السفيرة الصينية في ضيافة جماعة مراكش لبحث آفاق التعاون    بلادنا ‬تعزز ‬مكانتها ‬كأحد ‬الدول ‬الرائدة ‬إفريقيًا ‬في ‬مجال ‬تحلية ‬المياه    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    طاقات متجددة : التحول الطاقي شهد طفرة استثمارية عالمية في 2024    انخفاض أسعار النفط جراء ارتفاع المخزونات الأمريكية    من الرباط إلى مراكش.. سفيرة الصين تزور مركز اللغة الصينية "ماندارين" لتعزيز آفاق التعاون التعليمي    كوراساو أصغر الدول من حيث التعداد السكاني تتأهل إلى نهائيات كأس العالم    النيابة العامة بالقنيطرة: "زواج الفاتحة" المزعوم لفتاة 14 سنة "عار من الصحة"    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن تشكيلة لجنة تحكيم دورته ال 22    فتيحة خورتال: السياسة المينائية من الرافعات القوية لتعزيز الموقع الاستراتيجي للمغرب    المجلس ‬الاقتصادي ‬والاجتماعي ‬والبيئي ‬يكشف:‬ 15 ‬ألفا ‬و658 ‬حالة ‬تعثر ‬سجلتها ‬المقاولات ‬الصغيرة ‬جدا ‬والصغرى ‬بالمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الاحتفال ‬بعيد ‬الاستقلال ‬في ‬ظل ‬الوحدة    روسيا تعلن محاصرة قوات أوكرانية    عامل الحسيمة يترأس مراسيم تحية العلم بمناسبة عيد الاستقلال    الركراكي: لدينا حالة ذهنية عالية ومجموعة جيدة لخوض كأس أمم إفريقيا    بعد الإطاحة بمالي.. باها يؤكد أن المغرب قادر على الذهاب بعيدا في المونديال    ‬الشعب ‬المغربي ‬يخلد ‬بكل ‬مشاعر ‬الفخر ‬والاعتزاز ‬الذكرى ‬السبعين ‬لعيد ‬الاستقلال ‬المجيد    في ‬دراسة ‬هامة ‬حول ‬الإجرام ‬في ‬المغرب ‬طيلة ‬عشرين ‬سنة:‬    "التقدم والاشتراكية" يدعو إلى انفراج سياسي وحقوقي لإنجاح مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء    الرئيس ترامب يعلن السعودية "حليفا رئيسيا" من خارج حلف شمال الأطلسي    وزارة الصحة تؤمن نقلا جويا استعجاليا لرضيع حديث الولادة من العيون إلى الرباط    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    بن سلمان يقدم رونالدو إلى ترامب    موظفو "لاراديل" سابقاً يخرجون للاحتجاج بعد إدماجهم في الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM(TTA)    طنجة.. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الأوغندي وديا بأربعة أهداف لصفر    ميناء طنجة المتوسط : إحباط محاولة لتهريب كمية من الذهب    العرائش... مدينة تغرق في أولى زخات المطر : "روغار" مفتوح يفضح تقاعس المسؤولين ويهدد سلامة المواطنين    القنصلية العامة في لندن تحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الأمن يضع كاميرات المراقبة لأول مرة في شوارع أكادير    ترامب يوبّخ صحفية لسؤالها عن خاشقجي ويدافع عن بن سلمان.. والأخير يعلن رفع استثمارات بلاده في أمريكا إلى تريليون دولار    العرائش: قسم الاقتصاد و التنسيق يستعد لتنزيل القرار العاملي مطلع السنة المقبلة و مخاوف من سحب المأذونيات من المستغلين في وضعية غير قانونية    العرائش: رئيس الائتلاف المغربي للسائقين غير المالكين يؤطر لقاء تواصليا لمهنيي سيارات الأجرة    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    تأهل سيدات الجيش الملكي لنهائي دوري أبطال إفريقيا بعد تغلبهن على مازيمبي    الجزائر "شاهد زور".. من خان فلسطين فعلاً؟    نبيل باها: المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في المنافسة    ترامب يستقبل ولي العهد السعودي في زيارة رسمية إلى البيت الأبيض    حكيمي يتوج بجائزة "الأسد الذهبي" لسنة 2025    مهدي اغويركات يفوز بجائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 من الأكاديمية الفرنسية    اتحاد طنجة ينفصل عن مدربه هلال الطير    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين        "دينوس ألايف".. المعرض التفاعلي المخصص لعالم ما قبل التاريخ يصل الدار البيضاء    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الشعب المغربي يحتفل غدا الأربعاء بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء    الإعلان عن الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في دورتها ال23 بالرباط    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار وتراجع توقعات خفض الفائدة الأمريكية    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شجرة الأركَان المغربية إسرائيلية؟
نشر في المساء يوم 16 - 06 - 2014

لم تكتف الصهيونية ببناء إسرائيل على أساطير قديمة وحديثة. ولم تقف عند حد تهجير الفلسطينيين واحتلال أراضيهم وبناء المستوطنات، وعرقلة عملية السلام تحت ذريعة إبقاء الجسد الفلسطيني منقسما على ذاته. صاحب كل هذه العمليات استعمال كل أساليب التقتيل والاجتثاث، واغتيال الرموز الوطنية في الداخل والخارج بالأساليب نفسها المدانة حاليا تحت عنوان الإرهاب، باستخدام الجوازات المزورة والسيارات المفخخة والطائرات..
لم تتوقف الصهيونية عند حدود إخراج الفلسطيني من قريته واقتلاع شجيرات زيتونه، والتضييق عليه بالجدار العازل الذي يقسم ما بقي من ممتلكاته.. بل ذهبت أبعد من ذلك في سبيل استئصال وجوده وذاكرته وتراثه وتاريخه. لقد وصلت حد سرقة التراث الفلسطيني وادعاء ملكيته، والعمل على ترويجه باسم إسرائيل. سرقت المطبخ الفلسطيني وصارت تدعي أن الأكلات المنتشرة في بلاد الشام كلها من خصوصيات المطعم الإسرائيلي.
حين تُقدِم الصهيونية على مثل هذه الأعمال الدنيئة، فهي لا تتورع عن اتباع السبل نفسها حتى خارج المجال الجغرافي الذي تدعي ملكيته. إنها السياسة الصهيونية نفسها القائمة على اجتثاث الآخر ليخلو لها الميدان لتحقيق مصالحها في مختلف المجالات. لذلك يبدو الذين يدعون إلى عدم مقاطعة إسرائيل، أسارى أوهام وضحايا تصورات خاطئة. إن الحرب مع إسرائيل ليست فقط سياسية، من أجل حياة كريمة للفلسطينيين ضحايا سياستها العنصرية. إنها تحارب، متى استطاعت إلى ذلك سبيلا، الإنسانَ في كل مكان مادام يتعارض مع مخططاتها وأساليبها. وما قيامها بتصدير بذور طماطم فاسدة إلى المغرب، عرضت آلاف الهكتارات للضياع، ومنافستها للبضائع المغربية والتونسية وغيرها، وسرقتها مياه دول المنطقة.. سوى غيض من فيض ممارساتها اللاإنسانية وهي تقدم نفسها على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
من بين هذه الممارسات سرقة شجرة الأركَان المغربية، واستنباتها في إسرائيل بعد 25 سنة من الأبحاث العلمية الزراعية من لدن شركة "سيفان". لقد نجحت هذه الشركة في تعديل وتطوير شجرة الأركَان المغربية وإنتاج صنف أسمته "أركَان 100". ظلت هذه الشجرة لا تنبت ولا تستصلح إلا في الجنوب المغربي، إذ توجد حاليا في المغرب حوالي خمسين مليون شجرة، ويعتبر زيتها من أغلى الزيوت في العالم. أثناء رجوعي قبيل بضعة أيام من أولاد تايمة إلى مدينة آسفي، هالني جمال هذه الشجرة الفريدة، وساءني منظر الإهمال الذي تتعرض له: شجيرات بلا تنسيق ولا رعاية ولا أدنى اهتمام. اسمحوا لي أن أسمي هذا الأركَان كتابيا: "أركَان 000"، وليس لأي أن يطالبني بحقوق الملكية؟
شجرة الأركَان تراث مغربي أثيل يتعرض من لدن المغاربة لسوء العناية والتقدير. ولا عجب في ذلك، فالذهنية التي نتعامل بها مع تراثنا الشفاهي والمكتوب هي التي نعامل بها تراثنا المادي والطبيعي والبيئي.. ومع ذلك تراهم يتحدثون، في كتاباتهم المتسرعة، عن "تقديس" التراث؟ يا ليتنا "نقدس" فعلا تراثنا وفي مختلف أشكاله وصوره. إننا ندنس هذا التراث، وندعي تقديسه. إن التراث نتركه للتجار والسماسرة يتلاعبون به ويتاجرون فيه، وعندما يستنزفون منه ما يبغون، يتركونه عرضة للتلاشي والنسيان. هذا في الوقت الذي نجد فيه إسرائيل تبذل الوقت والمال لتطوير شجرة الأركَان المغربية لتقدم على أنها بضاعة إسرائيلية؟
أتذكر الآن مقالا كنت قد كتبته في بدايات الثمانينيات حول "البنيوية والصهيونية"، في جريدة أنوال، حين كنت أتابع الدراسات البنيوية في بعض الكتابات الإسرائيلية، بينت فيه أنه في الوقت الذي تتطور فيه البنيوية في إسرائيل، باعتبارها تحليلا علميا للخطاب الأدبي والسياسي.. نجد المثقفين العرب يتحدثون عنها بصفتها قتلا للتاريخ وإعداما للإنسان.. وشتان بين الكوع والبوع؟
انطلقت إسرائيل في بناء دولتها العنصرية على الأساطير، وكانت الإيديولوجيا أساس الدعوة إلى تلك الانطلاقة. لكن الإيمان بالعلم ظل رديفها. ولما أقامت صرح البناء، تركت الإيديولوجيا في الخلفية، وجعلت العلم والتكنولوجيا في المقام الأول، فأغنت رصيدها في تنويع ممارسة العنصرية ليس فقط ضد الإنسان، ولكن أيضا ضد خيرات الأرض، فكان اقتلاع زيتون فلسطين ليحل محله زيتون إسرائيلي.. وتطورت في كل المجالات، بما فيها الهندسة الزراعية، فعدلت الأركَان المغربي ذا الأصفار الثلاثة إلى 100، وصار بإمكان هذا الصنف أن ينتج عشر مرات من البذور أكثر من تلك التي تنتجها شجرة الأركَان مثلثة الأصفار، علما بأنه يجب انتظار من ثماني سنوات إلى خمس عشرة سنة لكي تظهر هذه الشجرة بعض الثمار التي لا يتجاوز إنتاجها من الزيوت لترين فقط. يصرح شايم أرين المسؤول عن قسم الهندسة الزراعية في الشركة الإسرائيلية للموقع الإلكتروني "شالوف لايف" مفتخرا، ويحق له التبجح: "إن شركتنا هي الوحيدة التي تعرف كيفية زرع شجرة الأركَان". وللإشارة، فقد صارت إسرائيل تمتلك الآن حوالي عشرين ألف شجرة من الأركَان، وبات زيتها مرشحا لغزو الأسواق العالمية، ومن بينها كل الأسواق العربية، والمغربية واحدة منها، ولاسيما أن التداوي بالأعشاب والزيوت أضحى من الأولويات التي تملأ عقل العربي ووجوده وهي تقدم إليه في العديد من القنوات العربية.
إذا كانت إسرائيل تطور العلوم واضعة إياها في المستوى الأول، فإننا مانزال لا ننتج غير الإيديولوجيا بكل أنواعها. لذلك يحق للبعض أن يفخر بزيارته إسرائيل، فهو ضحية وهم الإيديولوجيا، ولن يمتلك قط أخذها بالتفكير العلمي، لأنها لا تريده أن يفكر فيه لأنها ستنتج زيته الأركَان نيابة عنه؟ وهنيئا لنا بلوك الكلام الدائم عن التراث والخصوصية وبؤس الإيديولوجيا.
سعيد يقطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.