وزير الداخلية يودّع شقيقته الكبرى بجنازة هادئة وبدون بروتكول ومتواريا عن الأنظار    كوت ديفوار تجدد تأكيد "دعمها الكامل" للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    العيون.. رئيس "سيماك": التجربة التنموية في الأقاليم الجنوبية للمغرب نموذج يحتذى على الصعيد القاري    انطلاق فعاليات النسخة الأولى من ملتقى التشغيل وريادة الأعمال بطنجة    ميسي يقود ميامي إلى هزم بورتو    مهرجان "كناوة وموسيقى العالم" يعيد إلى الصويرة نغمة المحبة والبركة    "عائدتها قدرت بالملايير".. توقيف شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية وتهريب المخدرات    رئيس النيابة العامة يجري مباحثات مع وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    حكومة أخنوش تصادق على إحداث "الوكالة الوطنية لحماية الطفولة" في إطار نفس إصلاحي هيكلي ومؤسساتي    ماركا: ياسين بونو "سيد" التصديات لركلات الجزاء بلا منازع    تغييرات في حكامة "اتصالات المغرب"    البيت الأبيض: موقف دونالد ترامب من إيران "لا يجب أن يفاجئ أحداً"        بعيوي يكذب تصريحات "إسكوبار الصحراء"    الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يستقبل وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    إصدار أول سلسلة استثنائية من عشرة طوابع بريدية مخصصة لحرف تقليدية مغربية مهددة بالاندثار    الحرب الامبريالية على إيران    أمن طنجة يتفاعل بسرعة مع فيديو السياقة الاستعراضية بشاطئ المريسات ويوقف المتورطين        الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الإعلام الإنجليزي يشيد بأداء الوداد وحماس جماهيره في كأس العالم للأندية    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    هل يعي عبد الإله بنكيران خطورة ما يتلفظ به؟    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي        معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب طلاق «الشقاق» في علاقة المغرب بإيران
نشر في المساء يوم 30 - 06 - 2013

انتخبت إيران مؤخرا رئيسها الجديد، الذي تصفه التقارير بأنه معتدل مقارنة مع سلفه أحمدي نجاد، الذي يوصف بالمتشدد، و
الذي اضطر المغرب إلى قطع علاقته الديبلوماسية مع إيران بسبب مواقفه.
اليوم تسري بعض الأحاديث عن إمكانية إعادة العلاقات المغربية الإيرانية لسكتها الطبيعية، على الرغم من أن الخلاف جوهري بين مغرب سني وإيران الشيعية. وهو الخلاف الذي يستمد جذوره من عهد الحسن الثاني وآية الله الخميني.
في هذا الخاص، نبش في بعض القصص المثيرة بين البلدين لعل أقواها هي يوم وصف الحسن الثاني الخميني بالزنديق.
لقد ظلت إيران تتحين كل فرصة لترد للمغرب الصاع صاعين، إنها تدرك أن الفوارق الدينية بين مغرب سني، وإيران الأكثر تشددا في مذهبها الشيعي، هي مجرد صيغة من صيغ الخلاف السياسي.
ولأن لهذا الصراع والخلاف المذهي تاريخ طويل، انطلق منذ جاءت ثورة الخميني التي أسقطت نظام شاه إيران، الذي كان من المقربين من الملك الراحل، فإنه يتجدد كلما حركته رياح السياسة هنا وهناك.
الخميني الزنديق
يتذكر المغاربة حينما وصف الحسن الثاني في إحدى خطبه ساكنة الشمال ب«الأوباش» أواسط الثمانينيات يوم اندلعت الأحداث الاجتماعية التي هزت المغرب، حيث سيعرج في نفس الخطبة على آية الله الخميني، زعيم الثورة الإيرانية التي أسقطت الشاه، ليصفه بالزنديق الذي حرف مبادئ الإسلام.
لم يكن الخلاف بين ملك المغرب والزعيم الإيراني دينيا محضا، ولكنه كان بخلفية سياسية أيضا، لم يكن المغاربة يخفونها بعد أن انتشر المد الشيعي في البلاد بكل تلاوينه، ولعل آخر فصول هذا المد هو الحديث عن اعتقال رجل ادعى أنه المهدي المنتظر، يبدو أنه أغضب شيعة الخميني الذين يعتقدون بوجود هذا المهدي المنتظر، الذي سيخلص البشرية من الظلم الذي هي فيه.
كان الرد الإيراني سريعا، حيث سيتحدث المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي، من خلال القناة العمومية عن الملك محمد السادس، وعن لحيته التي اعتبرها «عيبا»، مضيفا أن اللحية الإسلامية يجب أن يصل طولها إلى 13 سنتمترا.
وأكد في هجومه المثير للجدل على ضرورة «إحراق العلم المغربي في الساحات العمومية ورجم صورة الملك».
ظلت بين مملكة الحسن الثاني وجمهورية الخميني الكثير من نقط الخلاف، على الرغم من أن كلا الطرفين يعتبر نفسه ممثلا للإسلام بالنظر إلى أن سلالة العلويين تنحدر من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ظلت دساتير البلاد تؤكد على أن الملك هو أمير المؤمنين. في حين يعتبر أتباع الخميني في إيران وغيرها من البلاد التي تعتنق المذهب الشيعي، أنهم أولى بهذه التمثيلية الإسلامية، لذلك كثيرا ما اختلط الدين بالسياسة كلما تواجه الطرفان.
أصل الحكاية
لقد ظل الحسن الثاني يعتبر نفسه ممثلا للإسلام، والمخاطب الرسمي باسمه لدى الغرب، خاصة بعد تغيير الدستور المغربي في 1962، حيث أصبح معه الملك، بحكم الفصل التاسع عشر، «أميرا للمؤمنين»، مما أعطاه شرعية دينية دون سواه من الحكام العرب آنذاك. فجعفر النميري في السودان لن يلقب بأمير المسلمين إلا في منتصف الثمانينيات، وزعيم طالبان الملا عمر سيلقب باللقب نفسه سنة 1996. لذلك شعر الحسن الثاني بمنافس فعلي جديد له هو الخميني، باعتباره مرشد الثورة الإسلامية. ومما زكى هذا التنافس هو أن الخميني الشيعي يعتبر نفسه مدافعا عن آل البيت، وأن الحسن الثاني يقر بانتسابه إلى آل البيت، لكن الأول يتحدث باسم الشيعة والثاني باسم السنة. ومن تم فالصراع كان بين ولاية الفقيه ممثلة في «الخميني» وبين إمارة المؤمنين ممثلة في «الحسن الثاني».
يحكي عبد الهادي التازي، أول سفير للمغرب على عهد الثورة الإسلامية للخميني، كيف أن الإيرانيين كانوا يكنون حبا خاصا للحسن الثاني، لأنه من آل بيت رسول الله «ص». ويضيف أنه لما زار الملك الراحل إيران خلال حكم الإمبراطور الشاه، ظل يتجول بسيارة مكشوفة. وأخبره الإمبراطور «أن الإيرانيين كانوا يحترمون الحسن الثاني بسبب نسبه».
زد على ذلك، أن الحسن الثاني كان صديقا للشاه حيث ظلت علاقة النظام الإمبراطوري الإيراني وطيدة جدا بالنظام الملكي المغربي. فكلاهما كان حليفا للعالم الرأسمالي، خاصة أمريكا، ولهما موقف معتدل، إلى حد ما من إسرائيل. فإيران كانت لها علاقة دبلوماسية مع إيران عهد الشاه، والمغرب عبر عن مواقف معتدلة من إسرائيل. لذلك ستترك الثورة الإيرانية، التي أسقطت النظام الإمبراطوري عام 1979 أثرا كبيرا على نفسية الحسن الثاني، على الرغم من أنه أعلن في كتاب «ذاكرة ملك» أن « الشاه، رغم كونه صديقه، فقد «ارتكب خطيئة التكبر، وأنه بدأ ينحرف». كما تحدث عن «تربيته خارج إطار الحضارة الإسلامية، في مدرسة سويسرية». ثم أضاف «ما أنقذني أنا، هو أنني قضيت، بسبب ظروف الحرب، سنوات شبابي هنا في المغرب، وإلا ربما كنت سأصبح نصف غريب عن بلدي». وأضاف أن من أخطاء الشاه «تعيينه للشاهبانو، وهي زوجته فرح ديبة، وصية على العرش». كما تحدث عن «استفزازات دينية» أقدم عليها الشاه كإظهار «الإمبراطورة فرح في مسجد أصفهان وهي ترتدي تنورة تكشف ساقيها».
لكن حينما جاءت ثورة الخميني، ومعها هذا المذهب الشيعي الذي تعتقد فيه وترى أن الدول الإسلامية يجب أن تعتمده طريقا لها، تغيرت الصورة.
المغرب شيعي بالتاريخ
وسني بالجغرافيا
بدأت محاولات النظام الإيراني في نشر المذهب الشيعي في الدول الإسلامية، وخاصة في دول شبيهة بالمغرب. وبدأت علاقة رجل إيران القوي الخميني تسوء مع ملك المغرب، باعتباره أميرا للمؤمنين وأكبر المدافعين عن المذهب المالكي السني. ويتحدث الباحثون على أن محاولات الإيرانيين نشر المد الشيعي بالمغرب، ارتبطت بمجموعة من المعطيات التاريخية. فالخطاب الشيعي ظل يحاول أن يضع له موطئ قدم بالاعتماد على التاريخ.
فإيران تعتقد أن الدولة الإدريسية كانت شيعية، بالإضافة إلى أن انتشار هذا المذهب الشيعي في مناطق غير عربية في إشارة إلى الفرس، هو الدليل على أن له كل الحظوظ للانتشار في دولة أمازيغية كالمغرب.
كما أن «الخطاب الشيعي يعتبر المغرب بلدا شيعيا بالتاريخ وسنيا بالجغرافيا»، كما يتصور فقهاء الشيعة الذين يحركون الخيوط.
زد على ذلك اعتقادهم أن ثقافة الإسلام الشعبي في المغرب شيعية وليست سنية، مستشهدين ببعض احتفالات المغاربة بأعياد شيعية كعاشوراء.
ويذهب عبد اللطيف السعداني، وهو مغربي تابع دراسته في إيران إلى أبعد من ذلك، حيث ألف كتابا عن «حركات التشيع في المغرب» يخلص فيه إلى أن استهداف المد الشيعي للمغرب سابق عن الثورة الإيرانية بقرابة خمسة عشرة سنة. سياسيا، كان الخلاف على أشده بين الملك الراحل وزعيم الثورة الإيرانية.
ففي 1986، سيصدر فقهاء إيران فتوى ضد المغرب، وضد الحسن الثاني قالوا فيها إنه يجب أن تقطع يده التي صافح بها «شيمون بيريز»، المسؤول الإسرائيلي الذي استقبله الملك الراحل لمناقشة آفاق عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.
وستزداد علاقة الحسن الثاني بالخميني سوءا مع رغبة كل واحد منهما في الحديث عن الإسلام كما يتصوره. فكلاهما يستمد الشرعية من الدين، رغم اختلاف المذهب. فالخميني أقام الثورة ضد نظام الشاه، وهو نظام كانت تربطه علاقة صداقة قوية بنظام الحسن الثاني. لذلك سيربط الملك الراحل الإرهاب بالثورة الإيرانية.
غير أن العداوة ستزداد حينما تم ضبط متعاطفين مع الخميني يوزعون مناشير في 1984، تسب الملك الراحل الحسن الثاني. وهو الموقف الذي دفع بالملك الراحل للرد في خطابه الشهير ل22 يناير 1984 حيث استعمل فيه وصف «الأوباش».
يوم قال الحسن الثاني إذا كان الخميني مسلما فأنا لا أدين بالإسلام
في فبراير من نفس السنة، 1984، سيرفع الحسن الثاني غضبه عاليا حينما قال لصحيفة لوفيغارو الفرنسية في استجواب مطول قولته الشهيرة: «إذا كان الخميني مسلما فأنا لا أدين بالإسلام». وهو النعت الذي أضيف لما سبق أن قاله الملك الراحل حينما وصف الخميني ب«المنحرف المارق، لأنه ظل يهدف إلى الحكم بسلطة دينية، هي ما يسميه علماء الدين بولاية الفقيه، التي لم يعرفها الإسلام أبدا. وهذا هو الرأي الذي تسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية المغربية الإيرانية سنة 1979.
في سنة 1980، سيدلى أية الله الخميني بتصريحات أثارت غضبا واسعا في العالم العربي والإسلامي، إذ قال في كلمة ألقاها أمام جماعة من مؤيديه «إن الأنبياء جميعا جاؤوا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، وحتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك، وإن الشخص الذي سينجح في ذلك ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم ويقوم الانحرافات هو الإمام المهدي المنتظر».
كان لا بد أن تفجر تلك التصريحات الكثير من الغضب في عموم الدول العربية والإسلامية، حيث أصدرت المجاميع العلمية والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي فتاوى تكفر الخميني صراحة، وتدعوه إلى التوبة. وكان أول من بادر إلى تكفير الخميني هو مفتي العربية السعودية عبد العزيز بن باز، فتبعه علماء الدول الإسلامية.
سيجد الحسن الثاني الفرصة الذهبية للرد على خصمه السياسي والديني. وسيتولى علماء المغرب مهمة الرد والتكفير، وعلى صفحات مجلة «دعوة الحق» لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ستنشر رابطة علماء المغرب، وقد كان يرأسها عبد الله كنون وقتها، الفتوى التي جاء فيها: «والجديد في الأمر هو أن الخميني تجاوز بهذه الادعاءات الفاسدة كل ما كان معروفا عن الشيعة، وتطاول حتى على مقام الملائكة والأنبياء والمرسلين، حيث جعل مكانة المهدي المنتظر في نظره فوق مكانة الجميع، وزعم أن لا ملاك مقربا ولا نبي مرسلا أفضل منه. والأخطر من ذلك هو ما زعمه الخميني من أن خلافة المهدي المنتظر خلافة تكوينية تخضع لها ذرات الكون، ومقتضى ذلك أن الخميني يعتبر المهدي المنتظر شريكا للخالق عز وجل في الربوبية والتكوين. وهذا كلام مناقض لعقيدة التوحيد يستنكره كل مسلم، ولا يقبله أي مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا يبرئ من الشرك والكفر إلا التوبة والرجوع عنه صراحة، والتبرؤ منه، وصدور بيان بذلك، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة».
نزل البيان بردا وسلاما على الحسن الثاني، الذي اعتبر أن هذا المد الشيعي القادم من الشرق، سيكون وبالا على مملكته، خصوصا أنه رأى كيف أن ثورة الخميني غيرت الكثير من ملامح الشرق الأوسط.
لقد ظلت الأنظمة في العالم العربي الإسلامي متخوفة من وصول الإسلاميين إلى الحكم عبر الاقتداء بالثورة الإيرانية. فقبل ذلك، كان الإسلاميون قوة ضغط فقط يكتفون بنصيحة الحكام، لكن بعدها أصبحوا يعتقدون أنهم سلطة بديلة لسلطة الدولة القائمة، لذلك، ظهر عداء الحكام، ومنهم الحسن الثاني، للثورة وعدم استساغتهم لتخلي الغرب عما كان يلقب ب«دركي الغرب في المنطقة»، خصوصا أن نجاح الثورة الإيرانية جعلت الخميني يعمل على تصديرها، وهو ما شكل تهديدا حقيقيا لأنظمة، مثل النظام الملكي بالمغرب، لأن الخميني وأتباعه رؤوا في الإطاحة بالشاه «تعبيرا عن مناهضة لأنظمة استبدادية غير شرعية».
العروي يعلق على ثورة الخميني
يقول عبد الله العروي في «خواطر الصباح»، معلقا على ثورة الخميني: «إن الظاهرة المهمة في أحداث إيران هي تفنيد كل ما روج منذ عقود عن استحالة الثورات السياسية، وعن النمط الكلاسيكي، في إطار التقنيات الحديثة. قيل إن ثورة على النمط الفرنسي لم تعد ممكنة بعد فتح الشوارع الحديثة واختراع المدرعات والطائرات والأجهزة اللاسلكية، فجاءت الثورة الروسية وكذبت تلك الادعاءات. وقيل إن الإلكترونيات وما واكبها من وسائل الاستطلاع تمنع أن تتجدد ثورة على النمط الروسي، وها هي الثورة الإيرانية تكذب مرة أخرى كلام الاختصاصيين. هذه الثورة التي بدأت سنة 1906 تنتهي سنة 1979 رغم كل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية»، ليخلص إلى أن «السياسة تقهر الاقتصاد».
إنه التحليل الذي ظل يخيف الملك الراحل الحسن الثاني، مخافة أن يستهدف الإسلاميون نظامه فيثورون عليه، خاصة أن الظرفية العامة نهاية السبعينيات كانت تؤشر على إمكانية وقوع اضطرابات اجتماعية، وهو ما حدث في مصر، وإن حاول المغرب تفادي الأزمة، لكنه أجل انفجارها إلى 20 يونيو 1981.
ظلت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران على عهد دولة الملات متذبذبة، بل ومتوترة. لقد انقطعت في 1979، وعاد لها بعض الدفء في 1991، قبل أن تنقطع في 2009، على الرغم من أن المغرب حاول، قبل الثورة، التدخل لصالح أتباع الخميني، استجابة لطلب صديق الملك الشاهنشاه «ملك الملوك الإيراني»، الذي طلب منه، حسب عبد الهادي بوطالب، المستشار الملكي في مذكراته، القيام ب«الوساطة بينه وبين الخميني وقيادة الثورة». وقد أرسل الملك لهذه الغاية بوطالب، مستشاره آنذاك، مبعوثا خاصا له إلى الخميني الذي كان موجودا بالعراق.
ويحكي عبد الهادي بوطالب أن المهمة كانت سرية، وأنه توجه إلى الرئيس العراقي حسن البكر لتسهيل لقائه بالخميني. لكن اللقاء لم يتم لأن الرئيس العراقي أخبره أن «لا فائدة في الاتصال بالسيد الخميني لأنه سيغادر العراق بطلب منا. وسيذهب عما قريب إلى حيث يشاء.
وأنه لم يبق على موعد مغادرته سوى أيام معدودات». ولم يتمكن مبعوث الملك من لقاء الخميني. كما بعث الملك الراحل الحسن الثاني مبعوثا آخر، ويتعلق الأمر بالوزير الأول الأسبق مولاي أحمد العراقي، الذي اختاره الملك الراحل لأنه من آل البيت كذلك، فهو عراقي حسيني، له حظوة كبيرة عند الشيعة. لكن اللقاء لم يسفر عن شيء يذكر، لتفشل وساطة الحسن الثاني بين آية الله الخميني، المنفي آنذاك في العراق، وبين الشاه، إمبراطور إيران وقتها، وهو الفشل الذي يبدو أنه انعكس سلبا على علاقة البلدين بعد الثورة الخمينية.
وسيزيد أول سفير مغربي لدى الدولة الإسلامية الجديدة في إيران عبد الهادي التازي في رسم صورة أخرى عن علاقات الود التي كانت سائدة بين البلدين، حيث حكى كيف أنه في أول رمضان من سنة 1979 وجه دعوة إلى رئيس الوزراء الإيراني آنذاك «مهدي بازركان» لحضور حفل إفطار بمقر إقامته بطهران، فلبى المسؤول الإيراني ووزراؤه في الحكومة الدعوة، تلبية لا يمكن أن تتم دون ضوء أخضر من مرشد الثورة آية الله الخميني. ويتذكر التازي أن ذلك الإفطار كان حدثا إعلاميا، إذ تحدثت عنه وسائل الإعلام، وحاول سفراء مسلمون أن يفعلوا الأمر نفسه، لكن رئيس الحكومة الإيراني آنذاك قال في خطاب بالمناسبة: «إن هذا الإفطار المغربي ينوب عن كل دعوات الدبلوماسيين
المسلمين».
اليوم، يعود رجال الدين في إيران ليفتحوا جبهة جديدة مع المغرب وملك المغرب على عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، بعد كل تلك المعارك التي خاضوها مع الراحل الحسن
الثاني.
ويبدو أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية أية الله علي خامنئي، لم يجد من مشجب يعلق عليه خرجته المثيرة، بعيدا عمن يمثل الإسلام الحقيقي، ومن ينتمي لآل البيت، غير الحديث عن لحية محمد السادس التي يجب أن يصل طولها لثلاثة عشرة سنتمترا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.