطر كبيرة ستهدد وجود سورية ودورها؛ وبازدياد عدد الداعمين لثورة السوريين، عربا وغير عرب، لم نعد نستطيع التفريق بين من يشفقون على الدم السوري المسفوك ومن ينتظرون إطاحة سورية بأكملها.
ولكن ما الذي ينبغي علينا أن نفعله إزاء هذه الفرادة السورية؟ ما الذي يمكن أن نقوله لهذا الشعب المقدس وهو ينهض بأعباء هذه الثورة الكبرى ويخوض زمانها المديد بدون أن ينكسر له صوت؛ هذا الشعب الذي لم يمر عليه يوم طوال عام كامل بدون أن يطلب منه حصر عدد قتلاه؛ هذا الشعب الذي لم يخرج عرب للمطالبة بحريتهم وكرامتهم كما يخرج، نهارا وراء نهار، ومساء خلف المساء الذي سبقه؟ عام بأكمله من الموت اليومي، وإذا بالسوريين يخرجون للتظاهر في الجمعة الماضية في أكثر من 600 موقع على طول البلاد وعرضها. ما الذي ينبغي أن نقوله للسوريين، نحن الذين سكنتنا دمشق كما لم تسكنا مساقط رؤوسنا، وقد صمتنا طويلا ونحن نعرف أن خلف سحر الأمويين وعبق المرجة، كان دائما، ومنذ عقود طوال، ثمة أشقاء لنا، في مكان ما من دهاليز هذا النظام الفاشستي، معتقلون بدون أدنى مسوغ قانوني، ويعذبون، بل ويموتون تحت التعذيب، بدون مجرد اكتراث للكرامة الإنسانية. ثمة مأزق في سورية؟ صحيح. ولكن في مواجهة هذا المأزق لا بد أن نترك للسوريين أن يقرروا، للسوريين وحدهم، وأن نضع ثقتنا في حكمة وبسالة هذا الشعب، في قدرته على حماية سورية وحماية وحدتها والنهوض بها من جديد.




بشير موسى نافع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.