موسم الصيف.. الترخيص ل 52 شركة طيران ستؤمن 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب 135 مطارا دوليا    توقيف مقدم شرطة بتطوان للاشتباه في تورطه في حيازة وترويج الكوكايين    تأجيل القرار النهائي بشأن الغاز الطبيعي بين نيجيريا والمغرب    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    تصفيات المونديال.. بعثة المنتخب المغربي النسوي تحت 17 سنة تشد الرحال صوب الجزائر    التقدم والاشتراكية يشجب القرارات التأديبية في حق طلبة الطب    إضراب كتاب الضبط يؤجل محاكمة "مومو"    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب 3 بالمائة في 2024    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    التقدم والاشتراكية" يدعو للتحرك من أجل وقف العدوان الصهيوني ويشجب القرارات التأديبية في حق طلبة الطب    الملك محمد السادس يهنئ الباراغواي    "فيفا" يعتمد برمجة جديدة للمسابقات    مطالبة للحكومة بمضاعفة الجهود لتحسين ولوج المغربيات إلى سوق الشغل    تسجيل أزيد من 130 ألف مترشح بمنصة التكوين على السياقة    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    انتخاب المكتب التنفيذي للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    استعدادا للصيف.. الترخيص ل 52 شركة طيران ستؤمن 2060 رحلة أسبوعية منتظمة    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    قصيدة: تكوين الخباثة    بوصلة السوسيولوجي المغربي الخمار العلمي تتوجه إلى "المعرفة والقيم من الفردانية إلى الفردنة" في أحدث إصداراته    طاقات وطنية مهاجرة … الهبري كنموذج    زلزال قوي يضرب دولة جديدة    أمريكا تشجع دولا عربية منها المغرب على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات في غزة    معرض هواوي العالمي "XMAGE" ينطلق لأول مرة بعنوان "عالم يبعث على البهجة"    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    الجديدة: حجز 20 طنا من الملابس المستعملة    الجيش الملكي ومولودية وجدة يواجهان الدشيرة وأولمبيك خريبكة للحاق بركب المتأهلين إلى المربع الذهبي    بلاغ جديد وهم من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة    رسالتي الأخيرة    عملاق الدوري الإنجليزي يرغب في ضم نجم المنتخب المغربي    احتدام المعارك في غزة وصفقة أسلحة أمريكية جديدة لإسرائيل بقيمة مليار دولار    حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    كيف يعيش اللاجئون في مخيم نور شمس شرق طولكرم؟    الرئيس الروسي يزور الصين يومي 16 و17 ماي    بلينكن في كييف والمساعدات العسكرية الأمريكية "في طريقها إلى أوكرانيا"    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    دعوات لإلغاء ترخيص "أوبر" في مصر بعد محاولة اغتصاب جديدة    شبيبة البيجدي ترفض "استفزازات" ميراوي وتحذر تأجيج الاحتجاجات    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    الأمثال العامية بتطوان... (598)    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    الأمثال العامية بتطوان... (597)    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشومسكي: أمريكا دخلت على خط «الربيع العربي» لإفشاله
قال إن أوباما وسع «شرعية الاغتيالات» التي دشنها بوش
نشر في المساء يوم 21 - 12 - 2012

بزغ نجم نعوم تشومسكي لأول مرة في منتصف ستينيات القرن الماضي عقب إدانته ومناهضته الحرب الفيتنامية وكفاحه ضدها.
ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم لم يتوقف عن النضال بانتظام ضد سياسات الولايات المتحدة، الخارجية والداخلية، وعن التعبير عن مواقفه المعادية لكل أصناف الحروب ومناهضة المشروع الصهيوني في فلسطين وانتقاد وسائل الإعلام الرسمية الأمريكية.. وبعد فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية لولاية ثانية، حاوره الكاتب الأمريكي والمدافع عن حقوق الإنسان إريك بايلي، ونشرت مقابلتَه مجلة «أمريكا وحقوق الإنسان».
وتناول بايلي في حواره مع تشومسكي ملف سجل التعذيب في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما وسياسات التدخل العسكريّ، التي شهدت تطورا نوعيا وخطيرا مع اندلاع «الربيع العربي».. وهذا نص الحوار مترجما من اللغة الإنجليزية.
- شهدت السنوات الأربع الماضية من رئاسة باراك أوباما تغيّرات كبيرة في السياسة الأمريكية الداخلية في ما يخص حقوق الإنسان، وكمثال على ذلك التعاونُ بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على مدى السنوات الأربع الماضية لتمرير «قانون تفويض الدفاع الوطني» لسنة 2012..
وقد فوّض هذا القانون لسلطات الولايات المتحدة، العسكرية والأمنية، حقَّ اعتقال مواطنين أمريكيين إلى أجَل غير مسمى دون محاكمة أو تهمة أو أي شكل آخر من أشكال الإجراءات القانونية الواجبة.. وما تزال إدارة أوباما تخوض معركة قانونية في المحكمة الاتحادية لمنعها في البتّ في عدم دستورية هذا القانون. وتمّت موافقة أوباما على اغتيال ثلاثة مواطنين أمريكيين من دون محاكمة، بما في ذلك أنور العولقي وابنه البالغ من العمر 16 سنة، متهمين بعضويتهم في تنظيم القاعدة.. إضافة إلى ذلك ما يزال سجن خليج غوانتانامو مفتوحا، وتم تمديد قانون المواطنة «Patriot Act» وتوسَّعَ بسرعة فائقة قانون إدارة امن النقل «TSA».. ما هو رأيك في سجل الولايات المتحدة لحقوق الإنسان على مدى السنوات الأربع الماضية؟ وهل سياسات أوباما متناقضة مع سلفه جورج دبليو بوش -الابن؟
ليست هناك تناقضات بين سياسات باراك أوباما وسياسات جورج بوش، وإن كانت هناك بعض الاختلافات الطفيفة، ولكنّ هذا ليس مفاجأة كبيرة، حيث أيّد الحزب الديمقراطي (حزب أوباما) سياسات بوش (الحزب الجمهوري) من قبلُ، مع بعض الاعتراضات، على أساس حزبيٍّ في الأغلب، ولكن بالنسبة إلى الجزء الأهمّ، أيّد الحزب الديمقراطي سياسة بوش وليس من المستغرب أن الحزب الديمقراطي واصل نفس سياسة الرئيس بوش، بعدما انتخب أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. وفي بعض الأحيان انتهج أوباما سياسة أفظع من سلفه بوش.. ولم يكن تمريرُ قانون الدفاع الوطني، الذي ذكرتَه في سؤالك، مبادرة من أوباما بل عارضه في الأساس وصرّح بأنه لن يلتزم به أبدا إذا تمت الموافقة عليه كقانون من طرف الكونغرس.. لكنه في نهاية المطاف لم يعترض عليه ووافق عليه ليصبح قانونا، بضغط من «الصقور»، بمن في ذلك السيناتور جو ليبرمان وغيره.. وأسوأ جزء في قانون الدفاع الوطني أنه دوّن أو أضفى الشرعية على ما كان بالفعل ممارسة منتظمة. والنص الوحيد الذي أثار اهتمام الرأي العام هو ما ذكرت، والذي يجيز احتجاز المواطنين الأمريكيين إلى أجَل غير مسمى. لكنْ لماذا يجيز هذا القانون احتجاز أي شخص لأجل غير مسمى؟ إنه انتهاك جسيم لحقوق الإنسان الأساسية وللقانون المدني، ويعود بنا إلى الميثاق الأعظم في القرن الثالث عشر الميلادي (الدستور البريطاني) ويعتبر انتهاكا صريحا لأبسط الحقوق المدنية، سواء في عهد بوش أو عهد أوباما..
أما في ما يتعلق بموضوع الاغتيالات فقد اشتعلت على عهد أوباما على الصعيد العالمي، مع العلم أن بوش هو من دشّن شرعية سياسة الاغتيالات، في حين وسعها أوباما لتشمل مواطنين أمريكيين، ومرة أخرى بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والقليل من الاستنكار لكون الضحية أمريكيا. والسؤال هنا هو: كيف يكتسب الإنسان شرعية اغتيال أي شخص؟ على سبيل المثال، لنفترض أن إيران قامت باغتيال أحد أعضاء الكونغرس الذين يطالبون بالحرب عليها، هل سنقبل بهذا؟ قد يكون إقدام إيران على عمل من هذا القبيل مبرَّراً، لكن أمريكا ستعتبره إعلانَ حرب.. والسؤال الحقيقي هو: لماذا اغتيال أي شخص؟ وخرجت الحقيقة الصادمة من الإدارة الأمريكية، من دون أدوات تجميلية، مؤكدة أن عمليات اغتيالات الأشخاص وافق عليها أوباما شخصيا، إلا أن معايير هذه الاغتيالات لا سند قانونيا لها، لنفترض أن طائرة بدون طيار أمريكية سلكت الجو ورأت مجموعة من الرجال يحمّلون شاحنة وساورها بعض الشك في أنهم ربما من المتشدّدين، هل يحق لها أن تصفيَّهم باعتبارهم مذنبين حتى تثبت براءتهم في وقت لا حق!؟.. هذه هي الصيغة التي تستخدمها الولايات المتحدة، ومما لا شك فيه أنه انتهاك جسيم لحقوق الإنسان الأساسية، والتي لا يمكنك التحدث عنها إلا بالكاد..
وطفت على السطح مسألة الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها حيال سياسة الاغتيالات، لأن لدى الولايات المتحدة دستورا ينصّ على أنه لا يجوز حرمان أي شخص من حقوقه دون اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة -يعود بنا هذا الأمر مرة أخرى إلى القانون البريطاني وإلى القرن الثالث عشر- وطُرِحت بحدة مسألة: ماذا عن الإجراءات القانونية اللازمة؟ وأوضح وزير العدل، إريك هولدر، أنّ كل الإجراءات القانونية اللازمة اتخذت مسبقا، حيث تمت مناقشتها في فرع السلطة التنفيذية.. هل يمكن تصديق كلام وزير العدل، الذي لا يرقى إلى مستوى المزحة السخيفة، والتي لن يصدقها، بالتأكيد، حتى الملوك البريطانيون من القرن الثالث عشر!؟ إن وزير العدل يتصور أنه إذا ناقش الإجراءات القانونية اللازمة في جلسة مغلقة فإنه يحقق الأهداف بشكل كافٍ، وتُطوى الصفحة دون جدل..
في الواقع، قد نطرح نفس السؤال عن جريمة قتل أسامة بن لادن.. لاحظ أنني أستخدم مصطلح «القتل».. عندما تقتحم فرقة عسكرية خاصة مُدجَّجة بالسلاح مكانا وتقبض على مشتبَه فيه، أعزلَ من السلاح ورفقة زوجاته، وتقوم بإطلاق النار عليه وتقتله وتلقي جثته في البحر دون تشريحها، فان ذلك يعتبر ممارسة منافية للقانون، وبكل بساطة: جريمة قتل!.. كما أريدك أن تلاحظ أنني استعملت كلمة «المشتبَه فيه»، والغرض من ذلك إظهار سبب قانونيّ آخر يعود إلى القرن الثالث عشر وقاعدته أن «كل شخص بريء حتى تثبت إدانته» وما عدا ذلك فهو مشتبَه فيه..
والمعروف أن الولايات المتحدة لم تتهمَّ أسامة بن لادن رسميا في أحداث 11/9، والسبب أنها غير متيقنة مما إذا كان مسؤولا عليها. وبعد ثمانية أشهر على أحداث 11/9 وبعد أكبر تحقيق مكثف في التاريخ، أوضح مكتب التحقيقات الفدرالي أنه يتشبه في أن مؤامرة 9/11 تم تدبيرها في أفغانستان (لم يذكر مكتب التحقيقات اسم بن لادن) ونُفِّذ في الإمارات العربية المتحدة وألمانيا، وبالطبع الولايات المتحدة.. هكذا، وبعد ثمانية أشهر على تلك الأحداث لم يتوصل مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أي دليل قاطع يُحمّل بن لادن مسؤولية أحداث 11/9 أو إلى أي معلومات حقيقية سوى تلك التي تعزز المزيد من الشكوك. وفي اعتقادي الشخصي، فإن الشك يكاد يكون هو الدليل الصحيح، ولكنّ هناك فرقا كبيرا بين أن تثبت قضية بما لا يدع مجالا للشك وبين أن توجه أصابع الاتهام إلى شخص مُعيَّن. وحتى لو كان بن لادن مذنبا فقد كان من الواجب أن يتم اعتقاله للمثول أمام المحكمة، هذا ما ينص عليه القانون البريطاني والأمريكي منذ ثمانية قرون خلت.. ليس من حق أحد أن يقتله ويُلقيَّ جثته في البحر قبل تشريحها، لكن المجتمع الدولي أعرب عن «فرحته» لتصفية بن لادن بالطريقة التي اعتبر أنها الأمثل.. وسبق لي أن كتبتُ مقالة ندّدتُ فيها بشدة بعملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة لكونها تمثل انتهاكا للقواعد الأساسية للقانون الدوليّ، فهاجمني عدد كبير من الكتاب والصحافيين من مختلف ألوان الطيف، بما في ذلك اليسار، وساندوا عملية الاغتيال وشدّدوا على كونها الحلَّ الأنسب، حيث إن «المُشتبَه فيه ارتكب جريمة ضد الولايات المتحدة».. وهذا في حد ذاته يوضح أن النخبة المثقفة طالتها جرثومة التفسّخ الفكري والأخلاقي..
- مر ما يزيد قليلا على 10 سنوات على نشر «مذكرات التعذيب» من طرف إدارة الرئيس بوش. قدمت هذه المذكرات مبررا قانونيا لتعذيب المعتقلين الذين تحتجزهم وكالة الاستخبارات المركزية، في تناغم مع ما يسمى «الحرب على الإرهاب».. مضمون المذكرات تقشعر له الأبدان وخلقت جدلا جديدا حول التعذيب دوليا. ورغم كل الوعود التي قدّمها الرئيس اأوباما بإغلاق مراكز الاحتجاز غير القانونية، يبدو أن «الزنزانات السرية» ما تزال نشطة.. ما هي وجهات نظرك بشأن مراكز الاحتجاز والتعذيب الذي تمارسه وكالة الاستخبارات المركزية CIA))؟ وما رأيك، أيضا، في وعود أوباما بإدخال إصلاحات على وكالة الاستخبارات عام 2008؟ وهل تَمسَّك حقا بتلك الوعود؟
عبّرتْ بعض الأوساط الحكومية عن عدم الموافقة على تعرض المعتقلين لأقسى أشكال التعذيب، ولكن معتقل «باغرام»، وهو ربما الأسوأ في أفغانستان، ما يزال نشطا وغيرَ خاضع للتفتيش. وما يزال سجن غوانتانامو مفتوحا، ولكنْ من غير المرجح أن أشكال التعذيب القاسية تجري فيه لأنه يخضع لرقابة مُشدَّدة، وهناك محامون عسكريون يقدّمون بانتظام الأدلة على أن التعذيب قد توقف فيه، لكنه ما يزال دائرة اعتقال غير قانونيّ، وكذلك «باغرام» والمعتقلات السرية الأخرى، التي لا نعرف عنها شيئا، والتي من المؤكد أنها نشطة، ولكنْ ربما ليس بنفس الوتيرة التي كانت عليه حتى وقت قريب جدا..
وتسليم المعتقلين من طرف الولايات المتحدة إلى حكومات أوطانهم الأم إنما يعرضهم فقط للتعذيب، وهذا أيضا مخالف للقانون الدستوري الأنجلو -أمريكي، الذي يمنع صراحة تسليم شخص ليواجه العقاب والتعذيب. وهذا القانون لا يسري فقط على الولايات المتحدة بل ينطبق، أيضا، على كل دول أوربا الغربية. ومع ذلك ساهمت بريطانيا في تسليم المعتقلين، كما شاركت السويد.. إلا أن قضية تسليم جوليان أسانج إلى السويد من طرف إنجلترا أثارت الكثير من المخاوف. وقد تورّطت كندا في تسليم المعتقلين، كما تورطت إيرلندا، إلا أن ايرلندا تستحق التنويه، حيث كانت واحدة من الدول القليلة التي شهدت احتجاجات شعبية واسعة ضد السماح للمخابرات المركزية باستخدام مطار «شانون» لتسليم الأسرى.. أما في باقي الدول فلم يكن هناك أي اعتراض على هذه الانتهاكات، بل لم تصدُر كلمة احتجاج واحدة.. وليست في حوزتي أي معلومات عن انتهاكات جديدة، ربما لأن هذه السياسة لم يعد معمولا بها، ولكنني لن أفاجَأ إذا اكتشفت أنها ما تزال سارية المفعول.
- لنتجاوز الولايات المتحدة ونلقِ نظرة على الشرق الأوسط، الذي يعجّ دائما بانتهاكات حقوق الإنسان، وحيث تعاظمت هذه الانتهاكات في العديد من البلدان العربية مع بزوغ «الربيع العربي».. قد نستثني تونس ومصر، اللتين أطاحتا بالديكتاتورية دون اللجوء إلى الحرب الأهلية، في حين شهدت دول مثل ليبيا وسوريا واليمن قتالا عنيفا.. وتدخلت أمريكا وحلف «الناتو» عسكريا في الحرب الأهلية الليبية، ولولا العناد الروسي والصيني لكان مصير سوريا مماثلا لمصير ليبيا.. وفي كلتا الحالتين، طلبت قوات المتمردين، بل «توسّلت» حتى ، الحصول على مساعدة أمريكية وأوربية في جهود الحرب، حيث رفض المتمردون التفاوض مع خصميهما الديكتاتوريين.. ما هو رأيك في التدخل العسكري في ليبيا واحتمال التدخل العسكري في سوريا، الذي ينادي به البعض؟ هل من مبرر أخلاقي يحتّم إرسال الجنود الأمريكيين ليعرّض حيواتهم للخطر بالتدخل في الصراعات الداخلية لليبيين والسوريين؟ وعلى العكس، كيف نبرّر عدم التدخل عندما نشاهد مدنا بأكملها، مثل مصراتة وبنغازي وحلب وحمص، مهددة بالدمار الشامل وقتل عشرات الآلاف من المدنيين؟..
حسنا، لنبدأ مع سوريا. لا أتفق معك في أمر واحد وأشك كثيرا أن روسيا والصين تتخوفان من تدخل عسكريّ أمريكي -أوربي في سوريا. في الواقع ينتابني اشتباه قوي، أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رحّبت بحق النقض الروسي في الأمم المتحدة على التدخل العسكري في سوريا، وقد أعطاهم حق النقض ذلك ذريعة لعدم فعل أي شيء.. الآن يمكنهم القول: ليس في وسعنا أن نفعل أي شيء! الروس والصينيون اعترضوا على ذلك! لكنْ في الواقع،الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لو أرادوا التدخل لفعلوا ولن يُعيروا أي اهتمام للفيتو الروسي أو الصيني، والتاريخ شاهد على ذلك، لكنهم لا يريدون التدخل، وعلى الأقل لا يريدون التدخل الآن، لماذا؟ لأن المراكز الأمريكية لقيادات الجيش ومراكز القيادات الإستراتيجية ومراكز الاستخبارات كلها تعارض بشدة التدخلَ العسكريَّ في سوريا. البعض يعارضون لأسباب تقنية والبعض الآخر يعارضون لأسباب عسكرية وغيرها، والكل يُجمعون على أنهم لا يرون مصلحة الولايات المتحدة في أي شخص حاليا.. هذا لا يعني أن أمريكا تحب بشار الأسد، رغم أنه ينسجم شيئا ما مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، لكنْ لأنها لا تحب المعارضة أيضا، وخاصة العناصر الإسلامية، فإنها تفضّل لعب دور المتفرج. والمثير للاهتمام أن إسرائيل لا تتحرك، فلو عبّأت قواتها المرابطة في الجولان، التي لا تبعد إلا بحوالي 60 كيلومترا عن العاصمة دمشق، لأرغمت الأسد على إرسال قوات عسكرية إلى الحدود، لتخفيف الوطأة على المتمردين، وبذلك تكون إسرائيل قدّمت خدمة مباشرة للمتمردين من دون إطلاق رصاصة واحدة ومن دون اجتياز الحدود..
لا حديثَ في هذا الشأن، وأعتقد أن السبب راجع إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة -وحلفاءها- لا ترغب في اتخاذ خطوات من شأنها أن تقوّض النظام السوري، فقط حفاظا على المصلحة الذاتية وبعيدا عن أي مصلحة إنسانية.. أما بخصوص القضية الليبية، فيجب أن نكون حذرين قليلا، لأنها تعرضت لمرحلتين من التدخلات، كان أولهما تحت رعاية الأمم المتحدة بناء على القرار 1973، الذي دعا إلى إقامة منطقة حظر جوّي، ووقف إطلاق النار، وبدء المفاوضات وتحرك الدبلوماسية.
- أنت تتكلم عن التدخل لمنع تدمير بنغازي؟
ليس هناك أي مؤشر على أن بنغازي كانت على وشك التعرض للتدمير، لكنّ هذا ما وقع لمنع هجوم مُحتمَل على بنغازي. يمكنك مناقشة مدى احتمال وقوع هذا الهجوم، لكنني شخصيا، شعرت بالارتياح حيال التدخل في محاولة لوقف الفظائع الممكن حصولها. واستمر تدخل حلف شمال الأطلسي لخمس دقائق فقط لحماية بنغازي، وعلى الفور تقريبا، انتهك الحلف (فرنسا وبريطانيا في الصدارة تليهما الولايات المتحدة) القرار بالكامل، ليتحول سلاح الجو إلى سلاح المتمردين.. لا شيء في القرار 1973 يبرر ذلك. لقد شدّد القرار بالفعل على اتخاذ «الخطوات الضرورية» لحماية المدنيين، ولكنْ هناك فرق كبير بين حماية المدنيين واستعمال سلاح الجو كغطاء للمتمردين..
ربما كان ينبغي لسلاح الجو أن يكون إلى جانب قوات المتمردين، لكن هذه مسالة منفصلة تماما، وانتهاك القرار بشكل واضح لا يعني عدمَ وجود خيارات بديلة. لنتذكر أن القذافي عرض وقف إطلاق النار، سواء كان يقصد ذلك أم لا، لا أحد يعرف، المهم هو أن عرْضه رُفِض على الفور. وبالمناسبة، فقد عارضت القرارَ معظمُ دول العالم (الحلف الأطلسي) ولم تقدم له أي دعم عمليا. أما الاتحاد الإفريقي فعارض التدخل العسكريَّ بشدة، ودعا إلى وقف إطلاق النار على الفور، واقترح قوات الاتحاد الإفريقي في محاولة للحد من الصراع.
كما عارضت دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا) بشدة تدخلَ حلف شمال الأطلسي، ودعت إلى التوجه نحو الدبلوماسية والمفاوضات ووقف إطلاق النار.. تغيبت الجارة مصر من المشاركة، ورفضت كل من ألمانيا وإيطاليا، العضوين في الناتو، الانضمام إلى التدخل، رغم أنهما التحقتا بعملية التدخل في وقت لا حق. وبدورها، تحفظت تركيا لكنها غيّرت موقفها وقررت المشاركة. الواضح، إذن، أن كل هذه الدول عارضت التدخل العسكري في البداية. وبصفة عامة، فالقوى الإمبريالية التقليدية (فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة) هي التي قادت التدخل العسكريَّ ضد ليبيا.
على أي حال، وقع التدخل ولا يسع الإنسان إلا أن يتطلع إلى مستقبل أفضل.. لكن الواقع يحكي عن صورة مغايرة كما نقله هيو روبرتس، مدير شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية والمتخصص في المنطقة. فقد عارَض قبل كل شيء التدخل العسكري لحلف الأطلسي ووصف النتائج بالفوضى الميؤوس منها في «المجلة اللندنية لمراجعة الكتب»، والتي سوف تقتل، في نهاية المطاف، كل الآمال لتحقيق دولة قومية وديمقراطية في ليبيا..
وماذا عن الدول الأخرى؟ البلدان ذات العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة والغرب، عموما، هي ديكتاتوريات النفط، التي ما تزال مستقرة جدا بفضل دعم الغرب.. وتسهر الدول الغربية حرصا شديدا على استقرار وبقاء ديكتاتوريات النفط، لأنه مركز قوتها..
كانت هناك جهود لمحاولة الانضمام إلى «الربيع العربي» في دول الخليج، لكنْ تم سحقها بقسوة شديدة، من دون أن تدين الحكومات الغربية ذلك بكلمة واحدة. وما تزال الاحتجاجات تُقمَع بوحشية عنيفة، كما يحدُث مع شيعة شرق المملكة العربية السعودية والبحرين، دون أن يحرّك أحد القادة الغربيين ساكنا.
في تونس، التي طغى عليها النفوذ الفرنسي، دعمت فرنسا الديكتاتورية حتى النهاية. وفي الواقع، فقد بقيت تدعم الديكتاتورية حتى بعد أن اجتاحت المظاهرات البلاد. وفي اللحظة الأخيرة اعترفت فرنسا واقتنعت بأنّ ديكتاتورها المفضل لا بد أن يزول. ووقع نفس الشيء في مصر، حيث النفوذ الأمريكي والبريطاني، إذ وقف أوباما إلى جانب الديكتاتور حسني مبارك حتى انقلب عليه الجيش. ولما تبيّنَت استحالة بقاء الديكتاتور في الحكم نصحته أمريكا بالتنحي وإفساح المجال للانتقال إلى نظام مماثل..
كل ذلك أمر روتينيّ جدا، يتطلب سلك الطريق المرسوم للتخلص من الديكتاتور المفضل ومن مشاكله.. هناك الكثير من الأمثلة من هذا القبيل. وليس خافيا أن الدول الغربية تدعم الديكتاتوريات النفطية حتى النهاية، بغَضّ النظر عن دمويتها وفظاعتها. ثم، عندما يصبح من المستحيل بقاء الديكتاتور في منصبه، لأن الجيش أو طبقات الأعمال تحولت ضده، يتم بكل سهولة التخلص منه وإبعاده إلى مكان ما (بعدما ينتهي من سرقة نصف عائدات البنك المركزيّ الحكومي).. وتعلن الدول الغربية حبها للديمقراطية وللشعوب العربية وتعاود الكَرّة من جديد لإعادة بناء النظام القديم.. وهذا -إلى حد كبير- ما يحدث في مصر حاليا.
عن مجلة «أمريكا وحقوق الإنسان»



حاوره إريك بايلي
ترجمة: حسن بنشليخة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.