الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار    المغرب من ضمن أفضل الدول في العالم المفضلة للفرنسيين للاستمتاع بتقاعد جيد خلال 2024    "سي إن إن": إسرائيل استخدمت قنابل أمريكية في هجومها على خيام النازحين برفح    صحيفة بلجيكية: نهائي دوري المؤتمر الأوروبي لم يكن ليتحقق لأولمبياكوس لولا الكعبي    تعليمات صارمة للعمال من وزير الداخلية لمحاربة فوضى الشواطئ    مغربي ضمن المتوجين بجوائز "ديوان العرب" الثقافية في دورتها العاشرة    افتتاح فعاليات الدورة 17 من المنتدى الدولي للأشرطة المرسومة بتطوان    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    اختلسا أموال المخالفات.. هذا ما قضت به المحكمة في حق ضابطي أمن    بمشاركة المغرب.. أمريكا تخلد يوم إفريقيا في نيويورك    رسميا.. إسماعيل الصيباري يجدد عقده مع بي إس في آيندهوفن لغاية 2029    معرض فني بعنوان "في حضرة السواد" للفنان التشكيلي الحروفي مصطفى ببركان    مباحثات مغربية صينية ببكين تتناول أهمية مشروع "طنجة-تك"    "دور المجتمع المدني في التنمية المحلية" موضوع ندوة وطنية بجماعة تيسينت إقليم طاطا    رغم الجفاف.. المغرب أول مصدر للطماطم إلى أوروبا    هذا ما قررته المحكمة في قضية "مومو" ومن معه    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بالأخضر    الجيش الجزائري يواصل تصفية الشباب الصحراويين بدم بارد..    "وسيط المملكة" يأسف على عدم توصله بمشاريع القوانين من أجل إبداء الرأي متحدثا في البرلمان عن "انعدام الإرادة"    جوائز مسابقات الدورة 13 لمهرجان الرشيدية السينمائي    تكريم أعتز به من مهرجان الرشيدية السينمائي    لقجع يقدم وصفة الحكومة لتحقيق التوازن بين الأولويات الاجتماعية واستدامة المالية العمومية    الركراكي يعلن عن قائمة "الأسود" في تصفيات مونديال 2026    مباراة كرة قدم في الدوري الجزائري تتحول إلى "مأساة"    اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين يدخل حيز التنفيذ    استقالة مسؤولة كبيرة بوزارة الخارجية الأمريكية بسبب الحرب في غزة    غوتيريش يطالب بوقف الحرب على غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رئيس جماعة مرتيل يستقبل المقيم الدائم الجديد لمؤسسة كونراد أديناور المغرب    جود بيلينغهام يحرز جائزة أفضل لاعب في الدوري الإسباني    أول تعليق لمدرب الوداد الرياضي بعد الهزيمة أمام آسفي    شكيب بنموسى يستقبل الرياضيين المنعم عليهم بشرف أداء مناسك الحج    ضربة جزاء الرجاء أمام اتحاد طنجة تثير الجدل    طواف المغرب الدولي للدراجات يشهد مشاركة 18 منتخبا وفريقا    قراءة في تطورات ما بعد حادث وفاة رئيسي و مرافقيه..    المكسيك تطلب الانضمام إلى قضية "الإبادة" ضد إسرائيل أمام محكمة "العدل الدولية"    كيوسك الأربعاء | اكتشاف جديد للغاز بمنطقة اللوكوس    بصدد موقف وزير العدل من "عقود الزواج" في الفنادق    النفط يرتفع مع التوقعات بإبقاء كبار المنتجين على تخفيضات الإنتاج    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد بمناسبة انعقاد الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي    ماذا نعرف عن الولاية الهندية التي تحمل مفتاح إعادة انتخاب ناريندرا مودي؟    صندوق النقد يرفع توقعات النمو في الصين إلى 5 بالمئة    قراءة في ندوة الركراكي : أنا من يتحمل مسؤولية اختياراتي    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    البِطنة تُذهب الفطنة    سلطات سبتة تُعلن قرب استخدام تقنية التعرف على الوجوه بمعبر "تراخال"    29 قتيلا و2760 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    وزيرة الانتقال الطاقي تقول إن تصاميم مشروع خط الغاز المغربي- النيجيري "قد انتهت"    حكم قضائي غير مسبوق لصالح مغربية أصيبت بمضاعفات بسبب لقاح أسترازينيكا    وسط أجواء روحانية.. حجاج الناظور يغادرون إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج    الرباط.. استقبال الأبطال الرياضيين المنعم عليهم من طرف صاحب الجلالة بأداء مناسك الحج    الأمثال العامية بتطوان... (610)    عمالة تاونات تودع حجاجها المتوجهين إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج هذا العام    ٱيت الطالب: المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز السيادة اللقاحية بإفريقيا    ايت طالب يناشد من الأمم المتحدة إنقاذ المنظومة الصحية في فلسطين    بعد فوضى سوء التنظيم.. سامي يوسف يوجه رسالة خاصة لجمهوره بمهرجان فاس    خبراء ينصحون بفترات راحة لممارسي رياضة الركض    كيف اكتشف المتحف البريطاني بعد عامين سرقة مجوهرات وبيعها على موقع التسوق "إيباي"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الإرهاب».. وماركوس وولف «الإسلامي»!
نشر في المساء يوم 02 - 05 - 2013

هاهو الإعلام الأمريكي، والغربي عموماً، يعود بعد التفجير الإرهابي في بوسطن، إلى تذكير العالم بما حدث في العقدين الماضيين من أعمال إرهابية في الولايات المتحدة وفي أمكنة أخرى مختلفة قامت بها جماعات تحمل أسماء دينية إسلامية.
وهناك مقولتان تتقابلان في محاولة تفسير أسباب ظاهرة التطرّف العنفي الذي يحصل باسم «جماعات إسلامية»:
- المقولة الأولى، وهي في معظم مصادرها غير عربية وغير إسلامية، تتراوح بين ربط هذه الظاهرة المعروفة الآن باسم «الإرهاب»، بغياب الديمقراطية في المجتمعات العربية والإسلامية أو بالفقر الاجتماعي، وبين اتهام الدين الإسلامي نفسه بأنه يُحرّض على استخدام العنف!.
- المقولة الأخرى، وهي في معظم الأحيان من مصادر عربية وإسلامية، تعيد في تفسيرها الأسباب لظاهرة التطرّف العنفي، إلى مسؤولية الغرب عموماً، وأمريكا خصوصاً، عن اضطرار هذه الجماعات لاستخدام أسلوب العنف المسلّح ضدّ المدنيين والأبرياء.
وفي المقولتين إجحافٌ للحقيقة، وقصورٌ عن الرؤية الشاملة للواقع.
فالمقولة الأولى «الغربية» تحاول أن تنفي مسؤولية الغرب عن «ظاهرة الإرهاب» وتعيد المشكلة فقط إلى الأوضاع الداخلية في الدول العربية والإسلامية، أو إلى التفسيرات الخاطئة للدين. لكن كيف يفسّر أصحاب هذه المقولة «الغربية» ما حدث في ولاية أوكلاهوما الأمريكية (عام 1995) من عملٍ إرهابي كانت خلفه جماعة إرهابية أمريكية، رغم وجود الديمقراطية في أمريكا وعدم علاقة تيمثي ماكفي بالعرب وبالمسلمين؟! أو أيضاً مذبحة أوسلو منذ عامين في النرويج، التي قام بها النروجي العنصري المتطرف أندرس بريفيك؟! أو ما شهدته مدارس وجامعات ومتاجر أمريكية من أعمال عنف مسلحة راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى ولم تكن بفعل عرب أو مسلمين؟!.
وكيف يفسّر الأوروبيون ما كان يحدث في بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وإسبانيا من عمليات إرهابية قام بها أتباع لجماعات متطرّفة، وبعضها كان يمارس العنف المسلّح بطابع «وطني تحرّري»، مثل «الجيش الجمهوري الإيرلندي» في بريطانيا، وجماعات «الباسك» في إسبانيا؟!
أمّا المقولة الأخرى «الشرقية»، فهي أيضاً تحاول التملّص من مسؤولية الذات العربية والإسلامية عن بروز ظاهرة الإرهاب، وتسعى إلى تغليف الأزمات الفكرية والسياسية والاجتماعية بشعارات الدفاع عن الدين أو الطائفة أو الوطن!. إذ كيف تفسّر هذه المقولة ما حدث في أفغانستان عقب سقوط النظام الشيوعي في كابول وانسحاب القوات الروسية منها، حيث شهدت أفغانستان أعنف المعارك وأقصى درجات الإرهاب على المدنيين حصيلة الصراع بين الجماعات المسلّحة التي كانت تقاوم ضدّ النظام الشيوعي؟
إنّ هذا ما حدث أيضاً من اقتتال داخلي في الصومال والجزائر في عقد التسعينيات، وما حدث بين اللبنانيين أنفسهم خلال سنوات الحرب الأهلية، وهو ما يحدث الآن في العراق وسوريا بأشكال مختلفة ..
هناك بلا شك مسؤولية «غربية» وأمريكية وإسرائيلية عن بروز ظاهرة الإرهاب بأسماء «إسلامية»، لكن ذلك هو عنصر واحد من جملة عناصر أسهمت في تكوين وانتشار هذه الظاهرة. ولعلّ العنصر الأهمّ والأساس هو العامل الفكري/العَقَدي، حيث تتوارث أجيال في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي مجموعةً من المفاهيم التي يتعارض بعضها مع أصول الدعوة الإسلامية، وحيث ازدهرت الآن ظاهرة فتاوى «جاهلي الدين» في قضايا عديدة، من ضمنها مسألة استخدام العنف ضد الأبرياء أو التحريض على القتل والاقتتال الداخلي.
إنّ التمييز مطلوب بين حالات ثلاث: التطرّف، والعنف المسلّح، والإرهاب. فالتطرّف الفكري والسياسي قد يكون حقّاً مشروعاً في أي مجتمع لمن يشاء السير فيه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار .. أمّا استخدام العنف المسلّح، فهو محكوم بضوابط دينية وأخلاقية وقانونية على مستوى الدول والجماعات والأفراد، ولا يعني مخالفة طرفٍ لهذه الضوابط أنّ استخدامها بات مشروعاً لدى أيِّ طرفٍ آخر. ولا يجوز أصلاً الخلط والمزج بين «العنف المسلح المضبوط» وبين أساليب «الإرهاب» بما يعنيه من قتل للأبرياء في أي مكان.
ولقد كان لحكم «العسكريتاريا» في معظم دول العالم الإسلامي، مسؤولية كبيرة عن غياب الحرّيات السياسية والفكرية ممّا دفع بعض الجماعات الدينية إلى أسلوب العمل السرّي وإصدار الفتاوى بلا مرجعيات صحيحة. لكن هي كذلك أزمة فكرية في مسبّبات ظاهرة التطرّف المسلّح باسم الدين، حينما ضعفت الانتماءات الوطنية وساد بدلاً منها «هويّات دينية»، جامعة في الشكل لكنّها طائفية ومذهبية في المضمون والواقع. ولعلّ بروز ظاهرة «التيّار الإسلامي» بما فيه من غثٍّ وسمين، وصالحٍ وطالح، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ما كان ليحدث بهذا الشكل لو لم يكن هناك في المنطقة العربية حالةٌ من «الانحدار القومي» ومن ضعفٍ للهويّة العربية كحصيلة لطروحات وممارسات خاطئة جرت باسم القومية وباسم العروبة فشوّهت المضمون ودفعت بالنّاس إلى بدائل أخرى، إضافةً إلى الفراغ الحاصل نتيجة غياب المرجعية العربية الصالحة التي كانت عليها مصر ومؤسساتها الدينية والسياسية قبل أربعة عقود.
ولعلّ هذه العناصر كلّها هي المسؤولة معاً عن وجود ظاهرة الإرهاب باسم الدين الإسلامي، لكن سيبقى إصلاح الفكر الديني والسياسي هو المقدّمة الأولى لبناء مستقبل أفضل متحرّر من إرهاب الدول والجماعات.. في الداخل والخارج.
ورغم أهمية كل العناصر التي سبق ذكرها، فإنّ إلقاء الضوء على عامل آخر ربما يزيد الأمور وضوحاً في العالمين العربي والإسلامي. فقليلون من العرب والمسلمين يعرفون اسم «الدكتور ماركوس وولف»، الذي كان لمدّة خمس وثلاثين سنة مديراً للمخابرات في ألمانيا الشرقية، قبل سقوط الاتحاد السوفياتي وتحطيم جدار برلين والنظام الشيوعي فيها.
الدكتور وولف «الشيوعي» أشرف لسنوات على توجيه قيادات في جماعات كانت تعمل في دول العالم الثالث بأسماء منظمات شيوعية مسلّحة، وبعض هذه الجماعات كان على صلة بمنظمات فلسطينية مسلّحة قامت في السبعينيات بخطف طائرات مدنية وبعمليات عسكرية في أوروبا.
وعندما سقط النظام الشيوعي في برلين، حاول الدكتور وولف (يهودي الأب) اللجوء إلى إسرائيل والعيش فيها، ثم تبيّن أنه كان على علاقة وطيدة بالمخابرات الإسرائيلية خلال فترة عمله كمدير لمخابرات ألمانيا الشرقية!!..
وكثيرون من العرب يذكرون حجم الضرر الذي لحق بالمقاومة الفلسطينية وبمنظمة التحرير الفلسطينية حصيلة العمليات العسكرية التي جرت خارج الأراضي المحتلة وضدَّ المدنيين في أوروبا، وكيف تحوّلت «منظمة التحرير» في نظر العديد من الأوروبيين من حركة تحرير وطنية إلى منظمة إرهابية ..
فهل كانت صدفةً سياسية أن يتزامن لصق تهمة الإرهاب، التي جرت في التسعينيات، بالعرب والمسلمين في العالم كلّه، وليس بالغرب وحده، مع خروج أبواق التعبئة الطائفية والمذهبية والإثنية في كلّ البلاد العربية!!
ففي غياب المشاريع الوطنية التوحيدية الجادّة داخل البلاد العربية، وفي غياب المرجعية العربية الفاعلة، أصبحت المنطقة العربية مفتوحةً ومشرّعة ليس فقط أمام الاحتلال الأجنبي، بل أيضاً أمام مشاريع التقسيم والحروب الأهلية التي تجعل المنطقة كلّها تسبح في الفلك الإسرائيلي. وفي غياب المفاهيم الصحيحة للمقاصد الدينية، والقصور في شرح مضامينها السليمة، يصبح سهلاً استخدام الدين لتبرير العنف المسلّح ضدَّ الأبرياء والمدنيين، وأيضاً لإشعال الفتن المذهبية والطائفية. وسوء كلا الأمرين يكمّل بعضه بعضاً، فتكون الأوطان والشعوب معاً هي الضحيّة.
تُرى لِمَ لا تحدث الآن وقفة مع النفس العربية عموماً، والإسلامية منها خصوصاً، للتساؤل عمَّ حدث ويحدث من أعمال عنفٍ مسلّح واقتتالٍ داخلي تحت مظلّة دينية وشعارات إسلامية؟
ولِمَ هذا الانفصام في الشخصية العربية والإسلامية بين الإجماع على المصلحة الإسرائيلية في إثارة موضوع «الخطر الإسلامي» القادم من الشرق كعدوٍّ جديد للغرب بعد اندثار الحقبة الشيوعية، وفي إضفاء صفة الإرهاب على العرب والمسلمين، وبين الواقع السائد في مجتمعات الدول العربية والإسلامية من ممارسة العنف المسلّح الذي تقوم به جماعات تحمل أسماء إسلامية؟ فأيُّ شريعةٍ دينية تحلّل قتل الأبرياء والمدنيين أو القيام بممارسات تهدم وحدة الأمّة والمجتمع؟! ثمّ أيُّ منطقٍ عربي أو إسلامي يُفسّر الآن كيف أنّ هناك هدنة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة اقتضت وقف العمليات العسكرية ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي، بينما تتصاعد موجة العنف المسلّح الطائفي والمذهبي داخل عدّة دول عربية؟! فالمشروع الإسرائيلي وحده فقط مستفيدٌ من هذه «الأعمال الإرهابية»، التي تجري في أمكنة مختلفة بينما الأرض العربية تتهيأ لكل أنواع التمزيق والتقسيم والاقتتال الداخلي..
يبدو أن استنساخ ماركوس وولف «الشرقي الشيوعي» قد حصل الآن في «الشرق الإسلامي»!!.



صبحي غندور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.