العرب، حين ينهزمون، يكتبون القصائد، وحين يتوهمون أنهم انتصروا، يكتبون القصائد.. العرب أفواه واسعة لا تُسَدّ. منذ أن دخلوا باحة التاريخ، وهم يكتبون القصائد، مادحين، وأحيانا، هاجين لدواعٍ غير موضوعية. ومن هناك، قيل عنهم إنهم أمة شعر. وهكذا ما كانت العرب، كما تقول الروايات، تحتفل إلا لولادة فرس أو نبوغ شاعر أو ظهور فارس. واليوم، حتى رغم أن الزمن تغيَّرَ وتبدَّلَ وتطور وظهرت فيه «حاجات» جديدة، فإن العربي ما يزال فمه واسعا جدا ويكتب شعرا باردا مثلجا يمدح فيه «سيد قومه»، واصفا إياه بأوصاف تفوق كل الأوصاف، معتبرا إياه أخلد الخالدين وأنه محور الأرض، الذي إن زال، زالت الأرض... منذ زمن بعيد، ربط الناس الشعر بالقصور وجعلوا الشاعر لا همَّ له إلا المال، وحتى حينما أصبحت للشاعر أجرة تكفيه السؤال، فإن الصورة ما تزال حاضرة في أذهان قراء الشعر وسامعيه. شيء آخر ارتبط بمن «يصففون الكلمات ويبنون عالما من الأحلام» هو أنهم «في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون وأنه لا يتبعهم سوى الغاوين».. أي أن الشعر لعنة أبديّة تلاحق رجالا مجانينَ لا همّ لهم سوى «القرعة والكاسْ». فهم لا يبحثون سوى عن إثارة نزوات إنسانية راقدة في أعماقنا. لكن الناس احتاجوا دائما إلى هؤلاء «المردة» من أجل تكسير برودة الحياة. فكانت القصائد حاضرة بين أسوار القصور وخارجها. واستطاعت أن تسحر الجميع، حينما تقدر على العزف على الوتر الحساس للإنسان، الذي ليس صخرة جامدة، فكانت تتعالى الآهات وتتمايل الرؤوس مع القدود ويتساوى الملوك مع الرعية في «القصايْر» ويتوحّد الشعار «اليوم خمرٌ وغدا أمر». البعض قالوا: على الشعراء أن يلبسوا ثوب التقوى ويرسلوا لحاهم، فعندما سارا البعض على هذه الوصية، اختنقت القصائد في «الحلقوم» ولم يعد هناك سوى كلام بلا معنى. فانتفض عشاقه، قائلين إنه لا يمكن أن تحد الأدبَ حدود ولا يمكن تنبث له لحية، ف«بابه الشر وكلما دخل باب الخير لان». لقد مر من تحت الجسر ماء كثير، وتغيرت ملامح العالم وانفتحت آفاق جديدة في العلوم. ركب الناس على أفراس تكنولوجية وساروا يسافرون إلى بعضهم بعضا في رمشة عين، لكن البعض في مجال كتابة الشعر ما يزالون يكتبون مثل البدوي في الصحراء ويرفعون عقيرتهم مادحين «سيد قومه» باكين شاكين.. إن الشعر، ولا شك، كائن هش لا يحتمل «التّمْرميدْ». فهو يتأثر بالناس وبأحوال الطقس وبالبرودة والحرارة. فإلى أي طريق سار الشعراء؟!.. الطاهر حمزاوي [email protected]