القمة العربية ... السيد عزيز أخنوش يتباحث بالمنامة مع الرئيس العراقي    المالكي يستقبل أطفالا مقدسيين مؤكدا وقوف المغرب إلى جانب الفلسطينيين    رئيس سلوفاكيا في حالة حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    كأس العرش | الجيش يبلغ نصف النهائي بفوز مثير على الدشيرة        توقيع برنامج تعاون بين المغرب والصين في مجال تحديث الإدارة القضائية ورقمنة منظومة العدالة    لجنة الأخلاقيات توقف رئيس "الماص" وتغرم "الماط" بسبب رسم كاريكاتوري    سفر أخنوش يؤجل اجتماع المجلس الحكومي    هزيمة ثقيلة للمنتخب المغربي أمام إنجلترا    موريتانيا تحقق في تحطم طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    الشرطة السويسرية تفض اعتصاما طلابيا    مزور تستعرض جديد "جيتكس إفريقيا" بالمغرب.. الصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    من ضمنها المغرب.. واشنطن تحث دولا عربية على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات في غزة    شاب يقدم على وضع حد لحياته داخل غابة بطنجة    الحسيمة: تعبئة 10 ملايين درهم لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء    مبابي يغيب عن مواجهة سان جرمان أمام نيس بداعي الإصابة    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    "فيفا" ينظم أول نسخة لمونديال الأندية للسيدات    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    الدار البيضاء.. افتتاح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    العودة إلى موضوع "شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين"!    توسيع 6 مطارات مغربية استعدادا للمونديال    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب3% خلال 2024    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الباراغواي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    بما في ذلك الناظور والحسيمة.. 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب135 مطارا دوليا    موسم الصيف.. الترخيص ل 52 شركة طيران ستؤمن 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب 135 مطارا دوليا        مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    قصيدة: تكوين الخباثة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    الأمثال العامية بتطوان... (598)    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقيقة الفنية
نشر في المساء يوم 16 - 03 - 2016

كي ندرك علاقة الفن بالمعرفة والحقيقة، ومعنى الحقيقة الفنية، يجب أن نتحرر من تمثلين للحس المشترك، هما: أن الفن مجرد محاكاة، وأنه ليس سوى وسيلة لإنتاج صور جميلة لمتعتنا، فكل المواقف المعادية للفن تستند بشكل من الأشكال إلى هذا التمثل، وهي تجد جذرها الأول على المستوى الفلسفي في الأطروحة الأفلاطونية.ومن المعلوم أن أرسطو ساهم بواقعيته وحسه العلمي، وخاصة في كشفه لطبيعة التراجيديا بوصفها بناء حكائيا تخيليا إبداعيا، في خلخلة التصور الأفلاطوني، عندما أكد أن المحاكاة مصدر للمتعة والمعرفة، وأن التراجيديا ليست في العمق محاكاة للجزئي والخاص، بل هي محاكاة تتجاوز ذلك إلى الكلي والجوهر، فالفنان الدرامي، حسب أرسطو، يستحضر الجزئي الفردي ليطل منه على العام الكلي.وقد أكد كانط أن الجمال الفني ليس هو جمال الموضوع، بل جمال تمثيل الموضوع، وأن الفنان هو الشخص العبقري الذي يقدر على خلق آثار أصيلة، عوض أن يكون مجرد مكتشف أو معبر أو محاكٍ. إن له وضعا ساميا باعتباره خالقا créateur.وقد بين هيجل تهافت وعبثية فكرة إرجاع الفن إلى المحاكاة. فالفن، في نظره، أسمى من الطبيعة لأنه فعل الروح، ويقدم للإنسان مرآة روحه، بل هو شكل من أشكال العقل المطلق في تعبيره عن ماهيته عبر التاريخ، ولذلك لا يمكن فهم فن شعب من الشعوب أو فن عصر معين، دون مقاربته من زاوية تاريخية ومن زاوية تطور العقل.وأكد كل من شوبنهاور ونيتشه القيمة السامية للفن من حيث هو رؤية ميتافيزيقية خاصة للعالم. فهو الذي يسمح لنا بإدراك الأشياء في حقيقتها، يضعها أمام أعيننا كما هي بدون أن يفسرها أو أن يبررها، أو يقوم بصياغتها في مفاهيم، بل يعبر عنها بشكل مباشر وحدسي. والحقيقة التي يكشف عنها الفن، كما أوضح هيدجر، من خلال قراءته للوحة «الحذاء» لفان جوخ، ليست هي الحقيقة بالمعنى المنطقي، بل هي انكشافdévoilement ، يخرج الأشياء من الخفاء إلى التجلي، فماهية الفن هي وضع حقيقة الكائن لذاتها في الأثر الفني.إن الفن في المنظور المعاصر هو أولا إدراك متميز للعالم، فعلى العكس من الإدراك اليومي السطحي والعملي يقوم الفن على إدراك آخر يمكن آن نصفه بأنه تأملي منزه عن كل غرض عملي نفعي، ينظر إلى الأشياء في ذاتها، فيحرر الذهن من أسر الحياة اليومية العملية، ليجلي الأشياء في فرديتها. وهو ثانيا لغة رمزية، فقد عرف الناقد الإنجليزي كلايف بيل الأثر الفني بأنه «الشكل الدال» أو «الصورة ذات المعنى»، فالقاسم المشترك أو الخاصية التي تجمع بين اللوحات والسيمفونيات والقصائد والرقصات والمنحوتات هي «الشكل الدال»significant form ، ويعني في الفنون البصرية تلك التوليفات بين الخطوط والألوان التي تثير في المشاهد انفعالا إستطيقيا، أي ذاك التنظيم الخاص الذي يتخذه الوسيط المادي الحسيmedium ، والفنان إنما يشير ويدل بالشكل وفي الشكل، والشكل الدال هو المضمون في حضوره الإستطيقي، وهو الذي يتطابق مع انفعال مبدعه تجاه الواقع النهائي، وهو الذي يثير في المتلقي انفعالا إستطيقيا. وهو يرى أن الدلالة الشكلية ليست سوى الشيء منظورا إليه كغاية في ذاته، وتكون له دلالة أكبر مما لو نظرنا إليه هو نفسه بوصفه وسيلة إلى غايات عملية. وقد تجاوز الفيلسوف الأمريكي المعاصر نيلسون غودمان في كتابه «لغات الفن»les langages de l'art المسائل التقليدية للإستيطيقا، أعني الجمال والذوق والتجربة الجمالية، للبحث في الوظيفة الرمزية للآثار الفنية، فقد أكد أن شيئا ما لا يشكل أثرا فنيا إلا عندما تكون له وظيفة رمزية، انطلاقا من أن الرمزsymbole يقول، يحيل، يحل محل شيء ما في الواقع، ومن ثم يجب النظر إلى الفن ضمن الأنساق الرمزية لما يسميه صناعة العالم. وانطلاقا من ذلك يمكن أن نقول إن الفن ليس محاكاة لموضوعات خارجية، وليس تكرارا لحقيقة جاهزة أو نسخا لواقع قائم سلفا، بل هو كشف لحقيقة جديدة، الشيء الذي يقتضي أن نتعامل معه ككل متسق في اكتفائه الذاتي ووجوده الفردي وما يعبر عنه من حقيقة.وبوصفه رمزا، فهو يوسع دائرة معرفتنا ويمتد بها إلى ما وراء مجال خبرتنا الواقعية المباشرة، والمهم في الفن هو صدق الرمز، كما تقول سوزان لانجر، أي قدرته على التعبير عن أشكال الوجدان، بل إن الحقيقة الفنية، كما وصفها تيودور غرين، تتميز هي أيضا بالاتساق والتطابق. فهدف الفن مثله مثل العلم إنما هو تقرير حقيقة، وإذا كانت للعلم لغته القائمة على العلاماتsignes فإن للفن لغته القائمة على الرموزsymboles ، ومثل هذه اللغة الرمزية لا بد أن يكون لها نسقها الخاص من القواعد كما أوضح هربرت ريد، والأعمال الكبرى ليست بمضمونها التعبيري، بل بفضل الحقائق الوجدانية الكلية التي استطاعت أن تجسدها، ومن ثم فإن المهم في المجال الفني هو دقة الرمز وانضباطه والتحامه التام بمعناه، وفي ذلك تكمن حقيقته.
الموسيقى و توازن العالم
بالموسيقى تحافظ الحياة على توازنها، وكما في مشهد سينمائي لا يمكننا أن نعبر مسافة العمر، باتجاه النهاية، دون أن نسبح في بحر الموسيقى الهادر، ليست سوى العادة من يجعلنا نألفه وتتكيف معه حواسنا جميعها فتخترقنا الموسيقى بشكل سري، لا يمكن تصور عالم بلا موسيقى، بلا صوت… حتى النهايات في حاجة إلى موسيقى جنائزية تفصل بين نقطتي البداية والختام )الذي ليس سوى بداية أخرى(، وعلى ضفتي هذه الموسيقى، الجنائزية، يقف أحباب الراحل وعشاقه أو عشيقاته، وبالمقابل يقف الجلاد )أو يقف الموت( خاشعا، لأنها الفرصة الوحيدة التي يمكنه فيها أن ينصت إلى الموسيقى في هيبة ووقار… كتيبة الموت قبل أن تنفذ حكم الإعدام يكون بينها وبين المحكوم به )بالإعدام ( فاصل من صمت مشحون بموسيقى خاصة يخترقها الرصاص قبل أن يخترق جسد الضحية. في المرات القليلة جدا استطاع الجلاد، الذي لا تكف أصابعه عن الارتعاش، أن يتحول إلى عازف موسيقي، عازف فقط، لأن الموسيقى لا تُعزف بالآلات وحدها، فبغيرها يتم العزف، كما يمكننا أن نسمعها بغير آذان، وإلا ما استطاع الموسيقار العالمي بيتهوفن أن يؤلف، بعد إصابته بالصمم، مقطوعاته الخالدة الرائعة. عندما ينهزم المقاتل يلجأ إلى الموسيقى والشعر (باعتبارهما يعنيان روح الأشياء)، هذا ما حدث لوالدي عندما انكسرت حملة الهيبة ولد ماء العينين، التي كان أحد مقاتليها. والدتي الأمازيغية، رغم بلوغها التسعين من العمر، ظلت تغني بصوت ملائكي يرسم جبال بلدتها وغابات اللوز، فتستحضر نسيم صباحات لم أرها وحفيف الأشجار… فاكتشفت، من خلالها، كيف تجعلك الموسيقى تحارب الاغتراب في مدينة لا تتقن لغتها كمدينة الدار البيضاء. أنا لم أكن أتقن لغة أمي، وتلك كانت غربة أخرى، لولا غناء أمي ورقصها الذي كان يمد الجسور بيننا… عندما غادرت السجن كان من الأشياء الهامة التي سعيت لتحقيقها هو كتيبة من موسيقى وغناء، فكانت مجموعة «الطلقة» للغناء الملتزم. وكما أردد دائما بكون القصيدة ليست الشعر، بقدر ما هي باحة ليحط فيها أو فخاخ ننصبها له، فإن الآلات الموسيقية ليست سوى وسائل لجعل الموسيقى مرئية، أي مسموعة، للآخرين. الموسيقار الرائع هو من يجعلنا نستبدل مهام حواسنا لنستطيع أن نرى بآذاننا بدل الأعين، فتعبر الأيائل والنساء الجميلات ويهب نسيم ويُضَوَّع شذى عندما تُعزف الموسيقى. رقصة زوربا الإغريقي تمت في خلاء بين شخصين لا يعرف أحدهما لغة الآخر، والرقص يكون دائما مصحوبا بالموسيقى، مما يدل، حسب هذا المشهد للكاتب نيكوس كازانتزاكيس، على أن الموسيقى تغلف العالم، نحتاج فقط لتربية فنية حسية لإدراكها وسماعها، حتى الأصوات المزعجة يمكن أن نكتشف داخلها نغما شجيا… عندما وضعوني، كعقاب لي، بزنزانة قرب ورشة للنجارة، يشتغل فيها سجناء الحق العام )إبان ما أصبح يُعرف بسنوات الرصاص(، عملت على أن أستخرج من كل هذا الضجيج موسيقى تصاحبني خلال اليوم، وكم كنت أصاب بالفراغ والصداع عندما يتوقف العازفون يومي السبت والأحد. الضجيج يسكن دواخلنا صحبة السكينة، وبالقدر الذي نهذب فيه حواسنا، بالقدر الذي نستطيع فيه أن نشذب الهدير، ونجعل كل أصناف الجلادين، من دعاة العنف والقتلة، يكفون عن معزوفاتهم النحاسية، كما نستطيع أن ندرك تلك الموسيقى التي تقوم بالحفاظ على توازن العالم وتوازننا الخاص.
انتشاء الذات في تشظي المرايا الحولاء للراحل أحمد جندل
المرايا الحولاء مطولة شعرية للراحل أحمد جندل تحيل في عمقها إلى ذات رافضة لأنظمة ثقافية اجتماعية وسياسية سائدة… رافضة لوضعها وتبحث عن منفذ للهروب والتحرر من مشاعر القلق وعدم الرضا والخوف وخيبة الاختيار من ذات قتلتها هوية رسمية مقننة تنهار أمام ذات رافضة لمشروع حياتي وتبحث عن بدائل هوياتية مختلفة، هي الأصل، لتتصارع الرغبات وليحس أحمد داخليا بالاغتراب والاختلاف المنعكس في مرايا حولاء متشظية، تتولد منها الرغبة في التنكر للقوالب الجاهزة المفروضة التي كانت نتاج واقع معين في ظروف معينة، فيلازمه الرفض والتمرد والبحث عن مسالك تذوب فيها رغبات ذاته التواقة إلى ينابيع تروي عطشه من داخل تفاحة ملعونة سكنها الجفاف. أحمد في هذا المسار الرسمي يخلو لذاته، يبحث عن نفسه فيجدها جثة نال منها القحط ليتبنى قضية الانبعاث عله يعثر على هويته الموشومة بندب في متاهات انكسار المرايا إلى نصفين لتجلو ذات أحمد في انعكاسها على الماء وجهين على صفحة، قدرين يلجمهما الصمت المطلق والصمت المطبق، فيكون اختياره الهروب والانسحاب من واقع أصابه بلعنة الاغتراب والرضوخ للأمر الواقع، فيتجلى الكون أصمّ حوله، هو الحاضر، وتسري لوعة التمرد داخله بدون صدى أو استجابة لتمرده، فيسكنه مرة أخرى الصمت في رفض لواقعه مسجونا داخل أفكاره وانتظاراته وماضيه، يحقق رغباته في فضاءات يخلقها، يحقق بها البديل لوضعه الاعتباري في رفض تام لكل مظاهر السيطرة والتحكم التي قد تطول اختياراته، وفي هذا الوضع بين الرفض والتمرد يتجدد موقف الصمت لتكون محاولات رفض الانهزام، ويمارس طقوس التمويه بصمت يومئ بإشارات يشاركه فيها من آمنوا بقضيته. المرايا انعكست على الماء
تشقه نصفين
ولتشقني قدرين
شق للصمت المطلق
وشق للصمت المطبق
قضيتي تعويذتي
لصد المرايا الحولاء
فيبحث أحمد عن آفاق جديدة لتغيير واقعه من منطلق محيط يقاسمه اهتمامات مشتركة ويقاسمه المشروع الحداثي الذي آمن به، تحضر الذات في الآخر ليكون حضورها حذرا ليتبنى الفعل الثوري في تمرد فردي كلما وجد نفسه في وضعية التناقض وفي وضعية العجز للتعبير عن سخطه والتعبير عن مواقفه ممن خذلوه وانحرفوا عن خط المشروع الذي أسس له قبل اختيار وضعيته الجديدة التي تطور مسارها في حياته فيشتد الصراع وتتمرد الذات الرافضة والماقتة للخيانة.
اليأس الخادش لحياء المرايا
كان هنا
ليلة القداس الأخيرة
وإن عثروا عليه
متلبسا بإغوائي
فقد أنكرت
كان يطوف علي كالفراش
بسندسه واستبراقه
حتى لما انفجر التنور
بين يدي
حتى لما أصغيت
للجدران تحدتني
الماء رافقني إلى تنبيهي
فآويت إلى حدود المثلث
ذات أحمد رافضة للتماثل الثقافي والسياسي المهيمن، ذات سرية معارضة تتمظهر سمات الاغتراب داخلها حيث الانشطار سلطة تفرض وضعا متمردا تفور فيه ذات أحمد ليتأصل داخلها صراع ليتولد عنه اغتراب ثقافي وسياسي فجره في إبداعاته ونقاشاته ومواقفه.
المرايا حرمت
التشابه في المقدمات
فليتكلم الآخر إذن
وسألقي عني أوراق التوت
في انعكاس المرايا الحولاء
ساد الزبد على الماء
وساد
عاش أحمد غريبا في زمانه لم يشعر بالانتشاء الذي حلم به ولم يحقق فوزا، عاش للآخر لم يستفد من العلاقات التي نسجها، والتي كانت ضد رغباته وتطلعاته وينحسر على الزمن الجميل ولحظات تحقق انتشاء الذات قبل تشفي المرايا ومع الأصدقاء الذين عاشوا معه اللحظات المشرقة فتضعه الذات/الواقع ليغرق في غربة الزمن.
بحث أحمد عن قوة ذاتية يختزنها من تجربته وقراءاته، ينسف العوامل الخارجية التي صنعتها الصدف، وبتنميته لطاقته الإبداعية، انطلاقا من هذا الصراع الذي لا تتحكم فيه الذات، باطنا وظاهرا، فتضيق عليه المسافات ويميل إلى الانعزالية لتنسل هذه الذات تطارد الماضي للتعويض عن إخفاقاتها طمعا في إحداث توازن مع المتحول من حياته، فتسقط هذه المنطلقات، ويحرم أحمد من خلق فسحة يمارس فيها طقوسه كاملة دون رقابة ودون ضغط ليترك للآخر حرية التعويض ما دام لا يملك القدرة
للمساهمة في تغيير السائد
لم يكن الخطأ في توقيع الشمس
ولا الخطأ في انزواء النجوم
ولكن الأرض كانت ترجف
فأنا لا أملك أصابعا
لكي أعد بها نزواتي
فكلما ألقت بكأسها
بيني وبين شبيهي
انكسرت أنا
واختفى الشبيه
فتحضر أنا أحمد تبحث عن هويتها في واقع مليء بالتناقضات فتبدو شظايا المرايا ساحقة لحركته في زحمة البحث عن هوية ثابتة يخلق منها أحمد وجودا بين الفعل والاحتمال، وتتعدد الاختيارات وتتعدد وضعيات الذات منتظرة بين صفات الزمن ليحقق بذلك الاحتمال الاسمي في شكل مفترض، مستحضرا طغيان واقع خارجي يتعامل معه بحذر، واضعا حرية التعبير عن مواقفه الحقيقية في سرداب لا يدخله إلا من شاركوه كأس الوفاء ودون أن يعبر عن انهزامه، بل يعلن رضاه عن اختياراته بتحد وحزم
إني لن آوي
إلى جبل يعصمني
من ظلي
وجنوني
أقارع كأسي بكأسي
وألقي في الماء بالسؤال
فبأنفاسك اللاهبة أستدل
على تجاعيد الوجود
وأتلمس المسار
ذاك كأس
لم أعد أذكر عنوانه
وذا كأسي
فيه ما يكفيني
من رحيق وجدك
لكي أنعكس
على صفحات المرايا الحولاء
بلا قيود……
وفي ظل صراع الذات وتوالي الإخفاقات، يلجأ أحمد إلى الرمز يصرف فيه خطابه الدرامي لتبرز هذه الذات عارية، فيجد مدخلا ليعبر عن الندم والترجي، مستجليا الحنين إلى البدايات، بدايات ذات مندمجة تعيش على إيقاع اليومي منتشيا بإحقاقاته، فينغص استقرارها سؤال وجودي نتيجة وضعية التحول ليأخذ على عاتقه مسؤولية البحث عن لغز إخفاقاته وانكسار ذاته عله يعثر على بديل لانبعاث البدايات وكأني به جلجامش يبحث عن نبتة الخلود.
أحمد يصر على عناده، يصارع دواخله ويثور ثورة رقيقة على ساقيته الأبدية سيدوري، متلمسا العذر بعدم الامتثال لنصيحتها ويستمر في مغامراته للوصول إلى المضمون الخالص للحقيقة وللخلاص.
ساقيتي
الماء شارد بطبعه
دثريني
بلهيب أنفاسك
احتضنيني
بين دهشتين
وألقي بي في أي سؤال
تشائين
وحتى وإن غمرني الماء
وابتلعتني
رغباتي
فسينتشلني ظلي
مني
هكذا فجر الراحل أحمد جندل في مطولته المرايا الحولاء مخزونه الثقافي في بنية أسطورية أفرز فيها مستويات متنوعة في خط فني متلاحق حبك تفاصيله بتوليفة اخترق بها هوسه الإبداعي وكنه إحساساته ومرجعياته، ناحتا زمنه الخاص، وصانعا لذاته مسارا يلغي هويته الرسمية وعناصر التماهي التي تفرضها عليه.
لوحات صباغية تبدأ بمحبَّة الأرض
حين أقام الفنان عبد المالك بومليك معرضاً لأعماله الصباغية، بقاعة النادرة بالرباط خلال مارس 2002، اكتشفت بأن اللوحات التي ينفذها جسَّدت بداية نزوعه نحو إدماج سنائد ووسائط مادية كالتراب والخيطان والقماش ضمن سياقات تجريدية جمالية عابقة بلغة العلامات والرموز والتخطيطات والخدوش الغرافيكية المتنوِّعة، مع هيمنة شبه مطلقة لتوظيف ألوان ترابية متحوِّلة على إيقاع اختلاف الحوامل والأسناد Supports وتباين مقاساتها الخاضعة لسلطة المحو وطفاوة الصبغات وحشدها، وهي في شكل مراءٍ أثرية وحفريات مبصومة بعذرية الألوان في وحشيتها وفطريتها، ما يجعلها تثير فينا أسئلة ومعالجات بصرية تستوعب الأشياء المرسومة والمصبوغة في حدود اختلافها وتناقضها. من عمق لوحاته التشكيلية تنبعث رائحة التراب.. تتسلل من داخل تكوينات لونية ونماذج عضوية قائمة على التجريد، معلنة عن هوية الفنان وتمسكه بالجذور والبدايات. ويؤكد الناقد التشكيلي شفيق الزكاري هذا التوظيف بالقول إن «هيمنة الألوان الترابية وانزياحها للون البني بمشتقاته المتدرّجة، ربطت هذه الأعمال بذاكرة محلية مكانية في اختيار الفنان لِمَلْوَنٍ (باليت) خاص به، مع إدراج اللون الأزرق بتفرعاته المتقابلة كقاعدة لممارسة طقوسه التجريدية والعفوية في تكوين نتوءاته وتقطيعاته الغائرة وخربشاته الغرافيكية بسهولة ممتنعة، وإبراز مرحلة زمانية كذلك لها مرجعية طفولية في التعامل بحرية مطلقة مع اختيار ورسم الأشكال وتحديد الألوان وفق شروط المشاهدة التقنية في بعدها التشكيلي لدى المتتبع بمرجعيات مرئية تتجاوز حدود القراءة الوصفية، لأنها كتابة اكتسحت المساحات بلغة العلامات». في لوحاته يتعايش القماش والخشب الرقيق في حوار جمالي استثنائي، حيث ينصهر الثاني في لجَّة الأول. في ذلك يعمد الفنان إلى تلبيس الخشب بالقماش ليقوم بثنيه تارة وتقطيعه وتمزيقه تارة أخرى وفق ضرورات جمالية وتعبيرية في آن. من ثم يتحوَّل السند إلى فضاء يقبل تصادم المواد والخامات المستعملة والمأخوذة من مرجعيات بيئية محلية. إنه نوع من الاحتفاء بالأرض. من ثم تمسي أعماله احتفاءً بالأرض، أمنا المقدَّسة.. أبرز تَجَلٍّ لأنساق حياتنا، عين الوجود التي لا تنضب ولا تكل فيضاً وانبجاساً، رغم خشونتنا واعتداءاتنا المتكرٍّرة عليها وضِدَّها!!
هناك تتألسن المواد والأصباغ داخل تراكيب متحوِّلة يكثر فيها التكثيف والتعضيد الناتجين عن استعمال أدوات غير معتادة في مجال الرسم والتصوير، أدوات يستعيرها الفنان من حقول حِرفية متنوِّعة مهمتها الحفر والدعك والتغرية والكشط والتبصيم الناتئ والمحدب والمقعر.. بهذا المعنى يبني الفنان الأثر قبل أن يرسمه ويتعقب ترسباته التي لا تخلو من سفور المادة وصلابة التشكيل الذي يمنح العمل الفني وحدته المادية. فليس للأثر، إذن، وجود في عمل الفنان سوى في ثنايا اللوحة وداخل تشكيلات المسطح، الأثر المنزوع من رحم أثر آخر بأبعاد مادية ملمسية قائمة على التوالد والتناسل والتكاثر. هناك يتخيَّر الفنان مواده ليهجنها ويخلطها مع أصباغ عجينية في مقابل مساحيق لونية مدكوكة وأتربة محمرَّة ومصفرَّة ونثارات خشب خردلي متآكل يمنح اللوحة دلالات جمالية مغايرة تشي بالعراقة والقِدم. بواسطتها يفتح الفنان أفقاً آخر للاشتغال يبدأ بتهييء الخلفية بطلاء أولي شبيه ب»البوفيرا» Povera (تقنية تلوينية إيطالية شائعة خلال القرن الثامن عشر)، قبل تأسير المساحات والكتل اللونية لتبدو على هيئة أشكال عضوية تجريدية مخصوصة بملامح آدمية وحيوانية (أعين، أطراف، قوائم..) مبنية على التحوير والاختزال والتبسيط الهندسي وإثرائها بحياة وافرة من الرموز والإشارات التي تمارس إغراءاتها عبر الملمس والبناء والتكوين بصيغ ومعالجات تشكيلية تتناغم مع رؤية أوسكار ويلد، الذي اعتبر أن «كل فن هو بالأساس كتلة من الرموز».داخل هذه التطبيقات يسافر بنا الفنان بومليك أركيولوجياً عبر الزمن.. زمن اللوحة في التقائها مع بعض إبداعات جماعة «حوامل- مساحات» بقيادة كلود فيالا في السبعينيات، الذي يقوم بالرسم على كل الوسائط والمساحات وتشكل قطعه الفني بحثاً في الممارسة التصويرية ومادياتها.. غير أن الفنان بومليك حين يشرع في تشكيل لوحاته على المنوال المذكور يستحضر طقوسه الخاصة ليبدو مختلفاً عن الآخرين، بل حتى عن أناه الطبيعية -أي كما هي-، يسلط كل التركيز على فعل الإبداع، ويبدو داخل المرسم ناسكاً غارقاً بكثير من الزهد في التأمل الذي يسبق الخلق والإبداع.. لا يكترث بالأشياء والأحداث التي تدور أو تقع حوله.. يصير جزءاً من فضاء الاشتغال، وفيما بعد يصير جزءاً من العمل الفني ولا يخرج منه (أو يتخلص منه) إلا بعد إتمامه، لينشغل بالتفكير في إنجاز عمل صباغي آخر. هي هكذا سيرورة التشكيل لديه، دورة إبداعية لا تنتهي ورغبة جامحة في الاشتغال ومواصلته.. وهو هكذا عرفته إنساناً بطموح لا يتوقف، قبل أن أشاهد لوحاته التشكيلية التي تمتد لهدوئه وتأمله.. وقبل ذلك لإنسانيته.
إبدالات الرواية المغربية: الذات.. الذاكرة والمتخيل
قراءة في رواية إمارة البئر 2/2
تبدأ زمنية السرد من قول السارد في البداية: «كان يوما من أواخر غشت من عام 1975، وعلى عادته يعود القبطان منصور إلى البيت عند الظهر»(مقطع «بيت السبع»، الفصل الأول، ص: 9). ونقرأ في الفصل الثاني: «ذعر (السائق مسعود) أول أمس عندما طلب منه إبلاغ رئيسه القبطان بأمر الهاتف» (مقطع «سندان المشورة»، ص:127)، وفي ذلك ما يحيل على بداية الحكاية: «طرق مسعود الباب طرقا خفيفا وهو ينادي (مون كابيتان) إنهم يطلبونك على وجه السرعة في الحامية العسكرية. ثمة شخص على الهاتف يريد التحدث إليكم شخصيا «(الفصل الأول، المقطع الأول، ص: 9). نقرأ أيضا: «بقيت أم الخير مع زوجها تعيد على مسمعه ما ذكرته جاراتها من عبارات التقدير لمبادرة تزويد البلدة بالماء، وأخبرته بأن هذا الاعتراف، بقدر ما أدخل السرور على قلبها، فإنه أصابها بانقباض في الصدر، كونها ما تزال منشغلة بما سمعته منذ يومين بشأن رؤياه عن سقوط الشَّراد (ابنهما البكر) في البئر»، (الفصل الثاني، مقطع «شاحنة الصهريج»، ص: 161). وهكذا إلى أن ينثال الزمن الحكائي بالتدريج إلى ختام الحكاية (أمثلة):
ص 178: «بعد ثلاثة أيام (عاد التيجاني) قضى يومين منها في البلدة المجاورة».
ص 205: «منذ وصوله (سيدي أحمد ابنهما الثاني) رفقة سعيد، منذ شهر تقريبا، لم يرسل أي بريد لعائلته في بئر السبع».
ص 207: «وقف القبطان أمام اليومية المثبتة على الحائط ينظر إليها، كان التاريخ هو يوم الثلاثاء، من الأسبوع الأخير من سبتمبر عام 1975».
ص 236: «لليوم الثالث على التوالي يحضر القبطان منصور ومرافقه الليفتينانت القماح إلى القاعدة ويجدان بالباب من يقول لهما إن الاجتماع لم يقرر بعد».
ص 282: «نحن في نهاية الشهر الحادي عشر من العام، ومرت ثلاثة أسابيع على وصول لجنة «الخبراء الأجانب» إلى البلدة، من دون أن ترشح معلومات عن طبيعة العمل الذي يقومون به في البئر، وحواليه».
ص 293: «وكأنه (الشَّراد) لا يريد أن يعترف بهذا الواقع الذي مضى على حدوثة ما يزيد على الثلاثة شهور».
زمن «إمارة البئر»، بهذا الشكل العام للزمن الحكائي وتمظهره، زمن مركب بين صيغة زمن الحكاية الذي لا يتجاوز ثلاثة شهور إلى غاية حدث المسيرة الخضراء (يسميه الكاتب «الزحف العظيم»، اُنظر مثلا المقطع الثالث بنفس العنوان، الفصل الثالث، ص:151) وبعد ذلك أو قبله بقليل، تتخللها أيام محددة (أو «مجتزأة») كالتي أشرنا إلى بعض منها، وهناك زمن تفعيل الحكاية من خلال تقاطع الاسترجاع والاستذكار لدى السارد، ثم لدى الشخوص، إذ أن الكثير منها يتذكر: القبطان منصور، زوجته، امبيريكة، ابنه محمد الشيخ الشَّراد، ابنتاه صفية وميمونة، ابنه سيدي أحمد، الفقيه باحسين، التيجاني، لمغيفري، وهكذا حسب منطق تولية الحكاية، وحسب دلالتها في فضاء «بئر السبع» ومدى ارتباط كل شخصية بهذا الفضاء (الذي يظل «أسطوريا» بمعنى ما كأنه فضاء خرافي) في المنظومة الاجتماعية والنسيج المجتمعي الصحراوي المشبع بالقيم الدينية والروحية والثقافية والوطنية المتصلة فيما بينها لصقل الإنسان – الكائن وتصوره للحياة والتاريخ والهُوية متشبثا بأصالته وبمحافظته بنوع من التوازن لضمان تواجده في الوجود، كما تحيل على ذلك فصول الرواية ومقاطعها، ويمكن أن تحيل عليه نصوص أخرى، إذ يكفي أن نشير في هذا السياق إلى دراسات وكتابات متخيلة يمتزج فيها التاريخ بالواقع من منظور ثقافي – أنثروبولوجي. نمثل للأولى بكتاب «المجتمع والمقاومة في الجنوب الشرقي المغربي: المواجهة المغربية للإمبريالية الفرنسية، 1881 – 1912» (مترجم عن الإنجليزية الأمريكية لصاحبه روس إ. دان Ross E. Dunn، ترجمة أحمد بوحْسن، مطبعة دار «زاوية»، الرباط، 2006، 332 صفحة)؛ ونمثل للثانية بنص «الجبل الأحمر لأولاد ميمون: وقائع عشيرة بني يزناسن..» (بالفرنسية لصاحبه جمال بلخضر- لم يترجم -، مطبعة دار «كلمات»، الرباط، 2013، 336 صفحة). ورغم تباعد وتمايز هذين المصنفين في الزمان، فإنهما، إلى جانب دراسات وكتابات أخرى، يقربان القارئ – المتلقي (الناقد، الباحث) من فهم خلفية نص «إمارة البئر» والمساعدة على إمكانات تأويل الفضاء الروائي بكل أبعاده الدفينة ورمزياته من خلال ثنائيات متصلة – منفصلة حول الذات والمجتمع والذاكرة والمقدس والديني والروحي، كما يضمنان، ولو نسبيا، إمكانات الولوج إلى طبيعة الشخوص، خاصة شخصية القبطان منصور السِّيود، وامبيريكة، ومحمد لمغيفري، والفقيه باحسين من حيث «الثقافة» وأنماط السلوك والممارسات اليومية وطرائق التفكير والعيش، ناهيك عن البعد المعرفي والأخلاقي أو حتى «الرؤية» للعالم والوجود. شخوص رواية «إمارة البئر»، في تقدير أول، ثابتة (استاتيكية)، ووحدها شخصية محمد لمغيفري يطبعها نوع من الدينامية والتحول على امتداد النص، ابتداء من الفصل الثاني، وبذلك يحتل لمغيفري موقعا متقدما في الرواية: «في السابعة والعشرين تقريبا، ما يزال الراعي لمغيفري على حيويته البدنية بفضل رياضة المشي التي يزاولها تلقائيا، مع نظام غذائي لا يتعدى كسرة خبز وشيء من زيت الزيتون واللبن. أما الشاي فيبقى أهم عنصر في هذا النظام، لا يتوقف عن تناوله طيلة اليوم، فيكون إبريق لمغيفري ملازما للموقد، لا يفارقه، إلا ليعود إليه، حيث بات معروفا كأحسن «قَيَّام» في البلدة، لإتقانه تحضير الشاي على الطريقة المحلية، فتعهد إليه الأسر بهذه المهمة في المناسبات والولائم، حتى لقبه الناس»لمغيفري القَيَّام» (الفصل الثاني، المقطع الأول، ص:87).
تدريجيا: تتحول شخصية لمغيفري من «وضع» إلى «وضع» إلى أن يصبح صهرا للقبطان منصور السِّيود، إذ سيطلب يد ابنته الكبرى (صفية): «أتمنى أن تقبلوا قُربي منكم.. وتوافقوا على طلبي يد كريمتكم صفية للزواج على سُنة الله ورسوله «(الفصل الثالث، المقطع الأول، ص: 121)، وبذلك ينفتح نص «إمارة البئر» على ما نسميه «شعرية (بويطيقا) اللامتوقع»، أي ذلك المنحى الذي لا يكون منتظرا في منطق الحكاية وفق شروط ومحددات تناميها وحدود المعقول واللامعقول فيها، قلبا وقالبا، لكنه يصير منطقيا بفعل جاذبية الكتابة كأنها تقبل فكرة التحول، أو ما يسمى/ كان يسمى، في تصور شعرية المسرح الكلاسيكي الغربي «التغيير الفجائي في وضع البطل المسرحي» : إنه عنصر طارئ، لكنه «مقبول» من منظور الحدث/الأحداث التي يمكن أن تتغير بتدخل من المؤلف بحثا عن حلٍّ مُرضٍ.
شخصية لمغيفري، كما يقدمها نص «إمارة البئر»، شخصية وثابة وطموحة إن لم تكن ماكرة، تمتلك غير قليل من الدهاء والفطنة والخبث المتستر. إذ لا يترك لمغيفري فرصة تفوته لقلب الموازين سعيا وراء الوجاهة رغم هامشيته مادام يدرك، في قرارة نفسه، أنه «مبارك» ينطق بالمعرفة والحكمة وهو ما يعترف له به الجميع. ولعلنا نجد في المقطع السردي الذي يوجد على صفحة الغلاف الأخيرة ما يستوفي كل أبعاد هذه الشخصية عندما يتبين لنا أنها أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان لحظة إدراكه أن من حقه أن يفرض نفسه لحظة وجوب ذلك بما يلزم من الرغبة والإرادة والقوة: إما أنا أو لا شيء، إما أكون أو لا أكون، أنا ومن بعدي الطوفان. هكذا يمكن أن نهتدي إليه بالتدريج، في تتبع مساراته من الرعي و»صنع الشاي» إلى «الزعامة» وفرض الذات، خاصة عندما نركز على الفصل الثاني من خلال مقطع «دوار العسكر» ونجمع بين «الرغبة» و»الفعل» إلى حد التساؤل: هل يريد لمغيفري تحويل مخيم الرقيبة إلى إمارة أخرى غير «إمارة البئر»، أم أنها فقط إستراتيجية لفرض الذات؟.
يحتاج هذا التساؤل إلى قراءة أخرى وخاصة، من منظور سيميائي، مثلا، تكشف عن منطق المحكي السردي مرتبطا بمنطق الصراع والتساؤل ضمن ذلك عن فحوى الصراع ولا جدواه فقط: من يصارع من؟ هل يصارع محمد لمغيفري أحدا ما (منصور السِّيود) أو ابنه (محمد الشيخ الشَّراد) أو يصارع المؤسسة؟ مؤسسة ماذا؟ السلطة؟ الثقافة؟ رمزية النسب؟ المال؟ الوجاهة؟ «الشرط الإنساني»؟ ثم ما دور (وظيفة) الماء في «إمارة البئر» من منظور الرمزية الأنثربولوجية الثقافية مرتبط بالحمولة الدينية؟ تلك أسئلة لا يمكن طرحها إلا ضمن مقاربات تتمثل روح النص ومتخيله الجامع الذي يتقبل عدة تأويلات: الماء من خلال فضاء البئر، وهو «يشكل مركز الحياة في البلدة ورمز عزتها وكرامتها واستقرارها وسبيل ضمان استقلال قرارها» (ص: 82). والماء «إرث عظيم تركوه (الرجال والنساء الذين مروا من هنا) مجدا في بئر الماء» (ص: 98). ونقرأ قبل ذلك: «ولذلك نجد اليوم محمد الشيخ الشَّراد منشغلا جدا بمصير البئر والكلام نفسه يمكن سحبه على والده منصور الذي لم يقدر له أن يحمل شرف إمارة البئر بعد والده، نظرا لالتزامه بخدمة البلاد من واجهة الشرف العسكري وكتب ذلك لابنه البكر فتحمل مسؤولية البئر ومسؤولية التصرف في الإرث الكبير الذي خلفه له جده محمد العالم» (ص:91). ألا تحتاج رواية «إمارة البئر»، بهذا الزخم، بهذه الكثافة، قراءة خاصة بأسطورية الماء كما هي في الثقافة العربية الإسلامية وفي الثقافة الكونية القديمة والحديثة والمعاصرة؟.
ذلك ما سنحاوله في فرصة لاحقة بأدوات إجرائية تستند إلى مقترحات سيميائية وكذلك نقدية أنثروبولوجية – نقدية، فالماء «يُقيَّم» في صلب النصوص المقدسة (ومنها النصوص الدينية) وفي الأساطير والملاحم، ويمكن أن «يُقيَّم» كذلك في نصوص تاريخية – إخبارية (الغزوات والمغازي والحروب)، وفي نصوص المسرح، وفي عدة نماذج من الأفلام السينمائية (فيلم «واتر وورلد» لكيفن كوستنر، وفيلم «مملكة الجنة» لريد لي سكوت مثلا)، وفي السياسة الدولية في القارة الآسيوية وكذا القارة الإفريقية؛ يكفي أن نشير، بصدد هذه الأخيرة، إلى ما هو قائم ومتداول حول «ندرة الماء» و»معارك الحياة» في أدبيات الخطابات السياسية والإعلامية بلا حصر، مرتبطة – الخطابات – بالتلوث والبيئة والجفاف. الماء في نص «إمارة البئر»، كما نتصور، «صيغة استعارية» حاضرة، لكنها تجر وراءها ما لا حصر له من المعاني والدلالات المرتحلة كالتي نجد لها صدى في كتابي (روس إ. دان) و(جمال بلخضر) باعتبارهما قريبين مما يهيمن في مناخات نص «إمارة البئر»، غير أنه – الماء – في هذه الأخيرة يشكل رمزية أخرى هي رمزية الشرف والقوة في الصراع الدائر بين عائلة منصور السِّيود ومحمد لمغيفري في ضوء ما يقترحه النص ويحتمله فضاء «بئر السبع».أما «الإمارة» في «إمارة البئر» فهي «صيغة كنائية» عن السلطة وعن رغبة دفينة في التحول السياسي باختيار إحصاء الساكنة لتنظيم الانتخابات واقتحام زمن آخر بعد حدث المسيرة الخضراء: هل رواية «إمارة البئر» رواية «ذات أطروحة» في هذا الاتجاه؟ يجوز أن تكون كذلك بمعنى ما، شريطة أن يسعفنا التحليل على اقتناص أدلوجة النص المتوارية خلف الخطاب الروائي في بعض تجلياته وبؤر ملفوظة، ولنا عودة إلى هذا المنحى مستقبلا.
العلامة
عمر الكونت آتيليو فوسادورو أربع وسبعون سنة، هو رئيس غرفة في محكمة الاستئناف. بدين بشكل يثير الانتباه. حدث أن أغرق في الأكل والشرب ذات ليلة فأحس بالعياء وقال لزوجته:
– أشعر أني ثقيل بعض الشيء..
ردت زوجته:
– كان عليك أن تتوقع ذلك. إنك أكثر تهورا من الأطفال..
استلقى السيد القاضي المحترم على ظهره ونام وفمه مفتوح. لم يعد يرد على أحد.
كان نوما ثقيلا. هل لأن الرجل أكل أكثر أم ثمة سوءا ما.. ثم إنه كان يهذي في نومه.. كلموه.. حركوه.. رشوا وجهه بالماء..
عبثا.
وبدأ التفكير في أسوأ الاحتمالات. هاتفت السيدة إيلويزا طبيب الأسرة الدكتور ألبريزي.
في منتصف الليل وصل الدكتور. فحص المريض. احتفظ بهدوئه وتمسك بديبلوماسية الأطباء التي لا تبشر بالخير.. في الصالون المجاور تابع الدكتور والسيدة إيلويزا وولداها إينيو ومارتينا، اللذان تم استحضارهما بالمناسبة، حديثهم بصوت منخفض. الوضع خطير.. لذلك تقرر اللجوء إلى العلامة الطبيب الحجة الذائع الصيت عالميا البروفيسور سيرجيو ليبراني، ثلاث وثمانون سنة بالتمام والكمال ولا يزال مرجعا. إنه الأقوى والأغلى. أتعاب هذا الطبيب لا تخيف آل فوسادورو.
قالت السيدة إيلويزا:
– آتوا به حالا..
– من المؤكد أنه لن يحضر الآن. لنصرف النظر عن ذلك..
– من أجل الكونت فوسادورو.. لا بد أن يحضر، أتريد أن نستغني عن خدماتك أيها العزيز ألبريزي؟
أخذ الرجل جهاز الهاتف وتكلم بصوت زعزع عادات الأستاذ..
وفي الساعة الثانية صباحا حضر العلامة مصحوبا بأول مساعديه البروفيسور جوزيبي ماراسكا..
عندما دخل الرجل إلى الغرفة، كانت غيبوبة الرجل في أوجها.
جلس الطبيب الأكبر جنب السرير وترك ماراسكا وألبريزي يعملان. بدآ يدليان له بمعطيات عن حالة المريض وسوابقه الصحية: الحرارة.. حالة القلب.. الضغط.. ردود الأفعال إلخ...
ظل الرجل هادئا. أسبل جفنيه من أجل التركيز أكثر (لعله فعل ذلك تحت تأثير صعود السلم)، كان يستمع دون أن يبدي حركة.
وفي الأخير انحنى ماراسكا على أذن الرجل وصاح.. يا أستاذ؟.. ففاجأ الجميع في ذلك المكان وتلك الظروف وذلك الوقت من الليل..
انتفض البروفيسور ليبراني وطلب من الدكاترة الثلاثة أن يبقوا على انفراد.
لم تدم المشاورة والفحص أكثر من ثلاث دقائق بعدها سألتهم الكونتيسة بانشغال
– ما رأيك يا بروفيسور؟
أجاب:
– صبرك سيدتي.. ستعرفين كل شيء في حينه.. سيخبركم بذلك طبيب الأسرة..
وتوجه متمايلا يمنة ويسرة نحو المصعد.. إلا أن ألبريزي لم يدع انتظار السيدة يطول، أجاب بالحذر اللازم مدليا بتشخيص الرجل الذائع الصيت.
جلطة في الدماغ.. الوفاة متوقعة من حين لآخر.. لا أمل. سيعيش في أحسن الأحوال أسبوعا. لا أكثر.
كانت دهشة ألبريزي كبيرة في اليوم الموالي عندما زار الرجل ليتقصى الأمر.. فتحت أبدا الخادمة الباب بابتسامة عريضة..
– كل شيء على ما يرام يا دكتور.. كل شيء على ما يرام.. لقد خمنت ذلك منذ البداية، لكن.. هل أستطيع أن أقول شيئا أمام الأستاذين الكبيرين؟ مجرد عربدة.. لا غير.
ثم حضر المريض ضاحكا.. سعيدا.. وقال:
– شكرا يا عزيزي ألبريزي ومعذرة عما سببته لك من تعب.. أنا آسف حقا، أعني أن سني لم تعد تسمح لي بمثل تلك الحماقات..
– كيف تشعر الآن؟
– لا أزال أشعر بدوار خفيف فقط.. لا أحسن في حالة كهذه من نومة عميقة.
مفاجأة!.. وفضيحة أيضا! ما إن علم مساعد العلامة ماراسكا بعودة فوسادورو إلى الحياة حتى انتابته حالة غضب..
– إن هذا عبث! مستحيل.. البروفيسور ليبراني لا يخطئ أبدا.. هل تصدق ما حدث يا ألبريزي؟ إن البروفيسور قد أصيب بنوبة قلبية في الشهر الماضي، وقد قضى في فراشه ستة أيام.. وإذا أصيب بخيبة أمل هذه المرة ستكون حتما نهايته، أفهمت؟ لقد كنت غبيا يا دكتور عندما لم تدرك أن الأمر كان نتيجة عربدة..
– وأنت؟ ألم تكن غبيا بدورك؟
– أقسم أنى شككت في الأمر.. حاول أنت أن تقول عكس ما يقول العلامة.. أنت تعرف مزاجه.. وقد اعتبر فوسادورو ميتا وصرح بذلك علنا..
– يا إلهي! وماذا علينا أن نفعل؟
– اسمع.. يجب أن نأخذ جميع احتياطاتنا حتى لا نصدم العلامة. أفهمت؟ كل الاحتياطات اللازمة.. سأذهب أنا وأكلم الكونتيسة في الأمر..
– وماذا ستقول لها؟
– دعني أتصرف.. لا تخش شيئا.. سأدفع بالأمور نحو الأحسن..
أقدم ماراسكا متسلحا بجرأته الانتهازية وحدث السيدة إيلويزا بوضوح..
– لقد حدث أمر في غاية الخطورة يا سيدتي. لقد حكم البروفيسور ليبراني بالوفاة في أقرب الآجال على المريض، لكن المريض يتحرك في البيت كأن شيئا لم يكن..
– لكن..
– إنها مأساة يا سيدتي.. لعنة.. سمعة علامة لا يشق له غبار في خطر.. علامة يحسدوننا عليه في الخارج.. لا يمكن أن نسمح بذلك أبدا..
– إذن أنقدني يا بروفيسور..
– أولا .. أقنعي الكونت بالقبوع في فراشه.. أفهميه أنه مريض جدا.. وأن مرضه خطير.
– كيف؟ إذا كان هو يشعر بأنه في صحة جيدة.
– لا يا سيدتي الكونتيسة. لم أكن قط أنتظر منك موقفا كهذا.. أبدا.. إنك لا تدركين خطورة الوضع.. حياة كاملة في خدمة الإنسانية.. شهرة اكتسبها العلامة بالعمل الدؤوب سنوات طويلة.. كل ذلك سيذهب هباء..
– أليس من المعقول أن أكلم زوجي؟
– يا إلهي! فكري في سمعة آل فوسادورو عندما يعلم الجميع أن القاضي رجل القانون الشهير عربيد وسكير..
– لن أسمح بذلك أبدا..
– إذن سيدتي الكونتيسة اعلمي أن سمعة العلامة ليبراني يجب أن تنقذ بأي ثمن.
– وماذا على زوجي أن يفعل؟ أن يختفي؟ أن ننزع منه الروح؟
– إنه أمر يهمك يا سيدتي الكونتيسة.. إن البروفيسور ليبراني لم يخطئ قط.. أقولها وأكررها.. ولا يمكنه أن يخطئ الآن.. قليلا من الاعتبار للعلم.. ولعلامة من هذا الحجم يا سيدتي..
لم أفهم يا بروفيسور.. ولا أدري ما أفعل، لا أملك إلا أن أساعدك يا بروفيسور وأنا رهن إشارتك..
– هذا ما كنت أتوقع منك أيتها الكونتيسة الجليلة..إنك تقدرين المسؤولية والمواقف والهم الاجتماعي. سيكون الأمر في غاية البساطة.. كأن تضعي له شيئا ملائما في الحساء..
– وماذا ستكون النتيجة؟
– لن يكذب أحد تنبؤ العلامة. لقد قال إن الكونت سيموت بعد أسبوع.. لنمدد المدة قليلا.. أترين أنا أيضا أقدر المواقف.. لنقل سنشيع جنازته بعد أسبوعين.
وتحركت آلة الشرف الأكاديمي .
سأل ليبراني مساعده الأول:
– هل من أخبار عن الكونت العجوز؟ ألا يزال على قيد الحياة؟
ويرد المساعد الأول:
– لقد تكلمت أيها الرجل الجليل.. وكل شيء يسير وفق توقعاتك.. إنه في كل يوم يزحف نحو حتفه.
وفي قصر فوسادورو ظل الكونت محبوسا تحت مجموعة من الذرائع: البرد. الريح. الرطوبة. التلوث. بداية نزلة برد. وضعوا قربه هاتف الطوارئ.. وسرى في المدينة توقع العلامة ليبراني..
وتوالت المكالمات الهاتفية. مؤسسة الدفن من أجل اختيار التابوت وإعداد الجثمان والتفاصيل التقليدية لمراسيم الدفن. الطبيب البلدي من أجل إعداد شهادة الوفاة. القديس من أجل الصلاة الأخيرة. مؤسسة رعاية اليتامى من أجل أن تبعث من يمثلها في مراسيم الدفن. بائع الورد من أجل الأكاليل. والكونت في صحة جيدة كعصفور. في اليوم الرابع عشر بدت علامات الارتباك على البروفيسور ليبراني. سأل.. ألم يقرر الكونت الرحيل بعد؟ واضطروا إلى حقنه لتخفيف الضغط..
بعد زوال ذلك اليوم، حضر البروفيسور ماراسكا إلى قصر آل فوسادورو يرافقه مساعدان.. تقنعوا في هيئة طباخين.. ودخلوا المطبخ..
وفي المساء حضر ماراسكا مع المدعوين حفل العشاء الفاخر الذي أقيم من أجل حفيدة الكونت.
أنجزت المهمة حسب قواعد المهنة.. لا انفعال ولا ارتباك.. إذ عند تقديم التحلية التهم الكونت آتيليو فوسادورو الحلوى بنهم كبير وارتسمت على شفتيه ابتسامة السعادة.
بعدها مباشرة.. هاتف ماراسكا العلامة..
– هنيئا سيدي البروفيسور.. فقد فارق الكونت الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.