أنا الآن لا أركّب جملاً وليست لي خيمة أبنيها في قلب الصحراء، لكنني عربي، ارتبط بها أجداده، ولم يستطع المد التكنولوجي الكبير، الآتي من كل الجهات، أن «يفعل» فيهم ويزحزحهم عن أفكارهم القديمة قيد أنملة، فهم ما يزالون بدوا. لا يحبون التنظيم والاستقراء ولا الديمقراطية ولا حقوق الرجل، بالأحرى حقوق المرأة، التي ما يزالون ينظرون إليها ك»ضلع أعوج» يصعب تقويمه.. فالأجداد الكرماء ما يزالون ينظرون إلى المرأة على أنها «خديم الشيطان»، فأقفلوا عليها الأبواب ،وألبسوها السواد، حتى لا تثير الشيوخ، المبجَّلين.. أنا من هناك، من أرض السراب، وأنت أيضا من هناك، وطبعا هناك آخرون هم من هنا. تذكر هذا وقد لا تذكره، بحكم أنه يصعب عليك العودة إلى الشجرة التي تمتد أصولها إلى قرون. وفي كل الحالات، فإنه رغم تفرق الأغصان وتفرعها، فإن السفر في الزمن سيكشف عن الأصل الواحد. إن المد التكنولوجي لم يغير شيئا في داخل هذا الأب الصحراوي البدوي. فهو بالرغم من أنه يركب آخر صيحات السيارات ويبني ناطحات سحاب ويلبس بذلة إنسان عصري ويسكن فيلا أو قصورا فيها كل أسباب الراحة وفيها كل ما جدّ وما ابتكر العقل الإنساني.. ورغم أنه يسيّر شركة أو شركات من مكتب فخم بواسطة زر.. فإنه لم يقْدر أن يتخلص من «نعله» الفكري، المتخلف الذي يسكن دماغه منذ قرون.. هذا الرجل الصحراوي البدوي لم يجرؤ على أن يقاسم شقيقته المرأة كثيرا من سلطاته ولم يستطع أن يعترف بها ككائن مكرّم مثله، حيث إن الخطاب الموجه من الخالق لا يحدد الجنس وإنما جاء شاملا في كلمة «إنسان». لم تسقط ديكتاتورية الرجل بعدُ ولا يظهر أن «ربيعا» في هذا الأفق على الأبواب.. فحتى هؤلاء المتحدثون عن المرأة، من كتّاب وصحافيين وحقوقيين، كثيرا ما تكتشف أن غالبيتهم تحت تأثير ذلك الرجل الصحراوي وذلك «النعل الفكري» إلى درجة أنك كثيرا ما تتساءل عن خلفية حملهم كثيرا من الشعارات الرّنانة.. قليلون يحترمون زوجاتهم وبناتهم وأمهاتهم وبنات الحي والنساء في الشارع.. إن النساء هن أكثر المُضطهَدات والمستغَلات في هذه «الصحراء». فمتى يصل ذاك الزمن الذي تقتسم فيه كؤوس الشاي بالتساوي؟... السراب خادع..