رغم المنشور الذي كان قد قدمه رئيس الحكومة الحالي حول محاربة التغيب غير المشروع عن العمل للمستشارين، فإنه مازال يلاحظ الغياب المتواصل في صفوف المستشارين عن الجلسات الأسبوعية لمجلس المستشارين، بمَ تفسر ذلك؟ غياب المستشارين عن الجلسات الأسبوعية بمجلس المستشارين لا يمكن أن يحد بمنشور صادر عن رئاسة الحكومة لأن المسألة أعمق من ذلك لكونها ظاهرة معقدة لا ترتبط بمسألة مرسوم بل ترتبط بمسائل نوعية ثقافة وعقليات المستشارين وتنشئتهم السياسية والرغبة في الاستهتار بقيم التعاقد والالتزام والتمثيلية، والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة ازدادت تفاقما مع الدستور الجديد، إنها ظاهرة لا تحترم رسائل الخطابات الملكية الموجهة للبرلمان بمجلسيه ولا تلتزم بالنظام الداخلي لمجلس المستشارين وتشوه الانتماء الحزبي. وعلى هذا الأساس، لا يمكن أن نحد من ظاهرة غياب المستشارين عن الجلسات الأسبوعية إلا إذا تحملت الأحزاب مسؤولياتها في اختيار مرشحيها والاستثمار في تنشئتهم السياسية وتغيير عقلياتهم والتزام رئيس المستشارين بنشر أسماء المستشارين في بداية الجلسات ونشرها في وسائل الإعلام لأن استمرار هذه الظاهرة يهدد مستقبل الغرفة الثانية ويشوه صورها المهتزة أصلا عند الرأي العام. كيف يؤثر غياب المستشارين في أداء دور المجلس وكذا في مصداقية القوانين التي يصوت عليها داخل مجلس المستشارين؟ مع الأسف غياب المستشارين يؤثر في أداء المجلس ذاته على مستوى العمل التشريعي والرقابة على العمل الحكومي، ويفقد عملية التصويت على مشاريع القوانين مصداقيتها ويؤثر سلبا عن الوظيفة التمثيلية باعتبارها الوظيفة الأساسية للبرلمان بمجلسيه، لأنه لا يعقل أن يصوت على قوانين أساسية وإستراتيجية ترهن مستقبل المغرب ومصيره السياسي لعقود طويلة بعدد ضعيف من المستشارين وبتدخلات سياسية بئيسة تخرج قوانين رديئة شكلا ومضمونا. من يتحمل مسؤولية غياب المستشارين، وكيف يمكن ضبط ومحاسبة المستشارين الغائبين؟ هي مسؤولية الجميع، الدولة والأحزاب ومؤسسة المستشارين ذاتها والمواطن. وهي ظاهرة معقدة لها أبعاد تاريخية وسياسية وسوسيولوجية وثقافية وذهنية تعكس نوعية نخبنا البرلمانية ونخب أحزابنا ونوعية ثقافة وتنشئة هذه النخب، قد يطول الحديث عن هذه الظاهرة الخطيرة لكننا نقول – بصفة عامة- استمرار غياب المستشارين عن الجلسات العمومية هي ظاهرة تعكس في العمق أولا طبيعة النظام السياسي المغربي. ثانيا تعكس نوعية النخب البشرية السياسية التي تفرزها الانتخابات ونوعية المؤسسات الحزبية التي تمنحها التزكية. ثالثا تعكس عدم توفر مجلس المستشارين على آليات قانونية زجرية إلزامية صارمة كفيلة بضبط الحضور وجعل الغياب عن الجلسات العمومية مسالة أساسية تستوجب معاقبتها ليس بعقاب مادي ولكن بعقاب سياسي. رابعا أنها قمة الاستهتار بالمؤسسة البرلمانية. خامسا غياب الإرادة السياسية عند الدولة والأحزاب لوضع حد لظاهرة غياب المستشارين، والغريب في الأمر أنه كلما أراد البرلمان المغربي بمجلسيه مواجهة ظاهرة النواب المتغيبين عن الجلسات الأسبوعية كلما ازداد النواب والمستشارون تعنتا في التغيب أكثر، إنها عبثية القدر.