تشكل المعارض الدولية للنشر والكتاب، في عمومها، لحظة لجس نبض الثقافة في أي بلد على حدة، حيث فيها يظهر مدى ما نتجته أي شعب في الوقت الفاصل بين دورة ودورة. كما أن معرض الكتاب هو مناسبة للاطّلاع على تطور أفكار وتصورات المبدعين والكتاب، في اتصال مع ما يعرفه العالم من تحولات في مستويات مختلفة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو تكنولوجية. ويظهر هذا التطور من خلال ما تكتبه هذه النخبة ومن خلال نقاشاتها في الندوات واللقاءات التي تقام هنا أو هناك. وفي جانب آخر، فإن معرض الكتاب هو لحظة مهمة بالنسبة إلى المجتمع لإعادة ارتباطه وربط «حبل الود» مع الكتاب. كما أنه مناسبة لتعويد الأطفال بشكل خاص على الاهتمام بالكتاب، الذي أهمله الآباء وقدّموا عنه «أولويات» أو وجدوا أنفسهم مرغمين على الانشغال عنه بهموم أخرى. لكنْ، في جانب آخر، فإن معرض الكتاب -وربما في كافة بلدان العالم- يُخرِج كثيرا من الدينصورات من عزلتها ويأتي بها إلى دائرة الضوء، في وقت كان الوصول إليها يشبه السفر إلى المريخ.. حيث إن طالبها يحتاج إلى «ركوب جبال وقطع وديان في مسيرات طويلة».. إن الأمر هنا يتعلق ببعض رجالات الدولة والسلطة، حيث إنه قليلا ما تجد واحدا من هؤلاء يتجول في الأسواق ويأكل مما يأكل الشعب، فهم يعتقدون -ربما- أن في النزول إلى الشارع تنقيصا من قيمتهم ونزعا لهيبة «تناطحوا» من أجلها نطاحا قل نظيره.. في معرض الكتاب الأخير، تساوى الناس بين يدي الرحمان، فاحتكّ الناس بوزراء وصادفوا زعيما من الزعماء، إلى درجة أنهم تساءلوا مع أنفسهم هل هم في حقيقة أم حلم.. إن هذا من ميزات المعارض: تسقط الفوارق وتجعل الناس سواسية، فيصبح الجميع هنا ماشين ومتجولين ذاهبين وراجعين، لغاية أو لغير غاية.. طبعا، كل من يأتي إلى معرض الكتاب يأتي وفي نيته أمر: «واللّي جا عْلا شي حاجة يْدّيها».. ولا شك، فالبعض يأتون حبا في تلك الكتب، التي يتمنون أن تكون لهم كلها، والبعض يأتون فقط من أن أجل أن تصطاده عدسات المصورين هنا أو هناك، فيصبح من «المثقفين»، حتى وإن كان لا يساوي «بصلة».. وهذا -ولا ريب- سيزيد من رصيده السياسي و«يزيّن» صورته أمام عامة الشعب.. فاللهم حوّل كل حياتنا معرضا للكتاب.. ولا رحم الله من يستغلها لمآرب شخصية!..