ليبيريا تسعى للاستفادة من تجربة ميناء طنجة المتوسط    مع اقتراب الصيف.. وكالة تحذر من السباحة في سدود جهة طنجة تطوان الحسيمة    عملية مرحبا 2025.. السلطات تعبئ 60 ألف فرد لتأمين عودة الجالية المغربية هذا الصيف    الملك يهنئ البابا ليو الرابع عشر    الرئيس الموريتاني يستقبل رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي    لطيفة رأفت تدخل على خط قضية "إسكوبار الصحراء".. والناصري يواجه اتهامات بالوثائق    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    ضواحي طنجة.. رجل أعمال أجنبي يحصل على 2 مليار سنتيم لمفرخة أسماك لم ترَ النور    توقيف شخصين بالبيضاء بشبهة حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    افتتاح الجناح المغربي في المعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية    حالة الحرب بين الهند وباكستان تترسخ!    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار عمارة فاس    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    عمال النظافة بطنجة يحتجون ضد شركة "أرما"    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تشارك في خطة أميركية لتوزيع المساعدات في غزة    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    بنعلي: المغرب أحدث رسميا ثماني محميات بحرية موزعة على طول سواحله المتوسطية والأطلسية    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    أخبار الساحة    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    انعقاد الاجتماع الوزاري المقبل للدول الإفريقية الأطلسية في شتنبر المقبل بنيويورك    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    برلماني يطالب باختصاصات تقريرية لغرف الصناعة التقليدية    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    8 قتلى و7 جرحى في حادث انهيار منزل من 4 طوابق بفاس    في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة وتصاعب المطالب بوقف التطبيع.. إسرائيل تصادق على اتفاقية النقل البحري مع المغرب    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبناء المهاجرين يسرقون للتعبير عن رفضهم فيعبرون عن سخافتهم
نشر في المساء يوم 31 - 08 - 2009

«يضعون فوق رؤوسهم قبعات مقلوبة يشتمون العالم وهم يرقصون «الهيب هوب» أو يدبجون أغاني «الراب» الحانقة، يرتدون أحدث تقليعات «نايك» و«أديداس» ويعيثون في أوربا فسادا... هؤلاء هم أبناء المهاجرين! «
ج. لولاش
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا حينما أقنعت فؤاد أخيرا بالإنصراف. قذفنا القطار E في محطة لوبليسي تريفيس. هممت بالجري في اتجاه موقف الحافلات غير أن حارس أمن المحطة أفزعني. كان يجرّ كلبا ضخما مكمم الفم مما اضطرني لأن أمشي على الأرض هونا. أما فؤاد فبدا لامباليا. لا يخيفه الكلب ولاحارس الأمن ولا مرورآخر حافلة ولا أي شيء!
وجدنا محطة الحافلات فارغة إلا من الليل. لا أحد ينتظر. آخرحافلة مرّت هنا منذ ربع ساعة. اللعنة. حتى عندما راودتني فكرة تبديد كل ما في جيبي من أوروات للوصول إلى البيت، اكتشفت، دونما دهشة، أن لا طاكسي يذرع هذا الخلاء: «يبدو أن السيارات الفارهة إياها موجودة في رأسك فقط، «قلت لفؤاد معاتبا.
شرعنا نمشي في اتجاه البيت : لكي نصل علينا أن نقطع مسافة ساعة إلا ربع سيرا على الأقدام !
شتمت فؤاد والحافلات والليل وبونطو كومبو البعيدة... كلّما مرقت سيارة أمامنا كان فؤاد يلوح لها بإبهامه، دون نتيجة طبعا. فجأة دس يده في جيبه واكتشف أنه بلا سجائر. كلّ محلات بيع الدخان والمقاهي والبارات كانت مغلقة. أخذ يضرب الأرض بحنق ويلعن الفرنسي الغبي الذي عنت له فكرة تشريع قانون يمنع وجود موزعات السجائر الآلية كما في هولندا وبلجيكا وإسبانيا! طوال الطريق لم يتوقف عن السب والتجديف واستجداء العابرين القلائل الذين كنا نصادفهم يتسكعون في الإتجاه المعاكس. كلهم كانوا يعتذرون. بعضهم كان يسبقنا ويطلب سيجارة قبل أن نطلبها منه. آخرون يؤكدون بمنتهى الجدية أنهم لايدخنون. فؤاد ينظر إلى الأرض ويتحسر على ليلة سيقضيها بدون سجائر. أعرف أنه مدخنة حقيقية، نادرا ما ترى أصابعه من دون دخان، لذلك لن يستطيع أن ينام هكذا. فجأة، عنت له الفكرة ذاتها التي تمر بخاطر كل مدمن حقير لم يستطع إلى الدخان سبيلا : التقاط أعقاب السجائر من الأرض!
لم أتمالك نفسي فانفجرت ضاحكا. كان يشتمني ويرمي الأعقاب بعدما يكتشف بيأس أنها مبللة ولن تشتعل. تهاطل مطر غزير هذا الصباح والأمس ويوم السبت و الجمعة... مطر وقح سقط نكاية بفؤاد ليبلل الأرض ويفسد كل الأعقاب!
كان اليأس والتعب قد نكّلا بنا مليا عندما دنونا من البيت. الأعقاب القليلة التي لملمها تافهة ولايبدو أنها قابلة للإحتراق لكنه كان يمني نفسه بها مبددا ما تبقى في جعبته من أوهام. فجأة، توقفت سيارة رونو5 بمحاذاتنا. على متنها كان يوجد مجموعة من المراهقين، بنات وأولاد. وتتعالى منها موسيقى الراي. لاشك أنهم أبناء مهاجرين عرب. بادرنا سائق الرونو بطلب عود ثقاب أوقدّاحة. همست لفؤاد : «هذه فرصتك لتحصل على سيجارتين أو ثلاث وتتخلص من الأعقاب الوسخة !» موسيقى الراي صاخبة والشباب لم يكفوا عن التصايح داخل السيارة. لاشك أنهم مخمورون، أو مزطولون على الأرجح. أخذ السائق القداحة من يد فؤاد، وقبل أن ينبس الأخير ببنت شفة، سمعنا السيارة تزعق، بغتة، وهي تنطلق كالسهم. تركتنا مشدوهين لانكاد نصدق ما حدث!
فؤاد صار يشبه تمثالا حجريا على حافة الطريق. تبادلنا النظر في ذهول... ثم انفجرنا ضاحكين: «الحيوان سرق قداحة... قداحة !» بقي فؤاد يردد مثل أحمق.
هؤلاء هم أبناء المهاجرين العرب، يسرقون أشياء تافهة ليعبروا عن رفضهم فلا يعبّرون سوى عن سخافتهم. يضعون فوق رؤوسهم قبعات مقلوبة ويحشون آذانهم بسماعات «الوولكمان»، ينصتون إلى أغاني الراي ويرتدون أحدث تقليعات «نايك» و«أديداس» ويعيثون في أوربا فسادا. فشلت كل مشاريع إدماجهم في المجتمع الفرنسي. رغم سياسة اليسار المتسامحة ومخططات اليمين الردعية ما زالوا يحرقون السيارات وينهبون البنوك ويتحرشون برجال الأمن ويشتمون العالم وهم يرقصون «الهيب هوب» أو يدبجون أغاني «الراب» الحانقة، ويسرقون قداحة فؤاد انتقاما لهوية مشوشة وتاريخ موتور...
وصلنا إلى البيت أخيرا متعبين بلا سجائر وبلا قداحة وبلا رغبة في الكلام. في المطبخ كانت ثمة علبة ثقاب، بمجرد ما رآها فؤاد فكر في حل أخير: اقتحام الغرفة المجاورة ... هناك توجد سيغارات غليظة مغلفة بغشاء بلاستيكي موضوعة بعناية في صناديق صغيرة فوق الأباجورة. سيغار واحد منها فقط يكفي لوضع حد لمحنته الليلية!
نسمّي هذه الحجرة التي تقع جنب الغرفة التي يكتريها داخل فيلا العجوز، «غرفة المرحوم». لأنها تضم أشياء زوج إسلان الذي ذهب إلى السماء منذ سنوات. كل شيء داخلها يوحي بالماضي. عندما تدلف إليها تحس كأنك تسافر عبر الزمن: صور الزوج القديمة بالأبيض والأسود وسط إطارات عتيقة تذكر بصور ضحايا الهولوكوست في البرامج الوثائقية الكثيرة التي تتحدث عن النازيين. الأثاث تفوح منه رائحة الموت والسنوات والجدران والألوان الباهتة والهدوء الذي لايعادله إلا هدوء الموت السرمدي... مدام إسلان تثق في فؤاد لأنه فتى مؤدب وذكي، كما تقول، وعلاوة على ذلك يتابع دراسات عليا هامة في القانون، لذلك تترك الغرفة مفتوحة. بيد أنه كأي مغربي محتال يلبس عشرات الأقنعة في اليوم الواحد، يدلف إليها كلما احتاج إلى ذلك. بل إنه مرة عندما زاره أحد الأصدقاء رفقة زوجته جعله ينام في غرفة المرحوم! وهاهو الآن يتآمر على سيغاراته... لاشك أن زوج إسلان كان شخصا مهما توفي قبل أن يحول هذه الأصابع الغليظة من التبغ إلى دخان ساحر في السماء. خذله جسده وبقيت السيغارات هنا تدل على حضور وازن وهام. نصحت فؤاد بأن يعدل عن فكرته الحمقاء، دون جدوى. كان مصمما على سرقة سيغار واحد على الأقل... لكن خيبته كانت كبيرة وهو يكتشف أن باب غرفة المرحوم مغلقا!
حسنا فعلت مدام إسلان، قلت له. «لن أستطيع النوم»، ردد بيأس، «سوف أخرج». أغلق الباب وراءه. تركته يدبر أمره مع الليل والسجائر والحظ العاثر وارتميت على السرير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.