"البام" يستعد لإطلاق مبادرة حول الأمازيغية ويكذّب "شائعات" تغيير القيادة    إيداع رئيس جماعة بني ملال السابق سجن "عكاشة" رفقة مقاول ومهندس    رواق "الاتصالات العاجلة".. ابتكارات تقنية في خدمة التدخل الأمني الفوري (صور)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    نهاية احتكار مركز النقديات.. فتح سوق الأداء الإلكتروني أمام المنافسة بالمغرب    السفير المغربي ينجو من إطلاق نار إسرائيلي في جنين    النزاع الإسرائيلي الفلسطيني: المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى الخليج يشيد بدور المغرب في تعزيز حل الدولتين    الرجاء يعلن عن لقاء تواصلي مع المنخرطين بخصوص الشركة الرياضية للنادي    وزارة التربية الوطنية تُكوِّن أطرها لتدريس "الهيب هوب" و"البريكينغ" في المدارس    أبرشان: آلاف المواطنين محرومون من الماء والكهرباء.. وحان وقت معالجة إرث البناء العشوائي (فيديو)    تتويج المواهب الشابة في الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم المغربي القصير بالجوال    الغابون تختار ملاعب المغرب استعدادا لكأس إفريقيا والمونديال    ولد الرشيد: التعاون الإفريقي أولوية    المنصوري تطلق مشاريع بجهة درعة    حكيمي والعيناوي في التشكيلة المثالية للدوري الفرنسي    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    باحثون بريطانيون يطورون تقنية جديدة تسرع تشخيص أورام الدماغ    بوريطة من الرباط: كفى من المتاجرة بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين خيار واقعي ومسؤول    أخنوش أمام مجلس المستشارين    رونالدو والوداد: كيف أوقعت "ماركا" الاسبانية مواقع إخبارية في فخ "الكليك بايت"؟    تسخير التكنولوجيا لمساعدة غير القادرين على ملء استمارة الإحصاء    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    الدرك الملكي بشفشاون يوقف متلبسا بحيازة الكوكايين في الدردارة    الحرس المدني الإسباني يطيح بعصابة متورطة في تهريب نفايات إلى المغرب    منيب: مشروع قانون المسطرة الجنائية يمثل تراجعا حقوقيا وانتهاكا للحريات وخرقا للمقتضيات الدستورية    طنجة تحتفي بالثقافات في أولى دورات مهرجان الضفاف الثلاث    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    حجيرة: أمريكا الوجهة الأولى لصادرات الصناعة التقليدية المغربية    بإذن من أمير المؤمنين.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الربيعية العادية بالرباط    المغرب يمنح أول ترخيص لشركة خاصة بخدمات الطاقة    الذهب يصعد إلى أعلى مستوى له خلال أسبوع مع تراجع الدولار    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    الوداد ينفصل عن المدرب الجنوب إفريقي موكوينا    طائرة خاصة تقل نهضة بركان إلى تنزانيا لملاقاة سيمبا في النهائي    "سي.إن.إن": معلومات أمريكية تشير إلى أن إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تجدد دعوتها لإحياء "سامير" وتحذر من خطر وطني بسبب تعطيل المصفاة    إنذار رسمي لأرباب المقاهي بالناظور.. الأرصفة يجب أن تفرغ قبل الخميس    الإماراتية ترسل مساعدات لقطاع غزة    ألمانيا تفكك خلية إرهابية متطرفة    واشنطن تُعيد رسم سياستها تجاه سوريا: دعم مشروط ولقاءات رفيعة المستوى تمهد لمرحلة جديدة    تعاون مغربي-أمريكي يجسد الجاهزية العسكرية خلال مناورات الأسد الإفريقي 2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    سطات.. "بزناسة" يطلقون الرصاص على الأمن    العثور على جثة امرأة في ثانوية والتحقيق يقود إلى اعتقال الزوج    الاتحاد العام لمقاولات المغرب يطلق علامة "المقاولة الصغرى والمتوسطة المسؤولة"    طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من المناطق    لقجع لنجوم منتخب الشباب: الجماهير المغربية كانت تنتظر أداءً أكثر إقناعًا واستقرارًا    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    بعد مشاركتها في معرض للصناعة التقليدية بإسبانيا.. مغربية ترفض العودة إلى المغرب    تلك الرائحة    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية العقلية في الإسلام..(22)
نشر في ميثاق الرابطة يوم 24 - 02 - 2016


إعمال الرأي والاجتهاد
إن من أهم وظائف العقل الناضج الاجتهاد في فهم حقائق الأمور، واستنتاج أحكامها ومعرفة أسبابها ومسبباتها، واستنباط النتائج من مقدماتها، وإبداء الآراء الوجيهة المبنية على حسن التدبر والتفكير والتعقل بما يصلح شؤون الفرد والجماعة في شتى مجالات الحياة، "فبالاجتهاد العقلي تزدهر العلوم وترقى المعارف، وتصنع الحضارة والتقدم، ولو قفل باب الاجتهاد وإبداء الآراء الصائبة، لتعطلت العقول وشل التفكير وجمدت الحياة وانقرض الطور، وفتح باب الاجتهاد وإعمال الرأي على مصراعيه أمام الناس أكفاء المؤهلين له جميعا، هو من أبرز مظاهر العناية بتنمية عقولهم واحترام فكرهم وصون حريتهم واختيارهم، وإقرار مسؤوليتهم في حمل أمانة الاستخلاف بحقها"[1].
والتربية البناءة هي التي تتيح للعقل فرص النمو والنضج والعطاء، "وتشجعه باستمرار على البوح بمكنوناته وخباياه والتعبير عما يعج به من أفكار وآراء قد يكون لها أكبر الفوائد البشرية، وإذا ما جانبه التوفيق فلا تقهره وتكبته وتقفل في وجهه باب الاجتهاد، وإنما توجهه برشد وعناية وصبر إلى ما يكفل له السداد والصواب[2].
ومن مزايا السنة النبوية عن غيرها من السنن والشرائع والنظم والفلسفات، أنها فتحت الباب على مصراعيه في وجه الاجتهاد العقلي، بل جعلت للمخطئ أجرا على اجتهاده، وذلك تشجيعا منها على مداومة الاجتهاد وإبداء الآراء، وإن كانت خاطئة، فالخطأ يقود إلى الصواب، ولم نجد سنة من السنن أو حتى نظرية من النظريات الحديثة تجزي المجتهد على خطئه، كالسنة النبوية، نعم قد تجازيه على إصابته، ولكنها لا تكافئه على الخطإ إن لم تعاقبه عليه.
إن إشراك المخطئ في الثواب مع المصيب وإن قل عنه، أمر تفردت به السنة النبوية عن سواها، وهو ما يقطع بسبقها الفريد لغيرها من السنن والشرائع والنظريات في إعلاء شأن الفكر وتمجيد العقل وتكريم الاجتهاد وإبداء الرأي. عن عمرو بن العاص أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"[3]. وفي هذا الحديث توجيه تربوي بناء للوالدين والمربين والمدرسين، إلى الحرص على إتاحة الفرص لأبنائهم وللمتعلمين، كي ينموا عقولهم وقدراتهم، وحث على التسامح والصبر على أخطائهم، ومراعاة تشجيعهم على معاودة العمل والسعي والنشاط والحركة، حتى يتمكنوا من بلوغ الصواب في تكوين الأحكام والآراء النيرة عن مختلف القضايا والاتجاهات الفكرية والاجتماعية وغيرها.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في بعض اجتهاداته وآرائه، فيما لا يتعلق بتبيين لوحي الله تعالى. فإنما في ذلك حكمة إلهية بالغة جعلها الله تعالى على يد رسوله عليه الصلاة والسلام، الذي يصدق عليه ما يصدق على البشر، حتى يكون قدوة تربوية مثلى يستهدي بها أتباعه جيلا بعد جيل في فتح باب الاجتهاد وإبداء الرأي للعقول بصفة دائمة حتى تنمو وتنضج وتزكو وتؤتي ثمارها اليانعة كل حين، ولا يقفل في وجهها الباب لكونها أخطأت بعض المرات، أو يخنق تفكيرها لكونها جانبت الصواب بعض الأحيان، ولكن توجد وترشد وتمكن دوما من التفاعل والنشاط والحركة والنضج والعطاء المستمر"[4].
وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يشجع الصحابة دوما على لاجتهاد وإبداء الرأي في مختلف المجالات، ويقبل اجتهاداتهم الرشيدة وآرائهم الصائبة، ومن ذلك قبوله صلى الله عليه وسلم، لاجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن الذي صدقه الله عز وجل في وحيه المنزل، وقبوله عليه الصلاة والسلام أيضا رأي عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، في استثناء الإذخر من التحريم، عندما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم عضد شجر مكة المكرمة، وذلك لحاجة الناس إلى الإذخر في بنائهم وقبورهم ووقودهم، ولا عجب في ذلك، "فإنما السنة النبوية الشريفة سنة عقلية في تعاليمها توجيهاتها وأساليبها، وفي دلائلها وحججها وبراهينها، ولذلك فقد تشربتها النفوس الخيرة بفطرتها واقتنعت بها العقول الصافية التي لم يحجبها ضلال الغي والكفر والجحود، وبقيت خالدة على مر الزمان منارة هداية وبؤرة إشعاع، وطوق نجاة للفرد والمجتمع من أمواج التحلل والتفسخ والفساد"[5]، لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المثال الرائع على الاجتهاد وإبداء الرأي واحترام العقل والتفكير، فما علينا سوى أن نستوعب أبعاده ونتمثل مراميه، ونستهدي به في مناهجنا التربوية والتعليمية في تنشئة أجيالنا الجديدة…
يتبع في العدد المقبل…
—————————–
1. المرجع السابق، ص: 523.
2. المرجع نفسه، ص: 523.
3. صحيح البخاري: الجزء التاسع، ص: 133.
4. د. عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، ص: 165.
5. عبد الحميد الصيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص: 530.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.