كارثة عمرانية بسور المعكازين بطنجة.. ومطالب بمحاسبة الشركة المشرفة على الفضيحة!    باريس ومونتريال ونيويورك تحتضن فعاليات يوم الأمة القبائلية: دعوة مفتوحة من الحكومة المنفية لإحياء الذاكرة وتأكيد خيار الاستقلال    المنتخب المغربي يهزم تونس بثنائية استعداداً ل"كان 2025′′    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من الرئيس المصري بمناسبة عيد الأضحى المبارك    المنتخب الوطني يفوز على نظيره التونسي في مباراة ودية بهدفين نظيفين    الأسود تزأر مرتين ضد تونس في فاس    مشروع ضخم لربط كهربائي بين المغرب وفرنسا يعزز طموحات المملكة كجسر طاقي بين إفريقيا وأوروبا    الملك محمد السادس يصدر عفوه السامي على 1526 شخصا بمناسبة عيد الأضحى المبارك    رفع عدد الرحلات الجوية بين طنجة ومالقا خلال صيف 2025    فرانس 24 تفضح الفظاعات التي يرتكبها النظام الجزائري ضد آلاف المهاجرين بطردهم إلى الحدود مع النيجر بدون ماء ولا طعام    المغاربة في صدارة الحاصلين على الجنسية الإسبانية سنة 2024    فوز صعب لأسود الأطلس على نسور قرطاج    الشهبي يكتب: الجامعة ليست ساحةً للثأر السياسي    الوداد الرياضي يكشف القميص الجديد    الحسيمة: مريض ينتحر داخل مستشفى محمد السادس بعد قفزه من الطابق الثالث    قناة إيطالية تشيد بالوثائقي المغربي "إشعاع مملكة" الذي تنتجه شركة "Monafrique Prodcom"    دعوة لحماية مؤسسات الطفولة والشباب من منطق الربح التجاري    المديرية العامة لأمن نظم المعلومات تنفي تسجيل أي اختراق لأنظمة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية وتكشف مصدر التسريبات    مرحبا 2025.. عروض بحرية استثنائية للجالية المغربية    دينامية سياسية متسارعة بالحسيمة استعدادًا للاستحقاقات التشريعية المقبلة    اللحوم تنفد في محلات للجزارة    مخيمات الأمن ترسخ القيم الإنسانية    للجمعة ال79 … آلاف المغاربة يتظاهرون بالعديد من المدن دعما لغزة والقدس    على هامش غياب الكاتب حسونة المصباحي    أطباء مغاربة يحذرون من تزايد حالات الاجتفاف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    محمد حماقي ينضم لنجوم الدورة ال20 لمهرجان موازين    برشلونة يتلقى "عرضا مغريا" لمواجهة فريق مغربي بالدار البيضاء    أمير المؤمنين يؤدي غدا السبت صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد الحسن الثاني بمدينة تطوان        توقعات أحوال الطقس غدا السبت    طوابير الحجاج في مكة لحلاقة الشعر يوم عيد الأضحى    ملف الصحراء في إفريقيا .. الدبلوماسية المغربية تُسقط شعارات الجزائر    حجز كميات كبيرة من زيت الزيتون المغشوش ومشتقاته بتارودانت    متجاوزا التوقعات.. النمو الاقتصادي الوطني لسنة 2024 يسجل تحسنا بلغ 3,8%    هشام جعيط وقضايا الهوية والحداثة والكونية...    غموض يلف تقرير الحسابات واعتقالات تربك جماعة الرباط    قبيل مباراة المغرب وتونس.. المركب الرياضي لفاس يكتسي حلة جديدة بعد الإصلاحات    فرنسا.. فتح تحقيق قضائي بتهمة التواطؤ في الإبادة بسبب عرقلة إيصال المساعدات إلى غزة    إسرائيل تهدد بمواصلة ضرب لبنان في حال لم ينزع سلاح حزب الله    الأدبُ المُعَاصِر هل هو مُتْرَعٌ ببُذُورَ الإحبَاط والسَّوْدَاوِيَّة والإكتئاب؟    الحجاج ينهون رمي الجمرات في أول أيام العيد    أسعار الذهب ترتفع    يوميات حاج (8): الهدي ورمي الجمرات .. تطهير النفس وتحرير الروح    الحجاج يبدأون رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    مع تأييد 81% من المغاربة لحق المرأة في العمل.. هل تكون "كوطا النساء" حلا لأزمة البطالة؟    أسود الأطلس يتعهدون بإسعاد الجماهير في وديتي تونس والبنين    قاض يوقف "مؤقتا" حظر التحاق الطلاب الأجانب بجامعة هارفارد    الاتحاد الأوروبي يدعم المحكمة الجنائية على خلفية العقوبات الأميركية وإصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو    الحجاج يبدأون رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    "يمكن" عمل جديد للفنان زياد جمال – فيديو-    الحجاج يودعون "عرفات" متوجهين إلى مشعر مزدلفة    مهرجان كناوة 2025 بالصويرة .. تلاق عالمي بين الإيقاعات والروح    قتل الكلاب والقطط الضالة بالرصاص والتسميم يخضع وزير الداخلية للمساءلة البرلمانية    بداية عهد جديد في تدبير حقوق المؤلف.. مجلس إداري بتمثيلية فنية ومهنية لأول مرة    ضوء النهار يعزز المناعة.. دراسة تكشف سر النشاط الصباحي للخلايا الدفاعية    دراسة: الإفراط في الأطعمة المصنعة قد يسرّع أعراض باركنسون    "الخرف الحيواني" يصيب الكلاب والقطط مع التقدم في العمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشفرة بالعلالي
نشر في المساء يوم 02 - 11 - 2009

في ظرف شهر واحد، تابع القضاء الفرنسي وزيرين سابقين ورئيس حكومة. وفي الوقت الذي حكمت فيه المحكمة على «شارل باسكوا»، وزير الداخلية الأسبق، بالسجن سنة نافذة وسنتين موقوفتي التنفيذ، بسبب صفقة أسلحة مشبوهة مع «أنغولا»، لازال ينتظر وزير الداخلية ابن مدينة الرباط، «دومينيك دوفيلبان»، حكم المحكمة في قضية «كلير ستريم» التي يتهمه فيها الرئيس الفرنسي بوضعه اسمَه في قوائم بنك أجنبي.
أما الرئيس الفرنسي «جاك شيراك»، الذي جاء إلى فندق «الغزالة الذهبية» في تارودانت لكي يسخن عظامه ويأكل كعب الغزال بالشاي المنعنع، فقد وصله استدعاء القاضي للمثول أمام المحكمة قبل أن يضع حقائبه في الجناح المخصص له في الفندق، ففضيحة الوظائف الوهمية التي انفجرت في باريس بين 1983 و1998 لازالت تلاحقه إلى اليوم.
كل من «شارل باسكوا» و«جاك شيراك» يلعبان على أعتاب الثمانينيات، وقد تركا العمل السياسي وتفرغا لتأليف المذكرات والسفر، ومع ذلك لم ترحم العدالة كبر سنيهما.
في الجارة الشمالية إسبانيا، أرسل القاضي «غارسون» قبل أمس حفنة من السياسيين والنواب والمستشارين ورجال الأعمال إلى السجن من أجل متابعتهم في حالة اعتقال بتهمة الارتشاء واستغلال النفوذ من أجل إنجاز مشاريع عقارية.
عندما أقرأ مثل هذه الأخبار وأشاهد هؤلاء النواب والمستشارين يخرجون من بيوتهم مصفدي الأيدي، وأرى الوزراء السابقين في شاشات القنوات التلفزيونية يدخلون المحاكم لكي يجيبوا عن التهم الموجهة إليهم، أقول في نفسي هذه هي العدالة التي نريدها في المغرب. لا عدالة «الغميق» على الضعفاء وجرجرة المواطنين البسطاء أمام العدالة بسبب شيك تافه بقيمة ألف درهم أو سرقة دجاجة، بينما الكبار الذين «يهرفون» على الملايير لا يوجد قاضٍ واحد يأمر بفتح تحقيق معهم.
وفي الوقت الذي تقوم فيه العدالة الفرنسية ونظيرتها الإسبانية بمحاسبة الوزراء والنواب والمستشارين حول طرق صرفهم للمال العام أثناء تحملهم المسؤولية، نرى كيف أنه في المغرب لم تتجرأ النيابة العامة على فتح تحقيق في الأخبار الواردة من مراكش، مثلا، والتي تتحدث عن ترك المجلس البلدي السابق لديون وصلت إلى 95 مليار سنتيم، وكأن الأمر يتعلق ب95 ريال وليس مليار. ورغم أن المجلس السابق ترك فواتير كثيرة غير مسددة، منها 11 مليار كفواتير متراكمة عن استهلاك الماء والكهرباء، و12 مليار كفواتير عن المكالمات الهاتفية (تيلي بوتيك هاذا مابقاش مجلس)، و14 مليار كديون لشركات جمع الأزبال، فإن المجلس الحالي برئاسة المنصوري فاطمة الزهراء قرر تأجيل النظر في هذه الديون إلى ما بعد، وكأن مجلس المدينة كان مسيرا من طرف الأشباح وليس من طرف عمدة اسمه عمر الجزولي، عليه أن يشرح للمراكشيين أين صرف أموال ضرائبهم.
أما في الرباط، فقد اكتشف الاتحادي فتح الله والعلو، الذي هبطت عليه عمادة الرباط كمائدة من السماء، أن صناديق مجلس المدينة فارغة. ولم يكلف أحد، في القضاء أو في أي مكان آخر، نفسَه طرحَ السؤال البسيط التالي: «فين مشاو هاذ الفلوس؟». ألم يكن هناك مجلس سابق يترأسه عمدة سابق اسمه البحراوي ألف المجلسُ الأعلى للقضاء حول مصاريفه تقريرا بحجم الوسادة..
لدينا اليوم في المغرب فضيحة عقارية أكبر من الفضيحة التي اندلعت في إسبانيا وأمر القاضي «غارسون» بإيداع المتورطين فيها السجن بغرض محاكمتهم. فوزارة الإسكان، التي يوجد على رأسها وزير ينتمي إلى حزب الوزير الأول، متورطة حتى الأذنين في فضيحة مدينة شبح اسمها «تامسنة». وهناك اليوم حوالي 3000 عائلة تنتظر شققها الموعودة منذ سنتين، ولا يوجد ما يدل على أنها ستحصل عليها قريبا.
ووزارة الإسكان غارقة حتى الأذنين في فضيحة تسريب معلومات حول مشروع عقاري بالرباط خارج إطار المنافسة الشريفة. ومع ذلك، لم نسمع أن احجيرة أقيل من منصبه لكي يقف أمام المحكمة بسبب هذه الفضائح العقارية التي انفجرت في عهده. فالمسؤول الأول عن كل ما يقع في وزارة الإسكان ليس الكاتب العام للوزارة وحده، وإنما الوزير نفسه.
وإلى اليوم، لم نسمع «حسا» للوزير احجيرة، ولم يتجرأ على إعطاء ندوة صحافية لكي يشرح للمغاربة ما يقع من فضائح في وزارته. وليس وزير الإسكان وحده من يبتلع لسانه عندما تنفجر فضيحة في وزارته وإنما وزير المالية أيضا يجيد هذه الرياضة. فقد أصدر أحد القضاة خلال العطلة الصيفية حكما في حق شركة «ليغلير المغرب»، إحدى أكبر شركات النسيج، يقضي بخضوعها للتقويم القضائي، وسلم رئيسها العراقي، الوزير والسفير الأسبق، مفاتيحها إلى المحكمة بعدما اعترف بعجزه عن تسيير دواليبها. وهكذا فجأة، أصبحت مئات الملايير التي أنفقتها الدولة على هذه الشركة من أموال دافعي الضرائب ومئات ملايير القروض التي منحتها إياها البنوك، كلها في مهب الريح. وبسبب هذا التسونامي الذي ضرب أكبر شركة نسيج في المغرب، هاهي شركات أخرى تغلق أبوابها بسبب خضوع «ليغلير المغرب» للتقويم القضائي، وأولاها شركة «كوليي ماروك» بفاس التي علقت المفاتيح هذا الأسبوع.
وأمام هذا الزلزال المالي الذي كلف ثلاثة بنوك مئات الملايير من القروض المقدمة إلى السنوسي، منها 600 مليار لبنك بنجلون وحده، لم نسمع أن بحثا قضائيا فتح في الموضوع لتحديد مسؤولية السنوسي «مول الشي» في ما وقع، وهل يتعلق الأمر بعجز حقيقي في التسيير أم إن هناك أمورا أخرى أعمق.
في الدول الديمقراطية عندما تفلس شركة كبرى أعطتها الدولة والحكومة جميع التسهيلات المالية لكي تنجح، أول شيء يقوم به القضاء هو استدعاء الوزراء الذين تعهدوا هذه الشركة بالرعاية و«الحنان»، وأولهم الوزير الأول الأسبق إدريس جطو، ووزير الصناعة والتجارة الأسبق مزوار.
لكن بما أننا في المغرب، فإن شيئا من هذا لن يحدث. وحتى عندما غادر وزير السياحة الأسبق عادل الدويري الحكومة ووضع على طاولة حساب مشترك للاستثمار مع عثمان بنجلون وجطو ثمانية ملايير سنتيم، لم يسأله أحد من أين لك بكل هذه الملايير. مجرد سؤال.
وعندما ذهب عليوة من البنك العقاري والسياحي بعدما باع لنفسه فيلا في ملكية البنك بثمن أقل من ثمنها، ها نحن نرى كيف جاء مكانه السي رحو من شركة الزيوت. ولكي يعطي رحو عن نفسه صورة جيدة، طلب من زوجته التي كانت تشتغل في البنك أن تجمع أغراضها وتقدم استقالتها حتى لا تقول ألسنة السوء إن مدير البنك الجديد يشتغل مع زوجته. والحقيقة أن مدير البنك الجديد لو أراد، فعلا، أن يعطي صورة جيدة عن حسن إدارته لطالب عليوة بإرجاع الفيلا التي باعها لنفسه بثمن بخس. فهذه هي الطريقة الوحيدة للقطع مع ثقافة «اللي دا شي داه». على كل حال، يبقى ما قام به رحو عندما طلب استقالة زوجته من البنك الذي سيتولى إدارته، أمرا محمودا. وليس مثل وزير المالية مزوار الذي لم ير في فوز مكتب دراسات أسسه أخوه عبد الكبير مزوار بصفقة لإعادة انتشار الموارد البشرية لوزارة المالية تقد ب 800 مليون سنتيم، أمرا مثيرا للشبهات.
اليوم، صناديق وميزانيات عمومية كثيرة تعلن إفلاسها دون أن تتم محاسبة المسؤولين عن هذا الإفلاس. عمادات مدن، شركات كبرى استفادت من الدعم العمومي، قنوات القطب الإعلامي العمومي، صناديق التقاعد، الخطوط الملكية الجوية، «مكاين غير الفلاس المبين».
في اليوم الذي سنرى فيه الوزراء وعمداء المدن والبرلمانيين والمسؤولين الكبار في الدولة والجيش والقضاة يقفون أمام العدالة بسبب تبديدهم للمال العام، آنذاك سنقتنع بأن هناك إرادة حقيقية لإصلاح القضاء في هذه البلاد. أما إذا استمر القضاء المغربي في الاستقواء على الضعفاء والبسطاء ومن لا «ضلعة» لهم في الرباط، فإن الجميع سيقتنع بأن الوزارة تتحدث عن إصلاح القضاء نسبة إلى «المصلوح» وليس إلى الإصلاح.
عندما لاحظ الحسن الثاني أن «الشفرة» تجاوزت الحدود وأصبحت تهدد صورة المغرب لدى المستثمرين الأجانب، أعد محاكمة للوزراء انتهت بإرسال كثير منهم إلى السجن. وهكذا فهم الباقون أن «القضية حماضت» بالفعل، وأن «تاشفارت» ليست ممنوعة كليا، ولكن «اللي بغا يشفر يشفر بالقياس».
وليست هناك طريقة لشرح ما وصلت إليه الرشوة والسرقة في المغرب أكثر من تلك النكتة التي تقول إن أحد وزراء التجهيز ذهب في زيارة رسمية بدعوة من نظيرة في حكومة بلد صديق. وعندما انتهيا من الأكل قاما إلى النافذة، فأشار وزير التجهيز بأصبعه نحو قنطرة وشرح لنظيره كيف أن التصميم الأصلي فيه أربع ركائز، لكنه وضع ثمن ركيزتين في جيبه وشيد القنطرة فوق ركيزتين فقط.
انتهت الزيارة وعاد وزير التجهيز إلى المغرب. وعندما جاء دوره لدعوة نظيره في التجهيز دعاه وأعد له الطعام في بيته. وعندما انتهيا قاما إلى الشرفة فأشار له وزيرنا بأصبعه إلى مكان وجود إحدى القناطر، وقال له:
- شوف هاديك القنطرة شحال زوينة...
ففتح الوزير الضيف عينيه جيدا لكي يرى القنطرة التي يتحدث عنها نظيره في التجهيز، لكنه فشل في رؤيتها. فالتفت إليه وقال له:
- ما بانت ليا حتى قنطرة...
فنفث وزيرنا دخان سيجاره في وجه ضيفه وقال له باسما:
- كانت غادي تكون قنطرة تماك، ولكن ما درتهاش ودرت فلوسها فجيبي...
خلاصة القول، «الشفرة» موجودة في كل بلدان العالم، «غير هيا عندنا ولات بالعلالي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.