وداعا أيتها السنة المرمية في سطل قمامة. هناك من شرب نخب رأسك الأشعث، هناك من رثاه بالخواطر والقصائد الرديئة في أجندات انتهت صلاحيتها، هناك من أشعل من أجله الشموع وفتح الشامبانيا، هناك من وزع الهدايا ومن وقف في صف طويل كي يشتري الحلوى ويجلس أمام التلفزيون ليشاهدهم وهم يشيعون رأسك إلى مثواه الأخير في جنازات صاخبة. كل القنوات العالمية دفنتك بالموسيقى والقفشات وقنواتنا المغربية بسهرة معادة! وداعا أيتها السنة الميتة. لقد قطعنا رأسك ورميناه في الشارع بلا رحمة. رأس بلا شعر. رأس أصلع بزغبات قليلة ومتفرقة. رأس مليء بالصخب والليل والسهر. رأس دائخ لعبت به الكؤوس وأصبح يدور في كل الاتجاهات إلى أن سقطت عليه مقصلة منتصف الليل. هذا رأس مقطوع وهذه رأس مقطوعة: «الرأس» خنثى. رأس السنة أم رأس العام؟ السنة مومس في «بار» حقير بآخر الليل، والعام منحرف يقطع الطريق في مدينة بعيدة، يفتش «عن رأسه» في علب الليل والأزقة المعتمة... مع الأسف، رغم أن للسنة رأسا فإنها لا تفكر ولا تتوقف عن ارتكاب الحماقات؛ تماما كما للجبال أقدام ومع ذلك لا تمشي، لأنها مصابة بالروماتيزم، من جراء كل الثلوج التي تسقط عليها في الشتاء؛ وللسماء كبد مصابة بالتشمع تخضع لعلاج يومي بالأشعة، حين تكون «الشمس في كبد السماء»، كبد مثقوبة، فتك بها السرطان؛ ولليل مؤخرة يتربص بها السكارى والصعاليك والمشردون؛ وللإعصار عين، عين واحدة مثل جان سيلفر، ومثل كل القراصنة الذين يفتشون عن الكنز ويضيعون كثيرا من السفن قبل الوصول؛ وللندم بنان يسيل منه الدم هذه الأيام... حين نتأمل الفرص التي ضيعناها خلال السنة «نعض بنان الندم». نكتشف أنها غادرت وتركتنا نحصي المشاريع التي أجلناها، والمواعيد التي أخلفناها والذنوب التي اقترفناها والهواتف التي أهملناها والأصدقاء الذين نسيناهم... وداعا أيتها السنة الفقيدة. صباح الخير أيتها السنة الجديدة. ماذا تحملين معك؟ هدايا أم رزايا..؟ لا مواعيد في أجنداتنا العذراء ولا ذنوب في كتبنا البيضاء، لكننا مستعجلون لتحقيق كل الأحلام، حتى تلك التي انتهت صلاحيتها، وسّعي صدرك لمشاريع حماقاتنا رجاء. صباح الخير أيتها السنة السعيدة. العمر يتقدم والبلاد تتأخر ونحن معتصمون في أمكنتنا، نابتون على الرصيف مثل أعمدة كهرباء أو صفصافات طويلة لا تصلح إلا لتزيين المشهد، في انتظار أن يجردها الخريف من الأوراق والأطفال من المصابيح. صباح الخير أيتها السنة البليدة. البلاد جالسة على غصن يتدلى من شجرة تقطعه بمنشار وتغني في انتظار سقطة مدوية.