الذين قرؤوا خبر اعتزام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة شراء طائرة خاصة ب300 مليون دولار، لا بد أنهم تذكروا بسرعة ذلك الكلام الذي قاله عبد الهادي بوطالب قبل أيام في حوار مع «المساء»، والذي أشار فيه إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني أهدى «الجزائر الشقيقة» 23 سيارة مرسيدس خلال زيارته لهذا البلد أوائل الستينيات، أي أن كل وزير جزائري أخذ سيارة، ويا لها من سيارة من بلد جار خرج للتو من الحماية. ليس من الطبيعي أن يهدي بلد فقير مثل المغرب هذا الكم من السيارات الفارهة لبلد نفطي غني مثل الجزائر. كان من الممكن، بثمن تلك السيارات، أن يتم بناء 23 مدرسة في أماكن نائية أو بناء 23 مستوصفا أو 23 عمارة لإسكان سكان دور الصفيح، لكن للمغرب أشياؤه التي لا يفهمها أحد. وفي كل الأحوال، فإن الحسن الثاني قال في أحد حواراته إن «كل الذين علمناهم صاروا إما يساريين أو إسلاميين معارضين»، لذلك لم تكن للمدارس أولوية. ما لم يقله بوطالب هو هل استعمل الوزراء الجزائريون تلك السيارات، أم أنهم فككوها بحثا عن ميكروفونات خفية ربما يعتقدون أن الملك زرعها لهم في تلك المرسيديسات الفارهة، في وقت كان الجزائريون يعتقدون فيه أن المغرب يفعل كل ما يستطيع لإطاحة نظامهم الثوري، وكان المغاربة يتوجسون كل يوم خيفة من محاولات الجزائر قصم ظهر النظام الملكي. اليوم، وبعد أن أصبح ثمن سعر البترول 127 دولارا، فإن الجزائر تتنغنغ في عز النفط، ورئيس البلاد يشتري طائرة خاصة بأكثر من 250 مليار سنتيم. ربما يتذكر بوتفليقة هدية الحسن الثاني سنة 1963، ويقرر في أيام النفط المجيدة، أن يهدي المغرب 40 طائرة خاصة، ويأخذ كل وزير مغربي طائرة، مادام أن ثمن سيارة مرسيدس سنوات الستينات لم يكن هيّنا. يمكن للهدايا المتبادلة أن يكون لها دور أكبر في تحريك اتحاد المغرب العربي الموجود في غرفة الإنعاش منذ سنوات. سيارة من عندي وطائرة من عندك... ويجيب الله التّيسير. في الماضي كان الأشقاء في الجزائر يعيبون على المغرب خضوعه لملكية مطلقة، وكان الإعلام الجزائري يركز كثيرا على البذخ الملكي المفرط في المغرب، وكانت بعض برامجهم الدعائية المناوئة للمغرب تبدأ بالآية القرآنية: «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون». لكن الأوضاع اليوم تتشابه، والرؤساء بدورهم إذا دخلوا قرية أفسدوها، وأبناء الرؤساء بدورهم يستعدون لدخول القرى وإفسادها. المفارقة اليوم تبدو مضحكة. الجزائر الثورية والغنية التي تلقت 23 سيارة مرسيدس هدية من بلد فقير، يشتري رئيسها اليوم طائرة رئاسية بلغ ثمن التحسينات الداخلية فقط التي أدخلت عليها حوالي مائة مليار سنتيم. والملك محمد السادس يشاهد في الشوارع العامة يقود سيارته بنفسه من دون حراسة أمنية، بينما الرئيس الجزائري يتحرك كل يوم بحراسة أمنية مشددة ويحيط به حزام أمني من عشرات السيارات، إضافة إلى دراجات نارية. الجزائر الشعبية الديمقراطية يشتري رئيسها اليوم طائرة خاصة بمبلغ خرافي، ويطمح إلى تعديل الدستور لكي يستمر رئيسا لولاية ثالثة. هذه دلائل تشير إلى أنه لن يكون هناك فارق كبير بين المملكة المغربية والمملكة الجزائرية، عفوا الجمهورية الجزائرية. ولو قيض لبوتفليقة أن يكون له ولد لأدخله سباق السلطة مثلما فعل القذافي، ومثلما فعل قبله حسني مبارك، ومثلما فعل من قبل الراحل حافظ الأسد، ومثلما سيفعل زعيم اليمن. الملكيات والجمهوريات مسألة نسبية، والفرق بين الجمهورية والملكية هو أن الأولى تبقى جمهورية إذا لم يكن لرئيسها ولد يورثه الحكم، وتتحول إلى ملكية في حالة العكس. الزعماء العرب من ملوك ورؤساء، يعتقدون جازمين أنهم يحملون رسالة إلهية إلى البشر، وأن الله أرسلهم إلى شعوبهم لكي يخرجوها من الظلمات إلى النور، تماما كما فعل الرسل والأنبياء، وهذه المهمة تقتضي أن يتمتعوا بأقصى شروط الراحة والرفاهية حتى يؤدوا رسالتهم على أكمل وجه. وعندما تكون طائرة رئاسية تساوي 250 مليارا فوق السحاب، فإن تحتها على الأرض توجد الآلاف أو الملايين من حكايات البؤس وشعوب تعيش على هامش الحياة.