تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. الحكومة تطلق برنامجا لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات الاستثنائية التي عرفتها مدينة آسفي    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    تقرير: المغرب يصنف ضمن فئة "النزاع الخامد" ورتبته 67 عالميا في خريطة العنف السياسي    الحكومة توافق على زيادة 5٪ في الحد الأدنى للأجور    أخبار الساحة    نهائي "كأس العرب".. التشكيلة الرسمية للمنتخب المغربي ضد الأردن    رسمياً.. إلغاء مباراة السعودية والإمارات في كأس العرب    انهض يا عمر.. لترى ما ضحيت من أجله بروحك كيف أصبح؟    الملعب الأولمبي يعزز إشعاع الرباط    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الجزيرة الخضراء.. إحباط محاولات تهريب 14 سيارة مسروقة نحو طنجة    العرايشي ينادي بإعلام رياضي قوي    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    اليوم الدولي للمهاجر يجدد النقاش حول تحيين السياسات العمومية بالمغرب    الملك يشيد بالقيادة الحكيمة للشيخ تميم    توقيف مروج للمخدرات والمؤثرات العقلية بطنجة وحجز أزيد من 1200 قرص طبي    مستشفى ميداني عسكري يقام بأزيلال    متحف اللوفر يفتح أبوابه جزئيا رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب    أسعار الذهب تستقر    ميناء المضيق .. ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري    الصحة العالمية تحذر من انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    الطالبي العلمي: الرياضة رافعة للتنمية والتلاحم الوطني وإشعاع المغرب قارياً ودولياً    خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية    قمة نارية بين نابولي وميلان في كأس السوبر الإيطالية بالعاصمة السعودية        تصنيف دولي يضع المغرب بمراتب متأخرة في مؤشر "الحرية الإنسانية" لسنة 2025    أمريكا توافق على أكبر مبيعات أسلحة لتايوان على الإطلاق بقيمة 11.1 مليار دولار    بحضور محمد صلاح.. الفراعنة يصلون أكادير استعداداً لانطلاق المنافسات القارية    الموت يفجع أمينوكس في جدته    غوغل تطور أداة البحث العميق في مساعدها الذكي جيميناي        المغرب في المرتبة 62 عالميًا ومن بين الأوائل إفريقيًا في رأس المال الفكري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    مركز موكادور يعلن فهرسة مجلة «ليكسوس» ضمن قاعدة DOAJ الدولية    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    انهيار منزل يخلف مصابَين بالدار البيضاء    ترامب يؤكد مواصلة المسار الاقتصادي    مركز وطني للدفاع يواجه "الدرونات" في ألمانيا    التسجيل الأوتوماتيكي في اللوائح الانتخابية ضرورة ديموقراطية    عامل إقليم الجديدة ينهي مهام نائبين لرئيس جماعة أزمور    إحداث مصرف مائي سطحي على جنبات الطريق بين أولاد حمدان و الجديدة يهدد السلامة الطرقية.    الحوض المائي اللوكوس .. الأمطار الأخيرة عززت المخزون المائي بالسدود بأكثر من 26 مليون متر مكعب    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    لماذا تراهن بكين على أبوظبي؟ الإمارات شريك الثقة في شرق أوسط يعاد تشكيله    فرحات مهني يكتب: الحق في تقرير مصير شعب القبائل    وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور عن 53 عاما إثر حريق داخل منزلها بالإسكندرية    أكادير تحتضن الدورة العشرين لمهرجان تيميتار الدولي بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب    تمارين في التخلي (1)    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواقع أثرية بجماعة أكلو تئن تحت وطأة الإهمال
«إفري إحشا».. مغارة الأشباح و«تكديرت ن بيرومين».. مخازن الأجداد
نشر في المساء يوم 28 - 08 - 2014

يزخر المغرب بالعديد من المساحات الجغرافية الضاربة في أعماق التاريخ، والكثير من المغارات الطبيعية التي لم يستطع أحد سبر أغوارها واكتشاف خباياها ومكنوناتها إلى حدود اللحظة، حيث مازال المجال خصبا للبحث والتنقيب، خاصة وأن السكان المجاورين لتلك المناطق، تتضارب أقوالهم ويحتاجون إلى توحيد رؤاهم بشأن تاريخ المناطق التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم، وإزالة اللبس والغموض اللذين يلفان الكثير منها.
وفي هذا السياق، طالب باحثون وفاعلون جمعويون بإقليم تيزنيت، بنفض الغبار عن المغارات الطبيعية التي تزخر بها منطقة أكلو، والتي نسج السكان بشأنها حكايات أسطورية، وتواتر ذكرها في الذاكرة المحلية، من قبيل مغارة «إفري إيحشّا»، و»تاگاديرت ن بيرومين»، والنقوش الصخرية ب»تيمزضاون» وغيرها.
مغارة الأشباح
تقع مغارة «إفري إحشا» على بعد حوالي كيلومترين غربي دوار «إيبخشاش» بجماعة أكلو بتيزنيت، على السفح الجنوبي لمنطقة «أگوني» الذي يحمل أيضا اسم «إيحشّا»، التي تحمل بدورها اسم فج عميق عبارة عن مجرى صخري للسيول، يمر شمالي دوار «إيبخشاش»، في اتجاه البحر، وهو عميق في بدايته، ويزداد عمقا كلما اتجه إلى الغرب ليصل إلى أبعد مدى، قدره الباحث جامع بندير، رئيس مركز أكلو للبحث والتوثيق بأزيد من 100 متر عند موقع المغارة، حيث يشتد انحدار سفحي المجرى، الأمر الذي يُصَعِّبُ مأمورية النزول والصعود، سواء إلى قعر المجرى، أو إلى موقع المغارة.
ففي أعقاب رحلة استكشافية أشرف مركز «أكلو» للبحث والتوثيق، على تنظيمها لمغارة «إفري إيحشا»، طالب المشاركون بإنجاز خريطة شاملة لمحيط جماعة أگلو تشتمل على معطيات حول المواقع والمآثر التاريخية التي تحتضنها الجماعة، كما شددوا على ضرورة حث مصالح الجماعة الترابية على الاهتمام بهذا القطاع من خلال وضع علامات التشوير لترشيد السياح وأبناء المنطقة بمكانها، بعد أن وجدوا صعوبة في الوصول إليها، قبل أن يسترشدوا بأحد الرعاة الذي دلهم على المسار.
كما كشف الزائرون المسافة الفاصلة بين مدخل المغارة وأقصى نقطة أمكنهم الوصول إليها تصل إلى 105 أمتار، مؤكدين على أنه يمكن تجاوز هذا الحد إذا ما تمت إزالة الأتربة والأحجار التي ملأت المكان بفعل عوامل التعرية، وحالت دون التعمق أكثر في المغارة، مرجحين أن يكون عمق المغارة أكبر مما وصلوا إليه، أما عرض مدخلها فيبلغ سبعة أمتار، فيما يصل ارتفاع أعلى مقطع منها إلى ثلاثة أمتار ونصف.
وأكد المستكشفون الجمعويون على أن المغارة طبيعية المنشأ، منذ زمن «موغل في القدم»، مضيفين أنه «لا شيء، سوى الجهل بها، يبرر القول بأن للبرتغال علاقة بهذه المغارة، ولا بغيرها من مآثر طبيعية وتاريخية ببلدة أكلو، فليس من المقبول أن نتنازل عن كل ما هو هام من تراثنا المادي واللامادي وننسبه عن طواعية إلى البرتغال وغير البرتغال»، كما طالبوا بوضع كل ما يَرُوجُ عن المغارة من تفسيرات وحكايات ذات منحى أسطوري غيبي في سياقه الثقافي، على اعتبار أنها محاولات بدائية لتفسير الظواهر الطبيعية التي يحار الإنسان في معرفة مصادرها وأسبابها، وبالتالي رفض كل التفسيرات الجاهزة ذات الصلة بهذا المنحى، باعتبارها عوائق إبيستيمولوجية تحول دون البحث الجاد.
«تكاديرت ن بيرومين»
وغير بعيد عن مغارة «إفري إحشا» زار المستكشفون منطقة أخرى تدعى «تاگاديرت ن بيرومين»، وهي عبارة عن موقع أثري منيع، يقع على إحدى قمم الهضاب المطلة من الشرق على مدشري «إدولحيان» و»إد الرايس»، غير بعيد عن شاطئ أكلو بإقليم تيزنيت. وقد شكل الموقع مصدرا للعديد من التساؤلات والإجابات الجاهزة، حول تاريخه وأصله وفصله وقيمته التراثية، بفعل ما دأبت العامة من السكان المحليين على إحاطته به من التفاسير المتسرعة الأقرب إلى الأساطير منها إلى افتراضات مقنعة، وذلك على غرار ما دأبت على تقديمه من مثل هذه التفاسير في تعاطيها لما تحتضنه البلدة من مواقع أثرية وجيولوجية، وما عاشته من مواقف، وشهدته من أحداث هامة، طبيعية كانت أو إنسانية. وقد ساهمت هذه المتواترات، في حفز الاهتمام بهذا الجانب من تراث البلدة، من قبل فعاليات جمعوية تابعة ل»مركز أگلو للبحث والتوثيق» وأخرى مهتمة بالتراث، حيث تمت معاينة المكان عن قرب، والإنصات إلى ما عسى أن تحكيه آثاره وتنطق به بقايا معالمه، مما له صلة بتاريخ البلدة وماضي سكانها، أو على الأقل تحري الحقيقة فيما يساق عنه من آراء وأحكام باتت متداولة بين السكان المحليين، إلى درجة أن البعض منا – يقول سيدي جامع عجوز الرحلة - لا يكاد يدرك افتقارها إلى إعمال العقل والنقد، فيُصَدِّقها على علاتها لتتحول بذلك إلى عائق يحول بينه وبين البحث عن غيرها مما يزكيه الواقع أو التاريخ أو الحس السليم بشكل عام.
على خطى الأجداد
كان طقس اليوم لطيفا ومناسبا، بفضل السحب التي حجبت أشعة الشمس، والهواء الغربي المنعش الذي ما انفكت أمواج المحيط تشمل به بسائط المنطقة وأوديتها وهضابها، فتهيأت بذلك الشروط الملائمة لمواصلة السير نحو الموقع المقصود دونما كبير عناء. ففي حدود العاشرة من صباح يوم معتدل الجو، انطلق المستكشفون مشيا على الأقدام، في اتجاه «أگوني ن بيرومين» مرورا بدوار «إد الرايس» الذي عرف في السنوات الأخيرة نموا عمرانيا وديموغرافيا كبيرا، إلى درجة أن سكانه قاموا ببناء مسجد خاص بهم بغاية فك ارتباطهم في الشأن الديني بجيرانهم من سكان دوار «إيدولحيان».
سار الجمع في اتجاه الشرق ومعهم جريدة «المساء»، سالكين المسلك الصغير والوحيد الذي اختطته أرجل المارة من الناس والدواب على مسير الفج غالبا، وعلى أحد جانبيه أحيانا، وواصلنا السير في المنخفض ذاته باحثين عن الهضبة التي تقع عليها «تاگاديرت»، ومع أننا لم نتخذ دليلا يرشدنا، فقد اهتدينا إليها بتوجيه من بعض من كان قد زارها من قبل، ووقفنا أخيرا عند سفحها الغربي، ومن هناك أخذنا في تسلقها، كل من جهته، رغم شدة وعورتها، وانعدام المسالك المطروقة قبلا، أو حتى القابلة للطرق، ووصل الجميع أخيرا إلى قمة الهضبة حيث الهدف المقصود، موقع «تاگاديرت ن بيرومين»، وذلك بعد قطع مسافة تقارب الكيلومترين من منطلقنا بمدشر إيدولحيان، في ظرف زمني يقارب الساعتين .
وعلى قمة الهضبة انتشر الجميع فرادى وجماعات في جنبات الموقع يستكشفون معالمه، ويتفحصون محتوياته، ويلتقطون له ومعه العديد من الصور، واعتبارا لكون الزائرين لم يكونوا مزودين بأدوات القياس اللازمة للتعرف على قياساته وأبعاده الدقيقة، فقد قدر البعض منهم المساحة التي كان يغطيها المكان بما يتراوح ما بين مائة ومائتي متر مربع على وجه التقريب، وذلك على قمة هضبة في مستوى ارتفاع قمم هضاب المنطقة.
بنية صخرية شديدة
وتمتاز «تكاديرت ن بيرومين» ببنية صخرية شديدة الوعورة، مغطاة عن آخرها بصخور صلدة كبيرة الحجم، بحيث قل أن تجد بينها الأحجام الصغيرة العادية، كما لا تتخلل التربة أغلبَ صخورها، علما أن غطاءها النباتي لا يتعدى بعض النباتات التي تتحمل هذا النوع من الشظف، كالزقوم واليتوع ونباتات شوكية أخرى وأعشاب متنوعة.
ومن حيث المنظور الثقافي، فالموقع يضم معالم وآثارا تشهد بما لا مجال للشك فيه – حسب رئيس مركز أكلو للبحث والتوثيق - أنه كان مسرحا لنشاط ولأشكال من الأنشطة الإنسانية، غير أنها في الحالة التي آلت إليها حاليا لا تفصح عن نوع هذه الأنشطة وعن مجالاتها وحجمها، فهي لا تعدو أن تكون أكواما من الأحجار يعتقد الباحثون أنها أجزاء ولبنات لسياجات حجرية لما يسمى محليا «إيغونيون»، حيث لا وجود لأية آثار للجدران المبنية من التراب وفق ما هو متعارف عليه محليا، ولا لمعالم واضحة لمحتويات الموقع ولآثار البنايات والبيوت والغرف وغيرها من المرافق، كما أنه من الصعب جدا أن يتبين الزائر «مورفولوجية» الموقع، وأن يعيد رسم معالم هيكلته الهندسية العامة، أو حتى أن يتخيلها.
على أن أبرز الشهادات التي لا يخفيها، ويلقي بمسئولية تلقيها وقراءة دلالاتها على كل زائر، هي معالم واضحة لضفيرة مستطيلة الشكل وطويلة، وهي من جيل الضفائر / النطفيات المعالجة بمادة الجير، يعتقد المستكشفون أنها بنيت قبل أن تنتشر مادة الأسمنت بالمنطقة، ويضم الموقع أيضا شهادات من نوع آخر عايناها في بعض جنباته، وهي حفريات يجريها الباحثون والمنقبون عن الكنوز، وهي حفريات تخريبية لا تنجو منها المواقع الأثرية والمدافن والأضرحة المختلفة، بل حتى المواقع الجيولوجية كموقع «إفري احشا».
وخلاصة القول أن شواهد ومعالم «أكادير ن بيرومين» لا تفصح في حالتها الراهنة عن طبيعة وحجم الأنشطة الإنسانية التي كان مسرحا لها، وهي بتعبير المستكشفين «أننا لم نحسن الإنصات إلى ما تفصح عنه في هذا الصدد، تاركين الباب مفتوحا للتفسيرات السهلة والجاهزة، وفي أحسن الأحوال لتساؤلات وافتراضات جادة في سعيها عن البحث عن إجابات مقنعة، رغم كونها متباينة الاتجاهات، كما أن عناصر إثباتها لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
آراء وافتراضات
خلال جلسة المناقشة التي شهدتها أعلى قمة بمنطقة «تاگاديرت ن بيرومين» مال بعض المستكشفين إلى القول بأنها من الآثار البرتغالية بالمنطقة، مستدلين على اسمها الذي ينسبها إلى الأجانب الذين يصطلح أهل المنطقة على تسميتهم ب»إرومين»، كما استدلوا على أسماء بعض الأسر في الدواوير القريبة منها، وبالعديد من المعطيات والقرائن التاريخية، وقال الباحثون إن هذا الافتراض ليس وليد اليوم، حيث كان دوما حاضرا في الثقافة الشعبية، ويساق عادة لتفسير المآثر التاريخية وغير التاريخية البعيدة عن سواحل البحر، على اعتبار أنها مجال حيوي للمستعمرات البرتغالية، وهو لذلك افتراض لا يقوى على مواجهة التمحيص.
قول آخر مخالف للافتراض الأول، ورافض بشكل خاص للأصول البرتغالية لهذا الموقع، بدعوى أن لا شيء يؤيده مما عايناه من بقايا شواهده ومعالمه، وهو الرأي الذي ذهب إليه أحمد بومزكو، الباحث في علم التاريخ، مضيفا أن «تكاديرت ن بيرومين» لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها مما نعاينه في جهات أخرى من البلدة، فضلا عن غياب أية منافذ ممكنة إلى الموقع أو منه إلى الجهة الغربية، حيث يوجد البحر الذي من المفترض أي يأتي منه الغزاة البرتغاليون أو غيرهم، كما أنه وعر وشديد الانحدار من الجهة المطلة على البحر، عكس الجهة الشرقية المقابلة للتجمعات السكنية المحلية.
أما القول الثالث فهو امتداد للقول الثاني وتطوير له، ومؤداه أن «تاگاديرت ن بيرومين» ليست إلا تصغيرا ل «أگادير» أي الحصن بالمفهوم المتداول لإگودار في مختلف مناطق سوس، وأن نسبتها إلى «بيرومين» هي نسبة إلى هذا المجرى المنخفض الذي تقع فيه، والذي يسمى «أگني ن بيرومين»، فمعنى «تاگاديرت ن بيرومين» حسب هذا الرأي هو الحصن الصغير، أو المخزن الجماعي الصغير لسكان المنطقة، الواقع في «أگني ن بيرومين»، ليبقى التساؤل المطروح بقوة في هذا الصدد هو عن السر في نسبة هذا الفج كله إلى الأجانب، الذين تجهل هويتهم وآثارهم الإنسانية بالمنطقة.
المشعوذون والتخريب المتعمد
وفي ارتباط بهذا المنحى أجمع المشاركون في هذا الاستكشاف على شجب الممارسات التي تتعرض لها المغارة من طرف المشعوذين الذين يبحثون عن الدفائن والكنوز، الأمر الذي من شأنه نشر الدجل وتخريب معالم المغارة، التي لم يثبت أنها كانت في وقت من الأوقات مستغلة من قبل البشر، خاصة وأن وضعها الحالي لا يشير إلى وجود أي من النقوش القديمة أو الرسوم والكتابات على الصخور المتواجدة بها، باستثناء كتابات حديثة العهد في جوانب من مدخلها، غير أن الحفريات التي يطالب الفاعلون بإجرائها في مواقع معينة بالمغارة من شأنها تصحيح مثل هذه الأحكام.
وقد أعاد هذا التخريب للأذهان، إقدام أشخاص مجهولين الصيف الماضي على العبث بمجموعة من النقوش الصخرية بمنطقة «بوتركت» بجماعة أكلو بتيزنيت، وما أثاره حينها من ردود فعل متفاوتة بين فعاليات إقليم تيزنيت، وهي من النقوش الليبية الأمازيغية الموجودة بدوار «الكعدة» التابع للجماعة، وهو ما يعكس غياب الوعي بأهميتها ودورها الثقافي، ويطرح في المقابل تحديات جدية أمام السلطات والجهات المعنية بالحفاظ على الآثار الهامة بالمنطقة.
واستنادا إلى مصادر من عين المكان فإن اقتلاع وتخريب النقوش المذكورة تم بطريقة احترافية، تنم عن أن المتورطين في العملية بحثوا عن أشياء بعينها في جنح الظلام، وهو ما أكده باحثون في التاريخ وبالمركز الوطني للنقوش الصخرية بأكادير، أثناء زيارتهم لموقع النقوش المخربة، مشيرين إلى أنها تعرضت لحَفْر وطَرْقِ بواسطة آلة حادة لجوانب الصخرة، وهو ما يهددها بالمحو والإتلاف نهائيا، فضلا عن تأثرها أيضا بعوامل الطبيعة المختلفة.
وفي السياق ذاته، طالب فاعلون بالمنطقة، بضرورة التدخل لحماية ما تبقى من تلك النقوش، التي تعود لآلاف السنين، وبالكشف عن نتائج التحقيق في كافة الملابسات المحيطة بعملية التخريب، والكشف عما إذا كنت العملية مدروسة من قبل شبكات نهب وسلب القطع والنقوش الأثرية، أم للشبكات المتخصصة في البحث عن الكنوز والدفائن، أم أنها مجرد اعتداء عفوي تم من قبل شخص أو أشخاص لا يُقدرون أهمية المحافظة على هذا النوع من التراث.
وارتباطا بالموضوع، طالب المتحدثون بضرورة الكشف عن الإجراءات المتخذة لحمايتها والمحافظة عليها، بالنظر إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه في البحث العلمي والتاريخي، وما ستشكله في حالة استغلالها بشكل جيد من إضافة نوعية للبعدين الثقافي والسياحي بالمنطقة، فضلا عن كونها نتاجا لنشاطات إنسانية للأمم المتعددة التي تعاقبت عليها.
وكانت الباحثة الإيطالية «اليكساندرا برافين» قد أحصت في وقت سابق جميع النقوش الصخرية بالمنطقة، في كتاب صدر باسمها سنة 2009 تحت عنوان «النقوش الصخرية الليبية الأمازيغية بنواحي تيزنيت (المغرب)»، وهو الكتاب الذي أثار انتباه الفعاليات المهتمة بالنقوش الصخرية، لأهمية الحفاظ عليها اعتبارا لدورها التاريخي.
كما شدد باحثون على أن أسباب إتلاف النقوش كثيرة ومتنوعة، وتتوزع بالأساس بين عوامل مناخية طبيعية، وأخرى بشرية، حيث أن بعض سكان المنطقة، والرعاة بالأساس يعمدون إلى إتلافها عن غير قصد بسبب عدم الوعي بقيمتها، فضلا عن الاتجار الوطني والدولي في القطع الأثرية، وتخريب بعضها من قبل المنقبين عن الكنوز، علاوة على أعمال البناء من قبل السكان فوق الآثار والصخور التي تحمل نقوشات، زيادة على التخريب الهادف إلى طمس معالم المنطقة وضرب قيمتها التاريخية.
ومعلوم أن مساحة النقوش الصخرية تقلصت بفعل التخريب العفوي والمتعمد على المستوى الوطني بنحو 900 متر من أصل 10 كيلومترات كانت موجودة بالمغرب بعد الاستقلال، كما أكدت فعاليات مهتمة بأنه في مدة وجيزة لا تتجاوز ستة أشهر تعرضت الكثير من الرسومات والنقوش للنبش والتشويه والإتلاف بوتيرة وصفتها ب»السريعة والخطيرة»، وهو ما أدى إلى طمس العديد من ملامحها وتشويه الكثير منها، ومنها نقوش لحيوانات وآلات قديمة، ونقوش أخرى لحروف «تيفناغ» الأمازيغية.
إهمال الدوائر الوصية
لم تكن التفاتة الفعاليات الجمعوية بجماعة أكلو للمواقع الأثرية المذكورة، إلا نقطة في بحر لجي يغشاه موج كثير، حيث اكتفت بإثارة الانتباه إليها وأهميتها في تحريك عجلة التنمية بالمنطقة، الأمر الذي يفرض على المعنيين القيام بجملة من التدابير الكفيلة بالنهوض بالمنطقة، والحفاظ على موروث مهدد اليوم قبل الغد بالاندثار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.