الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    منحة استثنائية من أيت منا للاعبيه بعد الفوز في "الكلاسيكو"    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    المغرب يدعم "لم الشمل" من الجزائر    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    توقعات بتدفقات مبكرة للجالية المغربية نحو شمال المملكة    مشروع قانون جديد يرفع رسوم الأراضي غير المبنية    للا حسناء تزور مهرجان السجاد الدولي    مراكش تحتفي بالموسيقى الكلاسيكية    أسعار تسويق لحم الديك الرومي بالتقسيط تبصم على انخفاض في المغرب    الحارس الأسبق للملك محمد السادس يقاضي هشام جيراندو    الوقاية المدنية تستبق الصيف بعملية تأمين شاملة لشواطئ الناظور    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    المغرب والإمارات: تحالف الوفاء في زمن الجحود وعبث الجوار العسكري    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    السلطات الإسبانية تؤكد أن تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    حريق بمسجد "حمزة" يستنفر سلطات بركان    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    فوز كاسح للحزب الحاكم في سنغافورة    الملاكم كانيلو ألفاريز يعتلي عرش الوزن "المتوسط الفائق"    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    لقجع يهنئ لاعبات نادي الجيش الملكي    شركة بريطانية تجر المغرب للتحكيم الدولي بسبب مصادرة مشروعها    "صوت أمريكا" تستأنف البث    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    وهبي: قادرون على تعويض الغيابات وأؤمن بكل اللاعبين    رغم انخفاضها الكبير عالميا.. أسعار المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    طقس الأحد ممطر في هذه المناطق    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    طنجة.. العثور على جثة شخص يُرجح أنه متشرد    برشلونة يهزم بلد الوليد    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يتحول «التنوير» إلى وسيلة لاستئصال كل ما يخالف قيم الغرب
كتاب «اليوتوبيا الأخيرة» يؤكد أن يوتوبيا الحقوق العالمية هي اليوم قيد الاحتضار
نشر في المساء يوم 06 - 12 - 2009

منذ المستهل تشير الباحثة إلى أن يوتوبيا الحقوق العالمية هي اليوم قيد الاحتضار، فقد انغلق الأفق الذي حلمت به البشرية، والذي يصبح فيه الناس أحرارا، سواسية. ذاك الحلم الكامن في دخيلة أي إنسان، ذاك الطموح الذي تم تدوينه منذ ستين عاما في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبدو اليوم سرابا، نظرا للإنهاك الذي أصاب طموحات عصرنا المطوق من كل جهة بالعداء والعنف. مع التكنولوجيات الجديدة والشبكات الاجتماعية على الانترنت، لم يتوقف الإنسان عن دفع حدوده الفكرية بعيدا بهدف التواصل مع الآخرين. من هذا المنظور قد تبدو العولمة وثبة نحو المزيد من العالمية. غير أن هذه العولمة فاقمت من حدة الخوف والحماسة.
كل الذين تابعوا المقابلة التي جمعت طارق رمضان وكارولين فوريست في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي على القناة الفرنسية الثالثة، ضمن برنامج ،«ce soir ou jamais» ، شاهدوا سيدة مندفعة، يتدفق كلامها في كل الاتجاهات، وتحذوها رغبة اجتياح الفضاء بأكمله، كي لا تترك لخصمها، بل لعدوها، أي فرصة للتفكير وجمع أنفاسه، بكيفية تجعله يرتبك في ردوده وفي شروحاته. غير أنها خسرت رهان استراتيجيتها الهجومية، مبرهنة على عدم معرفتها بطارق رمضان، الذي يملك بدهائه وذكائه قدرة هائلة على دحض منهجية ومنطق خصومه. ولنا في المقابلة التي جمعته بالتونسي عبد الوهاب المؤدب أفضل مثال، لما أبان طارق رمضان عن الخواء الفكري لهذا الأخير. كان هذا اللقاء التليفزيوني المباشر الذي جمع ما بين طارق رمضان وكارولين فوريست امتدادا لمجابهات، بل صراعات غير مباشرة بين الاثنين، سواء في منتديات دولية أو دروس جامعية، مع العلم أن طارق رمضان تحول إلى هاجس مرضي شيدت من حوله فوريست استراتيجيتها الإعلامية والنظرية. وما الكتاب الذي خصته له بعنوان «الأخ طارق.. خطاب، استراتيجية ومنهج طارق رمضان» (صدر عن منشورات غراسي عام 2004)، سوى برهان على ذلك. تربت فوريست في حلبات الصراع والسجال لما كانت مسؤولة عن مركز الشواذ والسحاقيات، ثم في مدرجات الجامعة حين كانت طالبة ثم أستاذة. وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ظهرت في المشهد إلى جانب حفنة من «المحللين» رتبوا على مقاسهم بطاقات تعريف مهنية تقدمهم «أخصائيين في الشأن الإسلامي» أو «مفكرين باحثين متنورين مناهضين للإسلام الأصولي»، أمثال التونسي عبد الوهاب المؤدب، أنطوان بسبوس، أنطوان صفير، فيما ثقافتهم في الإسلام وأصوله، نصا وتأويلا، مهزوزة من الأساس. مطية أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبحت إذن حصان طروادة كارولين فوريست للهجوم ب«الفن» على الإسلام و«المتطرفين»، الذين ترى أن طارق رمضان قطبهم الأعظم. وتستحق كارولين فوريست أن تقدم للقارئ العربي، ليس بغرض التنديد بشخصها أو قناعاتها الشخصية، بل لأنها تدافع- من موقعها -بصفتها أستاذة بمعهد الدراسات السياسية لباريس ومتعاونة مع محطة «فرانس كيلتير» وجريدة «لوموند»- عن مشروع استئصالي تسعى بنضالية مستديمة إلى نشره وتعميمه حتى في العالم العربي، وفي الوسط الطلابي المغاربي، الذي يتابع دروسها في المعهد. يستند هذا المشروع على أيديولوجية استئصالية باسم علمانية نقدية للديانة. تبقى الديانة هنا حصرا على الإسلام، ونسبيا على المسيحية. أما الديانة اليهودية فلا تجرؤ على تفكيكها كما تمارس ذلك بشكل مسعور في حق الديانة الإسلامية.
ماضي الثقافات وحاضرها
ولدت كارولين فوريست عام 1975 بمدينة إيكس آون-بروفانس. حصلت على دبلوم في التاريخ والسوسيولوجيا بمدرسة الدراسات العليا وبمعهد العلوم السياسية. أسست عام 1997 بمعية رفيقة عمرها فياميتا فينير موقع ProChoix، الذي تشرف فيه على هيئة التحرير. المواضيع المفضلة التي يعالجها هذا الموقع هي قضايا العلمانية، حقوق المرأة، والشواذ. في بداية مشوارها، ركزت كارولين فوريست تحرياتها الصحافية والنقدية على أيديولوجية الجبهة الوطنية بزعامة جان ماري لوبان، و بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 نقلت الحرب إلى جبهة الديانة الإسلامية وتحديدا إلى الصراع العلني والمباشر مع طارق رمضان ومع ما أسمته اليسار-الإسلاموي المتحالف مع الأطروحات المتطرفة. أصدرت عام 2007 بتوقيع مشترك مع أنطوان صفير كتاب «صدمة الآراء المسبقة». عملت محررة بالأسبوعية الساخرة «شارلي هيبدو»، التي كانت وراء نشر الرسوم الكاريكاتورية عن الرسول.. إنها شذرات من مشوار حافل بالسجال والتهجمات، مع حيز وافر خصصته للإسلام. بعد «هجومات متقاطعة. العلمانية على محك الأصوليات اليهودية، المسيحية والإسلامية» (منشورات كالمان ليفي، (2003)، و«الإغراء الظلامي» (منشورات غراسي2005)، صدر لها مؤخرا كتاب «اليوتوبيات الأخيرة. أخطار تهدد العالمية». يعاود الكتاب طرح قضايا سبق أن عالجتها في مقالات على موقعها الشخصي، في الدروس الجامعية بمعهد باريس للدراسات السياسية، أو في محاضراتها العمومية، مثل التعددية الثقافية والانفراد الثقافي، الاختلاف، العالمية، العلمانية، التطرف... وتستند مقاربتها على المقارنة بين ماضي الثقافات وحاضرها، بين المكتسبات التي أنتجتها العقلانية، العلمانية وفلسفة الأنوار الجديدة وبين انتكاس القيم والمعارف التي نعاينها اليوم. غير أن هذا التذكير بفضائل الماضي ليس بدافع الحنين أو إعادة إنتاج نموذج الأنوار، بل بوازع أيديولوجي الهدف منه أقلمة القناعات، المعتقدات والأفكار حول عالم يبقى في الأخير على صورة وتصور الغرب. و بذلك، تنضم فوريست إلى كوكبة تدعو إلى التنوير، لكن باسم استئصال كل ما يخالف قيم الغرب...كما أن نصوصها ومقارباتها لا تخلو من نبرة تبشيرية تأخذ صيغة: حضارتنا اليوم في خطر وأهم ما يهددها الظلامية، التي يعتبر الإسلام مكمنها!
منذ المستهل تشير الباحثة إلى أن يوتوبيا الحقوق العالمية هي اليوم قيد الاحتضار، فقد انغلق الأفق الذي حلمت به البشرية، والذي يصبح فيه الناس أحرارا، سواسية. ذاك الحلم الكامن في دخيلة أي إنسان، ذاك الطموح الذي تم تدوينه منذ ستين عاما في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبدو اليوم سرابا، نظرا للإنهاك الذي أصاب طموحات عصرنا المطوق من كل جهة بالعداء والعنف. مع التكنولوجيات الجديدة والشبكات الاجتماعية على الانترنت، لم يتوقف الإنسان عن دفع حدوده الفكرية بعيدا بهدف التواصل مع الآخرين. من هذا المنظور قد تبدو العولمة وثبة نحو المزيد من العالمية. غير أن هذه العولمة فاقمت من حدة الخوف والحماسة. فأحداث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 والصراع الإسرائيلي-العربي لا تزال لهما القدرة على إفراز ردود أفعال «متشنجة». وفي غمرة الأخبار المتلاحقة لم تعد للمواطن القدرة على أخذ المسافة الكافية لطرح السؤال. زد على ذلك أن القراءة فقدت قدرتها وسلطتها. كما أن حلبة المساجلة والتناظر أصبحت تعيش حالة تشرذم. ولربما تعلق الأمر بمرحلة انتقال. زد على ذلك، تؤكد الباحثة، أننا نعيش مرحلة انطواء على المستوى الجهوي، الإثني، القبلي، العائلي، و أصبحنا عرضة للبلقنة باسم التسامح مع غير المتسامحين دون أن ننتبه إلى أن مسلسل الإقفال الثقافي في تقدم وأن الحريات الفردية تعرف تراجعات. وهكذا اختلطت الأوراق إلى درجة أننا عدنا لا نميز فيها بين الثقافي والسياسي، بين ما هو جماعي وما هو جمعوي...خصوصا لما يتعلق الأمر بمطالبات تتم باسم الإسلام.
وباء التفرد الثقافي
وهكذا بدأت التعددية تلاحظ الكاتبة في فقدان زخمها بفعل التشرذم الثقافي والإثني وأيضا نتيجة المطالبات الضيقة للمجموعات والقوميات. ولم تقدر الحكومات في أكثر من بلد (كندا، بريطانيا على سبيل المثال) على مقاومة المجموعات في تطبيق أعرافها وقوانينها الخاصة، في أحضان الأعراف والقوانين المؤسسة للدولة مثل إنشاء محاكم موازية للمحاكم الرسمية. وما صعود أحزاب اليمين المتطرف في أكثر من بلد إلا علامة من علامات أحادية الثقافة. في هولندا لوح الحزب الهولندي المتطرف بإحصائيات غايتها التخويف، فقد استند حزب اليمين المتطرف على دراسة حكومية تشير إلى أنه عام 2010 ستصبح مدن مثل أمستردام، روتردام، لاهاي مدنا بأغلبية مسلمة. وتذكر فوريست بأن تعيين طارق رمضان مستشارا للاندماج بمحافظة روتردام كان خطأ قاتلا. إن انبثاق الشعبوية في العديد من بلدان أوروبا مرده سيادة الأحادية الثقافية. وتأتي الباحثة على ذكر النموذج السويسري الذي سجل فيه اليمين المتطرف اختراقات انتخابية عديدة بفضل المتطرفين وعلى رأسهم الإخوان المسلمون وداعيتهم طارق رمضان. تنقسم سويسرا إلى طرفين: طرف ينادي بالفركوفونية وطرف ثان مسيحي محافظ، يعادي الأجانب وله توجه جرماني. وقد أبدت الصحافة السويسرية لسنوات نوعا من التسامح المفرط مع الإخوان المسلمين. وقد استغل هاني وطارق رمضان كل المنابر السويسرية لتمرير خطاباتهما المتطرفة، تقول كارولين فوريست.
وتبعا للمشروع الاستصالي لهذه الأخيرة، ف«الداء» الديني هو الإسلام والدواء هو العلمانية. الدواء العلماني في نظرها هو الحل. إذ لإنقاذ التعددية الثقافية يجب أن ننقذها من ذاتها بالتشديد على متطلباتها العالمية والعلمانية ونهج سياسات تجمع أكثر مما تفرق. ولإيقاف المد الأصولي وأيضا المد اليميني المتطرف ثمة وصفة واحدة تقدمها لنا فوريست هي نزع شوكة طارق رمضان بطرده من سويسرا وعدم فتح المنابر للأصوليين من اليسار الأوروبي، لأنهم يشكلون العمق الاستراتيجي لكل أشكال التطرف. يسكن طارق رمضان بشكل هوسي مخيال وكتابات كارولين فوريست، تشيطنه في كل الفرص والمناسبات، و تنصب نفسها محامية لعلمانية راديكالية، مناهضة للدين، حيث تنقل في كل المناسبات أساليب نضالها من أجل الشواذ والسحاقيات، وهو صراع اجتماعي وسياسي، إلى ساحة التبادل الفكري. الحجاب، البرقع، العذرية، تعدد الزوجات، الشريعة وغيرها من المواضيع الساخنة التي لا تزال قيد المطارحة هي الحطب الذي تذكي به فوريست نصوصها الإيكزوتيكية. في مساجلاتها العديدة، ردت جمعية «شبكة فولتير» على كارولين فوريست بأنها الناطقة الرسمية باسم المحافظين الجدد الأمريكيين وباسم إسرائيل. وقد شدد طارق رمضان في المقابلة التي جمعته وفوريست على هذه القرابة. وفي عنوان «أكاليل الظلامية»، أصدر في 18 أبريل 2006 مجموعة من الباحثين والمفكرين الذين لهم وزن في حقل الدراسات الإسلامية مثل جان بوبيرو، فرانك فريغوسي، فانسان جيسير، رفائيل ليوجييه، مقالة في جريدة «لوموند» يحتجون فيها على منح كارولين فوريست جائزة الكتاب السياسي..
اليوتوبيا السلبية
لا ترى كارولين فوريست في المشهد الإسلامي سوى لطخة سوداء اسمها التطرف الأصولي. نحن هنا بصدد انغلاق فكري وانسداد للأفق بلا نافذة إغاثة. لكن هناك شط أمان ترسمه لنا فوريست هو أن ينصهر المسلمون في مسلسل الحداثة مثل ما تقوم به الأقلية المسلمة النقدية والناقدة من أمثال عبد الوهاب المؤدب، محمد السيفاوي، أنطوان بسبوس وأنطوان صفير. لم تذهب صاحبتنا بعيدا في اختيار نماذجها ومراجعها الفكرية. فمن يقرأ لهؤلاء الأشخاص الذين يحتلون المنابر الإعلامية الفرنسية، وينشرون بسهولة في كبريات دور النشر الفرنسية لتمرير أفكار تافهة وكاريكاتورية عن العرب والمسلمين؟. العجيب في الأمر أن كارولين فوريست لم تأت في موضوع التعددية الثقافية على ذكر أشغال إدوارد سعيد الفاصلة في هذا المجال، والذي عمق فيه البحث بناء على معطيات تاريخية، أنثروبولوجية، سياسية متينة. و إذا كان طارق رمضان هو العقدة الكبرى لكارولين فوريست، فإنها لن تتقدم في فهم الحالة الإسلامية بصفتها تعددية معقدة، بشرية، فكرية، دينية، استيتيقية، اجتماعية تسعى إلى الإتلاف ضمن الاختلاف. ولو حصل لكارولين فوريست أن أقامت كباحثة، كما هو حال الباحثين الجديين، في بعض الدول العربية الإسلامية لدراسة أعرافها وتقاليدها، لغاتها وشعوبها، لتعلمت الكثير، ولغيرت بالكاد اليوتوبيا السلبية والسالبة التي تمررها في كتاباتها عن هذه العوالم، والتي لا تعدو كونها تخريجات مفصلة مسبقا. وبما أنها تفضل مقاربة المجتمعات العربية الإسلامية من خلال الأطروحات الاستشراقية ومن خلال صور التفجيرات، وخاصة تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، فمن الأفضل أن تبقى على غفلتها، في قعر دارها.
تعارض نماذج الإدماج
في خضم هذا النقاش، برز تعارض بين نموذجين في الإدماج: النموذج الفرنسي، الذي يتكئ على كل القيم المكتسبة من الجمهورية الفرنسية، التي هي اليوم عرضة لانتقادات حادة بحجة أنه نموذج غير متسامح، عنصري، عتيق، والنموذج الثاني، النموذج الأنغلوساكسوني، الذي يستند إلى التعددية الثقافية إلى حد تقديس الاختلاف. لكن هذا النموذج تعرض لضربة قاسية، بحكم تسامحه المفرط، غداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
بعد هذا التقديم الذي قدمت فيه الباحثة توصيفا عاما للإطار العالمي العام، الذي عرفت فيه العالمية انتكاسة حقيقة، تنتقل إلى معالجة الإشكاليات الأربع الرئيسية التي عرضتها للنقاش: طموح عالمي في طريقه إلى الإنهاك، مغالطات مناهضة العنصرية، تعددية ثقافية إلى الهاوية ثم اللقاح العلماني.
في المحور الأول تذكر فوريست بالمكتسبات التي تحققت بفضل الإعلان عن توقيع ميثاق حقوق الإنسان. كانت حقبة أمل، تقول فوريست، بهدف تأسيس إنسانية كونية. لكن هذا الأمل هو في قيد الاندثار. من بين الأمثلة التي تسوقها لهذا «الانحراف»، وبنية مبيتة، القرارات التي اتخذها مجلس الأمن و هيئة الأمم المتحدة ضد إسرائيل. إذ بدل أن تندد هذه الأجهزة الدولية بما يحدث في دارفور، الكونغو أو الزيمباوي، ركزت عقوباتها على إسرائيل، تقول الكاتبة، مشيرة إلى أنه من بين ثمان دورات استثنائية ناقشت موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في السنوات الخمس الأخيرة، خصصت خمس دورات لدراسة وضعية حقوق الإنسان في إسرائيل. وبما أن دول الجنوب والدول الإسلامية لا تقدر على فرض عقوبات على إسرائيل في مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي، فإنها تنتقم من إسرائيل في لجنة حقوق الإنسان. وتلاحظ فوريست أن الدول الإسلامية هي التي تتنصل من تطبيق المواثيق الدولية لما تضع العامل الديني فوق كل الاعتبارات. و تقول الباحثة إن الإمام الخميني هاجم عام 1979 ميثاق حقوق الإنسان بحجة أنه مفهوم علماني غربي، سليل اليهودية والمسيحية، وإذن لا يتوافق وقداسة الشريعة الإسلامية. وبفضل منظمة المؤتمر الإسلامي، تم تأسيس ميثاق إسلامي خاص بالدول المنضوية تحت لوائه. ويتعارض ميثاق المنظمة، تشير الباحثة، مع ميثاق حقوق الإنسان لكونه يبيح مثلا الاسترقاق تبعا للشريعة الإسلامية. وتضيف بأن هذا الأخير يدخل ضمن التقاليد الإسلامية. وتخلص الباحثة إلى أن ثمة توجها إمبرياليا إسلاميا يقوم على مفهوم «خير أمة»، وعلى رسالة نشر الحضارة الإسلامية. وعلى المنوال الاستشراقي، تنسج كارولين فوريست فرضياتها السريالية، إذ تحول ظواهر هامشية تعرفها المجتمعات العربية الإسلامية إلى ظواهر ثابتة، لصيقة بلاوعي المسلم، داخل كيان مسيج بالدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.