أكد عبد الله ساعف، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن دراسة علم السياسة في المغرب تشهد طغيان مجموعة من التغيرات في مرحلتها الأخيرة، في سياق سياسي "يعرف انحدارا كبيرا". واعتبر ساعف، خلال درس افتتاحي ألقاه أمس الأربعاء في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، تحت عنوان "علم السياسة بالمغرب: المعرفة، السلطة، والمسؤولية الفكرية"، أن السياسة لم تعد في مركز اهتمام المجتمع المغربي، بعد أن كانت تحتل هذا الموقع من ستينيات حتى التسعينيات وأوائل القرن الحالي. وأضاف: "إلا أنها انحدرت واتجهت نحو الهوامش".
وسجل الأكاديمي أن السياسة في المغرب "نزلت إلى قسم الهواة"، متسائلاً عن سر الاهتمام الكبير بعلم السياسة في وقت لم تعد فيه السياسة تحظى بالأهمية نفسها التي كانت عليها سابقاً. وأشار إلى أنه لم يعد من حق المهتمين بعلم السياسة الاكتفاء بتبني الخطاب السائد بين عامة الناس، بل "يجب أن تكون هناك إضافة علمية". وضرب مثلا برسالة نيكولو مكيافيلي إلى صديقه الذي أصبح سفيرا لدى الفاتيكان في روما، حيث كان يصف حياته اليومية بأنها تبدأ بشكل عادي بين العامة، لكنه في الليل يعود إلى منزله، يلبس لباسا رسميا، ويتخيل نفسه يتحدث مع الأمراء والملوك عن قواعد الحكم. ويؤكد مكيافيلي في رسالته أنه يحب السياسة، وأن حياته بدونها "لا تحمل أي معنى". واعتبر ساعف أن مكيافيلي يُعد في نظر الكثيرين المؤسس الفعلي لعلم السياسة، معربا عن استغرابه من أن بعض الشباب المتميزين يدرسون الرياضيات ويلتحقون بالأقسام التحضيرية، ثم يعودون لدراسة علم السياسة، قائلا: "لم أجد أي تفسير علمي لهذا المسار". وشدد على أن الاهتمام بالسياسة يحمل "مسؤولية تاريخية وذاتية في الوقت نفسه"، معربا عن أمله في تطور علم السياسة بالمغرب، لأن المعرفة السياسية تشكل جزءا مهما من معرفة المجتمع، ومعرفة المجتمع "تمكننا من السيطرة أكثر على مساره". وأوضح أن الممارسة السياسية تطورت، وبقي علم السياسة مجالا مفتوحا، مذكرا بأنه قدم تشخيصا لوضعية العلوم السياسية في المغرب سنة 1980، ونشر نصا في الموضوع، كما قدم بحثا حول أوضاع هذا العلم أمام الجمعية الأمريكية للبحث في العلوم السياسية في تسعينيات القرن الماضي. لكنه لاحظ أن "في ظرف العشر سنوات الأخيرة تغيرت الأمور والمشهد بشكل عام". وألح ساعف على الحاجة إلى "دراسة ببليوغرافية" لعلم السياسة في المغرب لمعرفة ما أُنجز من أبحاث في مختلف الجامعات، مشيرا إلى ظهور العديد من الشعب في هذا التخصص. وسجل في الوقت نفسه هيمنة المواضيع الرسمية وخطابات المسؤولين على بحوث علم السياسة، حيث يركز الباحثون على مواضيع مثل المواعيد الانتخابية أو المراجعات الدستورية وقضايا الوحدة الترابية، بينما "قليلا ما نجد ما يمكن تسميته "بالزوايا الميتة"، أي المواضيع التي تخرج عن هذه السياقات".