كان هذا قبل أقل من شهرين ونصف الشهر؛ فقد ألقى رئيس الوزراء خطابا دراماتيكيا في الأممالمتحدة عن التهديد الإيراني، في ذروته امتشق رسما في وسطه صورة لقنبلة وخط احمر عنقها، يؤشر على اللحظة التي سيكون بينها وبين القنبلة النووية خطوة واحدة. وكانت هذه ذروة جهد إسرائيلي هائل، ليس واضحا حتى اليوم ماذا كان فيه من حقيقي وماذا كان فيه من زائف، لتجنيد أمم العالم، وأولا وقبل كل الآخرين الولاياتالمتحدة ودول غربي أوربا، للعمل قبل أن يكون متأخرا. على مدى كل السنة الأخيرة، أوضح لنا بنيامين نتنياهو كم هو التهديد الإيراني خطير. في خطاب في مؤتمر «آيباك» في بداية شهر مارس شبّه بين استجداء يهود الولاياتالمتحدة الرئيس روزفلت لقصف منشآت الإبادة في أوشفيتس وبين مساعي إسرائيل إلى إقناع الأسرة الدولية بالحاجة إلى العمل ضد إيران قبل أن يكون متأخرا، ووعد بأنه «كرئيس وزراء إسرائيل، لن أسمح أبدا بأن شعبي يعيش تحت ظل الإبادة». وبالفعل، كان نتنياهو واضحا حين قال إن إسرائيل لن يسعها العمل وحدها؛ ففي مقابلة احتفالية مع «إسرائيل اليوم» عشية عيد الفصح قال: «اليوم من يريد أن يقود دولة إسرائيل في ضوء الوضع والتهديدات، ملزم بأن يكون قادرا على أن يعمل بشكل حثيث وفاعل في الساحة الدولية». وهو لم يكن وحده في هذا الشأن. وسواء أيده كل الوزراء الذين شاركوا في عملية اتخاذ القرارات في عمل إسرائيلي فوري أو رأوا في خطوة كهذه مخرجا أخيرا، فقد رأى الوزراء -وعلى رأسهم إيهود باراك- في القنبلة الإيرانية خطرا جسيما وتهديدا وجوديا. وقد رأى الجميع في تجنيد الدعم الدولي، بغرض إقامة تحالف يصفي البنية التحتية النووية الإيرانية بالقوة أو من أجل تشديد نظام العقوبات على إيران، أو من أجل نيل الدعم والمساعدة لإسرائيل إذا ما سارت نحو الحرب وحدها، شرطا ضروريا للنجاح. لا مجال للتشكيك في صدق نتنياهو ووزرائه؛ فهم حقا يرون في القنبلة الإيرانية تهديدا وجوديا لإسرائيل، ويمكن بالتأكيد أن نفهم لماذا، وبالتأكيد يمكن أن نبرر تطلعهم إلى نيل دعم دولي متين وناجع قدر الإمكان لتعطيل هذا الخطر. ولكن بالذات لهذا السبب يمكن ويجب التشكيك في تفكيرهم، إذ إن سلسلة الخطوات المشكوك فيها التي اتخذوها في أعقاب قرار الأممالمتحدة في موضوع الدولة الفلسطينية تقضم من الذخر الأهم الذي يقف في صالح إسرائيل في التصدي للتهديد الوجودي الآتي من إيران. ليس واضحا ما الذي دفع نتنياهو ووزراءه إلى أن يقرروا رزمة العقوبات ضد الفلسطينيين. فهل كان هناك تقدير زائد مغلوط لصبر الأسرة الدولية على السياسة الإسرائيلية (التي تعتبر، حتى من أفضل أصدقائها، أنها تخرب فرص السلام) أم ربما يدور الحديث عن «رد صهيوني مناسب» يرمي إلى إظهار أننا لا نتراجع أمام الضغط الخارجي. وربما يدور الحديث بشكل عام عن «اثر نفتالي بينيت»، بمعنى تخوف نتنياهو ورجاله من أنه بدون رد قوي قد يفقدون الاصوات في الانتخابات القادمة لليمين المتزمت، الذي لا يزال بعض منه يوجد خارج قائمة «الليكود بيتنا». كائنة ما تكون الاعتبارات فإن أمرا واحدا تُثبته القضية الأخيرة جيدا: نتنياهو ووزراؤه غير قادرين على أن يميزوا بين الأساسي والتافه، بين ما من شأنه حقا أن يشكل تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل وبين الاستعراض الغبي للقوة الذي لا توجد بينه وبين ضمان أمن الدولة أي صلة على الإطلاق، إذ إنه حتى عندما لا يلقي نتنياهو خطابات مصقعة تشبه بين إيران محمود أحمدي نجاد وألمانيا أدولف هتلر، فإن الساعة تبقى تدق، وأجهزة الطرد المركزي تواصل الدوران وطهران تواصل التقدم نحو القنبلة. إن سياسة تُقرب العقوبات إلى إسرائيل لا تشجع على تشديد العقوبات على إيران، وعزلة دبلوماسية لتل أبيب تجعل من الصعب أكثر بلورة ائتلاف ناجع ضد طهران. وإذا كان نتنياهو يعتزم بالفعل الخروج إلى حرب ضد إيران في الربيع، بعد الانتخابات، كما يلمح لنا مقربوه، فلماذا لا يفعل كل ما يمكن كي يجند الدعم الدولي الذي هو نفسه يرى فيه شرطا ضروريا لنجاح الحرب؟ لماذا يستفز أمم العالم بالذات عندما يقترب من اللحظة الأكثر مصيرية منذ قرر دافيد بن غوريون إقامة الدولة؟ لا يهم إذا كان الحديث يدور عن خطأ في التفكير عن رد فعل شرطي أو عن اعتبار سياسي ساخر، فإن القرارات الأخيرة التي اتخذها، بإسناد من وزراء التسعة، تمس مسا شديدا بأمن دولة إسرائيل. وعن ذلك، سبق أن قال السياسي الفرنسي تيلران: «هذا أسوأ من الجريمة، هذا غباء». عن «هآرتس»