"البيجيدي" يراسل وزارة الداخلية مطالبا بوضع حد لتدخلات زوج الرميلي في شؤون جماعة الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    حريق يُصيب عناصر الوقاية المدنية والقوات المساعدة ورجال الأمن    تكريم مستحق لأحمد سيجلماسي في مهرجان الرشيدية السينمائي    الدورة الثالثة من تظاهرة "نتلاقاو في وزان" للتعريف بالتراث الأصيل للمدينة    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    المغرب يدعو لدعم الاقتصاد الفلسطيني حتى يتجاوز تداعيات الحرب    إحداث 24 ألف و896 مقاولة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2024    وزير الحج يعلن وصول 1.2 مليون حاج        الكونغو برازافيل تستقبل المغرب في أكادير في تصفيات المونديال    خبير يتوقع تحولا نوعيا مرتقبا في المنظومة الصحية وجودة العلاجات..    مُذكِّرات        مندوبية السجون تُعلن عن السماح للسجناء بتلقي قفة المؤونة خلال العيد    5 زلازل تضرب دولة عربية في أقل من 24 ساعة    الغلوسي: المراكز المستفيدة من زواج السلطة بالمال تعرقل سن قانون الإثراء غير المشروع    "جون أفريك": المبادرة الأطلسية حجر الزاوية الجديد في الدبلوماسية المغربية    تنسيق أمني بين المغرب وإسبانيا يطيح بموال ل"داعش"    المغرب يُشغل مصنعاً ضخماً لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في 2026    الكوسموبوليتانية وقابلية الثقافة العالمية    بعد تهديدات بايدن للمحكمة الجنائية.. كلوني يتصل بالبيت الأبيض خوفا على زوجته    الحكومة تنفي إبعاد الداخلية عن الاستثمار والجازولي: لا يمكن الاستغناء عن الولاة    رابطة الدوري الإسباني تستعد لإطلاق مشاريع رياضية في السعودية    عطلة عيد الأضحى.. هل تمدد إلى 3 أيام؟    الفرقة الوطنية تحقق مع موثقين بطنجة بشبهة تبييض الأموال    ماذا قال عموتة بعد تأهل الأردن إلى الدور الحاسم في تصفيات المونديال؟    كيوسك الجمعة | المغاربة يرمون 4 ملايين طن من الطعام في المزبلة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    السنتيسي يقاضي مجموعة من المنابر الإعلامية    منتخب الكونغو يستقبل المغرب بأكادير    عبر انجاز 45 كلم من القنوات .. مشروع هيكلي ضخم بإقليم سيدي بنور للحد من أزمة الماء الشروب    مصر.. هل يهتم الشارع بتغيير الحكومة؟    الحرب في غزة تكمل شهرها الثامن وغوتيريس يحذر من اتساع رقعة النزاع    نادي الفنانين يكرم مبدعين في الرباط    توزيع الشهادات على خريجي '' تكوين المعلّم '' لمهنيي الميكانيك من مركز التكوين التأهيلي بالجديدة    مدرب زامبيا: مواجهة المغرب صعبة    اختتام معرض "حلي القصر" بدولة قطر    المهرجان الرباط-كوميدية بنسخته الخامسة    المغرب يكمل الجاهزية لمباراة زامبيا    الاقتصاد الروسي ينمو، ولكن هل يستطيع أن يستمر؟    إسرائيل ترفض مشروع قرار أميركي بمجلس الأمن بوقف الحرب على غزة    السعودية تعلن الجمعة غرة شهر دي الحجة والأحد أول أيام عيد الأضحى    الأمثال العامية بتطوان... (618)    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    إصدار جديد بعنوان: "أبحاث ودراسات في الرسم والتجويد والقراءات"    الإجهاد الفسيولوجي يضعف قدرة الدماغ على أداء الوظائف الطبيعية    أونسا يكشف أسباب نفوق أغنام نواحي برشيد    إسبانيا تنضم رسميًا لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    مقتل قرابة 100 شخص بولاية الجزيرة في السودان إثر هجوم    أمسية شعرية تسلط الضوء على "فلسطين" في شعر الراحل علال الفاسي    هشام جعيط وقضايا الهوية والحداثة والكونية...    الصحة العالمية: تسجيل أول وفاة بفيروس إنفلونزا الطيور من نوع A(H5N2) في المكسيك    مقتل 37 شخصا في قصف مدرسة بغزة    الممثلة حليمة البحراوي تستحضر تجربة قيادتها لأول سربة نسوية ل"التبوريدة" بالمغرب    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انحدار فلسطيني غير مسبوق
نشر في المساء يوم 16 - 10 - 2009

من يتابع تفاصيل المشهد الفلسطيني الراهن يصاب بحالة من الإحباط، فطرفا المعادلة السياسية الفلسطينية، أي حركة «حماس» والسلطة الفلسطينية ورئيسها في رام الله وبعض المحسوبين عليه، انحدرا إلى مستويات متدنية من الإسفاف السياسي والردح الإعلامي.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحمل القسط الأكبر من اللوم، لأنه لم يتصرف كرئيس مسؤول تحتم عليه مكانته التعفف في القول، والابتعاد عن المسائل الشخصية، والتجريح، والهبوط بمستويات الخلاف والحوار السياسي، بالتالي، إلى المعدلات التي نتابعها الآن على شاشات التلفزة.
كنا نتوقع أن يرتقي الرئيس عباس إلى مستوى المسؤولية، وأن يعترف علنا بخطيئته التي ارتكبها باتخاذ قرار تأجيل التصويت على تقرير غولدستون أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان، والتنكر بالتالي لدماء شهداء المجازر وجرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، ولكنه لم يفعل للأسف الشديد، وكرّس خطاباته للهجوم بشكل شرس على خصومه في حركة «حماس»، لتحويل الأنظار عن هذه الخطيئة، وبمثل هذه الطريقة الساذجة المكشوفة.
الرئيس عباس اتهم حركة «حماس» باستخدام سحب التصويت على قرار غولدستون من أجل التهرب من استحقاقات المصالحة الفلسطينية واتفاقها الذي كان من المفترض أن يُوقَّع في الثلث الأخير من هذا الشهر، وهو اتهام في محله، لا يمكن الجدل فيه، ولكن من الذي أعطى «حماس» هذه الهدية التي لم تخطر على بالها أبدا، وهي التي كانت ذاهبة إلى طاولة التوقيع مرغمة بسبب الضغوط والتهديدات المصرية، وانسداد الأفق أمام مشروعها المقاوم في الوقت الراهن، نظرا إلى المتغيرات الدولية والإقليمية، واشتداد الحصار عليها في قطاع غزة.
كان أمرا مؤسفا أن يصل الأمر بالرئيس عباس إلى القول، عبر منبر الجامعة الأمريكية في جنين، إن قيادات «حماس» هربت من قطاع غزة إلى سيناء وتركت أهل القطاع يواجهون العدوان الإسرائيلي وحدهم، فالرئيس عباس يعرف، أكثر من غيره، أن مئات من قيادات وكوادر حركة «حماس» استشهدوا أثناء العدوان، مثل الشيخ سعيد صيام وزير الداخلية السابق، والدكتور نزار ريان الذي رفض مغادرة دارته في مخيم جباليا واستشهد وجميع أطفاله وأفراد أسرته.
وربما يفيد التذكير بأن الرئيس السابق جورج بوش، الذي يتزعم القوة الأعظم في العالم، اختبأ في خندق سري أثناء هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي نظمتها القاعدة.
إننا لا نبرئ حركة «حماس» في الوقت نفسه، فقد خرج بعض المسؤولين فيها عن أدب المخاطبة، التي تفرضها التقاليد الإسلامية، في الرد على الرئيس الفلسطيني، ولكن ذنب الرئيس عباس كان كبيرا وصادما، ومن الصعب التعامل معه بلغة العقل وضبط الأعصاب وانتقاء الكلمات والعبارات.
المصالحة مطلوبة، والوحدة الوطنية الفلسطينية أيضا، ولكن من الصعب تحقيق أي منهما في ظل الانحدار الراهن في المشهد الفلسطيني و«حرب الشتائم» التي نعيش فصولها حاليا.
الطريقة الارتجالية التي تعامل بها الرئيس عباس مع تقرير غولدستون ومحاولة تصحيح هذه الخطيئة بأخرى ربما تكونان أخطر، من خلال عرض التقرير مرة أخرى يوم غد (الخميس) على المجلس العالمي لحقوق الإنسان، ودون إعداد جيد وتنسيق مكثّف مع الأشقاء العرب والمسلمين والأصدقاء في دول العالم. فمن الواضح أن الرئيس عباس يريد «شلفقة» مسألة التصويت حتى تأتي النتائج بما يؤكد «صوابية» وجهة نظره في تأجيل التصويت، أي سقوط التقرير لعدم توفر الأغلبية المطلوبة.
الهجوم على «حماس» لن يخفي حقيقة جوهرية، وهي اتباع الرئيس عباس والمجموعة الصغيرة المحيطة به نهجا سياسيا يتعمد احتقار الشعب الفلسطيني والدوس على مشاعره وكرامته ودماء شهدائه، بطريقة مهينة تنطوي على الكثير من الاستهتار بذكائه وتاريخه النضالي العريق.
الشعب الفلسطيني يضم مستودعا ضخما للعقول في مختلف التخصصات، القانونية منها على وجه الخصوص، ولم نسمع مطلقا أن سلطة الرئيس عباس استعانت بأي خبير قانوني فلسطيني أو عربي أو مسلم، وهم يعدون بالمئات وموجودون في أوربا وأمريكا يدرسون في أعرق جامعاتها، من أجل التعاطي مع كيفية مناقشة تقرير غولدستون أمام مجلس حقوق الإنسان، في المرة الأولى أو في المرة الثانية.
لا يضير حركة «حماس» أن يعايرها الرئيس عباس بأنها رفضت تقرير غولدستون في بداية الأمر، لأنه اتهمها بممارسة جرائم حرب، ولن تسعفها محاولة نكران هذه الحقيقة في الوقت نفسه، وكان عليها أن تعترف بهجومها على القاضي اليهودي الجنوب إفريقي وفريقه، فهي ليست دولة، كما أن مسؤوليها لن يتضرروا من أي إدانة أو ملاحقة دولية أمام جرائم الحرب، فهم قادة حركة مقاومة ومحاصرون حاليا وممنوع عليهم مغادرة القطاع، وفوق هذا وذاك لا نعتقد أن السيدين محمود الزهار أو إسماعيل هنية هما من المترددين على جادة الشانزليزيه في باريس، أو أكسفورد ستريت في لندن، أو فيافينتو في إيطاليا، من أجل التبضع وشراء أحدث ما أنتجته دور الموضة العالمية لهم ولأطفالهم وزوجاتهم.
الفلسطينيون يعيشون أزمة حقيقية من جراء الانقسامات الحالية، والحرب الكلامية التي ترافقها. ولا نبالغ إذا قلنا إنها المرحلة الأسوأ في تاريخهم، فقد نسي الطرفان، فتح وحماس، الاحتلال الإسرائيلي وعمليات الاستيطان المستمرة ومحاولات تقويض المسجد الأقصى وإقامة كنيس يهودي على أنقاضه، في غمرة هذه الحرب الأهلية الكلامية.
المصالحة الفلسطينية باتت من المستحيلات في الوقت الراهن، وإن كنا نعتقد أنها لم تكن ممكنة قبل انفجار أزمة تقرير غولدستون، فقد أرادتها حركة «حماس» من أجل كسب الوقت والتهرب من الضغوط، وأرادتها سلطة عباس، ولا نقول حركة «فتح» البريئة من فضيحة التقرير المذكور، لتجنب إغضاب الأشقاء المصريين، وتحمّل مسؤولية فشل المصالحة بالتالي.
المصالحة في شكلها السابق كانت مثل عملية زواج بالإكراه أو خلط الزيت بالماء، وباتت الآن أكثر صعوبة، والشعب الفلسطيني يدرك هذه الحقيقة.
انفجار الانتفاضة الثالثة، سلمية كانت أو غير سلمية، ربما يكون المخرج المشرّف من الأزمة الحالية الخانقة، فحماس لم تعد تمارس المقاومة بشكلها المعهود، والصواريخ لم تعد تهطل كالمطر على المستوطنات الإسرائيلية، أي أنها تعيش على الماضي القريب (عمليات استشهادية ومقاومة) وحركة فتح تعيش على الماضي البعيد (أي إطلاق الرصاصة الأولى)، أما رهان السلطة على عملية سلمية عقيمة فقد تأكد فشله. الرئيس عباس لا يجب أن يستخدم ورقة الدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة مطلع العام المقبل كتهديد لحركة «حماس»، لأن مثل هذه الخطوة لن تبرئه من خطيئة تقرير غولدستون، ولن تعطيه الشرعية التي يتطلع إليها. عليه أن يواجه استحقاق هذا التقرير أولا، ويقدم نفسه للمحاسبة والمحاكمة ثانياً.
الانتخابات هي نتيجة توافق سياسي، ومشاركة جميع ألوان الطيف السياسي فيها، ومن أجل خدمة مشروع وطني؛ ولهذا فإن الدعوة إليها في ظل الاحتلال والانقسامات الحالية ستعطي نتائج عكسية تماما، خاصة بعد أن ثبت أن السلطة المنبثقة عن هذه الانتخابات جاءت من أجل التعايش مع الاحتلال وليس مقاومته، وعلى حساب مشروع التحرر الوطني الفلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.