مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    الأحزاب تثمن المقاربة الملكية التشاركية    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظل ارتفاع الأسعار .. هل تخلت الحكومة عن الملف الاجتماعي؟
العدالة والتنمية الذي يقود التجربة الحالية بات أكثر استعدادا لوضع برنامجه الانتخابي وراء ظهره
نشر في المساء يوم 02 - 06 - 2014

في الأسبوع الماضي وقف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أمام عدد من المواطنين في مدينة أكوراي، بضواحي مكناس، داعيا إياهم إلى مقاطعة منتوجات شركة «دانون»، بسبب الزيادة التي قررتها في منتوجاتها المشتقة من الحليب، ومعلنا أن حكومته غير مسؤولة عن الزيادة التي همت هذه المادة. وأكثر من ذلك قال رئيس الحكومة إنه شخصيا ينضم منذ ذلك الوقت إلى دعوات المقاطعة لتلك المنتوجات، التي رفعها بعض الشبان على موقع الفيسبوك.
ويظهر ذلك الموقف أزمة الحكومة الحالية في تبرير الزيادات المتتالية في عدد من المواد بشكل عام خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو يكشف الخطة الفاشلة للحكومة في محاولة إقناع المواطنين بهذه الزيادات، من خلال الهجوم على بعض الشركات الخاصة التي أقدمت على إقرار زيادات في منتوجاتها، في محاولة غير موفقة للفصل بين الزيادات التي تقرها الحكومة وتلك الزيادات، في ما يشبه إقناع المواطن بقبول الأولى ورفض الثانية.
وبعد الزيادة في أسعار المحروقات لمرتين، الأولى عام 2012 والثانية في السنة الماضية، قررت الحكومة قبل أيام الزيادة في أسعار استهلاك الماء والكهرباء، في ضربة قاصمة للقدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطنين. وقد اتسم موقف الحكومة بالارتباك فيما يتعلق بهذه الزيادات الأخيرة، إذ سبق لها أن نفت في شهر يناير الماضي، على لسان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، محمد الوفا، أي زيادة في أسعار استهلاك الماء والكهرباء، ردا على «الشائعات» التي راجت في تلك الفترة، حيث أكد الوفا وقتها أن تلك الشائعات «لا قيمة لها». كما أن تبرير هذه الزيادات عكس الارتباك الحكومي، ففي الوقت الذي قال فيه مسؤول حكومي إن الهدف من تلك الزيادات هو»عقلنة» تدبير استهلاك الماء والكهرباء، تبين أن الهدف هو إنقاذ المكتب الوطني للكهرباء الذي يتجه نحو الإفلاس.
فيوم الأربعاء الماضي ترأس بنكيران اجتماعا رفيع المستوى حضره وزراء ومسؤولون كبار، لوضع اللمسات الأخيرة على التعاقد بين الحكومة والمكتب، الذي أطلق عليه «العقد البرنامج». وسيوفر هذا البرنامج للمكتب حوالي 40 مليار درهم، ستتحملها خزينة الدولة والمكتب نفسه والزبناء في حدود 50 في المائة، وبناء على هذا التعاقد سيتم رفع أسعار استهلاك الماء والكهرباء ابتداء من شهر غشت المقبل.
وتبرر الحكومة هذه الزيادة بإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء من أزمته الخانقة، لكن مثل هذا الإجراء كان حزب العدالة والتنمية يقف ضده عندما كان في المعارضة، لما أقدمت حكومة إدريس جطو على ضخ أموال من ميزانية الدولة في ميزانية البنك العقاري والسياحي الذي كان يطارده الإفلاس، بالرغم من أن الحكومة الحالية لم تتخذ هذا الإجراء اليوم على حساب الميزانية العامة، بل على حساب جيوب المواطنين.
ويبدو أن الحكومة قررت التخلي عن المضامين الاجتماعية لبرنامجها الحكومي، بل إن حزب العدالة والتنمية الذي يقود التجربة الحالية بات أكثر استعدادا لوضع برنامجه الانتخابي وراء ظهره، عبر هذه الإجراءات الاجتماعية الكبيرة التي تستهدف القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل العجز الواضح عن إبداع إجراءات جديدة لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني. والملاحظ أن الحكومة باتت مستعدة لدفع المواطن البسيط إلى دفع كلفة العجز في الميزانية، بالموازاة مع التراجع عن بعض القرارات الأخرى التي سبق الإعلان عنها في الفترات الأولى لتوليها مهامها، مثل الضريبة على الثروة وتوزيع المساعدات على الشرائح البسيطة، بالرغم من أن هذا الإجراء كان يرمي إلى تحويل الصدقة التي تقدمها الحكومة إلى بديل للتنمية الاقتصادية. فقد قسمت المغاربة إلى ثلاث فئات من الذين سوف يقومون بتسديد الأقساط في ميزانية المكتب الوطني للماء والكهرباء، وأعفت الفئة الأولى التي لا يتجاوز عددها أربعة ملايين حسب الحكومة من سداد هذه الأقساط، غير أن هذا التقسيم لا يطابق الواقع الاجتماعي الحقيقي في ظل الغلاء واستقرار الأجور وانتشار البطالة وزحف الديون على مختلف الطبقات الاجتماعية إلى درجة أن مفهوم الطبقة الوسطى لم يعد ذا مدلول محدد في المغرب، كما أكدت دراسات سابقة، حيث إن هناك فئات واسعة من المجتمع سوف تتضرر من هذه الزيادة الأخيرة، كما تضررت من الزيادات السابقة.
ادريس الكنبوري
هل تشعل مراجعة أسعار الماء والكهرباء غضب المغاربة على الحكومة؟
خيرون: الدعم سيستهدف الفئات المستحقة له وشعبيتنا ليست هاجسا
على الرغم من التطمينات التي بعثت بها الحكومة إلى الشارع المغربي، على خلفية قرار مراجعة أسعار الماء والكهرباء، في إطار عقد البرنامج الذي أبرمته مع المكتب الوطني للكهرباء والماء، إلا أن القرار بات يطرح أكثر من سؤال حول شعبية الحزب الحاكم، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، وتواتر عدد من القرارات «اللاشعبية» التي شاءت الحكومة الحالية أن تتحمل مسؤولية تطبيقها.
حكومة عبد الإله بنكيران سارعت إلى توضيح حقيقة عقد البرنامج، والتأكيد على أن هذه الإجراءات تمس الطبقات الفقيرة وحتى الطبقات المتوسطة، دون المساس بالأشطر الاجتماعية التي يقل استهلاكها عن 100 كيلوواط شهريا بالنسبة للكهرباء، والتي تهم 4 ملايين و100 ألف من المشتركين و6 أمتار مكعبة شهريا بالنسبة للماء، والتي تهم مليونين و200 ألف من المشتركين.
مبررات الحكومة لهذه الإجراءات التي تدخل في خانة «القرارات غير الشعبية والصعبة»، تمثلت في كون المؤسسة كانت تتجه نحو الإفلاس، بل وحتى الاضطرار إلى وقف إمدادات الماء والكهرباء على المغاربة، بسبب الوضعية المالية المتدهورة التي يعرفها المكتب، حيث بلغت مديونيته 51.8 مليار درهم، بالإضافة إلى التزامات صندوق التقاعد الداخلي التي بلغت 17.95 مليار درهم، ناهيك عن تراكم ديون الشركات الممونة للمكتب لتبلغ 2.3 مليار درهم، على حساب 1422 شركة وطنية و181 شركة أجنبية.
رئيس الحكومة، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، استبق ردود الفعل الممكنة على هذه الإجراءات بتأكيده على أن شعبية حزبه تهون أمام القرارات التي يجب تتخذ من أجل إنقاذ الأوضاع المالية للبلاد، ووضعية بعض القطاعات، وعلى رأسها المكتب الوطني للماء والكهرباء.
سعيد خيرون، النائب البرلماني عن فريق العدالة والتنمية ورئيس لجنة المالية بمجلس النواب، اعتبر في حديث ل«المساء» أن «هذه القرارات في صالح البلاد والمواطنين، ولن يكون لها انعكاس على شعبية الحزب، وحتى بالنسبة لشعبيتنا فلا تشكل هاجسا بالنسبة لنا في العدالة والتنمية، مقارنة مع ما يمكن أن يتخذ من قرارات لصالح البلاد».
وأكد في هذا السياق أن «من سيفكر في شعبية حزبه فلا يجب أن يتخذ أي قرار، لكن تم اتخاذ قرارات صعبة منها الاقتطاع من أجور المضربين ومباريات التوظيف وغيرها من القرارات التي يظهر للبعض أنها تحد من شعبية الحزب، لكنها قرارات لصالح البلاد وتكرس المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين».
وأضاف «نظن في العدالة والتنمية أن جميع القرارات التي تتخذ، هي في صالح البلاد ولصالح المواطنين، سواء على المستوى البعيد أو القريب، فهي تخدم البلد، رغم أنه يمكن للبعض أن يستشف منها أنها لا تخدم حزبا معينا».
وأوضح خيرون أن هناك مجموعة من القرارات الاجتماعية المهمة التي اتخذتها الحكومة منذ 2012 إلى الآن، ومنها خلق صندوق التماسك الاجتماعي، الذي يهدف إلى ضمان تمويل برنامج «راميد»، ودعم العائلات التي تضم ذوي الاحتياجات الخاصة، ودعم الأرامل في وضعية هشاشة، إضافة إلى مجموعة من القرارات التي لها طابع اجتماعي مهم جدا، ويبقى على الحكومة أن تنزلها في أقرب الآجال الممكنة، ناهيك عن القرارات التي تهم المجال الاقتصادي والمقاولة.
وسجل النائب الإسلامي أن هناك تركيزا من طرف الإعلام على بعض القرارات من قبيل القرار المتعلق بالمكتب الوطني للماء والكهرباء، رغم أن عقد البرنامج يهدف إلى ضمان استمرارية هذا المرفق، لأن الوضعية المالية للمكتب توجد في وضعية إفلاس، وإذا أراد أن يستمر خلال السنوات المقبلة، فلابد من ضخ 11 مليار درهم سنويا خلال المدة المقبلة.
وأوضح أن البرنامج الاستثماري، الذي لم يلتزم به المكتب، كان له انعكاس على إنتاج الطاقة في بلادنا، وأيضا على مستوى المقاصة، فالمكتب الوطني للكهرباء يستفيد سنويا من 9 مليارات درهم في إطار الدعم الموجه للفيول، وانخفضت في سنة 2014 إلى 5 مليارات درهم، والآن العملية التي ستتم تهم فقط إحداث نوع من الاستهداف على مستوى الدعم، فعوض أن يوجه هذا الدعم للعموم، سيتم توجيهه للفئة التي تستحق.
وأكد أن عقد البرنامج يشكل دعما بشروط، منها تصحيح الوضعية المالية، وأيضا احترام البرنامج الاستثماري، إذ أن عدم إنجازه تسبب في خسارة تقدر ب 23 مليار درهم كما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ناهيك أن عدم اتخاذ قرارات الاستثمار من الآن سيشكل خسارة في الخمس سنوات المقبلة تقدر ب23 مليار درهم.
وسجل المتحدث ذاته أن هذا القرار فيه إنقاذ للمكتب الوطني للكهرباء، باعتباره مؤسسة تشتغل ليس فقط داخل المغرب بل حتى خارجه، وفي حالة ما لم يتم إنقاذ وضعيته المالية، فسيكون لذلك انعكاس على صورة المغرب في الخارج، لأن هناك عدة قروض ملتزم بها، وفي حالة ما لم يتم اتخاذ القرارات المناسبة، فستكون هناك صورة سيئة بالنسبة للمكتب والمغرب عموما في علاقته مع الخارج.
لكن هذه المعطيات وتأثيرها على شعبية الحزب الحاكم، يعطيها فؤاد عبد المومني، الخبير الاقتصادي، تحليلا آخر في تصريح ل«المساء». واعتبر في هذا الإطار أنه لا يمكن للمغرب أن يستمر في الاستهلاك أكثر من قدرته الإنتاجية، دون أن يكون معرضا لهزات كبرى، «حيث يمكن لفترة معينة اللجوء إلى المديونية، ولكن الوصول إلى لحظة الحقيقة مسألة ضرورية عندما نضطر لمواجهة الأمور مباشرة».
وأوضح أن المغرب ظل لعقود يغطي على هذه الأوضاع، «ونقوم بالخوصصة من أجل الحصول على موارد مالية، ونذهب للاستدانة ونغطي على الخصاص الذي لدينا في مختلف صناديق التقاعد، وهو ما كان يسمح بالتغاضي على حقيقة الأمور».
وأكد المتحدث ذاته على مسؤولية النخب التي وجدت راحتها في تغطية المشاكل عبر اللجوء إلى الاستدانة، و»بالتالي فسؤال الحكومة ليس مرتبطا بحقيقة الأسعار، وإن كان من مسلمات العصر الراهن، لكن السؤال هو في أي استراتيجية ننخرط، هل هذه الحكومة جاءت بمشروع يخلق إمكانية توازن عميق وتصاعدي وإيجابي ومتوازن للفئات الاجتماعية؟ أم أنها تعالج فقط الأمور المستعجلة؟».
وأكد أن غياب الرؤية والاستشراف والقرارات الجريئة سيؤدي كلفتها من جهة العدالة والتنمية، لأنه لم يأت بمشروع مقنع بالنسبة للفئات التي تعاني من هذه القرارات، ولم يأت بخطاب الحقيقة الذي يقول للمغاربة حقيقة الوضع، ومن جهة أخرى، فإذا كان البيجيدي سيواجه الموجة الأولى من هذه التأثيرات على مستوى الانتخابات، فالمغرب فسيواجه 100 مرة هذه الموجة على مستوى كافة الشرائح الاجتماعية والسياسية، على حد تعبيره.
اليوم تجد حكومة عبد الإله بنكيران نفسها في وضع حرج أمام الأزمة التي يعانيها عدد من القطاعات، والخلل الذي تعرفه التوازنات الاقتصادية للبلاد، مقابل ضعف القدرة الشرائية لفئات عريضة من المواطنين. فهل سيتمكن الائتلاف الحكومي من إيجاد معادلة سحرية، تجنب الفقراء الانعكاسات السلبية للإصلاحات والقرارات الضرورية؟
المهدي السجاري
الخراطي: المستهلك المغربي ليس بقرة حلوبا كما يعتبره البعض
قال إن على الحكومة أن تدرك أنها باللجوء إلى «العمليات القيصرية» تضحي بالمستهلك
أكد بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن ما يحتاجه الشعب المغربي هو الجودة في الخدمات والمنتوجات المقدمة إليه، كما أنه محتاج إلى الوضوح والشفافية في القرارات المتخذة، أما أن يتم أداء ما استنزفه الآخرون من جيوب المواطن فهذا أمر مرفوض.
- كيف تنظرون إلى خطوة الحكومة الرفع من أسعار الماء والكهرباء لإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء، والتي تأتي بعد زيادات سابقة في المحروقات ومواد استهلاكية؟
القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة، المتعلق بالزيادات الأخيرة لإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء من الإفلاس على حساب المستهلك، واتخاذ إجراءات أخرى تهم الزيادة في تسعيرة فاتورة الكهرباء، هو موضوع يتسم بالضبابية والارتباك.
فباستثناء الخطوة التي قام بها الحسين الوردي، وزير الصحة، لتخفيض أثمنة مجموعة من الأدوية، فإن المستهلك المغربي يعيش حالة من الرعب فيما يخص الزيادات الأخرى، حيث أصبحت هذه الحكومة تتخذ قرارات لم يسبق للحكومات السابقة اتخاذها من خلال الزيادات المتتالية في مقابل سوء الخدمات، وهذه الزيادات بطبيعة الحال تمس بشكل مباشر القدرة الشرائية للمواطن المغربي.
وإذا عدنا إلى صلب الموضوع، الذي يهم الزيادة في أسعار الكيلواط، فإن السؤال الذي يطرح هنا هو: هل الحكومة قادرة على أن تكون شفافة وواضحة مع المواطن وتقدم له سعر الكيلواط، خاصة في ظل وجود ضبابية في التكلفة الحقيقية وفي تركيبة ثمن الكيلواط. أما مسألة الزيادة في التسعيرة فليست المشكل المطروح، بقدر ما تطرح طريقة تدبير المكتب الوطني للماء والكهرباء للقطاع، والتي تتسم بالغموض وسوء التسيير، الذي أدى إلى حالة الإفلاس.
فمن غير المعقول أن تقرر الحكومة إنقاذ المكتب على حساب جيوب المواطنين بدل أن تطالب بمحاسبة كل من تولى المسؤولية في هذا المكتب من أجل استرداد المبالغ المالية.
لعل المشكل الأكبر والمطروح بحدة هو أن القطاعات التي تسيرها الوكالات عادة ما تفشل، رغم أنها تربح أموالا طائلة ولا تستفيد منها الدولة، باعتبارها وسيطا بين المنتج والمستهلك ومع الوساطة تكون التكلفة جد مرتفعة، كما أن هناك غموضا في طريقة تسيير هذه الوكالات للقطاع لأنها تابعة لوزارة الداخلية، والمثال على ذلك أنه رغم أن قطاع الطاقة الذي يوجد على رأسه وزير، إلا أن صلاحية التسويق والمراقبة تابعان لوزارة الداخلية، وهذا خلل يجب إصلاحه وإعادة النظر في القوانين المنظمة له.
من الناحية السياسية نستغرب إقدام الحكومة على تقسيم المجتمع المغربي إلى طبقتين وخلق صراع وعداوة بين الأغنياء والفقراء.
- ما تأثير قرارات الزيادات على القدرة الشرائية للمواطن؟
نتأسف على الزيادات المتتالية للحكومة بدون مواكبتها بأي مبادرة تهم تحسين القدرة الشرائية للمواطن. على كل فإن الخطابات والشعارات التي رفعتها الحكومة كلها تصب في ما هو سياسي وليس اجتماعيا، وهي بمثابة حقنة تخدير للمواطن المغربي، حيث تم التأكيد على أن دواعي إقرار هذه الزيادات لن يكون له أي أثر على المستهلك المغربي، وأنها الوسيلة المثلى لإنقاذ المغرب من عتبة الإفلاس.
وعلى كل، فإن من بين نتائج تدني القدرة الشرائية للمواطن المغربي، هو ارتفاع المديونية إلى درجة يمكن وصفها لدى البعض بحالة «المديونية المفرطة»، وهذا يتمخض عنه أيضا ارتفاع حالات الانتحار في صفوف الكثير من الأسر التي وجدت نفسها عاجزة عن مسايرة النمو الاقتصادي في ظل أجور تعرف نوعا من الجمود، كما أن المديونية ساهمت في تفشي عدة ظواهر كالسرقة والنصب والاحتيال وامتهان الدعارة وغيرها من الظواهر الاجتماعية.
بالنسبة إلي أعتبر أن القرار الذي اتخذته الحكومة يمكن مقارنته بالعملية القيصرية، لأن الحكومة تسعى إلى إنقاذ المغرب على حساب المستهلك، دون أن تدري أنه باللجوء إلى هذا النوع من العمليات قد تضحي بالمستهلك، وأن المعادلة صعبة لأنه بدون المستهلك لا وجود لمولود اسمه «الاقتصاد»ّ.
- إلى أي حد يهدد رفع الأسعار السلم الاجتماعي بالمغرب؟
كلما كان هامش الشق الاجتماعي على حساب ما هو صحي، كلما انخفض حتما السلم الاجتماعي، وإذا أعطينا الأهمية للجانب الاجتماعي بشكل قائم دون أن يكون على حساب أي شق آخر فهنا نكون قد حافظنا على السلم الاجتماعي.
ما يتعين التأكيد عليه هو أن أي ارتباك يقع على مستوى السلم الاجتماعي يعتبر قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وحين، وللحفاظ على ذلك، فإن الأمر يتطلب الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، بدلا من إرضاء المؤسسات المالية التي تقع في أزمات. أخال أن الحكومة مطالبة باتخاذ إجراءات أخرى لإنقاذ مؤسساتها من الأزمات.
على ذكر القنبلة الموقوتة، يرى البعض - أن الزيادة في الأسعار قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه بنكيران وتدق آخر مسمار في نعش شعبيته؟
في الحقيقة هذا سؤال سياسي محض، لأن رئيس الحكومة لا يجب عليه أن يثقل كاهل المستهلك لإرضاء المؤسسات وإنقاذها من الإفلاس، فحقوق المواطن وصلت إلى درجة أصبحت لا تحترم.
أرى أنه من غير المعقول أن تجهل الحكومة الكثير من القوانين وتمس بالقدرة الشرائية للمواطن، لأنه بدون مستهلك لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد وبالتالي يجب على الحكومة ألا تنسى أن المحور والمحرك الأساسي للنمو الاقتصادي هو المستهلك، وتعلم أنه ليس بقرة حلوبا كما يعتبره البعض، بل هو فاعل اقتصادي، وهي القيمة التي تجهلها الحكومة.
- أنتم كجامعة هل لديكم اقتراحات ترون أنها فعالة في هذا الشأن؟
يجب أولا على الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين تدبير ما يجري في السوق الاقتصادية وكذا حماية حقوق المستهلك الذي لديه حقوق وعليه واجبات، وهذا يتأتى من خلال إزالة الوسطاء الذين هم عبارة عن وكالات ومكاتب كيفما كان نوعها. هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب أن تضع الحكومة معايير استهلاك الطاقة، الذي يعتبر من بين القطاعات الحساسة التي تتسم بالضبابية وتسعيرته غير محددة.
وإذا كانت عملية تسويق منتوج الماء والكهرباء، تتسم بالضبابية، فلا بد من تقنين القطاع ونفض الغبار عنه، هنا أقول لرئيس الحكومة إذا كنت تحارب التماسيح والعفاريت داخل المؤسسات، فهناك مسؤولون كبار يستفيدون من الماء والكهرباء بدون سند قانوني ويؤدون تسعيرة منخفضة دون رقيب ولا حسيب.
فعندما تحدث محمد الوفا، وزير الشؤون العامة والحكامة، عن وجود المواد الغذائية ووفرتها، فالكل يعرف أن المواد متوفرة لكن ما يحتاجه المواطن هو الجودة مقابل انخفاض التكلفة، فالشعب المغربي محتاج إلى الوضوح ومستعد لأداء ما عليه من واجبات، أما أن يتم أداء ما استنزفه الآخرون من جيوب المواطن فهذا أمر مرفوض، خاصة أن المجتمع المغربي أصبح واعيا وقادرا على الدفاع عن حقوقه. لقد سبق للمواطن المغربي أن أنقذ القناة الثانية من الإفلاس، فماذا استفاد بعد ذلك؟ وماذا قدمت هذه القناة لمشاهديها سوى البرامج التافهة والمنتوج الرديء والمسلسلات المدبلجة، فهل هذا ما يستحقه المواطن المغربي؟
نؤكد أننا لسنا ضد الحكومة، لكن لن نسمح بانتهاك حقوق المواطن، وعلى الحكومة أن تضع برنامجا لترشيد الاستهلاك في قطاع الكهرباء والماء.
حليمة بوتمارت
هل يهدد ارتفاع الأسعار السلم الاجتماعي بالمغرب؟
مع إعلان الحكومة الزيادة في فاتورة الماء والكهرباء بالنسبة للأشطر التي تفوق 100 كيلوواط بالنسبة للكهرباء شهريا، وستة أمتار مكعبة بالنسبة للماء شهريا ابتداء من شهر غشت القادم حتى سارعت مختلف التنظيمات النقابية إلى استنكار هذه الخطوة التي لها تأثير على الواقع الاجتماعي للمواطنين، سيما مع الزيادات التي عرفتها عدد من المواد الأساسية، ويظل السؤال المطروح حول ما مدى تأثير الزيادة في الأسعار على السلم الاجتماعي، رغم أنها لن تطال الفئات الأكثر هشاشة؟
اتخاذ الحكومة هذه الخطوة كان من أجل إنقاذ الوضع المالي للمكتب الوطني للكهرباء، غير أن هذا سيؤثر لا محالة على الوضع الاجتماعي، نظرا لوجود علاقة جدلية بين الزيادة في الأسعار والسلم الاجتماعي، لأن كل زيادة لها تأثير على القدرة الشرائية للمواطن، الذي يشكل عنصرا أساسيا في معادلة الاستقرار الذي يعرفه المغرب. وفي هذا الصدد، يعتبر عبد الحميد فاتحي، نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل أن البلدان التي يغيب فيها السلم المتحرك للأجور بالنسبة لفئة من المواطنين وتفتقد الربط بين نسبة التضخم والأسعار، يكون فيها لارتفاع الأسعار وقع وتأثير على السلم الاجتماعي، لأن الأجور تتآكل وهو ما يؤثر على مواجهة تكاليف العيش لهذه الفئة، سيما مع الارتفاع الذي عرفته المحروقات والتي لها علاقة بارتفاع باقي المنتوجات والمواد الأساسية الأخرى.
ويعتبر نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل أن الشرائح التي بيدها الاستقرار الاجتماعي ليست مثل الشريحة ذات الدخل المحدود من الطبقة العاملة، لأن كل مس بقدرتها الشرائية سينعكس على استقرارها، وهي «ليست لها القيم الكبرى للحفاظ على السلم مثل السياسي وغيره».
و«لعل الزيادات المتتالية في الأسعار، مثل المحروقات التي ينتظر رفع الدعم عنها نهاية هذه السنة، ستكون مقدمة لتوتر وإشعال فتيل اجتماعي رغم التطمينات التي تقدمها الحكومة لكون ذلك لن يمس الطبقات الهشة والمتوسطة»، يقول فاتحي، مشددا بالقول، في تصريح ل«المساء»: «رغم تطمينات الحكومة من كون الزيادات لن يكون لها أي تأثير على فئة واسعة من المواطنين، غير أن هذه الزيادة التي سيعرفها الماء والكهرباء ستؤدي إلى قلق اجتماعي حقيقي».
المبررات التي تقدمها الحكومة بخصوص الزيادات، والتي يؤكد فاتحي أن جزءا كبيرا منها موضوعي، لا يتقبلها المواطن البسيط لأنه لا تهمه، فالأهم بالنسبة إليه هو الحفاظ على قدرته الشرائية لتحمل تكاليف لقمة العيش.
وفي غياب أي ميكانيزمات لضمان توازن بين الارتفاع في الأسعار وضمان الحد الأدنى من العيش الكريم، فإن هذا سيؤثر حتما على الاستقرار الاجتماعي، يقول نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل.
وبدوره يرى عبد الكريم العزيز، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن الحكومة تلعب بالنار ودخلت في «مغامرة مجانية» برفضها مواصلة الحوار الاجتماعي والزيادة في أسعار عدد من المواد من قبيل المحروقات والكهرباء والماء، وهو ما قد يترتب عليه «انفجار اجتماعي»، سيما أن فئات كبيرة من المجتمع من الطبقة العاملة من الأجراء والعاملين في القطاع غير المهيكل غير قادرين على مسايرة هذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار وهو ما يهدد التوازن داخل المجتمع.
ومن بين أسباب هذا الوضع فشل السياسة الحكومية والحكومات السابقة لكونها لا تراعي حماية الأسعار ولا الجانب الاجتماعي، استجابة لضغوطات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، الذي ينصب اهتمامه أساسا على التوازنات المالية فقط دون التفات للمواطن البسيط الذي يظل «كبش فداء» يؤدي ثمن فشل السياسات المتعاقبة.
وربط العزيز، في تصريح ل«المساء» بين القدرة الشرائية للمواطن التي تنقص في غياب الزيادة في الأجور وهو ما سيوصل إلى حد تهديد التوازنات الاجتماعية الهشة، معتبرا أن الزيادة التي أعلنتها الحكومة مؤخرا لا تشمل جميع الفئات وتظل زيادة «بسيطة لا تغير في الواقع شيئا».
ولعل الزيادة في فواتير الماء والكهرباء تعيد إلى الأذهان ما شهدته مدينة مراكش خلال سنة 2012 من مواجهات دامية بين السكان والقوات العمومية ما يعرف بأحداث «سيدي يوسف» بسبب الاعتصامات التي نظمها المواطنون أمام فروع الوكالة المستقلة لتوزيع الماء (لا راديما) احتجاجا على غلائها والتي جعلت الملف يأخذ بعدا وطنيا ووصل صداه إلى البرلمان، ويبقى هذا مثالا لحدث قدمه عبد الحميد فاتحي، نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، كدليل على تأثير ارتفاع الأسعار على واقع السلم الاجتماعي بالمغرب.
خديجة عليموسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.