خبراء برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يتضامنون مع بعثة فريق نهضة بركان بعد الاعتداء عليها من طرف نظام العسكر الجزائري    ماراطون الرمال.. المغربية عزيزة العمراني تحرز لقب الدورة 38    وزير خارجية ايران: هجوم اسرائيل لعبة اطفال ولن نرد عليه لان مصالحنا لم تتضرّر    المركز الجهوي يتطلع لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لجهة شمال    مهنيون يتوقعون ارتفاع أسعار المواشي قبل عيد الأضحى    المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة يتأهل لنهائي كأس أمم إفريقيا ولنهائيات كأس العالم    قمة مشتعلة بين "الكوديم" المتصدر والاتحاد الإسلامي الوصيف    كازا عندها مهرجان دولي للسينما المستقلة. ها رئيس لجنة التحكيم وها علاش كيراهن    بمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار: الإيسيسكو تدعو إلى تعزيز القدرات الابتكارية للشباب والنساء    أيام التراث بطنجة تحتفي بدور المرأة في صيانة الموروث المغربي    اليونسكو ضيف شرف الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    المصرية إلهام شاهين تخرج بتصريحات تغضب المغاربة    نادي المولودية يندد بالعصابة الجزائرية    الأرصاد الجوية تحذر من الرياح والأمطار وتراجع درجات الحرارة‬ في المغرب    أمن تازة..شرطي يضطر لاستعمال سلاحه الوظيفي خلال تدخل أمني    توقيف 7 أشخاص بتهمة النصب والاحتيال وانتحال صفات في تازة    ضربات الشمس تتسبب في وفاة وعشرات الإصابات بالمسكيك    بعد جلسة مجلس الأمن وزيارتو للجزائر.. بوگدانوڤ استقبل السفير المغربي فموسكو    صناعة السيارات.. قصة نجاح مغربية ب 700 ألف مركبة سنويا    مسؤول بلجيكي: المغرب وبلجيكا يوحدهما ماض وحاضر ومستقبل مشترك    قطاع غزة يسجل 37 قتيلا خلال 24 ساعة    حمدالله يقطع صمته ويكشف تفاصيل أزمته مع الركراكي    أمريكا تفرض عقوبات على أحد المقربين من وزير إسرائيلي وكيانين جمعا أموالا لمستوطنين "متطرفين"    بمشاركة قرابة ألف شخص.. "أسطول الحرية" يستعد للإبحار نحو غزة    تنامي هجرة القاصرين إلى سبتة    المساواة والرفع من نسبة تمثيلية لمرا جمعات قاضيات مغربيات بوزيرة العدل المكسيكية    تفاصيل تغيير مفاجئ في برنامج المنتخب المغربي قبل تصفيات المونديال    أسود الفوتسال مشاو عند صاحبهم يوسف جواد للسبيطار باش يطلعو ليه المورال ويخرجوه من جو الحزن بسبب الإصابة    أكادير : هددت بالتصعيد.. نقابة تطالب بإرجاع الأساتذة الموقوفين و"السحب الفوري" لكل الإنذارات والتوبيخات    هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟    مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟    قريبا.. تعيين 600 معلم جديد لتدريس الأمازيغية في المدارس المغربية خلال الموسم الدراسي القادم    المهندسون يهددون بالهجرة إلى خارج المغرب بعد تجاهل مطالبهم    شاب يسكب البنزين على نفسه أمام منزل حبيبته بعد رفضها الزواج به ونقله إلى المستشفى    شخص يضرم النار في نفسه أمام المحكمة التي يمثل أمامها ترامب بنيويورك    جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنساني    هشام العلوي: استفحال اقتصاد الريع في المغرب ناتج عن هشاشة سيادة القانون والنظام يخشى الإصلاح الاقتصادي الجوهري (فيديو)    ندوة تلامس السياق في الكتابات الصوفية    دراسات لإنجاز "كورنيش" بشاطئ سواني    نقابة: نسبة إضراب موظفي كتابة الضبط في دائرة آسفي فاقت 89% رغم تعرضهم للتهديدات    إعلام عبري.. نتنياهو صرخ في وجه وزيرة خارجية ألمانيا: نحن لسنا مثل النازيين الذين أنتجوا صورًا مزيفة لواقع مصطنع    المغرب يسعى لاستقطاب مليون سائح أمريكي سنويا    الجدارمية د گرسيف حجزوا 800 قرعة ديال الشراب فدار گراب بمنطقة حرشة غراس    صلاح السعدني .. رحيل "عمدة الفن المصري"    وزير الفلاحة المالي يشيد بتقدم المغرب في تدبير المياه والسدود    الأمثال العامية بتطوان... (577)    تسجيل حالة وفاة و11 إصابات جديدة بفيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي    المعرض الدولي للكتاب.. بنسعيد: نعمل على ملائمة أسعار الكتاب مع جيوب المغاربة    "لارام" و"سافران" تعززان شراكتهما في صيانة محركات الطائرات    مؤشر ثقة الأسر المغربية في وضعها المالي يتحسن.. وآراء متشائمة في القدرة على الادخار    ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بوحميد محمد بوحميد.. كاتب تاريخ العيطة ومكتشف جغرافيتها
نشر في المساء يوم 04 - 02 - 2009

استطاع الراحل محمد بوحميد أن يؤسس مدرسة مغربية في البحث العلمي خاصة بموروثنا الأدبي الشعبي وفي اختياره، مما جعله يتفرد في لحظة تاريخية مهمة بصوته الصداح فيما كانت أصوات أخرى منشغلة بمتاهات الإيديولوجيا، كما كان يصفها، يقول: «لقد اخترت مجال الثقافة الشعبية كي أساعد نفسي ومعي المغاربة على التعرف على أنفسهم من خلال تاريخهم الفني الشعبي»·
اليوم، وبعد سبع سنوات، نسترجع الذكرى ومعها شريط الذكريات واللحظات المسروقة بفعل قوة فجائية الرحيل، إنه محمد بوحميد ابن الحاج امحمد بوحميد الآتي من تراب عبدة و دكالة، الغني، ومن داخل أسوار آسفي العتيقة حيث الطفولة والدراسة الأولى حتى لحظات الشباب وما رافقها من سخونة فكرية وشرارة معرفية، امتدت داخل فضاءات دار الشباب علال بن عبد الله الشهيرة، حيث برز اسم الراحل ضمن مجموعة من شباب المدينة في تنشيط اللقاءات الثقافية والفكرية، هناك تعرفوا على كتب المنفلوطي وفولتير والجاحظ والمتنبي، هناك كتبوا أولى محاولاتهم الأدبية وهناك مارسوا المسرح واطلعوا على الحركة السينمائية العالمية·
فجاء الرحيل عن آسفي والبحث عن أفق تعليمي رحب وكانت الوجهة الرباط، وبالضبط مدارس محمد الخامس وبالموازاة مع ذلك تعرف الراحل على أوساط الصحافة بالعاصمة، فاشتغل متعاونا مع جريدة العلم ومترجما مساعدا لقسم الصحافة في عدد من السفارات الأجنبية. وبالرباط، برزت معالم حياة جديدة ومعها اختيارات بديلة قوبلت بالرفض من قبل الأب، خاصة لما قرر الراحل الالتحاق بأكاديمية ضباط الشرطة آنذاك·
الرجوع إلى آسفي كان صعبا وقاسيا عليه هو الذي تعود على حياة العاصمة بترفها الثقافي والسياسي، هنا برزت شخصية بوحميد وتقوت وأصبح ثائرا على الأوضاع رافضا ليكون مساعدا لأبيه في التجارة هو الخارج من عالم لا مجال فيه سوى لقوة العقل في الإبداع وهو الحامل لنزعة الوطنية حين شارك في طريق الوحدة وتعرف عن قرب على شخصيات ورموز وطنية كمحمد الخامس وولي عهده آنذاك المولى الحسن والمهدي بنبركة وغيرهم·
أمام هذا الوضع الذي لم يكن بيده تغييره، تأتي الصدفة لتصلح وتصحح مسار الرحل، حيث قادته جولة بالمدينة إلى أن يمر أمام مقر نيابة التعليم ويطلع بالصدفة على منشور علق على أبوابها تعلن فيه عن رغبة الوزارة في توظيف معلمين وأستاذات، هكذا تصبح الصدفة عاملا حاسما في رسم اختيار إنسان أحب وأخلص لمهنته حتى آخر يوم بإعدادية مولاي يوسف حين كتب على سبورة الفصل «وختم بفضل الله ورعايته»·
خلال مساره الوظيفي كأستاذ للتاريخ، استطاع بوحميد أن ينفذ إلى بطون الجغرافية والتاريخ وينهل منهما ما يقوي تخصصه، وأسقط كل هذه الحمولة المعرفية على فن كان آنذاك من هواته بفعل القرب الجغرافي وحتى النفسي يوم كان طفلا (في يوم إعذاره، أقام الأب حفلا حضرته فرقة من شيوخ وشيخات العيطة، وأمام قوة الألم شدته مشاهد الفرحة والرقص والغناء الذي كان سائدا في فناء منزل العائلة)، بعدها تأتي مرحلة الوعي بالتراث، وهو وعي وجده متأخرا لدى الباحثين وغائبا عن المراجع، فكانت بداية المشوار منذ الستينيات بمصاحبة الفرق والقرب منهم حتى تعلم وأتقن الآلات الموسيقية (الكمان والكنبري) إلى الخروج في جولات ممتدة على الخريطة الفنية المغربية من آسفي حتى الشياظمة وهضاب الشاوية وسهول عبدة والحوز والرحامنة وأربعاء الصخور والخيايطة وأولاد حريز وسيدي غانم والفقيه بنصالح وحد كورت إلى أقدام جبال الريف مع العيطة الجبلية مرورا بالشرق مع المنكوشي والنهاري إلي الصحراء حتى موريتانيا في سفر سماه بالبحث عن المتشابهات·
في رحلة سفره، تعرف الراحل على رجال ونساء مغرب الفن الشعبي وصاحب عددا منهم إلى درجة أصبح معها هؤلاء يطلقون عليه لقب «المعزز الربيك» أي ما ترجمته في لهجة «الغوس»: الأستاذ الكبير.
انطلق البحث عند بوحميد من الميدان حيث التصاقه الشعبي بعوالم العيطة المتشعبة، كانت البداية تعلمه للهجة «الغوس» المشفرة ليسهل عليه التواصل بين أناسها، وهي المرحلة التي استغرقت وقتا طويلا تمكن فيه من إتقانها بل وتجديدها وبواسطتها انطلق في الوصف مجيبا عن سؤال بسيط: بم يتعلق الأمر؟ فوصف العيطة في شكلها من اللباس وعدد الأفراد وطريقة أدائهم ليصنف فيما بعد عيوط المغرب في إعادة رسم للخريطة الفنية الشعبية، رابطا إياها بمرجعيات جغرافية وتاريخية اعتبرت إلى يومنا بالناجحة، ولم يفت الراحل الانكباب على المتن الزجلي وتصفيته، على حد قوله، مساهما في إعادة تركيب بعض العيوط التي كانت على حافة الزوال كعيطة «العمالة» أو «الشعيبية»، وقد حافظت شخصيا على شريط موسيقي صوتي فريد يعود إلى السبعينيات يؤرخ لما قام به الفقيد. وفي آخر محطة قبل وفاته، اتجه إلى ما سماه بالوصف التفكيكي للعيطة وكان من أولى ثماره البحث الذي قدمه خلال المهرجان الوطني الأول لفن العطية سنة 2001، وقد كانت وجهته المقبلة في مسيرة البحث، لولا القدر، هي «تنويت» العيطة وكتابة ميزان ذهب خاص بها مع تجديد في الآلات الموسيقية بإدخال تعديلات على آلة الكنبري·
إن أبرز ملاحظة يخرج بها المتابع لعمل هذا الرجل هي اعتماده على المرحلية كمنهج تسلسلي في البحث العلمي الذي كان من أبرز سماته سلوك التأني الذي عرف به الراحل دون التسرع في الإجابة عن أسئلة كان دائما يعتبرها سابقة لأوانها، مؤكدا خطورة التسرع بتقديم وجهات نظر في ميدان حساس نتحمل فيه مسؤولية الصدق والأمانة أمام التاريخ والأجيال القادمة، وهو ما كان دافعا له ليقتنع بعدم تجميع أبحاثه ونشرها·
وخلال هذه الرحلة الطويلة والممتعة والشاقة في سبيل تفكيك ووصف معالم هذا الفن كانت القساوة ترمي سمومها مع مشاعر أناس لم يستسيغوا فهم ما كان يقوم به الرجل وحورب حتى آخر يوم في حياته ولم يكن ينزعج من ذلك وكان سلاحه هو الإصرار وعدم الانعزال ومواصلة المشوار الذي كانت إحدى ابرز محطاته سنة 1984 يوم أقيم أول مهرجان أقحمت فيه العيطة كمادة فنية وعلمية مع أول بحث تكلف الراحل بإعداده وتقديمه ونقل على أمواج الإذاعة الوطنية فالتفت الكل إلى هذا الفن وإلى مكوناته الزجلية والجمالية والفنية·
وقد كانت هذه السنة عاملا مهما في انطلاق البحث العلمي العلني بالمغرب ليتداول اسم الرجل إعلاميا وثقافيا عبر محاضراته وأبحاثه المنشورة بمجلة «الأسبوع المغربي» ويتوج هذا المسار الحافل بحصوله على عضوية اتحاد كتاب المغرب سنة 2000، وتتلوها محطة تنظيم أول مهرجان وطني لفن العيطة بآسفي من طرف وزارة الثقافة، حيث شارك الراحل بمداخلة فكك فيها عيطة «الرادوني» (أطول عيطة وهي مكونة من تسعة أجزاء)، بعدها ساهم في الإشراف على أول ديسكوغرافيا صوتية للفنون الشعبية، وبالموازاة مع ذلك ساهم في عدد كبير من اللقاءات الثقافية في كافة ربوع المغرب كان آخرها مشاركته ضمن فعاليات مهرجان برشيد صيف 2001 دون أن ننسى حضوره البارز في عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية·
شهورا قليلة قبل رحيله لم يكن يترك فرصة تمر إلا وتكلم عن شعوره بالرضى، عن حالة الثقافة الشعبية عن كونه استطاع أن يقدم شيئا بسيطا لها هو أن يقول للمغاربة: أنصتوا إلى أنفسكم قبل أي شيء!
ترك بوحميد أشياء جميلة تجعله دائما حديث العديد من أصدقائه ومعارفه، استطاع أن يحب الحياة في علاقة بسيطة معها، حملته إلى نهايتها·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.