الصحراء المغربية، ركيزة أساسية لتعزيز الفضاء الإفريقي الأطلسي والساحلي    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة.. أبرز المؤشرات والأرقام    بلاغ من الجامعة بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    المنتخب المغربي أقل من 17 ينهزم أمام مصر    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    ظهور حيوان مفترس يستنفر سلطات طنجة    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    رئيس الوزراء الإسباني "يفكر" في تقديم استقالته بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضدّ زوجته    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    القضاء الفرنسي يؤكد إدانة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    بطولة فرنسا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يفوز على مضيفه لوريان 4-1    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    الكاف: نهضة بركان ربحو USMA بثلاثية فالألي والروتور ملعوب فوقتو فبركان    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    حملة أمنية غير مسبوقة على الدراجات النارية غير القانونية بالجديدة    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    أخنوش: ما تحقق في نصف الولاية الحكومية فاق كل التوقعات والانتظارات    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    الحرب ضد الفراولة المغربية متواصلة..    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلنا نهدهد في الأحضان طفلاً ميتاً
نشر في المساء يوم 14 - 04 - 2008

اختار الشاعر المغربي المهدي أخريف أن يتوحد عبر السنوات الأخيرة مع الشاعر البرتغالي الأسطوري فرناندو بيسوا، إذ عكف على ترجمة أعماله الشعرية بحيث أفرد كتابا لكل ندّ من أنداده، فبيسوا كان يكتب بأكثر من ثلاثة أسماء مستعارة إضافة إلى اسمه الحقيقي.
تعود حكاية التعدد النفسي بيسوا إلى الطفولة حيث اعترف الشاعر لاحقا في رسالة إلى أدولفو كسايس مونتيرو أنه خلق في عامه السادس شخصية افتراضية هي شوفاليه دو با، وكتب بها عددا من الرسائل إلى نفسه. يشرح بيسوا دوافع اختياره لأنداده وطرق كل منهم في الكتابة: «كيف أكتب باسم هؤلاء الثلاثة؟ باسم كاييرو أكتب بإلهام لا متوقع، بدون أن أعرف أو حتى أحدد ماذا سأكتب، بالنسبة إلى ريكاردو راييس أكتب بعد تأمل مجرد يتجسم فجأة في نشيد، أما كامبوس فعندما أحس بدافع مباغت للكتابة... برناردو شوراس يظهر كلما كنت متعبا أو غافيا».
هكذا أصدر المهدي أخريف على التوالي ضمن منشورات وزارة الثقافة في المغرب: «راعي القطيع» لألبرتو كاييرو عام 2003 و«أناشيد ريكاردو راييس» عام 2004 و«قصائد ألفارو دي كامبوس» عام 2006 ليقدم للقارئ العربي أخيراً كتاب «الأغاني وقصائد أخرى» موقّعا بالاسم الحقيقي للكاتب: فرناندو بيسوا.
يقع الكتاب في 318 صفحة ويستهله المترجم بشذرات من سيرة بيسوا تليها النصوص الشعرية التي تشغل معظم الصفحات، إضافة إلى مسرحية «البحار» التي كتبها الشاعر عام 1913 ليختم عمله بملحق أول يضم رسالتين من بيسوا إلى أدولفو كسايس مونتيرو وملحق ثان لألفارو دي كامبوس «ملاحظات من أجل ذكرى معلّمي كاييرو».
ولد بيسوا عام 1888 في لشبونة، وتأثر منذ الطفولة بالحياة الجنونية لجدته لأبيه. كان والده مهتما بنقد الموسيقى بينما تعلمت والدته العديد من اللغات وكتبت قصائد رومنطيقية، غير أن أعلى سمات بيسوا مستمدة في الأساس من جدته لأمه التي كانت تنظر إلى الدين بكثير من الريبة والتشكيك.
مات والده في فترة مبكرة فوجد نفسه مع أمه وزوجها الجديد في جنوب إفريقيا، حيث كان يشغل هذا الأخير منصب قنصل للبرتغال، وهناك استظل فرناندو الصغير بالخزانة المنزلية وأصغى بعمق إلى حفيف الكتب. نشأ تلميذا نجيبا غير أن نوبة التمرد أصابته في الجامعة، وروى أحد إخوته أنه ترك الجامعة عام 1907 بسبب نفوره من المناهج الدراسية الرسمية وليس بسبب مشاركته في التظاهرات الطلابية كما هو متداول.
تأثر بالأدب الانكليزي الكلاسيكي ممثَّلا في شكسبير وبايرون وكيتس، أما الأدب الفرنسي فكان يعنيه بودلير أكثر، وربما هذا ما دفعه إلى الاعتراف على لسان ألفارو دي كامبوس أن الأدب البرتغالي الكلاسيكي محدود الأهمية، بل قال بصرامة مستثنيا بعض الأسماء القليلة: «مجموع الأدب البرتغالي يصعب تسميته أدبا، وهو تقريبا ليس برتغاليا».
يعرض المترجم في هذا الكتاب للمحن التي واجهت بيسوا بسبب قدره، وفي الغالب بسبب مزاجه، رفض وهو في ذروة أزمته المادية العمل مع الناشر الأمريكي كولينغ لأنه اشترط عليه الانتقال إلى لندن والعيش فيها، بل رفض كرسي الأدب الانكليزي في جامعة كويمبرا مفضلا أن يعيش حياته بين المقاهي والحانات في منطقة بايكسا التي لم يغادرها إلا لماما، أحب امرأة وحيدة في حياته هي أوفيليا كيروش، وتستحق حكاية بيسوا مع الحب الكثير من التأمل. فهو وصفه في إحدى قصائده بأنه فعل بارد وشديد الخطورة. يقول في «نقصان اللذة والحب»: «لا أحس البتة بأنني بعيد/ ومقتلع من مكاني وممتلئ كرها لقدري/ وغضبا على جوهر الحياة/ إلا عندما أفكر في الحب».
شغل بيسوا نفسه بإصدار مجموعة من المجلات الأدبية: «البرتغال المستقبيلة»، «معاصر»، «أثينا». وكان من النوع الذي يخلّف وراءه الكثير من السجال والجدال، فأول مجلة أصدرها عام 1915 كان اسمها «أورفي» نشر فيها قصائده وقصائد دي كامبوس ووصفتها الأوساط الأدبية آنذاك بأنها تمثل أدب مستشفى المجانين، وكُتب حولها العديد من المقالات الانتقادية الرافضة لتوجهها الحداثي.
تفرغ بيسوا للأدب تاركا خلفه كل غبار تثيره أوساط المثقفين، وكتب لمعشوقته أوفيليا محاولاً بيأس استعادتها بعد سنوات طويلة من التجافي: «لقد وصلت إلى السن التي يصل فيها التحكم في المواهب والكفايات الخاصة إلى مداه، ويبلغ فيها الذكاء أعلى درجات القوة... حياتي بكاملها تدور حول عملي الأدبي، جيدا كان أم رديئا، بما هو عليه أو بما يمكنه أن يكون، كل ما تبقّى من الحياة يمتلك أهمية ثانوية عندي». خلال سنواته الست الأخيرة لم يتوقف عن الكتابة ولو ليوم واحد. ألّف باسمه وبأسماء أنداده أيضا، ويستدل المترجم على هذه الغزارة في الإنتاج بكون بيسوا كتب باسمه الصريح خلال تلك الفترة 327 قصيدة، ولم يكن حينذاك يتطلب الكثير من العالم، هو المهجوس بالعوالم الباطنية للذات شأنه شأن الزهاد الكبار، بل كان يحس بأنه هو صاحب الفضل على هذا العالم: «وسط الأحلام، خلقت أحلاماً/ وهذا العالم المنذهل/ يشعر بالجمال الذي أعرته إياه». في قصيدة «المومياء» لخّص بيسوا الهم الإنساني والقلق الداخلي للكائن في جملة لا ترد إلا لدى الشعراء الكبار الذين خبروا الحياة مثلما خبروا متاهات الأحياء أيضا: «كلنا نهدهد في الأحضان طفلا ميتا».
لم يتم الاعتراف بصاحب «الأغاني» كشاعر إلا خلال السنوات الأخيرة من حياته، ولم تكن البرتغال تعرف أنها تساهم في القتل المبكر لأحد أكبر أساطير الشعر في العالم الحديث حين حرمته من منصب محافظ لمكتبة متحف الكونت كاسترو في مدينة صغيرة أراد أن ينهي فيها حياته بهدوء، وكان ذلك محبطا لبيسوا وخصوصا حين فاز بهذا المنصب رسّام مغمور، وتعمق هذا الإحباط حين حرم أيضا من المرتبة الأولى في جائزة وطنية حصل عليها رجل دين فرنسيسكاني عن ديوان رديء لم يكن ذا شأن على الإطلاق في تاريخ الأدب البرتغالي. أنهى فرناندو بيسوا حياته بكتابة قصائد تسخر من الحاكم الديكتاتوري سالازار الذي ضيّق الخناق على الحريات العامة في البرتغال. ويذكر المترجم في كتابه أن بيسوا كان يكتب في الليل والنهار لأنه كان يعاني أرقاً مزمناً ولم يكن يتوقف عن الشرب والتدخين، وبقلم رصاص كتب في غرفته بمستشفى سان لويس عام 1935 آخر بيت في حياته: «لا أعرف ما سيأتي به الغد لي». بعد وفاته تحول هذا الرجل المغمور إلى أشهر اسم في تاريخ البرتغال ووصفته معظم الأوساط الثقافية بأنه شاعر القرن. كانت قصائده تشبهه وكان هو أيضا مستعدا للزهد في الحياة والتخلي عن كل شيء كي يبقى شبيها بقصائده: «أنا الوعي الذي يمقت ما ليس واعياً/ رمز مجسد في ألم وكراهية/ قطعة روح من إله/ مطرود من هذا العالم/ مع حنين خائف إلى الوطن/ أنا الجحيم، أنا اليسوع الأسود/ المسمّر على الصليب الناري لذاته نفسها/ أنا المعرفة الجاهلة/ سهاد الألم والتفكير». أشير في النهاية إلى أن أول مغربي ترجم بيسوا كان الشاعر مبارك وساط، خلال ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يكتب عنه الروائي عبد القادر الشاوي في الفترة ذاتها ويترجم له في ما بعد الشاعر سعيد الباز أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.