تحيين الحكم الذاتي إنتقال من التفاوض إلى مشروع سيادي مغربي نمودجي مكتمل الأركان    حموشي يتباحث مع سفيرة الصين بالمغرب سبل تعزيز التعاون الأمني بين البلدين    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    القرار ‬2797 ‬لمجلس ‬الأمن ‬الدولي ‬يعلو ‬فوق ‬كل ‬تفسير ‬ولا ‬يعلى ‬عليه    الخطوط الملكية المغربية تطلق أول خط جوي يربط بين الدار البيضاء والسمارة    احجيرة: نتائج برنامج التجارة الخارجية لا تُعجب.. 40% من طلبات الدعم من الدار البيضاء.. أين المجتهدون؟    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    المنتخب المغربي يخوض أول حصة تدريبية بالمعمورة تأهبا لمواجهتي الموزمبيق وأوغندا    350 يورو مقابل التقاط صورة ومقعد على مائدة والدة النجم يامال    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة لتوقيف مروج مخدرات    تارودانت.. إصابة 17 عاملاً زراعياً في انقلاب سيارة "بيكوب" بأولوز    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    الدبلوماسي الأمريكي السابق كريستوفر روس: قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء "تراجع إلى الوراء"    أجواء غائمة مع ارتفاع طفيف لدرجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    فضيحة في وزارة الصحة: تراخيص لمراكز الأشعة تُمنح في ظل شكاوى نصب واحتيال    الفاعل المدني خالد مصلوحي ينال شهادة الدكتوراه في موضوع "السلطة التنظيمية لرئيس الحكومة في ضوء دستور 2011"    تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    "الكاف" يكشف عن الكرة الرسمية لبطولة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصبيحي: النقاش حول لغة التدريس مغلوط من الأساس ووظف فيه التدافع السياسي والإيديولوجي
قال إن تدريس اللغات يعاني من مشكل كبير ويمكن أن نصف ما يحدث بالكارثة
نشر في المساء يوم 16 - 10 - 2014

ابتعد محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة، عن الأضواء، رغم أنه يتولى مسؤولية قطاع حساس في الهندسة الحكومية. وحتى في لحظات النقاش العنيف بين مكونات المجمتع حول قضايا هوياتية وثقافية ولغوية كان صوت وزارة الثقافة خافتا. الوزير يقول إنه يبتغي أن تبقى وزارته خارج التدافع السياسي وخارج الحسابات السياسوية. في هذا الحوار يشرح الصبيحي وجهة نظره في الكثير من القضايا التي تهم الشأن الثقافي بالمغرب، وفي مقدمتها المشروع الثقافي الغربي والصناعة الثقافية والإبداعية، وتوقف بتفصيل شديد عند تقاطع «السؤال الثقافي» مع «السؤال التربوي» بالمغرب. في الحوار، أيضا، يتحدث الصبيحي عن قضية التدريس بالدارجة ورأيه في المنتوج الإعلامي المغربي.
- في البلدان التي تريد أن تؤسس لمشروع ثقافي ولصناعة ثقافية، تخصص جزءا مهما من ميزانية الدولة لتدبير الشأن الثقافي، بكل مكوناته. لكن في المغرب، يظهر أن الحكومة لا تعبأ بالقطاع بدليل أنها خصصت أضعف ميزانية لوزارة الثقافة.
بطبيعة الحال، ضعف ميزانية وزارة الثقافة، التي لا تمثل اليوم سوى 0.25 من ميزانية الدولة، لا يمكن أن تستجيب لتطلعات المغرب الثقافي. بيد أن المغرب أدرك أن الاهتمام بالشأن الثقافي أضحى ضرورة استراتيجية بالمغرب بما يمكن أن يوفره من إمكانيات هائلة في المجال الاقتصادي وخلق فرص الشغل. ولا غرابة أن نجد الكثير من بلدان العالم تتحدث عن الصناعات الإبداعية والثقافية، التي يمكن أن تصل إلى 5 أو 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، علما أن العمليات المرتبطة بالثقافة لا تقتصر فقط على قطاع وزاري بقدر ما تكون لديها علاقة بالأوراش الكبرى، التي يرعاها جلالة الملك من خلال إنشاء مؤسسات ثقافية كبرى تتيح الحصول على الدعم من قطاعات حكومية أخرى. ولا ننسى أن القطاع الخاص يتدخل في هذا الباب. وعلاقة بضعف ميزانية وزارة الثقافة دائما، فإن الأرصدة المالية المخصصة للوزارة لا تسمح لنا بتنفيذ سياسة القرب وتجويد العرض الثقافي ودعم الفنانين والمقاولات الفنية أو الاهتمام بالتراث الرمزي للمغاربة.
- هل دافعت عن رفع حصة وزارة الثقافة من ميزانية الحكومة؟
نعم. نقوم بمرافعات لدى رئيس الحكومة ولدى وزارة المالية للتأكيد على دور الثقافة الاستراتيجي، خاصة في ظل الأزمات التي يعرفها العالم. وما يعضد هذا الترافع هو أن دولا شبيهة بالمغرب تخصص 0.5 أو 0.6 من ميزانيتها لقطاع الثقافة، مع العلم أن المعيار العالمي لا ينزل عن 1 بالمائة.
- وماذا كان رد رئيس الحكومة ووزارة المالية؟
كان هناك تفهم كبير لمطالبنا، بل إن الحكومة تعرف أهمية تطلعات المغرب الثقافي. ولذلك فأملنا أن ترتفع ميزانية وزارة الثقافة لتكون إشارة قوية للاهتمام بالثقافة. وأتمنى أن تستجيب وزارة المالية للمطالب التي تراهن عليها وزارة الثقافة من خلال الزيادة الملموسة، تطبيقا للتوجيهات الملكية السامية، وارتباطا بتطلعات البرنامج الحكومي، لتمنح للقطاع الثقافي الاهتمام الذي يستحقه. وبالرغم من الأزمة المالية التي تعصف بالحكومة الحالية فإن الزيادة التي نطالب بها لا تعد مكلفة للميزانية العامة للدولة، للسماح بتوفير ظروف عمل أفضل وتحسين العروض الثقافية التي تُقدم في المراكز الثقافية، والمعاهد الموسيقية، أو فيما يخص تثمين التراث الوطني.
- هناك ملاحظة يكاد يُجمع عليها كل المتتبعين تقول إن قطاع الثقافة بات معزولا عن باقي القطاعات الوزارية، ولا نلمس تدخل الوزارة في قطاعات حيوية كالتعليم والإعلام..
يمكن القول إن العكس صحيح. هناك برامج كبرى على صعيد طنجة وتطوان، وفاس ومراكش، تعرف تنسيقا بين قطاعات حكومية متعددة، منها وزارات الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، وهي كلها قطاعات شاركت في البرنامج الكبير لفاس الهادف إلى تأهيل التراث، والذي خصص له غلاف مالي يفوق 600 مليون درهم. ففي السنوات الأخيرة سجلنا ملاحظة مفادها أن البرامج التي يرعاها صاحب الجلالة تتميز باحتوائها على الشق الثقافي وتسمح بتلاقي قطاعات متعددة.
- لكنك لم تذكر تقاطع القطاع الثقافي مع القطاع التربوي.
جودة التعليم تمر عبر العناية بالتعليم الثقافي، وهذه عملية أساسية تتطلب إعادة النظر في التنظيم المدرسي من خلال تخصيص حصة أسبوعية للحث على القراءة، وكذا تكريس التعليم المسرحي الذي يسمح للطفل بالتعبير عن أفكاره بسلاسة، ثم الاهتمام بالحس الموسيقي للطفل، لتكون مساهمة التعليم ناجحة في تكوين مواطن ذي حس فني ومتوازن.
وأريد أن أؤكد في هذا الصدد أن وزير التربية الوطنية واع تمام الوعي بضرورة الحضور الثقافي في التعليم، حيث شرعنا قبل أسبوع واحد فقط في تنظيم أوراش للمسرح والموسيقى، ناهيك عن إنشاء وإغناء المكتبات المدرسية، وستكون هذه السنة سنة تجريبية، وأملنا كبير جدا أن تنجح هذه التجربة التي تقوم، بالأساس، على إعادة توزيع الحصص الدراسية لتتضمن حصصا ثقافية، بكل مكوناتها، وستبدأ خلال هذه الأيام اجتماعات للتنسيق بين وزارتنا ووزارة التربية الوطنية.
- الذي أقصده، هل لدى الوزارة تصور أو ورقة عمل حول المشكل الثقافي بالمغرب؟ وهل سبق لها أن فتحت نقاشا حول الهوية الثقافية للمغرب: ماذا يريد وأين يسير؟.
نعم فتحنا نقاشا موسعا، والذي سمح لنا بالتأسيس لهذا النقاش هو المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي نص عليه الدستور المغربي، والمخطط التشريعي الذي أعدته الحكومة يتضمن تنزيل هذا القانون. لقد شرعنا في العمل منذ مدة، عبر إعداد مجموعة للوثائق للاستئناس بالاستشارة مع مجموعة من الفاعلين، ومن بين الوثائق التي قمنا بإعدادها الميثاق الوطني للثقافة استنادا على خطابات جلالة الملك، وعلى الدستور المغربي كوثيقة متكاملة.
- دائما في إطار المشروع الثقافي، يبدو أن وزارة الثقافة فشلت في تنزيل القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، وأصبح الملف يثير الكثير من المخاوف لدى نشطاء الحركة الأمازيغية، الذين يخشون أن لا يتم تنزيله بالطريقة التي تسمح بتثمين اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
قلت لك إن القضايا الثقافية الكبرى يجب أن تخضع للتشاور وللتوافق أيضا، وفوق ذلك فالحكومة ملزمة بإصدار هذه القوانين خلال ولايتها التشريعية، ولكن انطلاقا من مقاربة شمولية ترتكز على تنزيل القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وتفعيل أكاديمية محمد السادس للغة العربية، بالإضافة إلى المركز الوطني للعناية بالثقافة الحسانية والمركز الوطني للترجمة ثم مركز التواصل بلغة الإشارة. ولا أنسى أن هناك فعاليات كثيرة تقدمت بعدة مشاريع تخص تنزيل القانون المتعلق بالأمازيغية.
- لكن هل تكفي سنتان لاستكمال مخططكم التشريعي، لاسيما أن المرحلة المقبلة ستشهد طرح مشاريع قوانين حساسة من قبيل القوانين الانتخابية وقوانين المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالإضافة إلى القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية؟
الحكومة تشتغل منذ زمن على هذه المشاريع، أي أنها لا تنتظر فقط اللحظة التشريعية لتعلن عن هذه القوانين، إذ أن هناك اشتغالا دائما، ونتوفر على مسودات لبعض القوانين، لكن القوانين التي لها علاقة بالثقافة واللغة والهوية تكتسي، دائما، أهمية خاصة لأنها لا تهم فقط فرق الأغلبية بقدر ما تهم كل مكونات الأمة المغربية وتهم كل الفرقاء السياسيين والمدنيين والثقافيين بدون استثناء. بمعنى أن أي قانون يهم قضية هوياتية وثقافية يجب أن يخضع لاستشارة موسعة داخل البرلمان وداخل المجتمع المدني ليحصل نوع من التوافق.
- مع ذلك، لا يمكن القول إن التوافق الذي تحدثت عنه سيفضي إلى نشوء اختيار ثقافي حاسم، فلا أحد يعرف، اليوم، ما الذي يريده المغرب تحديدا، أعني أن البون أصبح شاسعا بين خطاب يدعو إلى الحداثة وبين ممارسات يتمظهر فيها الارتكاس والتمسك بالمحافظة على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي.
خطاب صاحب الجلالة في افتتاح البرلمان كان واضحا جدا فيما يخص الاعتزاز بهويتنا وثوابتنا، ولا أعتقد أن الإحساس بالانتماء إلى الوطن يأتي من فراغ أو يسقط من السماء كما قال جلالة الملك، بل هو نتيجة تربية صالحة وانفتاحنا على ثقافة الآخر، وهنا تظهر الأهمية البالغة للعنصر الثقافي في تكوين شخصية مغربية متوازنة.
- أطرح السؤال بصيغة أخرى: أنت وزير تنتمي إلى حزب تقدمي يسمي نفسه حداثيا، ويشارك في حكومة ترفض -على سبيل المثال- المصادقة على قانون حظر الإعدام، وكثيرا ما حدثت توترات داخل التحالف الحكومي بشأن قضايا جوهرية لم نحسم فيها بعد كالتعليم والتدين والأسرة.
المغرب حسم منذ مدة فيما تسميه الاختيار الثقافي، وهو اختيار قائم على الاعتزاز بالهوية كما قلت سلفا، لكنه قائم أيضا على ترسيخ الحداثة والانفتاح على الآخر دون مركب نقص. بالنسبة لقانون الإعدام لم يطبق منذ 1992، وهذا مؤشر دال على أن هناك نقاشا مجتمعيا صحيا حول الموضوع، كما أن هناك تباينا لوجهات النظر ينبغي أخذها جميعها بعين الاعتبار. وأرى أنه بعد 22 سنة من عدم تنفيذ أي عقوبة بالإعدام في المغرب يمكن للنقاش أن يطرح أسئلة أخرى وجديدة من قبيل: هل حان الوقت لننضم إلى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام؟. فكما تقدمنا في منظومة القوانين المتعلقة بالأسرة في المغرب عبر التوافق، سنصل كذلك إلى نفس التوافق في القضايا الخلافية الأخرى. وقد يبدو أن هذا التوافق يعطل مسار تطور البلاد، لكنه ضروري، بل حتمي حتى لا تحدث توترات نحن في غنى عنها. على أي حال، لا نقدر، بتاتا، أن نحدث قطيعة نهائية ونسير بسرعة غير معروفة العواقب تؤدي، لا محالة، إلى الطريق المسدود. ولذلك يجب التريث والبحث عن التوافق.
- أثير، مؤخرا، نقاش ساخن بين مجموعة من الفاعلين حول لغة التدريس بعدما دعا نبيل عيوش، العضو الحالي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، إلى اعتماد الدارجة كلغة للتدريس، الأمر الذي أحدث انقساما حادا وصل مداه حد خروج العروي، على غير عادته، في مناظرة تلفزية لمواجهة هذه الدعوات. أريد أن أعرف موقفك بوضوح من هذا النقاش.
لقد تابعت بتأن النقاش الذي دار حول قضية لغة التدريس، ووجدته مغلوطا من الأساس بالنظر إلى غياب النقاش العلمي المؤسس والمسنود. وبدل هذا النقاش ساد السجال العاطفي الذي لا جدوى منه. أرى أن الدارجة المغربية بدأت ترتقي وتقترب من العربية الوسطى، ولن ننكر أنها أصبحت تتداول في النقاشات السياسية والإعلامية وفي كل مكان. لكن يجب أن نطرح السؤال: عن أية دارجة نتحدث؟ هل هي دارجة تطوان أم دارجة الدار البيضاء أم دارجة العرائش أم دارجة مراكش؟ بمعنى أن البعض يريد أن يفرض الدارجة باللكنة التي يريد هو، وهذا أمر خاطئ جدا. لقد تم توظيف التدافع السياسي والإيديولوجي بشكل كبير أثناء هذا النقاش، الأمر الذي أثر عليه سلبيا، لأن اللغة يجب أن تظل فوق جميع الحسابات السياسية، ونترك الشأن اللغوي للمتخصصين والباحثين في اللسنيات وعلماء التربية ليقولوا كلمتهم، فالهدف من التواصل يتمثل في إبلاغ الرسالة، والآن يجب أن نبحث الحل الأمثل ليتلقى الطفل في التعليم الابتدائي دروسه، أما الإيديولوجيا فهي تلوث كل شيء.
- وماذا لو توصل المتخصصون إلى أن الدارجة هي لغة التدريس المناسبة؟
إذا كان المتخصصون في اللسنيات توصلوا إلى أنه بالإمكان التدريس خلال التعليم الأولي ب»عربية وسطى» مبسطة، فلم نعارض ذلك، إذ لا يعقل أن ندرس النحو للطفل في المرحلة الابتدائية، بينما هو لا يتوفر على كلمات كافية لتشكيل جملة واحدة. أنا لست مختصا لأحسم في لغة التدريس، لكن استعمال لغة عربية وسطى يبقى أمرا ممكنا حتى لا تحدث قطيعة بين ما يتداوله الطفل في منزله وفي حيه وفي كل محيطه الاجتماعي وبين ما يتشبع به في المدرسة العمومية. ويمكن لهاته القطيعة أن تؤدي إلى نتائج عكسية، على رأسها الهدر المدرسي وعدم ضبط عملية التلقي بالشكل الصحيح. على كل حال، أرجو من الجميع أن يحترم آراء الآخرين مهما كانت، وأن لا يتم تسميم النقاش بخلفيات إيديولوجية وعاطفية محضة لا تخدم المنهج العلمي في شيء. ويجب أن نعترف بأن تدريس اللغات ببلادنا يعاني من مشكل كبير، ويمكن أن نصف ما يحدث ب»الكارثة».
- ما طبيعة هذا المشكل؟
كيف تريد أن أجيبك وأنتم ترون جميعا كيف أن طالبا أمضى 12 سنة يدرس الفرنسية –على سبيل المثال- وبعد ذلك لا يقدر على التواصل بهذه اللغة. هناك، إذن، خلل عميق، فاللغات لا تدرس بنفس المنهج الذي تدرس به المواد الأخرى كالتاريخ والجغرافيا والعلوم، بقدر ما تحتاج إلى كفاءات استثنائية وإلى مختصين يستحضرون ارتباط المغربي بلغة من جهة وانفتاحه من جهة أخرى، دون أن يغيب عن أذهانهم السؤالين التعليمي والثقافي.
- قلت في جواب سابق إنه ينبغي احترام الآخرين مهما كانوا، لكن في خضم النقاش الحامي الذي جرى حول قضية التدريس بالدارجة هاجم عبد الإله بنكيران نبيل عيوش صاحب الاقتراح بعنف في أحد خطاباته.
أعرف السيد عبد الإله بنكيران جيدا، ولا يمكنه إطلاقا أن يصادر حق عيوش في التعبير عن رأيه أو حتى التهجم عليه. قد يختلف معه، وسيعبر عن رأيه بصراحة في القضية، لكن في جو من الاحترام. أكرر من جديد، اتركوا النقاش للعلماء والمختصين، ولا تشعلوا جمرة الفتنة فقط من أجل خلق زوبعة سياسية لا تفيد أحدا في نهاية المطاف، وإصلاح التعليم ينبغي أن يكون مفتوحا أمام جميع الآراء.
- جرب المغرب وصفات كثيرة لإصلاح التعليم، وخسر المليارات من أجل انتشاله من وضعية «السكتة القلبية»، لكنها فشلت جميعها. هل سنفتح نقاشا جديدا قد يؤدي إلى ضياع وقت كثير وأموال طائلة، مع العلم أن الجميع أصبح يعرف أصل الداء.
لابد من التأكيد أن الحكومات المتعاقبة قامت بمجهود جبار من أجل تخصيص أكبر قدر من الميزانية لقطاع التعليم، والتي لا تنزل عن سقف 25 بالمائة، وهذا رقم محترم بالمقارنة مع دول شبيهة بالمغرب. لكن أصل المشكل يكمن في أن ميزانية الدولة جد محدودة، وبالتالي حتى لو كان الربع منها مخصصا للتعليم، فإنها تبقى ضئيلة إذا أخدنا بعين الاعتبار الأهداف التي يبتغي المغرب تحقيقها، وجزء من هذه الميزانية تمتصه كتلة الأجور والمؤسسات التعليمية الجديدة والمرافق المرتبطة بها، فيما يخصص جزء يسير من تلك الميزانية لتجويد العملية التربوية. البعض فهم خطأ أن إصلاح التعليم يتم بالدوريات والمذكرات. قطعا لا. تلك المذكرات ليس لها أي وقع داخل حجرة الدرس، بل لها علاقة بالأستاذ والمدير والطاقم الإداري.
- قبل عقود كان المثقف محاصرا ومستقلا عن السلطة ويتدافع معها، ولم تكن الدولة توفر له الشروط المادية، مع ذلك كان الإنتاج الثقافي وفيرا ومتنوعا مقارنة بالفترة الحالية الذي لم تعد فيه علاقة الدولة بالمثقف كما كانت، وصنبور الدعم فتح بشكل غير مسبوق، ورغم ذلك يبقى الإنتاج الثقافي ضئيلا.
الاعتراف بما قدمته الأجيال السابقة مهم جدا، ويجب أن نعترف أيضا بأن هؤلاء الفنانين والمثقفين ناضلوا بقوة كي تبقى الثقافة مستقلة عن الدولة، الشيء الذي أفرز لنا خاصية يتميز بها المشهد الثقافي المغربي، وهي أننا لا نتوفر على ثقافة الدولة، وهو أمر ينبغي أن نحافظ عليه. لكن القول إن الإنتاج الثقافي في الماضي كان أحسن مما هو عليه الآن لا يعدو كونه حكما شخصيا لأن الطبيعة الإنسانية غالبا ما يساورها الحنين إلى الماضي. في الماضي كانت هناك مسارح قليلة ومسرحيون قلائل، وأصبح المنتوج الموسيقي والتشكيلي وفيرا وجيدا أيضا. كما أن دور النشر ازدادت بشكل كبير. في الماضي أيضا كان الإنتاج الثقافي موجها نحو فئات ميسورة أو من الطبقة الوسطى، أما الطبقات الفقيرة فقد كانت خارج هذا الإطار، بينما تغيرت هذه المعادلة في وقتنا الحالي. صحيح أن المنتوج الثقافي والإبداعي لتلك النخبة كان ذا مستوى عال، لكنه لم يشمل شرائح واسعة من المجتمع المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.