تفاصيل جديدة في قضية سرقة "مجوهرات التاج" من متحف "اللوفر"    لقد ونمَ الذبابُ عليه..    التدريس الصريح    تشكيلنا المغربي..    التواصل في الفضاء العمومي    العرب في معرض فرانكفورت    الرياض تستضيف الدورة ال21 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية    منظمة حقوقية تنبه إلى جريمة جنسية    مندوبية المقاومة تخلد عيد الاستقلال    حقيقة الديمقراطية الإسرائيلية    الكونغو الديمقراطية في ملحق المونديال    وزير الخارجية الفرنسي يرجح عودة بوعلام صنصال إلى فرنسا "في الأيام المقبلة"    أزيد من 3 مليار دولار حجم الإنفاق على أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    حكيمي وصلاح وأوسيمين يتنافسون على لقب أفضل لاعب إفريقي 2025    ارتفاع الفائض التجاري لمنطقة اليورو بدعم من الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    ألعاب التضامن الإسلامي.. المغرب يحصد ذهبية وبرونزية في منافسات التايكواندو    ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    تقرير إخباري: كلميم على حافة التهميش والاحتقان الاجتماعي.. ودور السلطة الترابية في تعثر التنمية المجالية    كلية أيت ملول تستضيف محاضرة حول التصوف ودوره في بناء الجسور الدبلوماسية بإفريقيا    أربعاء أيت أحمد : حملة طبية بتينكطوف تعيد الدفء الصحي إلى منطقة جبلية وتخفف عبء التنقل عن الساكنة.    نقاش ساعات العمل بالتعليم الابتدائي يتجدد على إثر فهم الوزير لدراسة "طاليس".    سفيرة الصين بالرباط تلتقي محمد أوجار وأعضاء بارزين في حزب الأحرار    جامعة الكرة تكرم الدوليين السابقين المنتمين للعصبة الجهوية طنجة تطوان الحسيمة    بنكيران: المغاربة يلتقون بي و يخاطبونني "أيامك كانت زينة آسي بنكيران"    قبل ساعات من التصويت .. إسرائيل تتمسك برفض قيام دولة فلسطينية    "الحرارة وشح المياه وارتفاع منسوب البحر".. مخاطر المناخ في المغرب تفوق ما تسمح به قدرات التكيف الحالية    عكاشة: "الأحرار" يستعد لانتخابات 2026 بطموح المحافظة على الصدارة    الوزير مزور يترأس بتطوان أشغال المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال ويشرف على تنصيب مفتش جديد للحزب بعمالة المضيق    3.3 مليار دولار حجم الإنفاق على أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    الركراكي يفاجئ مشجعا طنجاويا بترت قدمه إثر مرض عُضال بزيارة إنسانية في منزل أسرته    التمويلات المبتكرة: خدمة جيدة أم ديون مقنعة؟ نقاش هادئ مع لقجع    جمعية بتيفلت تستنكر طمس جدارية فنية وتطالب بتوضيح رسمي ومحاسبة المسؤولين    يشارك في هذه الدورة 410 فنانا وفنانة من 72 دولة .. أكادير تحتضن الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للكاريكاتير بإفريقيا    صالون "الشاي يوحّد العالم" يجمع المغرب والصين في لقاء ثقافي بالبيضاء    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    هلال يخرج عن صمته بشأن حجب العلم الجزائري ويؤكد احترامه لرمزيته    أشرف حكيمي يطمئن جماهيره بصور جديدة خلال مرحلة التعافي    أكرد يغادر معسكر المنتخب المغربي    "إعادة" النهائي الإفريقي.. المغرب في مواجهة مصيرية مع مالي بدور ال16 لكأس العالم    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    النسخة الثانية من الندوة الدولية المنعقدة بوجدة تصدر اعلانها حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض 20 فيلماً قصيراً في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    طقس الأحد.. أجواء غائمة مع نزول أمطار بعدد من مناطق المملكة    بلباو تُهدي فلسطين أمسية تاريخية.. مدرجات تهتف والقلب ينبض    الذكاء الاصطناعي يراقب صناديق القمامة في ألمانيا لضبط المخالفين    لبنان سيقدم شكوى ضد إسرائيل لبنائها جدارا على حدوده الجنوبية تجاوز "الخط الأزرق"    هل تمت تصفية قائد الدعم السريع في السودان فعلا؟    أكنول: افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان اللوز    الناظور .. افتتاح فعاليات الدورة 14 للمهرجان الدولي لسنيما الذاكرة    ابن الحسيمة نوفل أحيدار يناقش أطروحته حول تثمين النباتات العطرية والطبية بالريف    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عائدات من الموت.. قصص مراهقات نجون من محاولات انتحار فاشلة
فثيات في عمر الزهور قررن الرحيل لكن الحياة «عاندتهن»
نشر في المساء يوم 19 - 01 - 2015

لن تشرب الحياة على جسدي نخب الهزيمة، لن أقبل برحيله عني وأنا التي منحته الكثير، لن أتقبل فكرة رسوبي من بين جميع قريناتي، لست مستعدة لأكون الفتاة الأقل جمالا من بين صديقاتي، لن أتقبل فشلي في الحياة ولن أتعايش معه، لذلك قررت الرحيل وتجربة الانتحار، سأنهي حياتي بنفسي، وسأرتكب آخر خطيئة لي في هذه الدنيا وأرحم نفسي من العذابات المستقبلية التي تنتظرها. هي أعذار من بين أخرى، يتضرع بها كل من سولت له نفسه قتل نفسه، يحتجون بها ويجعلونها دافعا مقنعا للرحيل عن هذا العالم بطرق مختلفة حسبما تشتهي النفس الأمارة بالسوء، سواء بقطع الرسغ أو تناول الحبوب، أو الشنق أو رمي النفس من طوابق شاهقة، أو غيرها من وسائل الانتحار وطرقه، لكن شاءت الأقدار أن يعود هؤلاء من أحضان الموت ليعانقوا الحياة من جديد، وليعيشوا حتى يندموا على ما قرروه يوما في حالة ضعف وتوهان، أو ينفذوا عملية قتل النفس بنجاح هذه المرة. »المساء« استقت
أمل، من بين أولئك الفتيات اللواتي قررن وهن في عمر الزهور، وبين عشية وضحاها، الرحيل طواعية إلى قدرهن المحتوم، خططت وقررت التنفيذ، وانتظرت إلى أن هدأ البيت وسكن، بعدما غادره الإخوة، وتوارت الأم عن الأنظار في غرفتها، لتأخذ قيلولة ما بعد الغذاء، وبعدما تأكدت من خلو الجو، قررت تنفيذ ما خططت له، قرار رحيلها صوب العالم الآخر.
كان الجو حارا، كحرارة قلبها يوم تلقت نتيجة امتحان المرور إلى السلك الثانوي، قرار الإعدادية يقضي برسوبها لعدم تمكنها من اجتياز الامتحان الجهوي، كان هذا دافعها وعذرها للرحيل إلى دار البقاء.
توجهت إلى الحمام بعدما أخذت خلسة حبوب مهدئات صداع الرأس، واربت الباب وشرعت في تناولها الواحدة تلو الأخرى، بعد دقائق بدأ كل ما حولها بالدوران، شعرت بالغثيان، وفجأة بدأت تفقد تركيزها ووعيها بالواقع، إلى أن غابت عن الحياة، هكذا نفذت أمل مخططها للانتحار.
شاءت الأقدار وقالت كلمتها الفصل، ومنحت أمل فرصة وأملا للحياة، وبعثت من جديد. وجدت حولها أسرتها وبعضا من نساء الجيران، تفحصت أوجه الحاضرين، ثم لمحت أمها التي صارت مقلتاها ظاهرتين محمرتين من شدة البكاء وهول الفاجعة التي ألمت بطفلتها التي لم تتجاوز بعد ربيعها 15.
كانت صغيرة واتخذت قرار تنفيذها «للموت الرحيم» في حق نفسها دون استشارة أي كان، حسمت الأمر ونفذته، فالحياة كانت قاسية عليها ومنعتها من النجاح مثل قريناتها، ولم تعد ترغب في الخروج تفاديا لسؤال أرقتها إجابته «واش نجحتي في التاسعة».
هذا قدري واخترته طواعية
تحكي أمل، أنه وقتها، لم يسألها أحد عن سبب إقدامها على الانتحار، ولا ما هي دوافعها وتبريراتها «كان الصمت سيد الموقف، لم أكن أسمع وقتها إلا تنهدات أمي ونحيبها، ونساء الجيران اللواتي كن يحضنها ويبكين لبكائها، وتمنيت وقتها لو أنني مت فعلا ولم أر دموع والدتي وانهيارها بذلك الشكل، وبعدما تيقنت من أنني مازلت حية أرزق، خفت كثيرا من ردة فعل إخوتي الذكور، لا محالة سيشككون «في براءتي» ولن يقتنعوا ببساطة بعذري للرحيل، بكوني لم أتحمل مرارة وقسوة أن أرسب من بين جميع فتيات الحي».
مضت الآن قرابة 15 سنة، وواقعة محاولتها الانتحار ما تزال عالقة بذهنها، وبذهن كل من كان قريبا منها وقتها، وخصوصا تلك الزيارات التي تلت يوم انتحارها، وأكثر شيء علق بذهنها ملامح والديها وإخوتها، ونظرات الشفقة ممن حضروا بعد انتشار الخبر.
«لو عاد بي الزمان إلى الوراء لما أقدمت على الانتحار لأي سبب سواء كان تافها أو جديا، لقد كنت صغيرة جدا ولم أفهم معنى الحياة، فأن نتخلى عن الحياة شيء لا يمكن تخيله، لم ألق الدعم النفسي من أسرتي التي وبختني على عدم النجاح، وخشيت كثيرا فكرة مواجهة الأمر والخروج إلى الشارع حيث يسألك الجميع عن «نتيجتك» وأنا وقتها لم تكن لدي الشجاعة الكافية والجرأة اللازمة لأقول لم أتوفق في ذلك».
تردف أمل، لسبب بسيط جعلت أسرتي تعيش أياما عصيبة وصارت الأصابع تشير إلى أمي ب»هديك اللي بنتها بغات تنتاحر حيت منجحاتش».
وعن رؤيتها لإقدامها على محاولة انتحار، تقول أمل إنها كلما تذكرت ذلك تكره نفسها ألف مرة في الثانية الواحدة، وتحمد الله على أنها لم تنجح في ذلك فهي الآن تعيش حياة سعيدة ورزقت بطفل هو الآن في السادسة من عمره.
حكمت على نفسي بالموت الرحيم
كثر هم أولئك الذين حاكموا على أنفسهم بأنفسهم، دون ترك المجال للآخرين بفعل ذلك، ودون ترك المجال لتأنيب الضمير وتعذيبه، قرروا في لحظة ألم وتفجع، أنه لا خلاص من عذابهم سوى الموت، رأوا في قتل النفس وإعدامها، ذاك المنفذ الذي سيجنبهم الشعور بالمزيد من الألم والأنين، وسيرتاحون من عذابات الدنيا، لذلك قرروا الرحيل بعدما قضت محكمتهم العليا في حقهم بالموت، كل على طريقته الخاصة، وحسبما تشتهي نفسه. فأمل نفذت حكم الإعدام الذي أصدرته في حق نفسها بتناول حبوب مهدئات صداع الرأس، لذلك بعدما تأكدت من أن كل الظروف مواتية للرحيل، وبأنه لا أحد سينغص عليها تخطيطها، أو سيقف عتبة في طريق رحيلها، نفذت على وجه السرعة قراراها في حق نفسها والقاضي بإعدامها لنفسها بنفسها.
أما أحلام، المراهقة التي لم يتجاوز عمرها الآن 18 سنة، فقد خاضت هي الأخرى تجارب انتحار باءت، بقدرة قادر بالفشل، فبعدما فارقت أمها الحياة، وتخلى عنها «حبيبها» المراهق الذي شغفها حبا، وعشقته حد الموت، حاولت مرارا وتكرارا استعادته واستعادة حياتها معه، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، وتأكدت من ذلك بعدما سمعت بأنه قد عقد قرانه على فتاة مغربية مقيمة بديار المهجر، تألمت وتفجعت، ولم تجد من خلاص يقيها شر الهجر وخيانة الحبيب وغدره سوى الموت. خصوصا وأنه كان ملاذها بعد وفاة أمها.
لا حياة بعده
للانتحار فلسفة لا يجيد قراءتها إلا من ضاق ذرعا بالحياة، ورفض أن تشرب على جسده نخب هزائمه ومل من خساراته التي لا تنتهي، وقرر أن يضع حدا لها وبنفسه، وبالطريقة التي رآها مناسبة لذلك، هؤلاء لم يسمعوا يوما لا عن النسيان ولا عن التعايش والصبر على الخسارة مهما كانت، ولم يعرف يوما كيف تواجه المشاكل وكيف يوضع حد لها. من بين هؤلاء كانت أحلام المراهقة، فكت شفرات فلسفة الانتحار وأجادتها، لكن القدر قال كلمة الحسم، «لم يحن بعد وقت الرحيل».
فرغم أنها قد استعدت جيدا لاستقبال حيثيات الحدث الأكبر بما يليق بمقامه، خصوصا وأنه حدث الموت، فبعدما تيقنت من أنه لا حياة بعده، وأن ملاذها ما عاد لها، وأن الذي كان بجانبها يخفف مأساة رحيل والدتها عنها، رحل هو الآخر عنها دون اكتراث بها وبما قد يسببه ذلك لها، قررت الرحيل بعيدا عن هذا العالم الجائر غير المنصف الذي سلبها حبيبا خائنا تخلى عنها بعدما رأى فرصة أفضل منها. قست على نفسها كثيرا، لدرجة وصلت معها إلى حد طعن بطنها، بعدة طعنات كأنها كانت تطعن غدره في محاولة منها لتعذيب النفس. فكثير من سمعتها فقدته رفقته، وضاع مستقبلها الدراسي، ومنحته الكثير من جسدها الفتي، لذلك قررت الرحيل والالتحاق بوالدتها، حيثما كانت، لعلها تحن عليها كما كانت تفعل دوما وقت كانت ما تزال على قيد الحياة.
كثيرات هن من اخترن قدر «فيرونيكا» وحذون حذوها، وقررن هن الأخريات أنه حان وقت رحيلهن، واخترن طواعية قدرهن المحتوم، لكن قرارهن هذا، لم ينفذ على أكمل وجه، فالقدر قد قال كلمته: لم يحن بعد وقت الرحيل.
قصة محاولة انتحار أحلام، عايشتها صديقتها بشرى عن قرب، خصوصا وأن الفتى الذي كانت تعشقه أحلام، كان ابن جيرانها، تنقل لنا صديقتها محاولات انتحارها العدة «طعنت بطنها بسكين حادة، لكنها لم تقو على صنع جرح غائر يسبب الموت، فعادت مرة أخرى لتقطع شرايين يدها، لكنها لم تنجح بذلك أيضا، وفي آخر محاولة لها، كادت تحقق مأربها، إذ بحثت عن وسيلة أسرع وأضمن للرحيل، فتناولت حبوبا، وهي المرة التي كادت تنجح فيها لولا تدخل أفراد عائلتها وإنقاذهم لها».
بعد وفاة والدتها، وتخلي حبيبها عنها، تحولت حياتها من بؤس إلى بؤس، وكرهت الدنيا، وكرهت حتى نفسها وملت حياتها ومعاناتها، هكذا تحكي صديقتها بشرى، التي رأت آثار تعذيب أحلام لنفسها سواء في بطنها أو في منطقة الرسغ، تقول «كانت تقسو على نفسها بدرجة قسوة الحياة عليها، كانت في كل فرصة تتمنى الموت، لكنها كانت تتردد في ذلك إلى أن حسمت أخيرا في هذا الشأن وتناولت الحبوب لترحل وبسرعة دون أن تترك لنفسها فرصة للتراجع».
حياة أحلام اليوم صارت لا تخلو من تذمرها منها، وعلى وجهها لازالت تعابير الحزن والألم ظاهرة وجلية للعيان، ورغبتها في الموت والرحيل تناقصت تدريجيا، لكنها مازالت مجروحة ومكسورة من جهة رحيل والدتها، ومن جهة زواج حبيبها الذي تعلقت به أكثر وأكثر عند رحيل أمها، فانعزلت وانغلقت على نفسها بنفس القدر الذي أحست بأنها وحيدة هنا في هذا العالم، «هي الآن تتعافى تدريجيا، وصارت تنفتح على صديقاتها، وعلى محيطها، لكن نخشى أن تعود لتنتكس من جديد. هكذا حكت بشرى قصة محاولة انتحار صديقتها.
للحب والموت قدر واحد
تحكي لنا مريم، قصة فتاة من ثانويتها نفسها حيث كانت تدرس، حاولت الانتحار للسبب نفسه الذي دفع أحلام للانتحار: خيانة الحب، ورفض أن يتم التخلي عنها لأي سبب كان.
كانت الفتاة مثل سائر فتيات الثانوية، تعيش حياتها بشكل طبيعي إلى أن دخل حياتها تلميذ من مؤسستها التعليمية نفسها، فأحبته بجنون إلى أن أفرطت في الحب، وبسببه تغيرت أحوالها من التلميذة المجدة إلى التلميذة الكسولة، ومن الفتاة المواظبة على حضور دروسها إلى فتاة مهملة تجوب الشوارع رفقة فتيان آخرين أكثر ما تدرس، تغيرت سمعتها وانحطت إلى أن وصلت إلى الحضيض، وكثرت الألسن حولها.
بعد تغير أحوالها من جيد إلى أسوأ ما يكون، وبعد هجران الحبيب وتخليه عنها، قررت هي الأخرى الرحيل، فمريم تحكي أن «الجميع صاروا يتحدثون عنها وعن قصتها مع ذاك الشاب، وكيف تحولت من فتاة يضرب بها المثل في الدراسة والأخلاق، إلى فتاة تحذر الأسر بناتها من مخالطتها وحذو حذوها».
وعلى إثر ذلك قررت الرحيل، بسبب الحبيب وهجره، فتناولت سم الفئران، لتمنح نفسها راحة افتقدتها في حياتها، لكنها لم تنجح فقد تمكنت أسرتها من إنقاذها، قبل أن يفوت الأوان، ومنذ ذلك الوقت لم يسمع عنها خبر، إلى أن عادت إلى ثانويتها حيث كانت تدرس وهي فتاة أخرى، كأنها بعثت من جديد، تقول مريم «بعد الانتحار تغيرت هذه الفتاة كثيرا، فقد صارت ترتدي الحجاب ولم تعد تخالط الفتيان، وهي الآن تستعد لنيل شهادة الباكالوريا».
لربما تكون هذه التلميذة تابت التوبة النصوح، وعرفت ووعت قيمة الحياة، وأنها لا تقف عند أشخاص معينين تنتهي حياتنا بانتهاء علاقاتنا معهم، فالحياة أكبر من ذلك، هي تحد إن ربحناه فزنا، وإن خسرناه فلنكافح من جديد لنتسلق أعلى القمة، لننظر من فوقها إلى أسفل، ونتذكر كم كان تافها ذاك الأمر، وكم نحن محظوظون لأننا هنا. ولننسى ما قاله محمود درويش، الشاعر الفلسطيني ذات يوم، «الحب مثل الموت وعد لا يرد ولا يزول، ولنركز أكثر على ما قاله في النضال من أجل القضية، قضية الحياة.
الانتحار تبخيس للذات
يعتبر حسن هلالي، طبيب نفساني، ومختص في علم النفس المرضي، بأن الانتحار هو ظاهرة نفسية واجتماعية، «يدرس من الناحية النفسية باعتباره ظاهرة وضع حد للحياة المتاحة أمام الفرد نتيجة عوامل قد تكون مرضية، قد يتحمل فيها الشخص مسؤولية الانتحار حيث يكون واعيا بانتحاره وقد يكون غير واع بذلك، والمتمثلة عموما في عوامل تكون نفسية اجتماعية عاطفية كبعض الاضطرابات المحيطة بالشخص، سواء داخل أسرته أو خارجها».
ويتابع المختص في علم النفس محللا ظاهرة الانتحار الاجتماعية معتبرا إياها ظاهرة اجتماعية ناتجة عن اختلال في التنشئة الاجتماعية واختلال في العلاقات ما بين الأفراد.
والفرد الذي يصل إلى مرحلة تنفيذ محاولة انتحار، ولا يقدر نفسه جيدا فإنه، بحسب المصدر ذاته، يصل إلى مرحلة تبخيس الذات، ذلك أن المنتحر غالبا ما ينظر إلى نفسه بنظرة «الدونية»، «وهو هنا ينحو منحى الانعزال والتقوقع على الذات، وبالتالي يكتئب وينغلق على نفسه، ويفكر في وضع حد لحياته تخلصا من حرمانه العاطفي أو من معاناته المعيشية، وتصبح فكرة الانتحار مسيطرة وواردة بشكل صريح، وهو ما يترجمه الفرد من مجرد أفكار إلى محاولة انتحار تطبيقية، يجسدها على أرض الواقع.
رسائل موت مشفرة
أما بخصوص محاولة المراهقين الانتحار، فقد أكد الطبيب النفساني أن «المراهق غالبا لا ينتحر بشكل مباشر، بل يميل إلى تنبيه الآخرين بأنه يحاول الانتحار، كأنه يبعث لهم رسالة مرمزة مفادها: أنا أحتاجكم وأحتاج اهتمامكم وحبكم، لذلك سأحاول الانتحار والموت. سواء كان جذب الاهتمام هذا تهديدا بالكلام أو الفعل، من أجل تحريك مشاعر أسرته وجعلهم يهتمون به بشكل أكبر، هذا ولا ينفي هلالي أن تكون محاولات انتحار المراهقين جادة في بعض الأحيان». وأضاف بأن المراهق الذي يحاول الانتحار ويفشل، يعيش بعد تجربته خوفا شديدا من الموت، وهو الأمر الذي قد يدفعه إما لمحاولة الانتحار من جديد، أو يدفعه لأن يصبح حريصا على حياته ويتفادى بالتالي كل تلك الأشياء التي من شأنها أن تهدد سلامته وحياته.
وأردف المختص في علم النفس بأن أكثر ما يعذب الشخص الذي حاول الانتحار ولم ينجح، هو أسئلة الناس الذين يسألونه عن سبب إقدامه على محاولة انتحار، وهي الشيء الذي يجب أن يتفاداه محيطه الأسري الداخلي أو الخارجي. نفسية المراهق سواء قبل الانتحار أو بعده، تختلج بها العديد من مشاعر الضعف والوهن وتبخيس الذات، لذلك وجب على أسر هؤلاء المراهقين الأطفال الاعتناء بهم بشكل خاص وإيلائهم اهتماما أكثر، خصوصا وأنهم يعيشون ضغوطات نفسية، جراء انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد، كما أكد ذلك حسن هلالي، واصفا المراهق بأنه شخص تجتمع فيه صفة الطفولة إثر احتفاظه بخصائص نفسية فيزيولوجية الأطفال الصغار، وكذلك صفة الرشد وما يتبعها من ضغوطات نفسية، لذلك وجب البحث في عمق المشكلة المؤدية أو التي ستؤدي إلى الانتحار عوض التركيز على فعل الانتحار، مع التأكيد على أن لا شيء يستحق وضع حد للحياة.
«ابنة الكاريان».. مأساة مراهقة ملّت من تذكيرها بفقرها
لا شيء يجعلك عظيما، إلا ألما عظيما، فليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل نهاية، هكذا كتبت المراهقة مريم هاسك ذات 15 سنة، في رسالة انتحارها التي تركتها لأسرتها تبريرا لفعلتها التي أقدمت عليها.
كانت مضايقات قريناتها بالمدرسة والعنف اللفظي الذي تعرضت له من قبلهن، دافعها ومبررها لقتل النفس، فقد رفضت نعتها «ببنت الكاريان» وملت من تذكيرها بفقر أسرتها التي تقطن بأحد الأحياء القصديرية بالعاصمة الاقتصادية البيضاء. فبعد عودتها الأخيرة من المدرسة، وضعت حدا لحياتها عبر شنق نفسها، وغادرت إلى دار البقاء، وهي في عمر 15، ذلك أن قتل النفس شنقا لا يمنح أحدا فرصة الندم في منتصف الطريق والعدول عن مخططه، كما لا يمنحه أيضا فرصة أن يتم إنقاذه من قبل أقاربه.
فمريم هاسيك حرصت جيدا على أن تموت، ورصيدها من الحياة قد استنفذ، وتم بذلك تنفيذ العملية بنجاح، ورحلت مريم إلى حيث شاء القدر.
وفاء لخليلي
(صحافية متدربة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.