حزب الاستقلال يعقد الدورة العادية للمجلس الاقليمي بالعرائش    عجز الميزانية في المغرب يبلغ 11,7 مليار درهم عند متم أبريل    أكادير تحتضن انطلاق مناورات الأسد الإفريقي 2025 بمشاركة دولية واسعة    بابا ليو الرابع عشر يطالب بإنهاء العنف في غزة وإيجاد تسوية سلمية في أوكرانيا    أنشيلوتي مدربا للبرازيل حتى مونديال 2026    الفنان سعيد الشرادي يحيي حفلا فنيا بمدينة مراكش    الطائر والمحار والسمكة.. عرض مسرحي صامت أبهر الصغار والكبار بالرباط برسائله العميقة وحِكَمه الصينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الداخلية ترخص ل"الجمعية" بعقد مؤتمرها الوطني في بوزنيقة    بعد الشماخ وبلهندة وبوفال.. أشرف حكيمي رابع مغربي يفوز بجائزة مارك فيفيان فويه    بشرى للمغاربة.. هذا المركز الاستشفائي يؤمن الرعاية الطبية المتخصصة لحديثي الولادة في حالة صحية حرجة    تامسنا.. انطلاق فعاليات المؤتمر الدوري السابع لجمعية إدارات السجون بإفريقيا (صور)    حركة "حماس" تعلن رسميًا إطلاق سراح الجندي الأمريكي والرئيس ترامب يصف الحدث ب"النبأ التاريخي"    بوروندي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب ولسيادة المملكة على صحرائها    مبيعات الإسمنت تجاوزت 4.52 مليون طن عند نهاية أبريل الماضي    القضاء يمنع مصطفى لخصم من مغادرة التراب الوطني بعد متابعته بتهمة تبديد المال العام    توتر وطني في قطاع المقاهي بسبب الرسوم.. هل تصل شرارته إلى الناظور؟    بارو: فرنسا سترد على الجزائر بحزم    انعقاد عاجل للمجلس الوزاري يُغيّب أخنوش عن جلسة المساءلة في البرلمان    أمريكا والصين تتفقان على خفض الرسوم الجمركية وتهدئة التوتر التجاري    إحباط عملية تهريب كبيرة لمخدر الشيرا بأكادير    نيسان تعلن تسريح 20 ألف موظف عالميا لمواجهة أزمتها المالية    الاستثمارات الصينية في المغرب تجاوزت حاجز 10 مليارات دولار    نداء العيون-الساقية الحمراء: الدعوة لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    الحكومة تؤكد أهمية التحولات التكنولوجية في تدبير المؤسسات السجنية    حزب العمال الكردستاني يعلن حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع تركيا    ترامب يشيد بالحصول على طائرة رئاسية فاخرة من قطر    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    بنعلي يطالب ب"الفهم النبيل للسياسة"    شركة الدار البيضاء للخدمات تنفي توقف المجازر في عيد الأضحى    حريق مهول يلتهم قيسارية عريقة في بني ملال وخسائر مادية جسيمة دون إصابات    أشرف حكيمي يتوج بجائزة "فيفيان فوي" كأفضل لاعب أفريقي في "الليغ 1"    مبابي يحطم رقم زامورانو القياسي    الرجاء يحتفي بأطفال مدينة الداخلة    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    النفط يرتفع أكثر من 3% متأثرا بالتفاهم التجاري بين أمريكا والصين    "كان الشباب".. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    فضيحة تدفع مسؤولا بالأمن القومي في السويد للاستقالة بعد ساعات من تعيينه    الجيش الملكي يتأهل لعصبة الأبطال الإفريقية    هذه هي حقيقة توقف مجازر الدار البيضاء في عيد الأضحى    الآلاف يتظاهرون في باريس للتنديد بتصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد    تكوين جمعيات في مجال تعزيز قدرات الفاعلين المدنيين في للترافع حول قضايا الشباب    ندوة علمية بالحسيمة تسلط الضوء على التراث الثقافي بإبقوين ورهانات التنمية السياحية    "ريمالد" تنشر لعثماني عن الحكومة    بطولة فرنسا.. ديمبيليه يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري    المغرب والصين: تعاون استراتيجي يثمر في التصنيع والطاقة الخضراء    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة(فيديو)    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصبيحي: النقاش حول لغة التدريس مغلوط من الأساس ووظف فيه التدافع السياسي والإيديولوجي
قال إن تدريس اللغات يعاني من مشكل كبير ويمكن أن نصف ما يحدث بالكارثة
نشر في المساء يوم 16 - 10 - 2014

ابتعد محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة، عن الأضواء، رغم أنه يتولى مسؤولية قطاع حساس في الهندسة الحكومية. وحتى في لحظات النقاش العنيف بين مكونات المجمتع حول قضايا هوياتية وثقافية ولغوية كان صوت وزارة الثقافة خافتا. الوزير يقول إنه يبتغي أن تبقى وزارته خارج التدافع السياسي وخارج الحسابات السياسوية. في هذا الحوار يشرح الصبيحي وجهة نظره في الكثير من القضايا التي تهم الشأن الثقافي بالمغرب، وفي مقدمتها المشروع الثقافي الغربي والصناعة الثقافية والإبداعية، وتوقف بتفصيل شديد عند تقاطع «السؤال الثقافي» مع «السؤال التربوي» بالمغرب. في الحوار، أيضا، يتحدث الصبيحي عن قضية التدريس بالدارجة ورأيه في المنتوج الإعلامي المغربي.
- في البلدان التي تريد أن تؤسس لمشروع ثقافي ولصناعة ثقافية، تخصص جزءا مهما من ميزانية الدولة لتدبير الشأن الثقافي، بكل مكوناته. لكن في المغرب، يظهر أن الحكومة لا تعبأ بالقطاع بدليل أنها خصصت أضعف ميزانية لوزارة الثقافة.
بطبيعة الحال، ضعف ميزانية وزارة الثقافة، التي لا تمثل اليوم سوى 0.25 من ميزانية الدولة، لا يمكن أن تستجيب لتطلعات المغرب الثقافي. بيد أن المغرب أدرك أن الاهتمام بالشأن الثقافي أضحى ضرورة استراتيجية بالمغرب بما يمكن أن يوفره من إمكانيات هائلة في المجال الاقتصادي وخلق فرص الشغل. ولا غرابة أن نجد الكثير من بلدان العالم تتحدث عن الصناعات الإبداعية والثقافية، التي يمكن أن تصل إلى 5 أو 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، علما أن العمليات المرتبطة بالثقافة لا تقتصر فقط على قطاع وزاري بقدر ما تكون لديها علاقة بالأوراش الكبرى، التي يرعاها جلالة الملك من خلال إنشاء مؤسسات ثقافية كبرى تتيح الحصول على الدعم من قطاعات حكومية أخرى. ولا ننسى أن القطاع الخاص يتدخل في هذا الباب. وعلاقة بضعف ميزانية وزارة الثقافة دائما، فإن الأرصدة المالية المخصصة للوزارة لا تسمح لنا بتنفيذ سياسة القرب وتجويد العرض الثقافي ودعم الفنانين والمقاولات الفنية أو الاهتمام بالتراث الرمزي للمغاربة.
- هل دافعت عن رفع حصة وزارة الثقافة من ميزانية الحكومة؟
نعم. نقوم بمرافعات لدى رئيس الحكومة ولدى وزارة المالية للتأكيد على دور الثقافة الاستراتيجي، خاصة في ظل الأزمات التي يعرفها العالم. وما يعضد هذا الترافع هو أن دولا شبيهة بالمغرب تخصص 0.5 أو 0.6 من ميزانيتها لقطاع الثقافة، مع العلم أن المعيار العالمي لا ينزل عن 1 بالمائة.
- وماذا كان رد رئيس الحكومة ووزارة المالية؟
كان هناك تفهم كبير لمطالبنا، بل إن الحكومة تعرف أهمية تطلعات المغرب الثقافي. ولذلك فأملنا أن ترتفع ميزانية وزارة الثقافة لتكون إشارة قوية للاهتمام بالثقافة. وأتمنى أن تستجيب وزارة المالية للمطالب التي تراهن عليها وزارة الثقافة من خلال الزيادة الملموسة، تطبيقا للتوجيهات الملكية السامية، وارتباطا بتطلعات البرنامج الحكومي، لتمنح للقطاع الثقافي الاهتمام الذي يستحقه. وبالرغم من الأزمة المالية التي تعصف بالحكومة الحالية فإن الزيادة التي نطالب بها لا تعد مكلفة للميزانية العامة للدولة، للسماح بتوفير ظروف عمل أفضل وتحسين العروض الثقافية التي تُقدم في المراكز الثقافية، والمعاهد الموسيقية، أو فيما يخص تثمين التراث الوطني.
- هناك ملاحظة يكاد يُجمع عليها كل المتتبعين تقول إن قطاع الثقافة بات معزولا عن باقي القطاعات الوزارية، ولا نلمس تدخل الوزارة في قطاعات حيوية كالتعليم والإعلام..
يمكن القول إن العكس صحيح. هناك برامج كبرى على صعيد طنجة وتطوان، وفاس ومراكش، تعرف تنسيقا بين قطاعات حكومية متعددة، منها وزارات الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، وهي كلها قطاعات شاركت في البرنامج الكبير لفاس الهادف إلى تأهيل التراث، والذي خصص له غلاف مالي يفوق 600 مليون درهم. ففي السنوات الأخيرة سجلنا ملاحظة مفادها أن البرامج التي يرعاها صاحب الجلالة تتميز باحتوائها على الشق الثقافي وتسمح بتلاقي قطاعات متعددة.
- لكنك لم تذكر تقاطع القطاع الثقافي مع القطاع التربوي.
جودة التعليم تمر عبر العناية بالتعليم الثقافي، وهذه عملية أساسية تتطلب إعادة النظر في التنظيم المدرسي من خلال تخصيص حصة أسبوعية للحث على القراءة، وكذا تكريس التعليم المسرحي الذي يسمح للطفل بالتعبير عن أفكاره بسلاسة، ثم الاهتمام بالحس الموسيقي للطفل، لتكون مساهمة التعليم ناجحة في تكوين مواطن ذي حس فني ومتوازن.
وأريد أن أؤكد في هذا الصدد أن وزير التربية الوطنية واع تمام الوعي بضرورة الحضور الثقافي في التعليم، حيث شرعنا قبل أسبوع واحد فقط في تنظيم أوراش للمسرح والموسيقى، ناهيك عن إنشاء وإغناء المكتبات المدرسية، وستكون هذه السنة سنة تجريبية، وأملنا كبير جدا أن تنجح هذه التجربة التي تقوم، بالأساس، على إعادة توزيع الحصص الدراسية لتتضمن حصصا ثقافية، بكل مكوناتها، وستبدأ خلال هذه الأيام اجتماعات للتنسيق بين وزارتنا ووزارة التربية الوطنية.
- الذي أقصده، هل لدى الوزارة تصور أو ورقة عمل حول المشكل الثقافي بالمغرب؟ وهل سبق لها أن فتحت نقاشا حول الهوية الثقافية للمغرب: ماذا يريد وأين يسير؟.
نعم فتحنا نقاشا موسعا، والذي سمح لنا بالتأسيس لهذا النقاش هو المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي نص عليه الدستور المغربي، والمخطط التشريعي الذي أعدته الحكومة يتضمن تنزيل هذا القانون. لقد شرعنا في العمل منذ مدة، عبر إعداد مجموعة للوثائق للاستئناس بالاستشارة مع مجموعة من الفاعلين، ومن بين الوثائق التي قمنا بإعدادها الميثاق الوطني للثقافة استنادا على خطابات جلالة الملك، وعلى الدستور المغربي كوثيقة متكاملة.
- دائما في إطار المشروع الثقافي، يبدو أن وزارة الثقافة فشلت في تنزيل القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، وأصبح الملف يثير الكثير من المخاوف لدى نشطاء الحركة الأمازيغية، الذين يخشون أن لا يتم تنزيله بالطريقة التي تسمح بتثمين اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
قلت لك إن القضايا الثقافية الكبرى يجب أن تخضع للتشاور وللتوافق أيضا، وفوق ذلك فالحكومة ملزمة بإصدار هذه القوانين خلال ولايتها التشريعية، ولكن انطلاقا من مقاربة شمولية ترتكز على تنزيل القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وتفعيل أكاديمية محمد السادس للغة العربية، بالإضافة إلى المركز الوطني للعناية بالثقافة الحسانية والمركز الوطني للترجمة ثم مركز التواصل بلغة الإشارة. ولا أنسى أن هناك فعاليات كثيرة تقدمت بعدة مشاريع تخص تنزيل القانون المتعلق بالأمازيغية.
- لكن هل تكفي سنتان لاستكمال مخططكم التشريعي، لاسيما أن المرحلة المقبلة ستشهد طرح مشاريع قوانين حساسة من قبيل القوانين الانتخابية وقوانين المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالإضافة إلى القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية؟
الحكومة تشتغل منذ زمن على هذه المشاريع، أي أنها لا تنتظر فقط اللحظة التشريعية لتعلن عن هذه القوانين، إذ أن هناك اشتغالا دائما، ونتوفر على مسودات لبعض القوانين، لكن القوانين التي لها علاقة بالثقافة واللغة والهوية تكتسي، دائما، أهمية خاصة لأنها لا تهم فقط فرق الأغلبية بقدر ما تهم كل مكونات الأمة المغربية وتهم كل الفرقاء السياسيين والمدنيين والثقافيين بدون استثناء. بمعنى أن أي قانون يهم قضية هوياتية وثقافية يجب أن يخضع لاستشارة موسعة داخل البرلمان وداخل المجتمع المدني ليحصل نوع من التوافق.
- مع ذلك، لا يمكن القول إن التوافق الذي تحدثت عنه سيفضي إلى نشوء اختيار ثقافي حاسم، فلا أحد يعرف، اليوم، ما الذي يريده المغرب تحديدا، أعني أن البون أصبح شاسعا بين خطاب يدعو إلى الحداثة وبين ممارسات يتمظهر فيها الارتكاس والتمسك بالمحافظة على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي.
خطاب صاحب الجلالة في افتتاح البرلمان كان واضحا جدا فيما يخص الاعتزاز بهويتنا وثوابتنا، ولا أعتقد أن الإحساس بالانتماء إلى الوطن يأتي من فراغ أو يسقط من السماء كما قال جلالة الملك، بل هو نتيجة تربية صالحة وانفتاحنا على ثقافة الآخر، وهنا تظهر الأهمية البالغة للعنصر الثقافي في تكوين شخصية مغربية متوازنة.
- أطرح السؤال بصيغة أخرى: أنت وزير تنتمي إلى حزب تقدمي يسمي نفسه حداثيا، ويشارك في حكومة ترفض -على سبيل المثال- المصادقة على قانون حظر الإعدام، وكثيرا ما حدثت توترات داخل التحالف الحكومي بشأن قضايا جوهرية لم نحسم فيها بعد كالتعليم والتدين والأسرة.
المغرب حسم منذ مدة فيما تسميه الاختيار الثقافي، وهو اختيار قائم على الاعتزاز بالهوية كما قلت سلفا، لكنه قائم أيضا على ترسيخ الحداثة والانفتاح على الآخر دون مركب نقص. بالنسبة لقانون الإعدام لم يطبق منذ 1992، وهذا مؤشر دال على أن هناك نقاشا مجتمعيا صحيا حول الموضوع، كما أن هناك تباينا لوجهات النظر ينبغي أخذها جميعها بعين الاعتبار. وأرى أنه بعد 22 سنة من عدم تنفيذ أي عقوبة بالإعدام في المغرب يمكن للنقاش أن يطرح أسئلة أخرى وجديدة من قبيل: هل حان الوقت لننضم إلى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام؟. فكما تقدمنا في منظومة القوانين المتعلقة بالأسرة في المغرب عبر التوافق، سنصل كذلك إلى نفس التوافق في القضايا الخلافية الأخرى. وقد يبدو أن هذا التوافق يعطل مسار تطور البلاد، لكنه ضروري، بل حتمي حتى لا تحدث توترات نحن في غنى عنها. على أي حال، لا نقدر، بتاتا، أن نحدث قطيعة نهائية ونسير بسرعة غير معروفة العواقب تؤدي، لا محالة، إلى الطريق المسدود. ولذلك يجب التريث والبحث عن التوافق.
- أثير، مؤخرا، نقاش ساخن بين مجموعة من الفاعلين حول لغة التدريس بعدما دعا نبيل عيوش، العضو الحالي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، إلى اعتماد الدارجة كلغة للتدريس، الأمر الذي أحدث انقساما حادا وصل مداه حد خروج العروي، على غير عادته، في مناظرة تلفزية لمواجهة هذه الدعوات. أريد أن أعرف موقفك بوضوح من هذا النقاش.
لقد تابعت بتأن النقاش الذي دار حول قضية لغة التدريس، ووجدته مغلوطا من الأساس بالنظر إلى غياب النقاش العلمي المؤسس والمسنود. وبدل هذا النقاش ساد السجال العاطفي الذي لا جدوى منه. أرى أن الدارجة المغربية بدأت ترتقي وتقترب من العربية الوسطى، ولن ننكر أنها أصبحت تتداول في النقاشات السياسية والإعلامية وفي كل مكان. لكن يجب أن نطرح السؤال: عن أية دارجة نتحدث؟ هل هي دارجة تطوان أم دارجة الدار البيضاء أم دارجة العرائش أم دارجة مراكش؟ بمعنى أن البعض يريد أن يفرض الدارجة باللكنة التي يريد هو، وهذا أمر خاطئ جدا. لقد تم توظيف التدافع السياسي والإيديولوجي بشكل كبير أثناء هذا النقاش، الأمر الذي أثر عليه سلبيا، لأن اللغة يجب أن تظل فوق جميع الحسابات السياسية، ونترك الشأن اللغوي للمتخصصين والباحثين في اللسنيات وعلماء التربية ليقولوا كلمتهم، فالهدف من التواصل يتمثل في إبلاغ الرسالة، والآن يجب أن نبحث الحل الأمثل ليتلقى الطفل في التعليم الابتدائي دروسه، أما الإيديولوجيا فهي تلوث كل شيء.
- وماذا لو توصل المتخصصون إلى أن الدارجة هي لغة التدريس المناسبة؟
إذا كان المتخصصون في اللسنيات توصلوا إلى أنه بالإمكان التدريس خلال التعليم الأولي ب»عربية وسطى» مبسطة، فلم نعارض ذلك، إذ لا يعقل أن ندرس النحو للطفل في المرحلة الابتدائية، بينما هو لا يتوفر على كلمات كافية لتشكيل جملة واحدة. أنا لست مختصا لأحسم في لغة التدريس، لكن استعمال لغة عربية وسطى يبقى أمرا ممكنا حتى لا تحدث قطيعة بين ما يتداوله الطفل في منزله وفي حيه وفي كل محيطه الاجتماعي وبين ما يتشبع به في المدرسة العمومية. ويمكن لهاته القطيعة أن تؤدي إلى نتائج عكسية، على رأسها الهدر المدرسي وعدم ضبط عملية التلقي بالشكل الصحيح. على كل حال، أرجو من الجميع أن يحترم آراء الآخرين مهما كانت، وأن لا يتم تسميم النقاش بخلفيات إيديولوجية وعاطفية محضة لا تخدم المنهج العلمي في شيء. ويجب أن نعترف بأن تدريس اللغات ببلادنا يعاني من مشكل كبير، ويمكن أن نصف ما يحدث ب»الكارثة».
- ما طبيعة هذا المشكل؟
كيف تريد أن أجيبك وأنتم ترون جميعا كيف أن طالبا أمضى 12 سنة يدرس الفرنسية –على سبيل المثال- وبعد ذلك لا يقدر على التواصل بهذه اللغة. هناك، إذن، خلل عميق، فاللغات لا تدرس بنفس المنهج الذي تدرس به المواد الأخرى كالتاريخ والجغرافيا والعلوم، بقدر ما تحتاج إلى كفاءات استثنائية وإلى مختصين يستحضرون ارتباط المغربي بلغة من جهة وانفتاحه من جهة أخرى، دون أن يغيب عن أذهانهم السؤالين التعليمي والثقافي.
- قلت في جواب سابق إنه ينبغي احترام الآخرين مهما كانوا، لكن في خضم النقاش الحامي الذي جرى حول قضية التدريس بالدارجة هاجم عبد الإله بنكيران نبيل عيوش صاحب الاقتراح بعنف في أحد خطاباته.
أعرف السيد عبد الإله بنكيران جيدا، ولا يمكنه إطلاقا أن يصادر حق عيوش في التعبير عن رأيه أو حتى التهجم عليه. قد يختلف معه، وسيعبر عن رأيه بصراحة في القضية، لكن في جو من الاحترام. أكرر من جديد، اتركوا النقاش للعلماء والمختصين، ولا تشعلوا جمرة الفتنة فقط من أجل خلق زوبعة سياسية لا تفيد أحدا في نهاية المطاف، وإصلاح التعليم ينبغي أن يكون مفتوحا أمام جميع الآراء.
- جرب المغرب وصفات كثيرة لإصلاح التعليم، وخسر المليارات من أجل انتشاله من وضعية «السكتة القلبية»، لكنها فشلت جميعها. هل سنفتح نقاشا جديدا قد يؤدي إلى ضياع وقت كثير وأموال طائلة، مع العلم أن الجميع أصبح يعرف أصل الداء.
لابد من التأكيد أن الحكومات المتعاقبة قامت بمجهود جبار من أجل تخصيص أكبر قدر من الميزانية لقطاع التعليم، والتي لا تنزل عن سقف 25 بالمائة، وهذا رقم محترم بالمقارنة مع دول شبيهة بالمغرب. لكن أصل المشكل يكمن في أن ميزانية الدولة جد محدودة، وبالتالي حتى لو كان الربع منها مخصصا للتعليم، فإنها تبقى ضئيلة إذا أخدنا بعين الاعتبار الأهداف التي يبتغي المغرب تحقيقها، وجزء من هذه الميزانية تمتصه كتلة الأجور والمؤسسات التعليمية الجديدة والمرافق المرتبطة بها، فيما يخصص جزء يسير من تلك الميزانية لتجويد العملية التربوية. البعض فهم خطأ أن إصلاح التعليم يتم بالدوريات والمذكرات. قطعا لا. تلك المذكرات ليس لها أي وقع داخل حجرة الدرس، بل لها علاقة بالأستاذ والمدير والطاقم الإداري.
- قبل عقود كان المثقف محاصرا ومستقلا عن السلطة ويتدافع معها، ولم تكن الدولة توفر له الشروط المادية، مع ذلك كان الإنتاج الثقافي وفيرا ومتنوعا مقارنة بالفترة الحالية الذي لم تعد فيه علاقة الدولة بالمثقف كما كانت، وصنبور الدعم فتح بشكل غير مسبوق، ورغم ذلك يبقى الإنتاج الثقافي ضئيلا.
الاعتراف بما قدمته الأجيال السابقة مهم جدا، ويجب أن نعترف أيضا بأن هؤلاء الفنانين والمثقفين ناضلوا بقوة كي تبقى الثقافة مستقلة عن الدولة، الشيء الذي أفرز لنا خاصية يتميز بها المشهد الثقافي المغربي، وهي أننا لا نتوفر على ثقافة الدولة، وهو أمر ينبغي أن نحافظ عليه. لكن القول إن الإنتاج الثقافي في الماضي كان أحسن مما هو عليه الآن لا يعدو كونه حكما شخصيا لأن الطبيعة الإنسانية غالبا ما يساورها الحنين إلى الماضي. في الماضي كانت هناك مسارح قليلة ومسرحيون قلائل، وأصبح المنتوج الموسيقي والتشكيلي وفيرا وجيدا أيضا. كما أن دور النشر ازدادت بشكل كبير. في الماضي أيضا كان الإنتاج الثقافي موجها نحو فئات ميسورة أو من الطبقة الوسطى، أما الطبقات الفقيرة فقد كانت خارج هذا الإطار، بينما تغيرت هذه المعادلة في وقتنا الحالي. صحيح أن المنتوج الثقافي والإبداعي لتلك النخبة كان ذا مستوى عال، لكنه لم يشمل شرائح واسعة من المجتمع المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.