تقرير أمريكي يصنف طنجة في المرتبة 17 ضمن أكثر المدن غلاء في افريقيا        الاتحاد المصري يجمد عقوبة المغربي الشيبيي    رئيس مقاطعة المرينيين يرد على ضجة تسمية شارع باسم والده: "لم نحذف اسم يوسف بن تاشفين... ولم أقترح اسم والدي"    إذا كان نظام الكابرانات يؤمن بتقرير المصير فليفتح مخيمات تندوف!!    إسبانيا المصدر الأول من الاتحاد الأوروبي إلى المغرب في سنة 2023    السكوري: المغرب قلص عدد الأطفال العاملين ب 94 في المائة    إسبانيا تلغي الاختبار النظري للسائقين المغاربة.. خطوة نحو استقدام 26 ألف سائق    العرائش.. تنسيق أمني يُطيح بمطلوب وطنيا في الاتجار بالكوكايين    هذا ما قاله تلاميذ أركمان عن الأجواء التي مرت فيها امتحانات البكالوريا    مركز الإمام ورش لتحفيظ القرآن الكريم بالجديدة يحتفي بتلاميذه في حفل اختتام الموسم الدراسي    أسعار النفط ترتفع بدعم من توقعات انخفاض المخزونات العالمية    تقرير: 77 ألف أسرة مغربية ما تزال تخرج أطفالها الى التشغيل    الحكومة تعيد تنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين    الحكومة تحل العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب والشرايين    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    بايتاس: ملتزمون بتعهداتنا مع طلبة الطب والصيدلة    عشرات القتلى في حريق مهول بمنطقة سكنية بالكويت    السعودية تطلق تجربة التاكسي الجوي لأول مرة في موسم الحج    الملك محمد السادس يهنئ بوتين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    غلاء أسعار الأضاحي.. بايتاس: الحكومة قامت بمجهود كبير واتخذت إجراءات    النيابة العامة تمنح "مومو" خبرة الهواتف    الأرصاد الجوية تفسر أسباب تقلبات الطقس مع بداية فصل الصيف بالمغرب    للمرة الثالثة على التوالي.. عصبة الهواة تؤجل الجولة الأخيرة من المباريات بسبب شكوك في وجود تلاعبات    مهرجان أكورا للسينما والفلسفة: فيلم بلجيكي يحصد جائزة ابن رشد للفيلم الطويل    بايتاس: القطيع الوطني في حالة صحية جيدة وسيتم الإعلان عن امتحانات طلبة الطب قريبا    أول تعليق لعموتة بعد قيادته الأردن للفوز على السعودية في عقر دارها    دياز: المغرب يختم الموسم بفوز كبير    تزايد الإقبال على اقتناء الملابس التقليدية بمناسبة عيد الأضحى    الإيسيسكو تجدد التأكيد على التزامها بالمساهمة في القضاء على تشغيل الأطفال    "تقرير أممي يكشف عن كمٍ غير مسبوق من الانتهاكات ضد الأطفال في غزة والضفة الغربية وإسرائيل" – الغارديان    توقيع اتفاقية تعاون بين جهة الشرق وجهة اترارزة الموريتانية    إعادة انتخاب المغرب عن جدارة في اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة    كيف انطلقت بطولة كأس الأمم الأوروبية؟    حقيقة الانسولين الروسي الذي سيدخل السوق المغربية لعلاج مرض السكري؟    أول تعليق لمدرب الكونغو بعد الهزيمة الثقيلة أمام "أسود الأطلس"    رغم المرض .. المغنية العالمية "سيلين ديون" تعد الجمهور بالعودة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    قدوم أكثر من 1.5 مليون حاج من خارج السعودية عبر المنافذ الدولية    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    إذاعة فرنسا العامة تطرد كوميديا بسبب نكتة عن نتنياهو    الخلاف الحدودي السعودي-الإماراتي على الياسات: نزاع حدودي أم صراع نفوذ؟    تحقيق للأمم المتحدة: النطاق "الهائل" للقتل في غزة يصل إلى جريمة ضد الإنسانية    تقرير: المغاربة أكثر من رفضت إسبانيا طلبات تأشيراتهم في 2023    حكيمي يكشف السر وراء الفوز الساحق على الكونغو    اليونسكو.. تسليط الضوء على "كنوز الفنون التقليدية المغربية"    اليد الربعة: تجربة جديدة في الكتابة المشتركة    أقصى مدة الحمل بين جدل الواقع وسر سكوت النص    لوحات فريدة عمرو تكريم للهوية والتراث وفلسطين والقيم الكونية    إطلاق مشروع "إينوف فير" لتعزيز انخراط الشباب والنساء في الاقتصاد الأخضر    غباء الذكاء الاصطناعي أمام جرائم الصهيونية    أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و"الهدر" يلازم التقارير    ندوة أطباء التخدير والإنعاش تستعرض معطيات مقلقة حول مرضى السكري    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وَا صُبَّاطَاهْ
نشر في المساء يوم 17 - 12 - 2008

للقسم الخاص بتسليم تأشيرات السفر في قنصليات الولايات المتحدة الأمريكية سؤال غريب يطرحونه على كل راغب في زيارة بلدهم، وهو «هل تفكر في السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل القيام بأعمال إرهابية». اليوم بعد الذي وقع لجورج بوش في بغداد مع صاحب الحذاء، لا بد أنهم سيفكرون في إضافة سؤال آخر إلى لائحة أسئلتهم الغريبة يكون كالتالي «هل تفكر في رشق الرئيس الأمريكي بحذائك إذا ما صادفته في ندوة صحافية».
وكصحافيين تطرح علينا فردتا حذاء أخينا وزميلانا العراقي إشكالا أخلاقيا ومهنيا عويصا. فهو من جهة خرق أصول المهنة وألقى بزوجي حذائه على الضيف عوض أن يلقي عليه أسئلته، وهو من جهة ثانية ناب عن الأمة العربية والإسلامية في القيام بواجب تغيير المنكر الأمريكي ولو بحذائه.
هناك أمثلة كثيرة سابقة لخروج الصحافيين عن طورهم خلال قيامهم بمهامهم. ولعل أبرزها هو مصور وكالة رويترز الذي كان يغطي بالصور إحدى المظاهرات في بلده، وفجأة وضع الكاميرا جانبا وبدأ في إضرام النار مع المتظاهرين. فيبدو أن يديه أكلتاه فلم يستطع صبرا و«دار شي بركة» هو أيضا مع المتظاهرين. ولسوء حظه فقد التقطته عدسة مصور وكالة أخرى (خوك فالحرفة) ووصلت صوره إلى مدير الوكالة التي يشتغل معها قبل أن تنطفئ شرارة النيران التي أوقدها، فجاءه قرار الفصل في الحال.
ولعل الجميع يتذكر كيف أن الراحل إدوارد سعيد، بكل وقاره وبرودة دمه، التقطته عدسة مصور وهو واقف أمام مركز حراسة إسرائيلي في جنوب لبنان، وفجأة أكلته يده والتقط حجرا ورماه باتجاه مركز الحراسة و«دار حتى هوا شي بركة». فقامت القيامة في وجهه وألغت جهات كثيرة، أشهرها الجمعية الفرويدية بفيينا، محاضرات كان سيلقيها إدوارد سعيد في ضيافتها. ولم يبرد الطرح على سعيد إلا عندما قال بأنه رمى الحجر لأنه كان فقط يحتفل بشكل رمزي رفقة ابنه بجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن جنوب لبنان.
وبالنسبة لقناة البغدادية التي يشتغل معها زميلنا قناص بغداد، فالأمر واضح، يجب إطلاق سراح مراسلها على الفور. كما أنها لا تفكر في تسريحه من العمل كما فعلت رويترز مع مصورها لمجرد أنه أوقد النار في عجلة تافهة. فهذه القناة دخلت التاريخ ودخله معها منتظر الزايدي بصباطه.
وفي أمثلتنا الدارجة المغربية هناك مثل بخصوص الأحذية وبغداد يقول «الزردة في بغداد عطيني صباطي». وهو مثال يقال لهواة «الزرود» الذين لا يكسر عزيمتهم أن يكون مكان الوليمة بعيدا جدا، فهم دائما مستعدون لحزم أحذيتهم واللحاق بها ولو كانت في بغداد.
وهذا المثال ينطبق على جورج بوش الذي حزم «صباطه» وذهب إلى بغداد لكي يتفرج على حضارة عمرها ثلاثة آلاف سنة تزدرد ثرواتها ونفطها بشراهة شركات عالمية، إلى أن جاءه الحذاء بالوعد الصادق. فالحذاء في هذه الأزمنة العربية الرديئة أصبح أصدق أنباء من الكتب، في «سوميلته» الحد بين الجد واللعب.
وإذا كان جورج بوش قد خرج من الانتخابات الأمريكية الأخيرة بخفي حنين، فإنه قد عاد من بغداد بخفي الزايدي. وربما تنفعه فردتا حذاء الزايدي في تقديمهما للبرادعي مدير وكالة الطاقة الذرية كدليل قاطع على وجود الأسلحة الكيماوية في العراق. خصوصا إذا كان حذاء صديقنا من تلك الأحذية التي تطلق غازات مسيلة للدموع بمجرد فتح خيوطها. وهكذا يحقق بوش أخيرا نبوءته التي شيد عليها خطة غزوه للعراق، ويترك لخلفه السي الحسين أوباما ما يكفي من المبررات للبقاء في العراق لوقت أطول.
وخلال فترة حكم بوش كان السؤال الكبير الذي يطرحه الأمريكيون هو «لماذا يكرهوننا»، أما السؤال الكبير الذي سيطرحه الأمريكيون في عهد أوباما فسيكون «لماذا يرشقوننا بالأحذية». خصوصا عندما سيحارون في تحليل صور كل تلك الآلاف من العراقيين الذين خرجوا يتظاهرون في الشوارع من أجل إطلاق سراح الصحافي الذي قلبها «صباط» مع بوش.
وستزداد حيرتهم عندما سيعرفون أن ثريا سعوديا أعطى في «صباط» زميلنا ملايين الدولارات، وهناك من يقترح وضعه في متحف تخليدا لهذا الانتصار الكاسح. فمن فرط تعطش الأمة العربية لمجرد انتصار صغير في تاريخها الحديث المليء بالهزائم، أصبحت ترى في مجرد حذاء ضرب به الرئيس الأمريكي نصرا مبينا يستحق التخليد.
أما عائشة ابنة العقيد القذافي، غفر الله لها، رئيسة جمعية «واعتصموا» للأعمال الخيرية، فقد منحت وسام الشجاعة لزميلنا الزايدي. ولو أن عائشة صاحبة «واعتصموا» (باش، الله أعلم) كان أفضل لها أن تمنح جائزة وسام الشجاعة للوزيرين الليبيين اللذين تجرآ وخاطبا مؤخرا والدها العقيد في اجتماع عام بدون تملق وتمسح، فقرر والدها المفدى إحالتهما على القضاء بتهمة إساءة الأدب مع فخامة الرئيس.
وهذا مثال صغير على كيفية تعامل الزعماء العرب مع وزرائهم. فالقذافي أرسل إلى القضاء وزيريه لمجرد أنهما تحدثا في حضرته بدون «تبحليس». أما بوش الذي كان رئيسا منتخبا لولايتين على أقوى دولة في العالم فقد ابتسم وتابع ندوته بعد أن كاد يتلقى حذاءين على وجهه. وكل ما قاله للصحافيين عندما سألوه هل فهم ماذا قال له «مول الصباط» هو أنه لم «يقشع» شيئا مما قاله لكنه «قشع صباطه نمرة 44». يعني أن زميلنا الصحافي العراقي طبق بالحرف التهديد المغربي الذي يقول «سير ولا غادي تعرف طاصيلتك شحال كانلبس فالصباط». وهاهو بوش عندما رفض أن «يسير فحالو» ويترك العراقيين وشأنهم عرف كم يلبس الزايدي «فصباطو».
وعوض أن يطلب بوش من الصحافي أن يعتذر له كمدها وسكت، وناب عنه نوري المالكي الذي جاء به بوش على ظهر دبابة إلى العراق، وطالب قناة «البغدادية» بالاعتذار قبل إطلاق سراح سجينها. على رأي المثل المغربي «مالين الميت صبرو العزاية كفرو».
وبما أن الحمية أخذت العرب بالصباط، وظهر هناك من يريد اقتناء الفردتين بملايين الدولارات، ومن يعطي صاحب الفردتين أوسمة الشجاعة، فعلى الأمة العربية أن تكمل خيرها وتطلب من الحكومة العراقية أن تغير رموز العلم العراقي الذي اختلفت الطوائف كثيرا بشأنه، وأن يجمعوا أمرهم على وضع صورة الحذاء وسط العلم.
فالحذاء على الأقل ساهم في تحرير العراق بما قدر الله صاحبه عليه. وليس مثل سيف المملكة العربية السعودية المرسوم في رايتها والذي لم تستعمله الأمة العربية منذ حرب داحس والغبراء. فخادم الحرمين يحتفظ بسيفه في غمده إلى أن يأتي عنده الرئيس الأمريكي ومستشارته «غونداليزا رايس» لكي يرقص معهما ويلوح به في الهواء من أجل التقاط الصور التذكارية.
ولعل المطلب العاجل الذي يجب على جامعة الدول العربية الدفاع عنه بعد «واقعة الصباط»، هو إدراج مسابقة «رمي الحذاء» ضمن مسابقات الألعاب الأولمبية، مع تسجيلها كاختراع عراقي لصاحبها الزايدي.
فاليونانيون اخترعوا مسابقة «رمي القرص» و«رمي الجلة» و«رمي المطرقة»، وهم هذه الأيام بصدد إدخال رياضة جديدة هي «رمي الزجاجات الحارقة» على رجال الأمن، فليس عيبا إذن أن يكون للأمة العربية هي أيضا شرف إدخال مسابقة «رمي الحذاء» ضمن الرياضات الأولمبية.
نخشى فقط أن تكون «ضربة الحذاء» التي وقعت في بغداد بداية لاستعمار جديد للعراق من طرف الأمريكيين. فلا يخفى عليكم أن الجزائر تم استعمارها بسبب «ضربة المروحة». والحكاية وما فيها أن «الداي الحسين» طلب من القنصل الفرنسي تسديد ديون الجزائر من أثمان القمح، فرد عليه القنصل الفرنسي بأن ملك فرنسا لا يتنازل بالرد على شخص مثله. فغضب «الدا الحسين»، عفوا «الداي حسين» ولوح له بالمروحة وخرج غاضبا. فروجت الحكومة الفرنسية عبر صحافتها أن «الداي حسين» ضرب القنصل الفرنسي بالمروحة، واتخذتها حجة لاحتلال الجزائر، وبقيت فيه 150 سنة.
وربما يقول قائل بعد قراءة هذا الكلام «فال الله ولا فالك». لكن هذا هو التاريخ، ومن يريد أن يدخله بصباطه فعليه أن يكون مستعدا للعواقب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.