موضوع ما كنت لأفكر فيه لولا ما أسمع وأقرأ عن آراء تجانب المنطق في مقاربة موقف حزب الله اللبناني في المسألة السورية. لست هنا بصدد الانتقاد أو الدفاع .. هذا لا يعني أنني من المؤيدين لهذا الحزب، أو من المعارضين له. يصادف المرء ظلالا كثيرة لدى معالجة مثل هكذا قضايا. ومهما يكن، لا يجوز من وجهة نظري، في سياق الأسباب التي تبنى المواقف اعتمادا عليها، إغفال تاريخ هذا الحزب منذ نشأته حتى اليوم، بما يبطن من سلبيات وإيجابيات. أكتفي استطرادا واقتضابا للقول، إنني شخصيا أجد صعوبة كبيرة في تعيين حدود الوطن اللبناني. هل هي نفسها حدود القرية، أو المنطقة. لست متأكدة بأن هذا الوطن يشغل كل مساحة لبنان، أم مساحة أوسع منها. أجد أيضا صعوبة أكبر في تعريف الجماعة الوطنية، هل يشمل العائلة أم المذهب أم الطائفة. تجدر الإشارة إلى أن جميع الطوائف والمذاهب لها فروع وأصول، وعلاقات، بأطراف خارجية. وفي إطار مداورة العلاقة التي تربط بين حزب الله من جهة والحكومة السورية من جهة ثانية، يحسن التذكير بأن هذا الحزب ظهر في بيئة اجتماعية، وفي حيز جغرافي، وفي ظروف الاحتلال الإسرائيلي. كل هذه المعطيات لا بد من الأخذ بها. وبناء عليه، لا يستوي التحليل دون مساءلة الأطراف اللبنانية، دون استثناء، وأكاد أقول دون محاسبتها، استنادا إلى المعايير ذاتها. اجتماعيا، نشأ حزب الله، في أوساط فئة من الناس، تحيطهم العدوانية الاستعمارية الإسرائيلية، بصورة دائمة منذ إحتلال فلسطين وحتى يومنا هذا. أضف إلى ذلك أن النظام الطائفي والمذهبي المعمول به في بلاد الأرز عطّل إلى حد كبير تبلور جماعة وطنية لبنانية متحدة حول مشترك وطني حقيقي من شأنه صياغة ابداع عيش مشترك واحد طبيعي. وحين شعر أهل الجنوب والبقاع أنهم عرضة للإعتداءات الإسرائيلية، وبغياب كلي عن معنى وجود دولة تنظم بشكل أو بآخر المقاومة والدفاع عنهم. تجدر الملاحظة هنا، أن نسبة إنتماء الجنوبيين والبقاعيين إلى الأحزاب الوطنية والقومية العلمانية، كانت عالية، طيلة الفترة التي سبقت هزيمة الحركة الوطنية وفصائل المقاومة الفلسطينية في نهاية السبعينيات. جغرافيا، من نافل القول أن لبنان بلد ليس متجانسا، فالتمايز واضح بين مناطقه، سكانيا وعمرانيا. ولا شك في أن مرد ذلك كله يعود للمحاصصة المذهبية، التي يتوكل بموجبها «الزعماء» بشؤون المناطق التي «يمثلونها». ولا حرج في القول بأن الإقطاعيين والوجهاء الجنوبيين كانوا ولا يزالون، الأكثر تخلفا. لقد تصدت المقاومة متمثلة بحزب الله للعدوان الإسرائيلي المتكرر على جنوب لبنان، منذ الغزو الإٍسرائيلي سنة 1982، حتى اندحار الاحتلال والانتصار عام 2000. إن مقاومة الاحتلال ليست حدثا عابرا في صيرورة أي مجتمع، أو موقفا يتنطح المهرجون لتقييمه. غالبا ما تكون المقاومة أعظم من المقاومين أنفسهم ومن المتاجرين بها. هنا تظهر عظمة الفعل المقاوم، ضد المحتل الإسرائيلي، حتى أننا لا زلنا نشتم عبق دمائهم الذي أينع زهرا وأقحوانا في سهولنا وخيرا في بيادر الفلاحين المقهورين المتعبين . ليس غريبا على مقاومة كهذه أعطت وما زالت خيرة شبابها حتى قادتها لم يسلموا من الإغتيالات، ولم يبخل بعض هؤلاء القادة في أن يقدموا أعز ما يملكون من فلذات الأكباد (الشهيد هادي نصر الله نجل قائد المقاومة السيد حسن نصرالله) هذا هو اليقين بعينه. وبناء عليه فإن المنطق « الوطني»، يقتضي بأن تكون الشرعية السياسية التمثيلية في لبنان مستمدة من موقف ودور من يدعيها، قبل الإحتلال وأثناءه وبعده. من البديهي النظر إلى الأمور من هذه الزاوية، يؤدي إلى اكتشاف فضائح، لا أبالغ في القول في أن هذه الفضائح والممارسات تنسف دعائم الوطن ومفهوم العيش المشترك والشراكة الوطنية. هذه مسألة تحتاج إلى تفاصيل لا يتسع هذا الموضوع لها. اكتفي هنا بملاحظة لها دلالاتها، وهي أن الذين يتهمون حزب الله بإرسال عناصره للقتال دفاعا عن سوريا، التي تتعرض لحرب كونية الغاية منها إلغاء وجودها ككيان وطني عربي، هم أنفسهم دون زيادة أو نقصان، الذين وقفوا متفرجين حتى لا أقول إنهم كانوا المشاركين الفعليين في تلك الحرب التي قادها ببسالة عناصر وقادة هذا الحزب والتي أدت في نهاية المطاف الى الانتصار الكبير الذي حققه المقاومون عام 2006 والذي لم يشهد له مثيلا منذ بداية الصراع العربي الاسرائيلي. من المعروف أن من بينهم، جماعات لبنانية، مهدت وشاركت في الغزو الإسرائيلي عام 1982، وحاولت قطف ثماره. الملاحظ أيضا، وهذا طبيعي ومنطقي، أن جوقة المتعاونين اللبنانيين مع إسرائيل انضمت إلى جوقة نظم الحكم النفطية، التي «طبعت علاقاتها» مع المستعمر والمحتل الإسرائيلي، فأصبحا جوقة واحدة على صياغة نغم الدم المهدور في فلسطين مرورا بلبنان وصولا للعراق .. وها هم يستمرون في عزف سيمفونية الدم المسفوك اليوم في سوريا الدولة المقاومة. من المنطقي والطبيعي، أن يقاتل هذا الحزب إلى جانب سوريا. وأن تسارع الحكومة الإيرانية إلى مساعدتها. والدافع إلى ذلك، ليس الخوف من مجاهدي القاعدة، ومن مرتزقة أمراء قطر، ومن الغوغاء الذين يغرر بهم القرضاوي أو «المفكر العربي» الذي هاجر من فلسطين إلى الدوحة. الخطر هو الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. إن أصل العداء بين تلك الدول من جهة وبين سوريا وإيران وحزب الله من جهة ثانية، ليس مذهبيا أو طائفيا! الإشكال الحقيقي في هذا المجال، يكمن في البواعث والمحفزات التي حملت الإخوان المسلمين، وشيوخ النفط ، للنصرة بالتيارات الوهابية والحركات السلفية، لخوض حرب ضد سوريا إنابة عن الولاياتالمتحدةالأمريكية وأذنابها الأوروبيين. لولا الحكومة الإيرانية، لما استطاع حزب الله، بناء قوته العسكرية، القادرة على إلحاق الخسائر الكبيرة بإسرائيل، وبالتالي قلب معادلة أي حرب مستقبلية، التي تكون فيها بالحد الأدنى الخسائر متماثلة. ولولا الحكومة السورية لما تمكن هذا الحزب من إعداد مقاتليه، ومن تأمين إمداداته. من سنتين ونيف والجيش العربي السوري يقاتل دفاعا عن قناعته في رفض التطبيع مع المستعمر الإسرائيلي، وعدم التنازل عن الحقوق الفلسطينية الوطنية وثوابتها، وعن الجولان المحتل. أما إيران فليست في المقلب الآخر من هذا الصراع وتعلم بأن هذا الكيان الإسرائيلي يكن لها العداء التاريخي منذ أن اسقطت ايران العلم عن السفارة الإسرائيلية في بلادها ورفعت مكانه علم فلسطين، في حين كان العرب وخاصة أمراء النفط يتاجرون في دماء أطفال الضفة وغزة وكل فلسطين .. من هنا ليس غريبا أو مستهجنا حين نسمع عن تشييع شهداء لحزب الله في لبنان، في حين أن المستغرب والمستهجن فيمن يناصر الله والمسلمين وقضايا الأمة نراه يتدرب في المعسكرات الأمريكية بإشراف إسرائيلي ليقاتل من أوصى فيهم الله ...النبي ... وجميع الرسل ..!